مصير مجهول سياسيا في لبنان
- هل يتم فك الارتباط بين التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)؟
- لبنان دخل في نفق الفراغ الرئاسي وقد اكتمل الفراغ بتوقيع عون مرسوم قبول استقالة الحكومة
- أصبحت جلسات البرلمان اللبناني مجرد فولكلور سياسي
جاء اختتام الرئيس اللبناني ميشيل عون لفترة رئاسته على غير ما يرغب هو وأنصاره. فقد خرج وربما لأسباب أمنية قبل أربع وعشرين ساعة من الموعد الرسمي الذي يحدده الدستور. وكان واضحا من لغة الجسد أثناء مراسم المغادرة أن عون كان مرتبكا ومتوترا وغير راض ويحمل في قله حسرة لعدم تمكنه من تحقيق شيء يخلده. حتى ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الذي اعتبره هو وأنصاره إنجازا فلم يكن كذلك فهو لم يتم وفق ما أراد لبنان في بداية التفاوض بل تم وفق ما أملته الولايات المتحدة.
حديث مشيل عون عند خروجه من قصر بعبدا وقد تلعثم فيه مرات عديدة تضمن اتهاما صريحا لحاكم المصرف المركزي ومن يدعمه. ولكن من يدعم حاكم المصرف فعلا؟ كان هناك تلميحات في تعليقات المعلقين اللبنانيين أن حاكم المصرف يحظى بدعم مجلس النواب كما أن حزب الله الذي يعتبر الحاكم الخفي للدولة اللبنانية كان أبرز المستفيدين من وجوده في منصبه. كما اتهم عون الأطراف اللبنانية المختلفة بدون أن يسميها بأنها عرقلت عن قصد كل محاولاته للإصلاح.
بعد هذا هل يتم فك الارتباط بين التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)؟ لم يقل ميشيل عون ولا جبران باسيل في تصريحاتهما عن هذا الأمر شيئا مباشرا أو صريحا لكن في ما بين السطور يمكن قراءة حالة من عدم الرضى على هذا التحالف وكأنه حان الوقت لفك ذلك الارتباط بعد انتهاء المصلحة التي تمثلت بإيصال الجنرال عون إلى قصر بعبدا رئيسا.
بانتهاء ولاية الرئيس عون يكون لبنان قد دخل بالفعل في نفق الفراغ الرئاسي وقد اكتمل الفراغ بتوقيع عون مرسوم قبول استقالة الحكومة حتى لا تكون قادرة على تولي مهام الرئيس بسبب شغور المنصب الرئاسي. وهذا ما يجعل الصورة أكثر قتامة في لبنان بعد أن اخفق البرلمان اللبناني وللمرة الرابعة بانتخاب رئيس جديد.
بمتابعة تصريحات الزعماء اللبنانيين بعد التصويت الرابع بدأت تتجمع رياح غضب حزبي باتجاه حزب الله واتهامه بالتعطيل. ما يرفضه اللبنانيون من الحزب هو سلاحه أولا ثم محاولات فرض أيديولوجيته وهذا ما جعل اللبنانيين يرون أنفسهم خاضعين لاحتلال أيديولوجي إيراني لا يريدونه. من هنا يرفض اللبنانيون الاستسلام لواقع قدرة حزب الله على فرض ما يريد.
المعارضون للحزب اتفقوا على مرشح يرونه المرشح المناسب وهو النائب ميشيل معوض نجل الرئيس الأسبق رينيه معوض الذي كان قد اغتيل بعد أسبوعين من انتخابه عام 1989. وبعد حصوله على أكثر من أربعين صوتا في جولات الاقتراع الأولى يريد مشيل معوض توحيد المعارضة لتشكيل غالبية برلمانية تؤدي إلى تغيير موازين القوى التي يفرضها حزب الله وإخضاع سلاح الحزب إلى سلطة الدولة. ويؤمن معوض بجعل لبنان بلدا يتمتع بالحياد الإيجابي ويكون جزءً من بيئته ومحيطه العربي ومتصالح مع نفسه ومع تعدديته وجزءً من الشرعية الدولية. كما أنه مقرب من واشنطن ويصف نفسه بأنه مرشح جاد ويصفه أنصاره بأنه مرشح التحدي ويرون فيه الرئيس الذي سيكون قادرا على الوقوف في وجه النفوذ الإيراني الذي يمثله حزب الله.
بتعطيل انتخاب رئيس جديد أصبحت جلسات البرلمان اللبناني مجرد فولكلور سياسي على حد تعبير أحد السياسيين اللبنانيين بينما تنتظر القوى السياسية تعليمات من رعاتها في الخارج مثلما حدث بعد الفراغ الرئاسي الذي سبق انتخاب ميشيل عون عام 2016 إذ لم يتمكن البرلمان من انتخابه قبل توافق القوى الإقليمية التي أرسلت تعليماتها كل للحزب الذي يتبعها.
يرى كثيرون أنه بات من الصعب تماما إيجاد تسوية وفق المعادلات الداخلية بدون اتفاق تام بين الأحزاب التي تسمي نفسها سيادية ولا يمكنها التأقلم مع ما تسميه “دولة حزب الله” ومعارضة للحزب حتى تتمكن من إيجاد الأغلبية اللازمة في البرلمان لانتخاب الرئيس التي تريده.
ما لم يحدث هذا فإن التسوية قد تأتي من الخارج وتفرض على لبنان عبر اتفاق تهندسه واشنطن وتشترك معها الرياض وباريس وربما إيران في إحدى المراحل. وبدلا من الدعوة لجلسة جديدة للانتخاب دعا رئيس المجلس النواب إلى التوافق. والتوافق هي كلمة السر التي تعني الموافقة على المرشح الذي يريده حزب الله ولم يفصح عن اسمه بعد وإن كان يُعتقد على نطاق واسع أنه سيكون سليمان فرنجية.
ومن الواضح أن تكتيك حزب الله في هذه الانتخابات سيكون تعطيل الانتخاب من خلال الورقة البيضاء في المرحلة الأولى أو تهريب النصاب في مرحلة ثانية ثم التأكيد على مرشحه في المرحلة الأخيرة. ولأن معارضي حزب الله لن يقبلوا بمرشح الحزب سيظل التعطيل قائما إلى حين حدوث التوافق الإقليمي الذي سيؤدي بالضرورة إلى التوافق اللبناني والخروج من نفق الفراغ الرئاسي.
لا شك أن الولايات المتحدة هذه المرة وكذلك المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية المهتمة بلبنان لن يسمحوا لإيران بفرض الرئيس الذي تريده. ولا بد أن هذه الدول ستتشدد في معارضة النفوذ الإيراني في لبنان متسلحة باحتمالات ضعف النظام الإيراني أمام استمرار الانتفاضة الشعبية. واستمرار الانتفاضة في إيران هو ما أعطى القادة اللبنانيين هذه الجرأة في انتقاد حزب الله ومواجهته هذه المواجهة العلنية التي لم تحدث من قبل. وللمرة الأولى ترفض المعارضة اللبنانية بصورة مباشرة وواضحة ومعلنة محاولات هيمنة حزب الله على انتخاب الرئيس أو فرض مرشح بعينه بعيدا عن العملية الديمقراطية.
تسود الأوساط السياسية اللبنانية غضبة شديدة على عهد الرئيس ميشيل عون وعدم رضى عن هذا العهد إذ ترى هذه الأوساط أنه لم يعمل لمصلحة لبنان أو استقلاله وسيادته وإنه كان تابعا لسياسات حزب الله. مثلما كان الحال مع عهد إميل لحود إذ تمتع الحزب في العهدين بنفوذ قوي أعطاه دعما كبيرا سمح له بالتمدد ماليا واقتصاديا وحماية مصالح حلفائه من الفاسدين والمهربين وكذلك اجتماعيا وأيضا سياسيا.
لبنان بحاجة إلى رئيس قوي مؤمن بسيادته وحريته وانتمائه العربي وقادر على مواجهة التحديات يعيده إلى توازنه السياسي في الداخل وتوازنه الإقليمي في علاقاته الخارجية ويحرره من النفوذ الإيراني وهيمنة حزب الله.
مع استمرار الأزمة في لبنان لا يبدو الحل قريبا ويخشى كثيرون من وقوع مواجهة قد تكون مسلحة بين المعارضة اللبنانية وحزب الله. واذا كان ما يقال في الإعلام اللبناني صدى لما يدور في أروقة الأحزاب التي تديره فإن ما قالته مقدمة نشرة تلفزيون (أو تي في) التابعة للتيار الوطني يعد مؤشرا عالي الخطورة عندما قالت “إما حكومة جديدة أو كارثة ومجهول ما بعده مجهول”.