ما أسباب تسارع دوران الأرض وهل يجب أن نقلق؟
- الأرض سجلت أقصر يوم على الإطلاق
- الأرض أكملت دورتها اليومية بزمن أقصر بـ1.59 مللي ثانية
- هل يجب أن نقلق.. وما أسباب هذا التسارع؟
بينما تشير الساعة الموجودة في هاتفك الشخصي إلى أن اليوم يحتوي على 24 ساعة بالتمام والكمال، إلا أن الوقت الفعلي الذي تستغرقه الكرة الأرضية لإكمال دورة واحدة يوميًا يختلف في الواقع بشكل طفيف، والسر يعود إلى تسارع دوران الأرض.
في 29 يونيو الماضي، كان سكان كوكبنا على موعد مع أقصر يوم يمر على الأرض على الإطلاق، وهو رقم قياسي لم يُسجّل منذ ستينيات القرن الماضي، حين بدأ العلماء يقيسون دوران الكوكب بساعات ذرية عالية الدقة.
حسابيًا، تحتوي الـ24 ساعة على 86400 ثانية، وهو الوقت اللازم كي تحمل الكرة الأرضية دورة واحدة كاملة على محورها يوميًا؛ إذ تدور الأرض بسرعة تقارب 1000 ميل في الساعة، أو 460 مترًا في الثانية، لكن في 29 يونيو الماضي أكملت الأرض دورة كاملة بزمن أقصر بـ1.59 مللي ثانية من المعتاد (المللي ثانية تساوي جزء من الألف من الثانية).
من وجهة نظر البعض قد لا يبدو 1.59 مللي ثانية وقتا كبيرا إذا ما طرحناه من 86400 ثانية، لكن في الواقع فإن تقليل الوقت المستغرق لإكمال دوران الأرض بمقدار 1.59 مللي ثانية يشير إلى أن الكوكب قد تسارع بالفعل ولو بنسبة ضئيلة جدًا.
الكرة الأرضية كادت أن تحطم هذا الرقم مرة أخرى أيضًا، حيث سجلت في 26 يوليو الماضي دورة حول نفسها في أقل من 24 ساعة بمقدار 1.50 مللي ثانية.
هذا الأمر ليس وليد العام الجاري، فقد لاحظوا العلماء أن سرعة الأرض تتزايد في الآونة الأخيرة؛ إذ شهد كوكنا في عام 2020، أقصر شهر تم قياسه على الإطلاق، منذ ستينيات القرن الماضي، وسُجل في ذلك العام الرقم القياسي السابق لأقصر يوم والذي بلغ 1.47 مللي ثانية أقل من 24 ساعة، وفي العام 2021، استمرت الأرض في الدوران بمعدل متزايد على الرغم من عدم تحطيم أرقام قياسية جديدة.
هل يجب أن نقلق.. وما التأثيرات؟
هنا يتساءل البعض، ماذا يعني ذلك بالضبط؟ وهل يجب أن نشعر بالقلق من هذا التسارع في دوران الكرة الأرضية، وما أسباب ذلك، وما تأثيرات الأمر علينا؟
ستيفن ميركويتز، العالم ومدير المشروع في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” يقول “إنه أمر طبيعي تمامًا.. لا يوجد شيء سحري أو مميز حول هذا. إنها ليست نقطة بيانات متطرفة بحيث يستيقظ جميع العلماء ويتساءلون بدهشة: ما الذي يحدث؟”
ورغم أن بضعة أجزاء من الثانية قد لاتبدوا وقتًا كبيرًا بالنسبة للبعض، لكن الأمر مختلف تمامًا بالنسبة للعلماء، لأن هذه الأجزاء من الثانية تتراكم بمرور الوقت وتشكل رقمًا كبيرًا، فقد كشفت دراسة سابقة قادها علماء الفلك في مرصد جرينتش الملكي في إنجلترا أن دوران الأرض قد تغير بنحو 6 ساعات في آخر 2740 سنة. ولمواكبة هذا التقلب وإعادة الأمور إلى نصابها، غالبًا ما يجد العلماء أنفسهم مضطرين إلى ضبط ساعاتهم الذرية.
