حافة الانهيار.. قمة شرم الشيخ تدق ناقوس الخطر من جديد
- القمة الحالية في شرم الشيخ محاطة بتحديات جمة
- تواجه ثلاث أزمات مترابطة القمة الحالية
لا تفصلنا سوى أيام معدودة عن بدء أعمال قمة المناخ العالمية بمدينة شرم الشيخ، حيث كان من المفترض أن تنعقد في ظروف أحسن، بالمقارنة مع القمم الأخرى السابقة، بخاصة قمة غلاسكو/2021 التي طغت عليها آثار وباء كورونا والخلافات الدولية، الصينية-الأمريكية تحديداً.
وتشير المعطيات العالمية بأن القمة الحالية التي تنعقد في القارة السمراء، محاطة بتحديات جمة، بما في ذلك القضاء على سلة الغذاء السنوية التي توفرها لنا الأرض في بداية النصف الثاني من هذا العام. يضاف إلى ذلك في كل الأحوال، آثار الغزو الروسي لأوكرانيا، وتسارع مسارات المتغيرات المناخية وبقاء شبح وباء كورونا.
تواجه ثلاث أزمات مترابطة القمة الحالية، وقد تحتل كل واحدة منها مساحة واسعة في النقاشات والمقررات، لنَقُل التوصيات التي ستصدر عنها.
تتمثل الأزمة الأولى بسرعة ارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن الانبعاثات الحرارية في ظل التباطؤ العالمي في الالتزام بسياسات خفض الوقود الأحفوري.
وقد أعلنت هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة نهاية الشهر الفائت (نوفمبر 2022) أن عدم التزام الدول ببنود ومقررات اتفاقية باريس/2015 حول المناخ يضع العالم على طريق ارتفاع الحرارة بمعدل 2.6 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.
إن نمّ ذلك عن شيء، فإنما ينم عما نحن ذاهبون إليه بسرعة قياسية: حافة الانهيار، ذاك أن وصول درجات الحرارة الى 2.0 درجة مئوية فما فوق، يعني الانقراض الشامل لنصف الأنواع (النبات والحيوان) على الأرض، فضلاً عن تعرض أكثر من نضف مليار انسان الى موجات حرارة قوية وعنيفة.
تتجسد الأزمة الثانية في الحرب العدوانية التي أعلنتها روسيا ضد أوكرانيا اذ لم تعرّض الأمن الغذائي العالمي الى الخطر فقط، بل تركت آثاراً كبيرة على المناخ وعرقلت الجهود الدولية لأي اتفاق من شأنه خفض مستوى المخاطر المناخية. ومن المحتمل ان ينعكس كل ذلك على قمة شرم الشيخ ويقيد طموحات العالم للجم الانبعاثات. وتُعد عودة الكثير من البلدان الأوروبية الى سوق الفحم جراء قطع الغاز الروسي مثال واضح على ذلك، علاوة على الآثار الناجمة عن استخدام ذخائر عسكرية متقدمة وتساهم بدرجة كبيرة في تفاقم أزمة المناخ والأنظمة الأيكولوجية.
أما الأزمة الثالثة فهي اقتراض الغذاء من الأرض، ذلك أن ما توفره الأرض لما يقارب ثمانية مليار إنسان من الغذاء سنوياً، نفد قبل أوانه.
ففي العام الحالي، حيث لم يبق منه سوى شهر وثلاث أسابيع، صادف يوم تجاوز الأرض 28 تموز (يوليو)، وهو أقرب تاريخ على الإطلاق ولم يسبق للبشرية أن استهلكت سلة الغذاء أو الميزانية التجديدية السنوية للكوكب بشكل أسرع من ذلك. وبما أن البشرية لا تملك كوكب آخر لتكملة الأيام 156 المتبقية، فإنها تلجأ الى الاقتراض من الأرض!
ولكن.. ماذا يعني ذلك؟
منذ سبعينات القرن المنصرم، يحصل تجاوز الاستهلاك على ما تنتجه الأرض من الموارد، وحتى قبل ذلك، ما أدى تزايد القروض البيئية الهائلة. ولكن تجاوز الاستهلاك هذا العام بنسبة 75٪ عما توفره الأنظمة الأيكولوجية للكوكب من الموارد، إنه مثل العيش على أرض واحدة وثلاثة أرباع أرض.
كتب كل من بول بولمان وماثياس وكرناجل في مقال نشر بعنوان: كيف لا تترك أحدًا خلفك في عالم من التجاوز، “إن عدم قدرتنا على العيش ضمن وسائل كوكبنا الواحد هو في صميم التحديات الأكثر إلحاحًا للإنسانية.
وأدى استمرار التجاوز، منذ أكثر من نصف قرن، إلى انخفاض هائل في التنوع الأحيائي، وزيادة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وظواهر الطقس المتطرفة بما في ذلك موجات الحر، الجفاف، حرائق الغابات والفيضانات. لذلك فإن إدارة العجز البيئي المستمر هو عمل من أعمال السرقة بين الأجيال”.
إن الأسباب الثلاثة المذكورة مصحوبة بضغوط شديدة على الأمن الغذائي، وقد كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن ملامح منافسة شديدة على الغذاء والطاقة ما تسبب بحصول المزيد من التفاوت وعدم المساواة بين المجتمعات جراء عدم الاستقرار، والمزيد من الضغوطات على أسواق الغذاء. وتعود أسباب ديون الأرض على البشرية من جانب آخر إلى عدم تطابق أنماط حياتنا واستهلاكنا وبين محدودية الأرض الإنتاجية.
فاقمت هذه الفجوة الكبيرة بين الطلب المتزايد على المواد وقدرة الكوكب على انتاجها، انبعاثات الغازات الدفيئة التي تهدد تلبية الاحتياجات السنوية المتزايدة لسكان العالم، وأصبح جلياً، أننا نزيد طحن ثروات الأرض الطبيعية كل يوم ابتداءً من نهاية النصف الأول من كل عام إلى نهايته. يذكر ان العجز ذاته حصل في شهر تموز/ يوليو لعام 2019 وقضت البشرية على الموارد التي تمكنت الأرض من إنتاجها. وذلك بحسب بيانات شبكة البصمة الدولية.
المنطقة العربية والأمن الغذائي
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر هشاشة أمام هذا السيناريو، ذلك انها تقع في قلب الخارطة البيئية الحالية، بخاصة أن أجزاء واسعة منها قاحلة وصحراوية، فيما تواجه أجزاء أخرى منها تحديات كبيرة فيما خص ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة واتساع دائرة التصحر. وتعود أسباب ندرة المياه في المنطقة، إضافة إلى سنوات الجفاف المتتالية وقحولة مناخ أجزاء منها، الى الإدارة غير المستدامة، النمو الاقتصادي والسكاني الذي يتطلب الكثير من الماء، والطاقة، الغذاء والسكن.
بحسب تقرير له حول الواقع المائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعد الأشد ندرة في المياه على مستوى العالم، يؤكد البنك الدولي على أن أكثر من 60 في المئة من سكان أجزاء من هذه المنطقة تعاني من مستوى مرتفع أو مرتفع جداً من إجهاد المياه السطحية، مقارنة بالمستوى العالمي البالغ 35 في المئة.
ويتحقق أكثر من 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في أجزاء تعاني من إجهاد المياه السطحية عند مستوى يتراوح بين المرتفع والمرتفع جداً، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 22 في المئة. هناك بُلدان وفق التقرير ذاته بدأت باستهلاك مواردها المائية السطحية والجوفية، ما يزيد من الأخطار على الأمن الغذائي بشكل لم تشهده المنطقة عبر تاريخها، ناهيك بمخاطر ظهور أشكال جديدة من الصراع وعدم الاستقرار جراء البحث عن الموارد.
وعلى رغم الفقر المائي المدقع في أجزاء كثيرة منها، تتسم المنطقة باستخدام مفرط للمياه وغياب شبه كامل في استخدامها بشكل مستدام، ناهيك بإعادة نصف المياه العادمة (57 في المئة) الى البيئة دون معالجة، ما يعرض صحة السكان وسبل العيش والنظم البيئية إلى المزيد من التدهور. وتعد المياه المستخدمة بحسب الأبحاث الجديدة مصدراً غير تقليدي وتوفر فرصة كبيرة للاستثمار في الإدارة المتكاملة في المدن، وكذلك في الزراعة وإعادة الشحن الاصطناعي للمياه الجوفية.
ويمكن التطرق في السياق ذاته الى أهمية اجراء التغييرات في النظام الغذائي للحيلولة دون تعرض السكان الى الفقر الغذائي. وبحسب قاعدة بيانات شبكة البصمة الدولية، أن استبدال 50 في المئة من استهلاك اللحوم بالأغذية النباتية، من شأنه المساهمة في ضمان جزءً من الأمن الغذائي، ذلك انه يؤجل تاريخ يوم تجاوز الموارد 15 يوماً. أما تخفيض الانبعاث الكربوني في الجو بنسبة 50 في المئة، فيساهم في تأجيل تاريخ التجاوز على الموارد أكثر من ثلاثة أشهر. والسبب هو ان إنتاج اللحوم وتربية المواشي، الى جانب احتياجهما للمزيد من المياه، ينتجان كميات هائلة من غازات الميثان، ما يعتبر سبباً رئيسياً للاحتباس الحراري، فيما تشكل انبعاثات الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري 60 في المئة من البصمة البشرية على البيئة.
التكيف، ولكن كيف؟
يتم غالباً الحديث عن التكيف مع آثار أزمة المناخ، ولكن كيف وما هي السبل المتاحة لذلك؟ مع الإشارة الى ان الدول المسؤولة عن النسبة الأعلى من الانبعاثات الحرارية لم تلتزم الى اليوم بتقديم المساعدات المطلوبة للدول المتضررة جراء الأزمة فيما لا يمكن مقارنة انبعاثاتها الحرارية مع الكميات التي تطلقها الدول الصناعة الكبرى، الصين والولايات المتحدة في مقدمتها.
سوف يحتل الحوار حول تقديم 100 مليار دولار للدول الفقيرة، منها دول عربية، مساحة كبيرة في أروقة قمة شرم الشيخ، انما لا يأتي التكيف بالمساعدات وحدها؛ انه امر يقتضي رسم سياسة بيئية جديدة قادرة على تغيير الأنماط المعتادة في استهلاك الموارد. لم تعد المسألة تقديم الغذاء فقط، بل هي إدارة متكاملة لجميع الموارد الطبيعية والاصطناعية، كما انها إعادة تفكير في الطبيعة وما توفره من الموارد بناءً على حلول مستدامة تكون المجتمعات جزء حيوياً منها.
قصارى القول، أنها مسألة مرتبطة بالاستقرار ومنع نشوب صراعات محلية وإقليمية بحثاً عن الموارد، إنها أيضاً مسألة وجودية ولا يمكن التأجيل الحديث عنها الى القمم القادمة.