متلازمة طهران.. القاعدة تروج لمشروع إيران بدعوى مواجهة الغرب
ببيان مفاجئ يتجاهل واقع تنظيم القاعدة المأزوم، أصدرت مؤسسة السحاب، الذراع الدعائية للتنظيم، بيانًا مطولًا في 3 صفحات حول قمة جدة للتنمية والأمن والتي عقدت بمدينة جدة السعودية، منتصف يوليو/ تموز الماضي، مدعية أن القمة هدفت لفتح باب التطبيع مع إسرائيل وتوثيق العمل بـ”اتفاقيات إبراهام“ الهادفة لتعزيز التعاون بين مجموعة من الدول الإقليمية في القضايا العالمية والمجالات الاقتصادية.
ومهد تنظيم القاعدة لـ”بيانه المتأخر”، قبل ساعات من نشره، بحملة دعائية على منصات التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي قائلًا إن مؤسسات السحاب ستنشر بيانًا هامًا خلال وقت قريب، وهو ما فتح باب التكهنات حول محتوى البيان المرتقب، وذهب بعض المراقبون إلى أن التنظيم سيؤكد مقتل زعيمه السابق الظواهري ويعلن اختيار قائد جديد للقاعدة بدلًا منه، وهو ما لم يحدث، حتى الآن.
وبدلًا من أن تنشغل القيادة العامة لتنظيم القاعدة (قاعدة خراسان) بإدارة شؤون التنظيم بعد مقتل أيمن الظواهري، وتحاول اختيار أمير جديد له، لجأت إلى مهاجمة الدول العربية والإشادة بمشروع إيران في المنطقة والتي اعتبرت أنه يُمثل جبهة “الشرق الإسلامي” المناهضة للولايات المتحدة والغرب، على حد تعبيرها.
وجاء البيان الأخير بنبرة وصياغة مختلفة نسبيًا عن بيانات القاعدة التقليدية، وتضمن عددًا من الرسائل والإشارات الخطيرة لما أسماه بـ”تحالف الشرق الإسلامي”، والذي يعني به القاعدة تحالف التنظيمات الجهادية الموالية له مع إيران والحركات الموالية لها كجماعة الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان، والتي يصفها بالحركات الوطنية، في تجسيد واضح لـ”متلازمة طهران” التي أصابت قيادة القاعدة وأصبحت تؤثر على التنظيم ككل وتجعله يخدم مصالح نظام الولي الفقيه في طهران.
ويكشف تحليل مضمون بيان تنظيم القاعدة عن قمة جدة للتنمية والأمن، أن كاتبه استقى عباراته وجمله من كتابات مصطفى حامد، أبو الوليد المصري، المريض الأول بمتلازمة طهران وصهر سيف العدل نائب أمير تنظيم القاعدة حاليا، والذي يتماهى مع الخط الإيراني بشكل كامل ويدعو للتحالف مع نظام الولي الفقيه في إيران، ويبدو أن كاتب البيان تأثر بمصطفى حامد أو تلقى توجيهات منه بكتابة هذا البيان، إذا لم يكن كاتبه هو أبو الوليد المصري نفسه، الذي فتح له مقتل أيمن الظواهري بابا ليمارس تأثيرًا أكبرًا على تنظيم القاعدة عن طريق صهره سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) الذي يشغل منصب نائب أمير القاعدة، حاليا، ويرأس لجنة حطين التابعة لمجلس شورى القاعدة، والمسؤولة عن قيادة القاعدة والتنسيق مع أفرعه الخارجية، فضلًا عن كونه من المتأثرين بمتلازمة طهران، والتي جعلته يرفض أن يغادر الأراضي الإيرانية ويفضل الإقامة بها.
الترويج الجهادي لإيران
وشهدت، الفترة الأخيرة، حملة ترويج للمشروع الإيراني في المنطقة تزعمها مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، وتبعه فيها تنظيم القاعدة وأنصاره، الذين صوروا إيران على أنها الدولة الوحيدة الحرة المستقلة التي تملك المشروع الأضخم في المنطقة، بتعبير “مجتهد غزة” أحد أبرز أنصار القاعدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب مصطفى حامد سلسلة من المقالات عبر موقع مافا، هاجم فيها قمة جدة للتنمية والأمن ودعا فيها لإعلان تحالف جهادي سني- شيعي، يضم القاعدة وإيران وشن هجمات إرهابية داخل الدول العربية، لمنع تنفيذ مخرجات قمة جدة والهادفة لتعزيز الأمن في الخليج والمنطقة العربية وهو ما سيؤدي إلى منع تهريب السلاح الإيراني لجماعة الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، وفق قوله.
