ثورة إيران الدائمة ضد النساء
كانت الناشطة الإيرانية والباحثة في علوم الفيزياء أفسانه نجم آبادي تعتبر إحدى المناضلات الإيرانيات اللواتي قدن احتجاج كبير ضد قرار الخميني بفرض الحجاب على النساء بعد انتصار الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. عادت أفسانه إلى بلدها إيران من بريطانيا حيت كانت تعيش للمشاركة في الثورة الإيرانية في العام ذاته. وكان هناك عدد كبير من المثقفين والأكاديميين اليساريين الإيرانيين تركوا الغرب وعادوا الى البلاد للمشاركة في التغيير ورموا أنفسهم بالكامل في الساحة السياسية.
وقد عملت نجم آبادي في الأوساط الجامعية الإيرانية كل الوقت، وكانت أول ناشطة وأكاديمية إيرانية تقود تظاهرة احتجاجية نسائية رداً على القرار الذي أصدره الخميني بخصوص ضرورة حجاب النساء بعد أشهر من انتصارا الثورة. تم قمع تلك المظاهرة من خلال إرسال الآلاف من النساء المحجبات التابعات للتيار الديني المتشدد وهاجمن المتظاهرات بالعنف والقوة، ما أدى الى تراجع الحركة النسائية التي كانت تقودها أفسانه نجم آبادي ومناصراتها ضد الحجاب، وعادت أفسانه تالياً إلى لندن عام ١٩٨٠، تاركة خلفها أحلامها بإيران أفضل في صمت طال أمده لليوم.
منذ ذلك الوقت، حيث مضى أكثر من أربعة عقود على “الثورة الإيرانية”، تعمل نخبة قمعية اكليركية على محو صورة المرأة في جمهوريتها المثالية، وذلك عبر فرض شروط وآليات اجتماعية وثقافية وتعليمية تفوق حتى المخيلة القمعية. تسرد الكاتبة والناقدة الإيرانية آذر نفيسي في كتاب بعنوان “أن تقرأ لوليتا في طهران” الكثير من تلك الآليات في إيران ما بعد الثورة، بما فيها الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى. تروي نفيسي كيف تم القبض ذات مرة على طالبتين في جامعة طهران وزجهما في السجن، لأنهما كانتا تأكلان التفاح في العلن، وذلك أمر يخالف مبادئ الثورة بمقاييس شرطة الأخلاق، ذاك ان تناول النساء للتفاح يحفز غرائز الرجال بوجهة نظر النخبة الأكليركية. هكذا بدأت الثورة وتجلت مبادئها.
اليوم، بعد مرور ما يقارب نصف قرن على تثبيت أركان الاستبداد، يعيد التاريخ نفسه بكل تفاصيله وحذافيره، تخرج النساء الوفيات لمبادئ “الثورة” الظالمة في مظاهرات مضادة لينددن بمظاهرات ضد قتل الشابة الكُردية مهسا أميني التي تم القبض عليها بسبب ظهور خصلة من شعرها وماتت جراء قسوة شرطة الأخلاق. لقد أراد الرجال الثورة الأوفياء عام ١٩٧٩ القول بان النساء هن من يدافعن عن قرار الخميني، مسيلين بذلك دماء مشاركات في أول احتجاج سلمي ضد الاستبداد ووضعوا أساس جدار ثورة دائمة ضد النساء، جدار سميك منع بجانب منه تناول التفاح قبل ٤٠ عاماً، وقتلت مهسا أميني في الجانب الآخر منه اليوم.
لقد ذهبت مهسا، ٢٢ عام، برفقة شقيقها من مدينة (سنه) في كُردستان الى طهران بتاريخ ١٣ من هذا الشهر (سبتمبر ٢٠٢٢) واعتقلتها شرطة الأخلاق لعدم تطبيقها حذافير الحجاب المفروض على النساء. يروي شقيقها بأن مهسا حاولت أن تشرح لعناصر شرطة الأخلاق بأنها غريبة في طهران واعتادت أن ترتدي الحجاب بطريقتها الحالية في مدينتها سنه، انما لم تفد محاولتها وساقوها للسجن وماتت بعد أيام تحت شدة الضرب.
وشكل قتل الشابة مهسا، شرارة احتجاجات واسعة ليس في المدن الكُردية فحسب، بل في غالبية المدن الإيرانية وكذلك في المغتربات، ناهيك ببيانات احتجاج من عدد كبير من المثقفين والفنانين والكتاب الإيرانيين في العالم. وقتل ١٧ شخصاً على الأقل على يد قوات الأمن في الاحتجاجات، علاوة على اعتقال أعداد كبيرة من المحتجين.
في الواقع ليست الاحتجاجات ضد الحجاب، بل هي ضد نظام سياسي مُحمّل بايدلوجيا ذكورية ثقيلة لا تستحق المرأة فيها حق المعرفة والتمكين والمساواة مع الرجل. ويضاف الى القمع الاجتماعي للنساء الكُرديات، قمع هويتهن القومية وخياراتهن اللغوية والثقافية. ونتذكر في هذا السياق سجن الناشطة والمعلمة الكُردية زارا محمدي جراء قيامها بتعليم الأطفال اللغة الكُردية في قريتها، ما أدى الى اعتقالها وزجها في السجن.