الراحل هشام سليم فنان عاشق للقهوة والبحر
كان اللقاء الأول بيننا عام ٢٠١٠ أثناء استضافتي له في برنامج ”شوشرة“ الذي قدمته علي قناة ”نايل لايف“ واستضفت فيه معظم النجوم الذين أثاروا الجدل وقتها.
حلقة هشام سليم لم تكن كغيرها ربما لأنه لم تربطني به علاقة أو صداقة أو حتى تقابلنا قبل الحلقة.. وتم ترتيب اللقاء من مجرد اتصال تليفوني طلبت منه الظهور كضيف الأسبوع في برنامج “شوشرة” وفي ذاك الاتصال لم يطلب مني تفاصيل الحلقة ولا الأسئلة التي سيتم طرحها عليه بل على العكس أبدى سعادة غامرة للظهور على الهواء مباشرة دون أية ترتيبات مسبقة، وهو الأمر الذي دفعني للحيرة خاصة وأنا أكن له كل الاحترام والتقدير لدرجة الرهبة من اللقاء والتوتر من الأسئلة التي جهزتها له ولم أكن أتوقع مطلقا موافقته على الظهور معي بهذه البساطة خصوصا وأنه في تلك الفترة كان مقل في ظهوره سواء فنيا أو على المستوى الإجتماعي.
توترت لأنه هشام سليم وهو بالنسبة لي فنان موهوب وكل ما اخشاه من الموهوبين جنونهم وداء العظمة الذي يصيب بعضهم وطلباتهم المبالغ فيها وقت ظهورهم على الهواء في برنامج تليفزيوني.
حضر هشام سليم قبل موعد الحلقة بأكثر من ساعة وكل ما طلبه مني القهوة التي تكررت أكثر من مرة لأكتشف ولعه بالقهوة والتدخين أكثر من اللازم ولعله كان مدخل مناسب لفتح حديث إذابة الثلج قبل الظهور على الشاشة وحينها بدأنا نتحدث ليلاحظ أنني ما زلت صغيرا في السن مقارنة بكوني رئيس تحرير واحدة من أهم الإصدارات الفنية في مصر ومقدم برنامج يثير الجدل علي القنوات المصرية وسألني بشكل مباشر عن الواسطة التي صنعت لي كل ذلك بطريقة لم انزعج منها على الإطلاق بل بالعكس، ضحكت و فتحت له قلبي وجلست أحكي تجربتي مع الصحافة وكيف أنني ضحيت بكلية الطب لتحقيق ذاتي في المجال الذي أحبه وأنني دخلت مؤسسة الأهرام كمتدرب منذ عامي الأول بكلية الإعلام ووقتها كانت بدايتي مع الأهرام محض صدفة واستمر عملي بها منذ ذلك اليوم لدرجة أن معظم العاملين بالمجال يتعجبون من دخولي دون واسطة، تحدثت كثيرا مع هشام سليم عن نفسي وكأني شعرت فجأة أنه طبيبي النفساني الذي ارتحت لسرد تفاصيلي ومشاعري أمامه دون خجل..
ومن ناحيته أكد أنه عاش نفس التجربة لأنه كان من المفترض أن يكون لاعب كرة لكنه اختار التمثيل بكل حرية وشجاعة.. مرت الساعة كاملة لدرجة أننا فوجئنا بالمخرج يدخل فجأة ويطلب منا التوجه للاستديو لبدأ الحلقة دون أن نتحدث لدقيقة عن ”سكريبت“ الحلقة أو الأسئلة وعندما قلت لهشام : انت معرفتش انا هسألك في ايه؟ قال لي بإبتسامة عريضة : انا كل ده كنت باتوهك علشان متقولش الأسئلة.. انا عايز اتفاجئ على الهوا!