وبدت البراجماتية البحتة في ثنايا كتابات مصطفى حامد والذي حاول مغازلة العرب السنة عن طريق وصف الخليج بـ”الخليج العربي” في مقال استثنائي، تحت اسم “الشيطان يحشد أمواله وأسلحته في جزيرة العرب” نُشر بتاريخ ٨ يوليو ٢٠٢٢ ، حث فيه على إشعال الاضطرابات في تلك الدول، وفي المقابل عمد، في بقية المقالات والتي تحدث فيها عن إيران إلى تسميته بـ”الخليج الفارسي”، ليوحي بأنه ضمن المجال الحيوي لطهران، كما يتخيل.
واعتبر مصطفى حامد أن الدول المشاركة في قمة جدة للتنمية والأمن تستهدف بالأساس إيران ووكلائها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، قائلًا إن تلك الدول تسعى لتشكيل “ناتو جديد” أو تنسيق عسكري بين هذه الدول والولايات المتحدة، معتبرًا أن هناك عائق أساسي يواجه تشكيل هذا التحالف وهو تدفق أسلحة متطورة إلى (وكلاء إيران) في الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، في إشارة منه إلى تزايد نشاط جماعة الشباب الصومالية، مؤخرًا، واقترابها من الخط الإيراني.
وعلى نفس النسق، جاء بيان تنظيم القاعدة الأخير الذي ادعى كاتبه أن قمة جدة هدفت للتفرقة بين المعسكر ين السني والشيعي، ووضع صيغة لتحالف مشترك يأخذ على عاتقه مواجهة الوثبة القريبة لحركات التغيير الجهادية وتحجيم الحركات الوطنية (يُقصد بها المليشيات الولائية المحسوبة على إيران كجماعة الحوثي وحزب الله)، على حد وصف كاتب البيان.
ويشرح مصطفى حامد في مقال له بعنوان “البلطجة الأمريكية في الخليج” والذي نشره في ٨ يوليو ٢٠٢٢، المفردات التي وردت لاحقًا في بيان تنظيم القاعدة، قائلًا إن الجماعات التي ستشارك في العمليات الإرهابية المتوقعة هي جماعات مختلفة بمعنى أنها تختلف عن السلفية الجهادية التقليدية التي تعادي إيران، معتبرًا أن المقاومة الجديدة ستكون نوعية تمامًا لأنها تتضمن تجديدًا في الفقه الجهادي والقتالي والسياسي على حد تعبيره، وهذا ما عبر عن تنظيم القاعدة بقوله إنه سيكون هناك هبة جديدة وربيع إسلامي كاسح، وذلك في بيانه عن قمة جدة.
ويذكر مصطفى حامد أن المقاومة الجديدة ستشمل جهاد له قيادة سياسية هي إيران التي يعتبرها رأس المشروع، وتنظيم عسكري (القاعدة وأفرعها الخارجية، والمليشيات الولائية المحسوبة على إيران)، ولن يكون مجرد عمليات إرهابية بالصورة التقليدية المعروفة، وفق وصفه.
ومن العرض السابق، يتبين حجم التطابق بين كتابات مصطفى حامد، وبين ما يدعو له تنظيم القاعدة، وهو ما يُعطي لمحة عن تأثير متلازمة طهران على أبو الوليد المصري وعلى القاعدة معًا، وتحولهما إلى الدعوة العلانية لدعم المشروع الإيراني على حساب دول المنطقة.
خطة مصطفى حامد الفاشلة
إلى ذلك، يُلاحظ من كتابات مصطفى حامد وبيانات تنظيم القاعدة الأخيرة وإصداراته المرئية أن هناك خطط منسقة يتم العمل عليها لخدمة مصالح إيران، وهذه الخطط تشمل مراجل متدرجة تبدأ بإغراق المنطقة في الفوضى عن طريق تنفيذ هجمات كبرى في منطقة الخليج يُشارك في تنفيذها التنظيمات السنية كالقاعدة والشيعية كجماعة الحوثي وغيرها، كما يدعو مصطفى حامد، وبعدها يتم البدء في خطة الجهاد البحري التي سبق ودعا لها أبو الوليد المصري وحرض عليها جماعة الشباب الصومالية والتي تعمل في تحالف ضمني مع إيران لتنفيذ هذه الخطة.
وتنص خطة الجهاد البحري على السعي لجعل الخليج العربي بالكامل تحت السيطرة الإيرانية عن طريق شن هجمات واسعة النطاق تبدأ من شط العرب في العراق، وطرطوس في سوريا، إلى مقديشيو في الصومال، وممباسا في كينيا، وستشارك المليشيات الشيعية في العراق، واليمن وسوريا، وكذلك جماعة الشباب الصومالية في تنفيذ هذه الهجمات.
