بشار الأسد في طهران.. ما دلالات الزيارة؟
لا يعرف عن الرئيس السوري بشار الأسد ولا عن أبيه حافظ الأسد من قبله كثرة الزيارات الخارجية لذلك فكل زيارة يقوم بها يمكن اعتبارها زيارة نادرة. أما زيارته الأخيرة إلى طهران وهي السادسة منذ توليه السلطة والثانية منذ فبراير 2019 فقد تكون الأكثر أهمية بسبب توقيتها إذ تأتي في ظروف دولية وإقليمية بالغة الدقة والخطورة.
الأراضي الفلسطينية تعيش حالة من التوتر، لبنان يستعد لانتخابات حاسمة، المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب في حالة جمود قد يصل إلى الفشل، روسيا الحليف القوي لسوريا مشغولة في حرب أوكرانيا وإيران نفسها تعاني اشد المعاناة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية لكن الظرف الأكثر خطورة وأهمية هو تواصل الضربات الإسرائيلية التي تستهدف المواقع الإيرانية في الأراضي السورية. في هذه الظروف تأتي زيارة الأسد على شكل زيارة خاطفة التقى فيها المرشد والرئيس وبعض المسؤولين الآخرين.
من غير المستغرب والعلاقات بين إيران وسوريا كما يعلمها الجميع أن يكون قد تم استدعاء الرئيس بشار الأسد إلى طهران للتشاور وللاستيضاح منه عن بعض المسائل أو ربما لمعاتبته أو حتى مساءلته.
وكان ملفتا بحسب بعض المصادر الإعلامية أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال إسماعيل قاآني الذي شارك في كل الاجتماعات رافق الأسد من دمشق إلى طهران ثم من طهران إلى دمشق.
وهذه المصادر وكذلك مصادر رسمية سورية شارت إلى اجتماعات مغلقة بين الأسد والمرشد وبين بشار الأسد والرئيس الإيراني تناولت مسائل لم يتحدث عنها الإعلام.
وبعيدا عن البيانات البروتوكولية والنصوص التي تنشرها وسائل الإعلام الرسمية دائما توجد منطقة مستترة من المحادثات لا يتطرق إليها الإعلام ولا البيان الرسمي ولا يتحدث عنها المعنيون أيضا. فإلى جانب المديح الذي أسبغه كل طرف على الطرف الآخر فيما يخص العلاقات الثنائية فإن القراءة ما بين السطور تكشف عن بعض التفاصيل التي يمكن استنتاجها.
فقد وصف الخامنئي سوريا بأنها أصبحت قوة مهمة في المنطقة بعد الانتصار على الإرهاب وتحظى بالاحترام والتقدير من قبل بقية دول العالم. كان هذا هو المدخل للحديث لكن عندما يقول الخامنئي للرئيس الأسد “أن العلاقات بين البلدين حيوية ومصيرية ويجب أن لا ندعها تضعف بل يجب تعزيزها” فهذه عبارة تنم عن عتاب مبطن وكأن سوريا عملت على إضعاف هذه العلاقات من خلال فتحها صفحة جديدة من العلاقات مع بعض الدول العربية.
لا شك أن إيران لم يعجبها جهود بعض الدول العربية لاستعادة سوريا إلى الصف العربي الذي تمثل في عودة سفراء بعض دول مجلس التعاون الخليجي وفي الزيارات التي قام بها مسؤولون خليجيون إلى دمشق وتوجت بزيارة الرئيس بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر مارس الماضي.
ولا بد أن الرئيس بشار الأسد فهم الرسالة على الفور ولا بد أنه طمأن المرشد بأن تحسين علاقات سوريا مع دول الخليج لن يضر بالعلاقات مع طهران. ومن هنا جاء في حديثه للمرشد أن دمشق مستعدة للمزيد من التعاون الاقتصادي والتنسيق الأمني الأوسع مع إيران في كل المجالات. ومن هنا كذلك يأتي تصريح وزير الخارجية الإيراني بأن زيارة الأسد فتحت المجال لمرحلة استراتيجية جديدة بين البلدين.
أما الرئيس الإيراني الذي التقى به بشار الأسد أيضا فقد تحدث بما يشبه العتاب عندما أشار إلى الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المواقع الإيرانية في سوريا “وضرورة أخذها بالحسبان وتقوية معادلة الردع”.
هذه العبار في حديث الرئيس الإيراني لا يمكن أن تكون عبارة بدون قصد. فالضربات الإسرائيلية تكررت بالفعل وفي الأسبوع الماضي وقع هجومان على مراكز عسكرية إيرانية في منطقة الحسكة.
فهذه العبارة يمكن فهمها على أنها مطالبة للرئيس السوري بشار الأسد بالرد على تلك الضربات بفعالية أو على الأقل التصدي لها وإفشالها. وبالطبع لم يفت الأسد القول أن العلاقات القوية مع إيران تشكل سدا في وجه النفوذ الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
في الفترة الأخيرة زادت إسرائيل من وتيرة قصفها لما تقول أنه أهداف إيرانية في سوريا وبعد كل غارة إسرائيلية كانت دمشق ترد ببيان تكتفي منه بالإعلان عن احتفاظها بحق الرد في الوقت المناسب. وبالرغم من وجود اتفاقية تعاون استراتيجي بين إيران وسوريا تتعلق بالتنسيق الأمني والعسكري والتقني موقعة بين البلدين في شهر يوليو من عام ألفين وعشرين إلا أن المحادثات الأخيرة خلال زيارة الرئيس بشار الأسد لم تشر إليها على الأقل في البيانات الرسمية التي تحدثت عن الزيارة.
منذ إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران تميزت علاقاتها مع سوريا بطابع خاص وكانت الحليف الأقرب إلى دمشق التي دعمتها خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات. وعندما وقعت الحرب الأهلية في سوريا كانت إيران الداعم الأكبر للنظام وتدخلت بقوة سواء بصورة مباشرة بالدعم العسكري الذي وصل إلى مليارات الدولارات أو بصورة غير مباشرة عبر حزب الله وآلاف المسلحين الذين استقدمتهم إيران من بعض البلدان وهذا ما ساعد النظام في الصمود والبقاء.
وطوال الحرب الأهلية في سوريا كانت إيران العامل الخارجي المؤثر والمهيمن بقوة على القرار السوري. ولم تتوقف المساعدات العسكرية الإيرانية ليس فقط بهدف مساعدة النظام على الصمود بل أيضا لإحراز موطىء إيراني قدم على ساحل المتوسط سيكون من الصعوبة بمكان إزالته في المستقبل.
تحاول إيران على الدوام إبقاء سوريا دائرة في فلكها واي تقارب بين دمشق ومحيطها العربي ستفسره طهران على أنه محاولة لجر سوريا بعيدا عنها ومن هنا كانت هذه الزيارة التي لا بد أن تظهر نتائجها بوضوح في المدى القريب.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن