لا أحد يُنكر مكانة مروان بابلو في مشهد الراب المصري
- بدأ مروان بابلو رحلة البحث عن نفسه في فترة المراهقة
- بعد سنتين من البداية، اختفى عن الأنظار سنة كاملة ليعود في 2018 وهو عام الطفرة
“تسالني إيه توقعاتي.. أنا هبقى سوبر ستار”.. هل كان مروان أحمد مطاوع المعروف بـ “داما” وقتها يستشرف المستقبل وهو يغني “زئبق”؟
لا أحد يعرف، خاصة أنها لعبة الراب الأثيرة، التفخيم والتعظيم وانصهار الحدود بين الواقع والخيال، لكن النبوءة تحققت في النهاية، وتحوّل مروان إلى داما وتحوّل داما إلى بابلو، وتحول بابلو بدوره إلى الاعتزال، ثم عاد من الاعتزال وبشخصية مختلفة جديدة أيضَا، ولكن هذه المرة تحت نفس الاسم. مروان بابلو، وتلك حكاية!
لا أحد ينكر تلك المكانة التي وصل إليها مروان بابلو في مشهد الراب المصري، والشهرة التي يتمتع بها، والفضل الذي يعود إليه أولا قبل “ويجز” أو غيره في حمل الراب والدخول به على المسمتع العادي بعد سنوات لعب فيها الراب ورجاله دور أهل الظل بإخلاص شديد.
وسواء أكنت تحب مروان أحمد أو داما أو بابلو أو واحدًا منهم، أو لا تحبهم جميعًا لن تنكر إسهاماته في هذا المجال، وأن قطاع عريض من الجمهور “غير المهتم بالراب” حين تساله عن الراب سيجيبك بنسبة تتخطى تسعين بالمائة باسم من اثنين “بابلو أو ويجز” ملوك الموجة الجديدة ولحق بهم هذا بمجهود خارق مروان موسى.
رحلة البحث عن الذات
بدأ مروان رحلة البحث عن نفسه في فترة المراهقة مثل غيره من الشباب، فترة التقلبات العصيبة والبحث عن الهوية، ومروان تحديدًا في مسيرته من البدايات وحتى الآن لا تتوقف لديه التقلبات والتناقضات التي تصنع الفن والمتعة للجمهور لكنها دائمًا ما تضعه في صراعات وعدد غير محتمل من الأفكار والاحتمالات.
بدأ مروان الراب 2015 حيث البدايات التقليدية ذات الإمكانيات البسيطة لكنه كان غزير الإنتاج، قوي في الكلمات، وفي التعبير عن نفسه وتقلباتها ودوامة الحياة دون مواربة، في البدايات تشعر بإنك تحتاج لإبهار من حولك من الرابرز، كلمات قوية، تشبيهات مبتكرة، شخصية تجعل منك رابر متفرد، في الراب إما التفرد والحصول على شخصية مميزة وإلا فلا شيء.
لكن مروان كان ذكيًا بما يكفي، تخطى تلك المرحلة مبكرًا، فهو يقول في لقاء مصور “متعملش أغاني راب لأصحابك. “. بمعنى لا تبحث عن قوة الكلمات وتقديم وجبة ثقيلة لن تجذب المستمع المستجد ولن تجذب بطبيعة الحال المستمع العادي، وقتها أيضًا قال: “عايز أدخّل واحد عادي يبقى في البلاي ليست بتاعه أغنية راب”.
وهو ما يعكس نظرة أوسع وأذكى من مروان بابلو، وهو ما يجعل فكرة أنه في مقدمة الرابرز الذين عبروا بالراب من الهامش إلى النور مسالة منطقية، فالرجل لديه من الفهم والوعي والمتابعة الدقيقة لمشكلات الراب لكي يعبر ويقتحم أراضي أغاني البوب والمهرجانات.
“محدش بيحب يسمع راب، الراب مبيشتغلش في تكاتك”.. قالها وهي تبدو معلومة معروفة للجميع وقتها، لكنها مهمة، وتكشف عن عقل يبحث بعمق، ولم تبرح المشكلة عقله، وظل يفكر بها، وبعدها كان قد قام بتجهيز الحل، فقدم الجميزة على “بِيت” مهرجان من إنتاج مولتوف، وبالفعل نجحت حتى وصلت للتكاتك ووصلت لأرقام مشاهدات لم يعرفها الراب من قبل، وصلت إلى ست ملايين من المشاهدات قبل اعتزاله أوائل 2020.
داما يموت ليظهر بابلو
لم تدم مرحلة البدايات طويلا، بعد سنتين توقف مروان، اختفى عن الأنظار عام كامل ليعود في 2018 وهو عام الطفرة، اختفى فيه داما للأبد وعاد مروان بشخصيته الجديدة ليصبح مروان “بابلو” نسبة إلى بابلو بيكاسو، عاد متخطيًا حمى البدايات، وبأفكار واضحة للمرحلة الجديدة، كلمات سهلة تخدم فكرته في الانتشار والتعبير والوصول لقطاعات أوسع من الناس، لكنها لم تخلو من الحديث عن الظروف الحياتية والصعوبات الموجودة على الأرض كالعادة، بدأها بالغلاف وأوزوريس والتي كانت الانطلاقة الرسمية للمرحلة الجديدة، والتي اشتهرت جملتين منها شهرة واسعة.
“كسرت سن طلعلي ناب/ دماغ شغالة مش بتنام دا سبب فشلنا في العلام” ثم أعقبها بعدة إصدارات نجحت جميعها “عايز فين” “دايرة ع المصلحة” وهو التراك الوحيد الذي جمعه بويجز وكان مقدمة لتوتر العلاقة بينهما إلى الآن، و”عزبة الجامع” مع السادات، لكن أكثرها نضجًا في التعبير عن واقع الشباب ومعاناته “أتاري” والتي يبدأها ب “ناس فوق وناس تحت” وضمها لألبوم كنترول بعد عودته من الاعتزال.
كانت مرحلة تليق بالحراك والصعود الذي يقوم به الراب ليهز عرش المهرجانات ويزاحمها في الجماهيرية واحتلال مساحة واسعة في الإعلانات وأغاني الأفلام والمسلسلات، تميز مروان في تلك المرحلة بالهدوء، والبعد عن المشكلات أو “الديسات” بلغة الراب، ولم يكترث فيها للقيل والقال وجر الشكل أو “النكش” طبقًا لنفس القاموس، اهتم وركز اهتمامه حول النجاحات وتطوير ما يقدمه، حتى وصل إلى الجميزة.
نجاح غير مسبوق واعتزال مفاجئ
كل ما يسبق الجميزة كوم وما بعدها كوم آخر، وهذا ليس بسبب جودة الجميزة، بقدر ما فعلته وتركته من أثر على مسار الراب، واستقبال الجمهور العادي لها، لحن الجميزة لحن شرقي “مهرجانات” فاتسع نطاق سماعها، لكنها ليس كالمهرجانات العادية المعتاد عليها الجمهور من عشر سنوات، كانت غريبة على أُذن المستمعين، ووصل التراك بفعل الاستغراب إلى صفحات الكوميكس، وأصبح حديث مواقع التواصل لفترة، وصل التريند بمعنى أدق، وكان التريند وسخرية مواقع التواصل وصفحات الكوميكس فتحة خير على بابلو وعلى مشهد الراب في مصر بشكل عام، كانت تلك اللحظة هي اللحظة الرسمية لميلاد الموجة الجديدة للراب وتكسير آخر الحدود الفاصلة بين الراب والمهرجانات، والأهم هو تكسير الحدود التاريخية الفاصلة بين الراب ورجاله وبين الجمهور العادي في مصر، في لحظة كانت مثالية تستوعب التغيير بسبب فراغ الساحة من جهة، والملل من المهرجانات والالوان الموسيقية التقليدية من جهة أخرى، والتي فيما بعد ستركض خلف الراب إما بالمحاكاة أو التطوير حتى لا تتوارى في الظل.
نجح بابلو وعَبَر بالجميزة وخلفه ويجز بدورك جاي لنفس الموزع “مولوتوف” وخلفهم آخرون، وقدم بعدها “فري” التي يعتبرها الكثيرون أفضل فيديو كليب في تاريخ مشهد الراب المصري، لكن بعدها بشهور قليلة وفي أوج مراحل نجاحه بالتحديد في 14 فبراير 2020 أعلن بابلو اعتزاله الغناء في صدمة كبيرة من جمهور الراب في مصر.
