هل يمكن للروبوتات أن تُغني عن الطبيب أثناء الجراحة؟
- تطوير طريقة مُبتكرة للتحكم في الروبوتات أثناء الجراحة
- الطريقة تمهد لإجراء جرحة عن بُعد دون الحاجة لتواجد الطبيب
أضحت الروبوتات ذراعًا قوية في يد الأطباء، تعينهم على إجراء العمليات الجراحية المُعقَّدة بمهارة فائقة، وتمنحهم القدرة على التحكُّم في أدقّ التفاصيل، ما يقلل من تأثيرات الجراحة على المرضى، مقارنة باستخدام التقنيات التقليدية.
على مدار العقود الماضية، تطور تواجد الروبوتات في غرفة العمليات بشكل مُذهل، وانتشر بقوة مصطلح الجراحات المجهرية أو “الدقيقة” بمساعدة الروبوت؛ ما مكَّن الأطباء من إجراء أنواع مختلفة من العمليات المُعقَّدة بكفاءة عالية، مثل الجراحات النسائية والمسالك البولية والبروستات، وعمليات القلب والقسطرة والشرايين وجراحات الدماغ، ناهيك عن جراحات السمنة والتجميل.
في العادة، يتحكّم الجرّاح بحركات الروبوت أثناء العمليات الجراحية من خلال كمبيوتر خاص، يمكّنه من إعطاء الأوامر للأذرع الخاصة بالروبوت، ويتضمن النظام الجراحي الروبوتي السريري الأكثر استخدامًا ذراعًا مزودة بكاميرا وأذرعًا آلية مزودة بأدوات جراحية.
الجراح يتحكم في أذرع الروبوت بينما يجلس أمام لوحة تحكم متصلة بجهاز كمبيوتر بالقرب من طاولة العمليات. وتوفر وحدة التحكم للجراح عرضًا مكبرًا ثلاثي الأبعاد وعالي الوضوح لموقع الجراحة، يجعله يرقب أدق التفاصيل، لأداء مهامه بسهولة.
ومنذ أيام، وفي إنجاز عالمي يفسح الطريق أمام مساهمات أكبر للروبوتات في هذا المجال، أعلن فريق طبي من مركز طب الجهاز العضلي الهيكلي بجامعة مونستر الألمانية، عن إجراء أول 5 عمليات جراحية مجهرية مدعومة بالكامل من الروبوت على البشر.
الإنجاز الجديد تمثل في استخدام طريقة تشغيل مُبتكرة للتحكم في الروبوتات أثناء الجراحة، يتم من خلالها ربط نوع جديد من روبوت العمليات، مصمم خصيصًا للجراحة المجهرية، يطلق عليه اسم (Symani)، بمجهر آلي، وهذا النهج يجعل من الممكن إخراج الجراح بالكامل من منطقة الجراحة، وإدارة العملية عن بُعد من خارج غرفة العمليات.
وفي حديث خاص لـ”أخبار الآن”، عن أهمية هذا الإنجاز، يشير ماكسيميليان كويكلهاوس، أستاذ مساعد الجراحة التجميلية والترميمية بقسم جراحة التجميل في مستشفى جامعة مونستر، وقائد فريق البحث، إلى أن هذا النهج يتيح الفصل الكامل للجراح العامل في مجال العمليات في حالات الجراحة المجهرية والجراحة فائقة الدقة. هذا الفصل مع جهاز التحكم عن بُعد يسمح بتحكم أفضل وبيئة عمل أفضل، ما يحسن الجودة الجراحية. لقد رصدنا بالفعل هذه الآثار الإيجابية في الدراسات قبل السريرية.
ويضيف أن هذه الطريقة الجديدة للعمليات تمكننا من العمل بدرجة أعلى بكثير من الرقة والدقة، مقارنة مع تقنيات التشغيل التقليدية. ونتيجة لذلك؛ يتم تدمير عدد أقل من الأنسجة خلال إجراء العمليات ويتعافى المرضى بشكل أسرع.
ويتابع “كويكلهاوس” في حديثه الخاص، أن هذا النهج يهدف إلى تحقيق المزيد من الدقة خلال إجراء العمليات، وتصغير وحدات الأنسجة القابلة للزرع، لتحقيق وظائف أفضل وتقليل حالات المراضة في الجراحة المجهرية الترميمية.
