العراق.. يواصل الصدر تحريك الشارع إلى أن يسقط ترشيح السوداني وتعاد الانتخابات البرلمانية
أعاد مشهد اقتحام البرلمان العراقي من قبل انصار الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر صور انصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذين اقتحموا الكونغرس الأمريكي في يناير 2021. وقد جاء هذا المشهد في خضم شلل سياسي وتعطيل للحياة البرلمانية يعاني منه العراق منذ انتخابات أكتوبر الماضي.
اقتحام البرلمان كان خطوة احتجاجية تصعيدية لكن فيها الكثير من الرمزية المقصودة للتعبير عن رفض أي حكومة تربط نفسها بالنفوذ الإيراني. لقد فاز التيار الصدري في انتخابات أكتوبر الماضي بثلاثة وسبعين مقعدا وكان يفترض أن يعمل على تشكيل الحكومة لكنه لم يتمكن من ذلك. وعندما انتقل الخيار إلى ائتلاف الاطار التنسيقي الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي المعروف بارتباطه مع إيران بدأت الاحتجاجات ضده. وقال الصدر أن هذا الاقتحام أدى الرسالة وحقق الهدف بما أسماه (جرة أذن) مؤكدا أن الرسالة وصلت المعنيين. لكن أنصاره عادوا بعد أيام لاقتحام البرلمان من جديد والمرابطة فيه.
العنوان الواضح لاحتجاج انصار التيار الصدري هو رفض التدخلات الإيرانية في العراق
لم يكن غريبا أن هذا الاحتجاج تزامن مع زيارة قام بها إلى العاصمة العراقية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وكانت أبرز شعارات المحتجين المطالبة بخروج إيران من العراق. أما المطلب الثاني فكان الدعوة لانتخابات جديدة مبكرة.
تظاهرة القوة التي نفذها انصار الصدر واقتحامهم البرلمان قصد به بصورة مباشرة رفض اقتراح الاطار التنسيقي الذي يقوده المالكي تكليف الوزير محمد السوداني بتشكيل حكومة جديدة. إذ يعتبر التيار الصدري أن السوداني مرتبط بإيران وان حكومته في حال تشكيلها ستكون كذلك. لكن ما هو اهم في هذا الاحتجاج هو ظهور قدرة الصدر على تحريك الشارع وحشد الأنصار وتوجيههم.
الأسلوب الذي اتبعه الصدر في الاحتجاج قد لا يحل المشكلة جذريا لكنه بالتأكيد سيكسبه الشعبية وقد يكسبه أيضا دعما عربيا إذا ما استمر في توجهاته الرافضة للهيمنة الإيرانية في العراق. فإخراج العراق من فلك الهيمنة الإيرانية هدف عربي أيضا لاستعادة العراق إلى الصف العربي.
معارضة مقتدى الصدر للهيمنة الإيرانية ليست جديدة وقد سبق له أن قام باحتجاج كبير على هذه الهيمنة عام ألفين وأربعة. وترى مراكز الدراسات الأجنبية المهتمة بالشؤون العراقية أن تيار مقتدى الصدر لا يمكن تجاوزه فهو يستمد شرعية جماهيرية وشرعية فكرية من والده محمد صادق الصدر الذي كان المرجع الأعلى للشيعة في العراق وكذلك كان جده من طبقة العلماء والمرجعيات التي لها وزنها في العراق.
بسبب العداء الشخصي المستحكم بين الصدر والمالكي فلن يقبل الصدر أي مرشح يكون قريبا من المالكي
إن قدرة الصدر على تحريك الشارع يعطيه ميزة على خصومه ومن هنا يتوقع أن يواصل الصدر تحريك الشارع إلى أن يسقط ترشيح السوداني وتعاد الانتخابات البرلمانية. فالعلاقات بين الرجلين وصلت إلى نقطة اللاعودة.
كان إعلان الصدر انسحابه واستقالة نواب تياره من البرلمان خطوة احتجاجية على تنامي نفوذ انصار إيران الذين بحسب اعتقاده أعاقوا تياره ومنعوه من تشكيل الحكومة. هذا الحال دفع ببعض السياسيين للقول أن احتجاج الصدر نابع من مواقف شخصية أكثر منها سياسية ووطنية. ولذا يمكن طرح سؤال موضوعي هنا: إلى أي مدى يستطيع مقتدى الصدر مواصلة مواقفه الاحتجاجية وماهي الحدود التي يمكن أن يصل إليها في اعتراضه على ائتلاف الاطار التنسيقي؟
يرى مقتدى الصدر نفسه معارضا للوجود الإيراني في العراق ويرى أن هذا الموقف سيجلب له الأنصار في الداخل والدعم العربي في الخارج لكنه قد تؤدي إلى مزيد من التأزم في المشهد السياسي واستمرار عدم القدرة على تشكيل الحكومة سواء برضى التيار الصدري أم بدونه.