وتهدف تلك الخطة إلى دعم إيران ضد أي تحرك أمريكي أو إسرائيلي يهدف لعزلها عن السواحل والممرات البحرية الحيوية، إذ يقول مصطفى حامد في مقال “واسلاماه” الذي نُشر بتاريخ ٢٢ أغسطس ٢٠٢٢، أن هناك سعي لتحويل إيران لدولة محرومة من استخدام سواحلها البحرية على الخليج العربي، وبالتالي فإن خطة المجابهة تقتضي، من منظوره، أن تتحرك الأذرع الإيرانية بالتعاون مع القاعدة للسيطرة على السواحل الهامة وجعلها في خدمة طهران.
كما أعاد أبو الوليد المصري تكرار الدعوات الإيرانية بتدويل الحرمين المقدسين لدى المسلمين في مكة والمدينة، لكن بطريقة أخرى إذ دعا إلى الاعتصام في الحرم المكي، خلال موسم الحج الماضي، وعدم الانصراف منه إلا بعد إعلان “الجهاد المسلح” في جميع الدول العربية، والضغط لانسحاب التحالف العربي من اليمن بشكل خاص، حسب قوله.
بيد أن تحريض مصطفى حامد المتواصل لإفساد موسم الحج، بما يُعطي لإيران فرصة للدعوة من جديد لتدويل المقدسات الإسلامية والتي تتخذها ستارًا للتوغل في الجزيرة العربية، لم تلق آذانًا مصغية، فعاد تنظيم القاعدة يجدد تلك الدعوات في بيانه حول قمة جدة للأمن والتنمية متوعدًا بهبة جهادية على حد زعمه.
بين أفغانستان والصين
وضمن نفس الخطة، ألمح مصطفى حامد إلى ضرورة استغلال أفغانستان والصين وغيرها من الدول في التحالف الإيراني الجديد، بدعوى التصدي للمشروع الغربي في العالم، مردفًا أن هذا التحالف لا بد أن يكون تحالف سياسي أوسع لضمان نجاحه، وأن التقارب الحاصل بين حركة طالبان والصين سيكون في مصالحة هذا التحالف.
ويرى مصطفى حامد، في مقال “مجاهدون على طريق الفشل” الذي نشر بتاريخ ٢٥ أغسطس ٢٠٢٢، أن أفغانستان جزء متكامل من إيران وأن عليها التحالف مع طهران بشكل كامل دون النظر للأمور المذهبية، لافتًا إلى أن التركيز على مواجهة الولايات المتحدة والغرب أهم من الانشغال بالقضايا المذهبية.
وحاول أبو الوليد المصري تزييف الحقائق كعادته فادعى أن تحالف “إيران- طالبان- الصين” يفتح مجالات لمسلمي الإيغور– الذين تضطهدهم بكين- ليكونوا جزءًا من النهضة الاقتصادية التي ستقام حول طريق الحرير الصيني، على حد زعمه، كما ستقوم طالبان، وفقًا لتصور ه بالعمل على تأمين الربط البري بين بحر الصين والخليج الفارسى عبر جبال وصحارى أفغانستان.
وأيد تنظيم القاعدة فكرة مصطفى حامد بشكل كامل، موضحًا أن الولايات المتحدة والغرب لن تكون قادرة على مواجهة الشرقين معًا (الشرق الشيوعي بما فيه الصين وروسيا على خد تعبير التنظيم، والشرق الإسلامي الذي يشمل القاعدة وإيران)، وبالتالي سينهار وينهزم، على حد تعبير التنظيم.
ومن الواضح أن تنظيم القاعدة يسير بشكل متسارع نحو مزيد من البراجماتية، مقتديًا بمصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، خاصةً بعد مقتل أيمن الظواهري الذي كان يقيم في أفغانستان وليس داخل إيران على عكس سيف العدل صهر مصطفى حامد، أو عبد الرحمن المغربي، صهر أيمن الظواهري.
ويبدو من العرض السابق أن أعراض متلازمة طهران التي كان تنظيم القاعدة وقيادته يحاولون إخفائها ونفي الارتباط بينهم وبين إيران، أصبحت ظاهرة على التنظيم، كما أن مصطفى حامد الذي دأب على مهاجمة جهاديي القاعدة ووصفهم بأنهم “مجاهدون على طريق الفشل” أصبح قريبًا بدرجة غير مسبوقة من قيادة التنظيم الحالية لدرجة يمكن اعتباره معها الموجه الأول للتنظيم من خلف الستار، في الوقت الذي يتوارى فيه أمراء القيادة العامة للقاعدة داخل إيران، مكتفين بخدمة مصالحها وإثبات أنهم مصابون بمتلازمة طهران.