وسيستخدم المتخصصون هذه الطريقة، مع مرضى سرطان الثدي الذين يحتاجون إلى عمليات إعادة بناء معقدة للثدي، أو بعد الحوادث التي يحتاج فيها المرضى إلى زراعة الأنسجة.
وبمساعدة الروبوت والمجهر الآلي، يمكن للجراحين العمل على أفضل الهياكل التشريحية مثل الأوعية الدموية أو الأعصاب أو الأوعية اللمفاوية، والتي يبلغ قطرها 0.3 ملم فقط.
طريقة التحكم في الروبوت
ولكي نفهم طريقة التحكم الجديدة في الروبوت أثناء الجراحة، يمكن أن نتخيل كيفية أداء فن تحريك العرائس “الماريونيت”، إذ يقوم الشخص من خلف ستار بالتحكم في العرائس بيديه لتنفيذ حركات دقيقة. ومع الفارق، فإن طريقة تحكم الطبيب في حركات الروبوتات تكون أكثر دقة ومرونة، بفضل التقنيات الحديثة التي يتم من خلالها تنفيذ الحركات ونقلها من يد الجراح إلى الروبوت بسلالة. هذه التقنيات تجعل الطبيب لا يتحكم في الروبوت بيديه فقط، لكنه يمكن أن يصدر له الأوامر عبر إيماءات وحركات الرأس.
أثناء العملية، يقوم النظام الجراحي “Symani” بتبني حركات يد الطبيب الجراح عبر المجال الكهرومغناطيسي وعصا التحكم. وينفذ الروبوت حركات الجراح، التي تم تقليل حجمها حتى 20 مرة، عبر أدوات دقيقة، وبذلك يلغي تمامًا أي اهتزاز كما يحدث أحيانًا مع الأطباء البشر أثناء إجراء العمليات التقليدية.
ويتم توصيل مجهر آلي مع روبوت العملية، ويظهر هذا المجهر المنطقة التي يتم تشغيلها عبر سماعة ثلاثية الأبعاد بتقنية الواقع المعزز مع شاشتين عاليتي الدقة. تحتوي هذه السماعة على منظار يمكنه الجمع بين العالم الحقيقي والمعلومات الافتراضية.
وبهذه الطريقة، يمكن تسجيل حركات رأس الجراح ونقلها إلى الروبوت؛ ما يجعل حتى زوايا المشاهدة المعقدة ممكنة في المنطقة التي يجري العمل عليها، إضافة إلى ذلك، يمكن للجراح الوصول إلى مجموعة متنوعة من القوائم وأداء الوظائف مع الروبوت دون استخدام يديه.
جراحة عن بُعد.. بيئة عمل أفضل
تتمتع التكنولوجيا الجديدة أيضًا بميزة أن جراحي العمليات يمكنهم تبني وضعية مريحة، بدلا من إجراء العمليات في وضع شاق، والمكوث على مدى عدة ساعات في غرفة العمليات.
توبياس هيرش، رئيس قسم الجراحة التجميلية في جامعة مونستر يقول: “نظرًا لأننا نستطيع الآن إجراء عملية جراحية للمرضى عن بُعد، فلدينا بيئة عمل أفضل بكثير. وهذا بدوره يحمينا من التعب، وهذا يعني أنه يمكن الحفاظ على تركيزنا على مدى عدة ساعات.
ويضيف: “في الدراسات الأولية التي شملت تجربة الأنظمة، قبل استخدامها في العمليات، تمكنا بالفعل من تأكيد الآثار الإيجابية على جودة العمليات وعلى بيئة العمل. أثناء التدريب مع الطلاب والجراحين، كان الأطباء قادرون على إثبات أنه أثناء استخدام النظام الآلي، أظهر منحنى التعلم والتعامل مع الأدوات وبيئة العمل تحسنًا مقارنة بتقنيات التشغيل التقليدية”.
ولتجربة النظام بشكل أكبر، سيجرى الفريق في الأسابيع والأشهر المقبلة، مزيدًا من العمليات، وفي غضون ذلك، سيجمعون البيانات التي سيقيمونها في الدراسات العلمية.