لم تستطع كل الوساطات إقناع الصدر بتغيير موقفه ويقول أنصاره أنه فضل الخروج من الواجهة السياسية على أن يشارك في حكومة وصفها مسبقا بأنها فاشلة فهو يرى أن الاطار التنسيقي يضم شخصيات يحملها مسؤولية الفشل والفساد وعلى رأسها نوري المالكي. لكن الانسحاب ليس حلا فقد يؤدي الأمر إلى أن يفقد الصدر أدواته السياسية فوجوده في البرلمان يعطيه القدرة على التحدي بقوة ومواجهة خصومه في الساحة التي يحاربونه فيها.
لكن لماذا يعترض التيار الصدري على محمد السوداني مرشح الاطار لتشكيل الحكومة؟ السوداني سياسي ينتمي لحزب الدعوة وهو من أشد الموالين لزعيم الحزب نوري المالكي. لذلك لا يقبل مقتدى الصدر التعامل معه ولن يرضى عن وجوده على رأس الحكومة.
لكن ليس مقتدى الصدر أو تياره فقط هم من يرفضون الهيمنة الإيرانية في العراق. فهناك الكثير من العراقيين من غير تيار الصدر لا يحبون رؤية أي نفوذ إيراني في العراق وما زالوا يحملون مشاعر قوية ضد ايران. وقد نسب لوزير الدفاع العراقي الأسبق حازم الشعلان قوله أن إيران ما زالت العدو رقم واحد للعراق وانها تدعم الإرهاب وترسل بالأعداء إلى أراضي العراق.
منذ العام ألفين وثلاثة اخذ نفوذ إيران يتوسع في العراق نتيجة ضعف الحكم فساعدت حلفاءها المحلين للوصول إلى المناصب وحاولت عبر الحشد الشعبي السيطرة على الشارع وتصدير ثورتها إلى العراق وإقامة جمهورية إسلامية على صورة نظامها.
لا يثير النفوذ الإيراني في العراق حفيظة العراقيين فقط بل أنه يقلق الدول العربية المجاورة التي ترى في العراق عمقا استراتيجيا لها وان النفوذ الإيراني يضر الأمن القومي لهذه البلدان. ومن هنا دعت الدول العربي رئيس وزراء العراق للمشاركة في القمة مع الرئيس الأميركي في جدة وقبل ذلك شارك رئيس الوزراء العراقي في القمم التي عقدت مع قادة مصر والأردن للتنسيق والتكامل بين هذه الدول في محاولة لاستقطاب العراق بعيدا عن نفوذ إيران.
النفوذ الإيراني في العراق يقلق الدول العربية المجاورة التي ترى في العراق عمقا استراتيجيا لها وان النفوذ الإيراني يضر الأمن القومي لهذه البلدان
لن يرضى مقتدى اصدر إلا بتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة الطائفية. وقد تكون الانتخابات المبكرة أحد الحلول لكن ما دامت آلية تشكيل الحكومة بيد الأحزاب الشيعية فستعود المشكلة من جديد فاعتراض الصدر هو على آلية التشكيل أيضا وهو ما سيدفعه لإعادة أنصاره إلى الشارع وإفشال تشكيل أي حكومة جديدة ما لم يكن موافقا عليها.
بسبب سيطرة الأحزاب الشيعية تهمشت البدائل غير الطائفية بينما واصلت الأحزاب الطائفية نموها وتضخمها وهو ما سيكرس الطائفية ويهيء الظروف لصراع مجتمعي. وقد حاول الصدر المطالبة بإلغاء كوتا التشكيلات السياسية المقسمة بين السنة والشيعة والأكراد لكنه اخفق بسبب معارضة شديدة أبداها خصومه السياسيين خشية تأثر مصالحهم الشخصية والمالية. لكن بقاء تشكيل الحكومات العراقية محصورا بالقوى الشيعية سيضعف التلاحم الوطني وقد يؤدي إلى استقطابات غير مرغوبة تكون نتيجتها استمرار المحاصصة الطائفية وصولا إلى دسترة نظام حكم طائفي يكون من الصعوبة بمكان الخروج منه أو حتى تطويره.