الانتخابات اللبنانية وبداية المعركة
أن تحصل قوى التغيير الشبابي والمجتمع المدني في الانتخابات اللبنانية على 15 مقعدا في ظل إقبال ضعيف على الاقتراع فهذا يعتبر نسبيا إنجازا كبيرا يؤثر على كثير من الاحتمالات المستقبلية المهمة التي قد تؤدي إلى تحييد النخب التقليدية. فهذه القوى ضاقت ذرعا بالسياسيين التقليديين المرتبطين بأجندات جامدة تسعى لمصالحها. ونجاح هؤلاء يعني نجاح ثورتهم على تحالف الفساد والمال المحمي بالسلاح.
كذلك ربما لم تكن نتائج الانتخابات صادمة لحزب الله لكنها بالتأكيد لم تكن النتيجة التي سعى إليها. فلم يعد يستطيع عبر كتلته السيطرة على البرلمان مثلما كان الأمر بعد الانتخابات الماضية. وقد خسرت وخرجت في هذه الانتخابات شخصيات كبيرة ووازنة كانت محسوبة على الحزب.
ومثلما أن كتلة الحزب لا تملك أغلبية مهيمنة في المجلس كذلك الأحزاب والكتل الأخرى لا أحد منها يملك مثل تلك الأغلبية. وهذا معناه أنه لا يمكن لاي جهة أن تفرض ما تريد من خلال التصويت لكن الكتل الكبيرة يمكنها أن تعطل النصاب وبالتالي تعطل الجلسات ويعود لبنان إلى الأحوال التي سادت ما بين ألفين وتسعة إلى ألفين وثمانية عشر وهذا أمر لا يريده اللبنانيون ولا يخدم مصالح البلاد.
في خطابه بعد إعلان النتائج بدت لغة الأمين العام لحزب الله تصالحية نسبيا، هادئة وواضحة لكنها حازمة. طالب بالهدوء لأن لبنان بحاجة إلى ذلك لكي يستطيع العمل زمواجهة مشكلاته والخروج من أزماته.
بحسب النتائج الرسمية يستطيع حزب الله أن يشكل كتلة تضم نوابه ونواب حركة أمل ونواب التيار الوطني ونائبين من المردة حيث يمكن لهذه الكتلة أن تكون قريبة من توجهات الحزب لكنها لن تضم أكثر من نصف أعضاء المجلس. هدوء نصرالله واطمئنانه في خطابه يوحي بأنه مطمئن لانضمام عدد من المستقلين إلى كتلته وهذا ممكن وله سوابق في كل برلمانات العالم حيث يعاود بعض المستقلين الانضمام إلى كتل كبيرة مقابل أثمان سياسية يحصلون عليها.
في جميع الأحوال لا تستطيع كتلة بمفردها أن تسيطر على مجلس النواب ولا تستطيع كتلة بمفردها توجيه المجلس ولا يمكن لحزب بمفرده جمع تحالف يصل إلى نصف عدد أعضاء المجلس فالكتل تحتاج إلى التحالف مع غيرها وربما تلجأ إلى ائتلاف مع بعض خصومها السابقين إذا ما التقت على أهداف تحقق مصلحة لكل منها.
التحدي الأساسي الآن في لبنان هو سلاح حزب الله. هل سيتمسك خصوم الحزب الذين طالبوا في حملاتهم الانتخابية بنزع سلاحه بمطلبهم عندما يكونون تحت القبة؟ بالنسبة للحزب سلاحه أمر لا يناقش ولا يبدو مستعدا لمناقشته في المستقبل. كل المطالبات السابقة التي تحدث عنها نواب سابقون ذهبت أدراج الرياح. وهذه المرة ستكون النتيجة مشابهة تماما. بالطبع لا أحد يستطيع نزع سلاح الحزب بدون أن يكون ثمن ذلك الكثير من الدماء وربما التقسيم الفعلي للدولة اللبنانية أو ربما انهيارها.
في خطابه الأخير اتهم الأمين العام لحزب الله خصومه باستخدام المال السياسي بكثافة لشراء الأصوات وانتقد الذين يعارضون سلاحه الذي اعتبره محور استقرار سياسي في لبنان. ونوه إلى أن البديل هو الحراك والفوضى والإقصاء. هذه التلميحات تثير الخشية من انتقال الصراع من مستواه السياسي البرلماني إلى صراع في الشارع وتحوله إلى مواجهات قد يستخدم فيها السلاح وهذا قد يجر تدخلات خارجية ويعيد لبنان إلى مستنقع اقرب إلى الحرب الأهلية.