“الثانية الكبيسة”
ويلجأ العلماء إلى ما يعرف بـ”الثانية الكبيسة”، وذلك لعلاج تراكم أجزاء المللي ثانية بمرور الوقت، حيث تتم إضافة ثانية كبيسة إلى الساعة بحيث يتطابق وقتنا مع زمن الأرض.
وقد تم تقديم هذا المفهوم لأول مرة في عام 1972 من قبل الهيئة الدولية لدوران الأرض والنظم المرجعية (IERS) وهي الهيئة المسؤولة عن الحفاظ على الزمن والإطار المرجعي وفق المعايير العالمية، لا سيما من خلال الإحداثيات العالمية للنظام الشمسي (ICRS)، ومنذ عام 1972 تمت إضافة 27 ثانية كبيسة إلى التوقيت الحالي.
كيف يؤثر ذلك على حياتنا؟
قد لا يلاحظ البعض أي تأثير لهذا الوقت الضئيل على حياتنا اليومية، لكن الحقيقة غير ذلك، فالبنية التحتية التكنولوجية، وما يصاحبها من تقنيات وصناعات وشركات وأعمال تعتمد على الوقت الدقيق بشكل لا يُصدّق.
يكفي أن نقول مثلا أن الدوران السريع للأرض يمكن أن يؤثر على العديد من التقنيات، بما في ذلك نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الذي يستخدم الساعات الذرية، لأن الدوران الأسرع يعني أن الأرض تحصل على نفس الموقع في وقت أبكر قليلاً من المعتاد، وللتبسيط، فإن نصف ميلي ثانية تسارعًا في دوران الأرض يساوي 10 بوصات أو 26 سم عند خط الاستواء، وهذا يجعل نظام الـ(GPS) لا يصبح دقيقًا على أرض الواقع وربما يكون عديم الفائدة، لذلك تتم إضافة الثانية الكبيسة لإحداث تطابق بين التوقيت العالمي وزمن الأرض.
التسارع إن لم تتم معالجته يؤثر أيضًا على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وأنظمة الاتصالات بشكل عام، والتي تتزامن خوادم بروتوكول وقت الشبكة (NTP)، وهو بروتوكول يقوم بتوزيع التوقيت العالمي المنسق عن طريق مزامنة ساعات الحواسب الآلية المرتبطة معا بشبكة واحدة.
كوكب متسارع.. ما الأسباب؟
خلال السنوات الأخيرة، فتح تسارع دوران الأرض بابًا واسعًا لكثير من التفسيرات والاجتهادات العلمية، لكشف غموض هذه الظاهرة.
لكن جذور هذا الأمر ربما تعود إلى الأزمنة الساحقة. ويُقّدر عمر الأرض بما يُقارب 4.54 مليار عام، وربما لا يعرف البعض أن اليوم على كوكب الأرض لم يكون 24 ساعة في الماضي، لكنه كان أقصر بكثير، حيث كشفت التقديرات أنه قبل بضعة مليارات من السنين، كان يوم الأرض يبلغ حوالي 19 ساعة فقط. وقبل 70 مليون عام من الآن، كان اليوم على الأرض حوالي 23 ساعة ونصف الساعة، وفق دراسة أجريت عام 2020.
وفي تفسيراتهم لذلك، يرى العلماء أن دوران الأرض كان متباطئًا على مدى ملايين السنين، بسبب تأثيرات الاحتكاك المرتبطة بالمد والجزر التي يقودها القمر، وتضيف هذه العملية حوالي 2.3 ميلي ثانية إلى طول كل يوم، ذلك كل قرن من الزمان.
