قرب إعلان فشل الاتفاق النووي الإيراني
عندما تم التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني عام ألفين وخمسة عشر رأى العالم أن صفحة جديدة من العلاقات بينه وبين إيران قد بدأت بعد سنوات من الشد والجذب والتحدي. لكن الانسحاب من الاتفاق من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتجميد العمل به أعاد الأمور إلى نقطة الصفر.
طوال مفاوضات امتدت على مدار اثني عشر شهرا ظل الاتفاق بين تفاؤل وتشاؤم وعرضة للكثير من التوقعات والاحتمالات. في أوائل الشهر الحالي أعرب وزير الخارجية الإيراني عن تفاؤله بالانتهاء من التفاوض قائلا أن الكرة أصبحت في ملعب واشنطن. وتبين أن هذه العبارة معناها أن إيران وضعت ما لديها من شروط وتنتظر من واشنطن القبول.
لكن الشروط الإيرانية كانت غير منطقية وأدت إلى دخول الاتفاق غرفة الإنعاش بانتظار معجزة. فلا أحد يمكنه الآن تقدير ما يمكن أن ينتج عن ذلك مع أن التشاؤم بات يغلب على الجميع.
نقطة الخلاف الرئيسية والأساسية الأكثر خطورة هي الحرس الثوري الإيراني الذي صنفته الولايات المتحدة كمنظمة إرهابيه وتريد إيران رفع هذا التصنيف عن الحرس إلى جانب مطلب آخر أكثر غرابة يتمثل في الطلب من الإدارة الأمريكية الزام الإدارات المستقبلية بعدم الخروج من الاتفاق.
تبدو قضية رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب قضية سياسية بغرض المعاندة وليست قضية حقيقية. فالحرس الثوري لا يزال يعمل كالمعتاد في دعم الحركات الإرهابية والتدخل في المنطقة. أما بالنسبة للمطلب الثاني فإن طهران تدرك استحالة تلبيته. لو كان النظام الإيراني يتمتع بالذكاء السياسي الكافي لتخلى عن هذين المطلبين بدلا من الإصرار عن التعنت والعناد.
إصرار إيران على شروطها خلق تشددا قويا في الأوساط السياسية الأمريكية التي أعلنت أنها ترفض رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب بعد أن كاد الرئيس جو بايدن يتخذ قرارا لإرضاء إيران بخصوص هذا الأمر. ومع أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت تميل إلى هذا الاتجاه عندما رأت أن ثمن الوصول إلى إنجاز الاتفاق النووي هو رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب. لكن الوزارة لا تستطيع مخالفة السياسة العامة التي يقررها البيت الأبيض أو الكونغرس ومن هنا عادت إلى التشدد في الرفض بعد موقف الكونغرس الذي هدد بعدم تمرير الاتفاق إذا تمت تلبية هذا الشرط الإيراني مع أنه ربما كان المخرج الوحيد لإنقاذ الاتفاق.
تلجا إيران إلى اتهام الولايات المتحدة بالمماطلة ووصف ردودها بأنها لا تلبي الحد الأدنى من مطالب إيران وفق ما تقول الخارجية الإيرانية. وهذا الاتهام من قبل إيران لا يقدم ولا يؤخر بل يوصف بأنه محاولة للتغطية على فشل الوفد الإيراني الذي شكله الرئيس إبراهيم رئيسي للتفاوض مع الدول الغربية حول الاتفاق. فقد انتشرت في العاصمة الإيرانية اتهامات تناولت رئيس الوفد التفاوضي وتشير إليه بأنه أفسد كل الجهود السابقة لإحياء الاتفاق. وهذا ليس غريبا على رئيس الوفد المعروف عنه معارضته السابقة للاتفاق ولذلك فرئاسته للوفد المفاوض أوصلت الأمر إلى هذا الحال.
واذا كانت إيران جادة بصورة حقيقية في الوصول إلى اتفاق فإن عليها تغيير الوفد المفاوض وبالدرجة الأولى رئيس الوفد. فلا يمكن لإيران أن تفرض أجندتها على المفاوضات وتطالب بشروط تعرف سلفا أن واشنطن لن تقبل بها. ولذا كانت مفاوضات الأسبوع الأخير قبل توقفها لا تتعلق بالاتفاق النووي بل على الأكثر تناولت قضايا خارج الاتفاق وتم خلالها تبادل مطالب وصفت بأنها غريبة. وهذا في رأي واشنطن هو أحد أسباب تعثر المفاوضات النووية.
ومن هنا تطالب إيران بأن ينتج عن الاتفاق ليس فقط رفع العقوبات المتعلقة بالمسألة النووية بل أيضا رفع العقوبات غير المتعلقة بها بينما ترى واشنطن أن هذا الأمر بحاجة إلى مفاوضات ثنائية في وقت آخر. فالولايات المتحدة ترى أن الاستجابة لهذا المطلب الإيراني يستدعي استجابة إيران لمخاوف الولايات المتحدة خارج الاتفاق النووي والمقصود هنا الصواريخ بعيدة المدى والتدخلات الإيرانية في دول الجوار.
الإعلام الإيراني بات الآن متشائما للغاية ويتداول فرضية انهيار المفاوضات ويخشى المعلقون الإيرانيون أن الاتفاق بات في مهب الريح ويتساءلون هل تم تسليمه إلى القضاء والقدر؟ فهل سعى النظام الإيراني متعمدا إلى هذه النتيجة؟ فقد استغل النظام فترة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق لزيادة تخصيب اليورانيوم مخالفا التزاماته بحسب الاتفاق. قد لا يكون انهيار الاتفاق مفاجئا للكثيرين الذين تابعوا تفاصيل المواقف الإيرانية منذ بدء التفاوض قبل سنة إذ كانت محاولات إيران التلاعب والمماطلة والتعنت والمراوغة ظاهرة لهم وبشكل خاص من خلال ترويج صحف النظام بأن الاتفاق بات جاهزا ولم يبق سوى بعض المسائل الهامشية.
لكن العالم بالفعل يريد إحياء الاتفاق لأنه يرى فيه محاولة يلجم بها طموحات إيران النووية إلى أن يجد طريقة أكثر نجاعة في التعامل مع تلك الطموحات. إلا أن المتشائمين يعتقدون أن إيران بدون الاتفاق ربما تكون قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال فترة قصيرة وفي هذه الحالة من يضمن انضباط النظام الإيراني بعد أن يملك هذا السلاح؟
بالتزامن مع هذه التطورات هناك الآن بعض المؤشرات على شعور إيراني بانتهاء المفاوضات إلى الفشل وهذا يثير مخاوفها من ضربة عسكرية إسرائيلية بعد التهديدات التي اطلقها المسؤولون الإسرائيليون. ولاستباق الأحداث هددت إيران بضرب العمق الإسرائيلي في حال تعرض إيران لأي عمل عسكري. كذلك يثير التزامن بين توقف المفاوضات النووية واندلاع أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة شكوكا بأن إيران مثلما هي عادتها في تحويل الأنظار عن أزماتها تقوم بالتحريض في محالة لإشغال إسرائيل والرد على تهديداتها.
تخسر إيران كثيرا في عنادها المؤدي إلى انهيار المفاوضات وكذلك في ردود فعلها غير المدروسة وليس أمامها سوى التخلي عن شروطها ومطالبها لإنقاذ اقتصادها ومساعدة شعبها وفيما عدا ذلك سيظل الاتفاق في غرفة الإنعاش إلى أن يصل إلى نهايته المحتومة.