صراعات تعيد بابلو للمربع صفر
كما ذكرت في البداية ينازع مروان أكثر من فكرة وإحساس في الوقت ذاته، فهو من الحضرة “منطقة شعبية بالإسكندرية” لكنه يذهب إلى مدرسة لغات، وهناك بشر وهنا بشر، كل عالم يختلف ويناقض الآخر، بالإضافة لعالم الشهرة المتوهجة غير المتوقعة والذي تربع عليه مروان من الخارج، بينما أفكاره الداخلية وحياته الشخصية تسير إلى أين؟ بوصلته. هل تسير في الطريق الصحيح؟ هل يرضى عن حياته وعلاقته بالآخرين؟ هل ضغط الجمهور ومحبته تدفعه للتالق والإبداع أم للإحساس بالثقل والشعور بالاختناق؟
أسئلة لا أحد يملك الإجابة عليها حتى الآن سوى مروان نفسه، لكن القرار نفسه وتعليق قناته على اليوتيوب وحساباته الشخصية يوحي بشكل أو بآخر أنه يعيش صراع عنيف كانت نتيجته هي الابتعاد ليبحث عن نفسه دون تشويش، دون صخب، يجرب الحياة في صورة أبسط، بلا ضغط ولا حصار، وبابلو بالعامية المصرية “مزجانجي” لا يتحرك للتواجد من أجل التواجد، بل يجب أن يقتنع ويحب ويدرس ويحلل.
“لو الكلام مش ريل لساني مش هينطق بيه” هكذا يقول في تراك كنترول. فجاء الابتعاد للمرة الثانية.
عودة بملامح حادة ومرونة في المشروع
غاب مروان عن الساحة لمدة عام كان فيه حديث جمهور الراب وشغله الشاغل حتى وهو بعيد عن الساحة، تحليلات ونقاشات ورهانات على عودته، أو بكاء على غيابه كأهم رابر في السين المصري، لكن يبدو أن مروان لم يجد ضالته في البعد عن الموسيقى كما ظن، فعاد.هذه المرة بنفس الاسم “مروان بابلو” لكن بملامح مختلفة، ملامح بعضها جديد وبعضها يحمل رائحة شخصيته الأولى “داما”، موسيقى تحمل شكل المرحلة الجديدة بالتعاون في أغلبها مع البرديوسر “هادي معمر” وكلمات أكثر حدة يظهر فيها معاني العودة بغرض الانتقام والتربع مرة أخرى على عرش السين المصري.
هل عاد بابلو للسير على نفس طريقة ويجز؟
بدا مروان بابلو من البداية في الطريق المعاكس لويجز، فويجز من البداية كان يريد الوصول للشهرة، بطريقة الغاية تبرر الوسيلة، فقام بالغناء والتعاون مع عدد ضخم من الرابرز وشباب المهرجانات، المشاهير منهم وغير المشاهير، فتعاون مع السادات وعفروتو وبابلو نفسه، وأبيو والفايف ومينو زين وعنبة وغيرهم. حتى وصل إلى المغرب بعد الشهرة فتعاون مع الجراندي توتو وسبعتون ومع سافاج بلوج من الجزائر وينتظر المزيد
لكن بابلو كان انتقائيًا لحد كبير، لم يكن يحبذ المشروعات الفنيّة المشتركة والتعاونات المكثفة، وإذا قام بها كان يفعلها مع رابرز أقل منه شهرة مثل ماندو وعمرو عواد، كان يرى أنه لا يحتاج لذلك وربما كان هذا واقعيًا وقتها، لكن الخريطة الآن تغيرت.
غاب بابلو عام كامل، فعاد مرة أخرى بملحوظات جديدة، عاد بتغيير في شكل الموسيقى، عاد بكلمات حادة واستعداد واضح للدخول في صراعات خشنة، لكنه الآن يتمتع بمرونة أكبر في التعاون مع الآخرين، مرونة ربما أثارت استغراب بعض الجمهور الراب، حيث قام مؤخرا بالتعاون مع حسن الشافعي ونانسي عجرم في تراك خفيف بعيد عن جو الراب وعن جو بابلو نفسه المعروف لدى الجمهور، ثم تعاون مع أبو الأنوار وتراك جديد قادم بالتعاون مع أبي يوسف من البوم أبيو الجديد، ومن المنتظر أن يعود بابلو نفسه بالبوم جديد خلال الأيام القادمة بعد مرور سنة واحدة على البوم “كنترول”، وهو تغير في ملامح بابلو وتفكيره، فهل أقتنع بابلو بالسير في نفس الطريق الذي سار فيه من قبل ويجز ووجد ضالته؟
ربما، وربما أدرك أن الخريطة تغيرت تماما الآن والمسالة تحتاج مجهود أكبر، ولا مجال لتضييع مزيد من الوقت.