وبناء على ذلك، ما هو مستقبل هذا النوع من الجراحات؟
يجيب “كويكلهاوس” في حديثه لنا، أن مستقبل الجراحة المجهرية الروبوتية يقدم إمكانات كبيرة لتطوير أساليب جراحية جديدة تمامًا. أيضًا، قد يتمكن الجراحون الخبراء من خدمة العديد من المستشفيات دون الحاجة إلى التواجد الجسدي، على سبيل المثال يمكن لجراح في مستشفى أن يجري جرحة عن بُعد لمريض في مستشفى آخر.
ويتابع حديثه: قد يعني ذلك عدم الحاجة إلى التواجد على طاولة العمليات أيضًا أنه في يوم من الأيام لن يكون الجراح موجودًا فعليًا. وقد يكون الخبير قادرًا على إجراء عمليات خاصة في أي مكان من عدة مواقع دون الحاجة إلى السفر والتواجد هناك شخصيًا.
وبالنسبة لمستقبل فريق البحث، أضاف “كويكلهاوس” أن الخطوة التالية هي تحديد أفضل التطبيقات المتاحة لنهجنا وابتكار تطبيقات جديدة والعمل على الرؤية المستقبلية للجراحة المجهرية عن بُعد.
ما هي الجراحات المجهرية بالروبوت؟
من اسمها، ترتبط الجراحة المجهرية الروبوتية عادةً بالجراحة طفيفة التوغل، أي العمليات التي تُجرى من خلال شقوق جراحية صغيرة، ورغم ذلك، فهي تتيح للجراحين إمكانية إجراء العمليات الجراحية الأكثر تعقيدًا بأدنى حد ممكن من التوغل الجراحي، وعندما تكون العمليات الجراحية أقل توغلاً، تكون المضاعفات المرضية المرتبطة بها أقل، مقارنة بالجراحة التقليدية.
لتوضيح الفريق، فإن الجراحة في غرفة العمليات التقليدية تعتمد على ما يسمى بـ “شق كبير” للوصول إلى مجال الجراحة، لكن في الجراحة المجهرية، يكون الوصول رقيقًا باستخدام أدوات الجراحية الرفيعة الدقيقة التي يتراوح سمكها بين 1-2 ملليمتر.
ويسهل الروبوت، عمل الجراح؛ فالروبوت لديه القدرة على تثبيت المنظار من دون حركة أو تعب، فيما يتمكن للطبيب التحكّم في حركاته بشكل دقيق جدًا، وبالتالي أصبح من الممكن إجراء تدخّلات جراحية عالية الدقّة، من خلال جروح صغيرة والتي كانت تحتاج في الماضي إلى مستوى عالٍ من الخبرة والتركيز المطلق لإجرائها.
يترافق هذا الإجراء مع توافر كاميرات تضاعف حجم المنطقة عشرة أضعاف؛ ما يساعد على التركيز ونجاح العملية، يترافق ذلك مع دقة في الحركة والخطوات الجراحية؛ وبالتالي تقليل المضاعفات المحتملة بعد العمليات.
ليست هذه كل مميزات الجراحة المجهرية، وفوائدها للمرضى تشمل، ألم أقل، وفقدان دم أقل، وندوب جراحية أصغر، ووقت استشفاء وتعاف أقل، ومخاطر أقل للتعرض للعدوى، بالإضافة إلى انخفاض المضاعفات المرضية الناجمة عن الجراحة، بالتوازي مع نتائج سريرية أفضل في الكثير من الأحيان.
هل يمكن للروبوتات أن تُغني عن الأطباء؟
الروبوتات “خَدَم البشر”.. وصف أطلقه الكاتب العلمي الأمريكي إسحاق عظيموف في قصصه القصيرة حول عالم المستقبل والروبوتات.
هذا الوصف ربما يكون دقيقًا فيما يتعلق بعمل الروبوتات في المجال الطبي، وتحديدًا في غرفة العمليات، ومهما تقدم العلم لا يمكن الجزم بأن الروبوتات قد تحل محل الأطباء بشكل كُلي في يوم من الأيام.
ببساطة، لأن الطبيب الجراح هو من يدير الروبوت ويوجهه؛ وهذا يعني استحالة إجراء الروبوت لعملية جراحية منفردًا، فهو مجرد أداة دقيقة للغاية تساعد الطبيب في إنجاز مهمته على أكمل وجه؛ لذلك لا داعي للقلق.