بدأت الحلقة ساخنة وأطلق تصريحات نارية سواء في الفن أو عن النادي الأهلي وخلال ساعة كاملة ازداد اعجابي بهذا الإنسان الصريح دائم الابتسام والمجتهد فى عمله وعاشق البحر والهدوء لدرجة أنه يقيم بشكل شبه دائم أمامه ولا يكترث بالحفلات ولا المناسبات الإجتماعية الفنية بقدر حبه للجلوس أمام البحر واحتساء قهوته وتدخين سجائره.
لم اعتبر أبدا أن هذا اللقاء هو لقاء عمل بل على العكس كنا نتحدث كل حين وآخر ولم أطلب منه يوما تصريحا خاصا أو أي مادة تخص حياته الفنية لأني اعتبرته من الأصدقاء الذين احرص على السؤال عنهم دون مصالح أو تعقيدات في العلاقة الشهيرة والمعتادة بين الإعلامي والفنان.. إلي أن وصلنا لعام ٢٠١٩ ووقتها كنت رئيس تحرير مجموعة إذاعات راديو النيل واتصلت بهشام كالعادة للإطمئنان ورجوته أن يكون ضيف أحد برامج الراديو للاحتفال معه وبه وبمشواره الفني المحترم ليرد ساخرا كعادته.. تاريخ ايه يا ”روقه“ ده انا قاعد في البيت بقالي شوية.. كلماته دفعتني للاصرار على تكريمه والاحتفاء به وبالفعل بذوقه وأخلاقه لم يرفض طلبي وكنت في قمة سعادتي وهو جالس معي في مكتبي بالراديو وطلبت له قهوته المحبوبة وفوجئت به يدخن التبغ غير الجاهز وعندما سألته عن السبب وتهكمت كالعادة بأن قعدته في البيت دفعته للتوفير فضحك واخبرني أن المتعة في لف السيجارة والوقت المستهلك في تجهيزها قبل تدخينها اكتشاف بالنسبة له وهو ما دفعه لتدخين هذا النوع من التبغ كما أن السيجارة تعيش معه مدة أطول وهذا يرضيه لأن السيجارة تستمر معه إلى آخر رشفة من فنجان القهوة.
هذه هي حياة هشام سليم غير المعقدة.. بسيطة بساطة عمل القهوة لكنها كاملة ومكملة للمزاج.. بدأت وانتهت وهو مبتسم للبحر.. عاشق لمشاركته اسراره.. كل حواديت هشام يعرفها البحر أكثر من أي قريب.. في البحر ألقى كل همومه وربما أحلامه، حتى عندما علم أن عشقه للتدخين بات يهدد حياته.. أسرع إلى البحر ليودعه أو يرتمي في حضنه في آخر لحظات حياته.
هشام كان يعتبر نفسه عابر سبيل في الفن رغم أن الفن لم يوافق على هذا الكلام فهو موهوب لدرجة أنه لا يشبه أحد ولن يتكرر مرة أخرى بملامحه الصارمة وصوته المتميز وأداءه البسيط غير المتكلف.. مقاتل شرس في الحياة.. طوال الوقت كان يرى نظرات من حوله كأنهم ينظرون للأسطورة صالح سليم لأنه شديد الشبه به ورغم عشقه لوالده إلا أنه كان دائم التمرد على مجاملته لأنه ابن صالح سليم لدرجة أنه لم يكن يحمل كارنيه النادي الأهلي وأخبرني أن والده لم يقبل اشتراكه كنوع من الحياد ورغم ذلك كان هشام أشد تعصبا للأهلي من صالح سليم نفسه.. يفهم كل ما يحدث في الكواليس لكنه يفضل المتابعة وكأنه لا يعرف شيئا عن النادي.. يفهم كل ما يدور في الوسط الفني لكنه يتعامل وكأنه منتسب للشغلانة التي لم يشتبك فيها مع أحد بل على العكس ظل طوال حياته محبوبا وصريحا وصديقا للجميع.
اتصلت به منذ أيام لأطمئن على صحته لكنه لم يرد ولم يعاود الاتصال! لكنني أعلم جيدا أنه بخير بعد كل الحب الذي منحه لكل من عرفوه.