وعن سبب دوران الأرض بسرعة في الآونة الأخيرة، تقول إحدى النظريات إن ذوبان الأنهار الجليدية بصورة متزايدة على الأرض نتيجة التغيرات المناخية والاحترار العالمي، يتسبب في جعل الأرض مستديرة أكثر؛ ما يساعد الكوكب على الدوران بشكل أسرع، وضربوا مثالاً على ذلك براقصة الباليه التي تدور بشكل أسرع عندما تكون ذراعيها لأسفل على جانبيها، وأبطأ عند رفعها، ولذلك فإن معدل دوران الأرض يزداد عندما تتحرك كتلة الوشاح هذه بالقرب من محور الأرض، وهذه العملية تقصر كل يوم بنحو 0.6 ميلي ثانية كل قرن.
واقترحت الأبحاث أنه مع ذوبان الأنهار الجليدية، نتيجة لارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي نتيجة احتراق الوقود الأحفوري، فإن إعادة توزيع الكتلة تجعل الأرض تدور بشكل أسرع على محورها، وهذا لأنه يؤدي إلى فقدان مئات المليارات من الأطنان من الجليد سنويا في المحيطات؛ ما يتسبب في تحرك القطبين الشمالي والجنوبي باتجاه الشرق منذ منتصف التسعينيات.
نظرية أخرى طرحها العلماء ربما تكون سببًا في حدوث تغيرات في دوران الأرض، وهي الزلازل. ووفق عالم الجيوفيزياء ريتشارد جروس في مختبر الدفع النفاث التابع لـ”ناسا” في كاليفورنيا، فإن زلزال وتسونامي توهوكو المدمر الذي ضرب سواحل شرق اليابان عام 2011 أدى إلى تسريع دوران الأرض بمقدار 1.8 ميكروثانية، وحرك محور الأرض بنحو 16.51 سنتمتر.
جروس يقول: “من خلال تغيير توزيع كتلة الأرض، كان من المفترض أن يتسبب الزلزال الياباني في دوران الأرض بشكل أسرع قليلاً، ما يؤدي إلى تقصير طول اليوم بنحو 1.8 ميكروثانية. هذا التحول في موضع محور الشكل سيؤدي إلى اهتزاز الأرض بشكل مختلف قليلاً أثناء دورانها، ولكنه لن يتسبب في حدوث تحول في محور الأرض في الفضاء، فقط القوى الخارجية مثل جاذبية الشمس والقمر ويمكن للكواكب أن تفعل ذلك.
تغير المناخ والنشاط الزلزالي ليس وحدهما من توجه إليهما أصابع الاتهام بتسريع دوران الأرض، بل اقترح العلماء ظاهرة أخرى هي حركة دورية تسمى “تذبذب تشاندلر”، وهو انحراف صغير لمحور دوران الأرض لمدة 430 يوماً تقريباً، تحدث خلاله تحركات صغيرة وغير منتظمة للأقطاب الجغرافية للأرض عبر سطح الكرة الأرضية.
وتم رصد التذبذب لأول مرة في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما لاحظ عالم الفلك سيث كارلو تشاندلر تذبذب القطبين على مدار 14 شهرًا.
وبدأ هذا التذبذب في التباطؤ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ووصل إلى أدنى مستوياته التاريخية منذ عام 2017، ويعتقد العلماء أن هذا التباطؤ قد يكون مرتبطًا بزيادة سرعة دوران الأرض، ما يؤدي إلى أيام أقصر.
وقد تتسبب عوامل أخرى في حدوث كالتغيرات في الطبقات الداخلية أو الخارجية للأرض أو المحيطات أو عمليات المد والجزر.
خلاصة القول، ربما لا نلحظ تسارع دوران الأرض بمقدار ضئيل، لكن اهتمام العلماء حتى بالأجزاء الضئيلة من الثانية، وتأثيراتها على حياتنا اليومية، وتدخلهم في ضبطها عبر “الثانية الكبيسة”، كي يتناغم التوقيت العالمي مع زمن الأرض، يعلمنا قيمة الوقت وأهميته وفائدته في حياتنا؛ فالجبال والتلال تشكلت في الحقيقة من ذرات رمال، و”معظم النار من مستصغر الشرر”.