الصحافة اللبنانية اعتبرت النتائج صفعة تلقاها حزب الله واعتبرت أن البرلمان اللبناني لم يعد برلمان قاسم سليماني. فهذه النتائج اعتبرتها قيادات لبنانية رسالةً واضحة إلى إيران وقد تكون بداية ابتعاد لبنان عن التأثير الإيراني وخروج لبنان من فلك تيار يسعى للتماهي مع السياسة الإيرانية وفتح الساحة اللبنانية لها. ووجود معارضين لحزب الله في البرلمان سيدعم بالتأكيد معارضي الحزب خارج البرلمان وسيفتح الباب واسعا للتضامن العربي مع لبنان وعودة العرب إليه ودعمه لأجل معالجة أزماته ومشكلاته. وهنا قد يدخل لبنان مرحلة جديدة من الاستقطابات الحزبية والطائفية التي قد تصبح مثل كرة الثلج وتكون تأثيراتها عميقة وبعيدة المدى.
لبنان الآن وعبر مجلس نوابه الجديد يستعد لثلاث معارك سياسية كبرى أولها اختيار رئيس للمجلس وهذا الرئيس بحسب الدستور يجب أن يكون من الشيعة والمرشح الدائم هو نبيه بري زعيم حركة أمل. والمعركة الثانية هي اختيار رئيس للوزراء ويجب أن يكون من السنة. والمعركة الثالثة التي يجب أن تنتهي قبل الحادي والثلاثين من أكتوبر المقبل هي معركة انتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون مارونيا وفق الدستور.
نتائج كل معركة من هذه المعارك الثلاث مرتبطة بالأخرى. سيكون هناك تفاهمات وتسويات وتوافقات وتدخلات خارجية. وكل فريق يمكنه أن يضع فيتو على خيارات الفريق الآخر أو على الأقل يعطل تلك الخيارات أو يؤخرها. وكل فريق سيرهن موافقته على خيارات الفريق الآخر بحصوله على موافقات لخياره هو.
تستطيع أي كتله مثلا أن تعيق اختيار رئيس وزراء يوافق عليه الفرقاء الآخرون إذا لم تضمن موافقة هؤلاء على خيارها لرئيس الجمهورية. وتستطيع كتلة أخرى أن تعيق إعادة انتخاب نبيه بري مثلا إذا لم توافق الكتلة التي تؤيده على خيار الكتلة الأولى في اختيار رئيس للوزراء على هواها.
قد تشهد الرئاسات الثلاث تحولات جذرية إذا عزف الرئيس نبيه بري عن الترشح لرئاسة البرلمان والإتيان بشخصية أخرى من حركة أمل أو حزب الله لرئاسة المجلس وبعدها قد يتم التوافق على نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة وهو قد أبدى استعداده لذلك إذا ما قرر البرلمان اختياره. أما رئاسة الجمهورية فستكون معركة قاسية بين جبران باسيل الذي سيرشحه حزب الله والتيار الوطني الحر وبين سمير جعجع الذي سيرشحه حزب القوات اللبنانية وبعض حلفائه من السنة. ولذلك لا تبدو فرص أي من الاثنين واضحة أو مضمونة للوصول إلى قصر بعبدا. وقد يكون الخيار إما سليمان فرنجية حفيد الرئيس الأسبق سليمان فرنجية المعروف تاريخيا بارتباط عائلته سياسيا بالسياسة السورية وقد يكون خيارا مقبولا من حزب الله لكن القوات اللبنانية قد تفضل عليه في حال عدم وجود فرصة لزعيمها أن يكون المرشح كميل شمعون حفيد الرئيس الأسبق كميل شمعون الذي كان رئيسا خلال الحرب الأهلية الأولى.
ومع ذلك فهذه الاحتمالات قد لا تتحقق وتفرز الوقائع احتمالات أخرى قد تكون أكثر سهولة وقد لا تكون كذلك. لكن الأمر الأكثر أهمية هو ضرورة اختيار رئيس للوزراء يتم التوافق عليه قبل أن يشغر منصب رئيس الجمهورية لأنه في هذه الحالة قد يغرق لبنان في مستنقع الفراغ الرئاسي وقد يطول هذه المرة.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن