بنيامين نتانياهو أطول زعماء إسرائيل حكماً
- من بين 56 نائبًا معارضا لزعيم الليكود هناك 45 نائبًا من اليمين الإسرائيلي
- وصل اليمين المتطرف إلى تلك النتائج بفضل دعم المتطرفين في المجتمع الإسرائيلي
خمسة انتخابات خلال ثلاث سنوات ونصف تعد رقما قياسيا في ميزان الانتخابات النيابية في العالم لكنها في إسرائيل مرت بصورة عادية بل أن البعض تحدث عن إمكانية انتخابات سادسة خلال ستة أشهر إذا لم تستطع الأحزاب الفائزة من تشكيل حكومة مستقرة.
كانت المعركة الانتخابية الأخيرة غريبة بعض الشيء. فهي لم تكن بين يمين ويسار أو بين لبراليين ومحافظين بل كانت بين موالين لرئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتانياهو والمعارضين له وبشكل أوضح بين يمين متطرف ويمين أكثر تطرفا، وهذا ما بدأ يثير الذعر لدى اليسار الإسرائيلي وكذلك لدى المجتمع العربي في إسرائيل.
من بين 56 نائبا معارضا لزعيم الليكود هناك 45 نائبا من اليمين الإسرائيلي. وفي معسكر نتانياهو وتعداده 64 نائبا فكلهم من اليمين وبينهم كتلتان من أقصى اليمين الأولى كتلة النائب بن غفير زعيم جماعة تسمي نفسها (العظمة اليهودية) وكتلة النائب أرييه درعي زعيم حزب شاس المتدين.
في هذه الانتخابات أعاد اليمين الإسرائيلي إنتاج ذاته ليقوم بتوجيه الدولة الإسرائيلية، نحو تطرف لم تمر به من قبل، الأمر الذي يخلق نوعا من القلق على مستقبل “الديمقراطية” في إسرائيل.
وقال معلقون إسرائيليون إن ما يجري قد يقود إلى دولة عنصرية وفاشية تقودها حكومة تحمي الفساد مستذكرين أن زعيم حزب شاس الذي سيشارك في الحكومة سبق أن أدين بتهم فساد وان نتانياهو نفسه لا يزال يحاكم بتهم فساد وسوء ائتمان.
القاسم المشترك بين جميع الأحزاب الإسرائيلية هو استمرار الاحتلال للضفة الغربية واستمرار إهمال المجتمع العربي في إسرائيل. وإذا ما استلم ممثلو اليمين المتطرف وزارات مهمة مثل الدفاع أو الأمن الداخلي فإن النتائج ستكون كارثية على الفلسطينيين لأن نتانياهو لن يستطيع كبح جماحهم فهم الذين أوصلوه إلى منصبه. وقد كان سعيه إلى المنصب في الأصل ليس حبا في السلطة ولكن تهربا من المحاكمة لأنه يسعى إلى تعديل قوانين القضاء ليحظى بالإعفاء من المحاكمة والتخلص من عقوبة السجن التي تنتظره عندما يخرج من الحكومة. وقد بذل نتانياهو جهودا خارقة للفوز لأن الفوز كان المخرج الوحيد الذي ينقذه.
وصل اليمين المتطرف إلى تلك النتائج في الانتخابات بفضل دعم المتطرفين في المجتمع الإسرائيلي الذين تزايد عددهم في السنوات الأخيرة بسبب تساهل السلطات معهم. لكن هذا ليس السبب الوحيد في ذلك. فالمعروف أن نظام الانتخابات في الكنيست يوزع المقاعد بنسبة معينة من إجمالي صوات المقترعين. تراجع أعداد المقترعين العرب وعزوف المجتمع العربي في إسرائيل عن المشاركة بفاعلية في هذه الانتخابات ساهم في تحقيق فوز اليمين. فهناك كتلة عربية هي كتلة البلد لم تفز بأي مقعد وضاعت أصواتها.
في انتخابات 2020 عملت الأحزاب العربية معا بصورة جيدة ففازت بخمسة عشر مقعدا وصنعت فرقا مهما. لكنها هذه المرة بسبب تفرقها وانقسامها وتقاعس اتباعها لم تفز إلا بعشرة مقاعد وهذا لا يعطيها أي نوع من التأثير لا في لجان الكنيست ولا في تشكيل الحكومة ولن يسهم في توفير الخدمات التي عادة ما يقوم النواب العرب في الكنيست بالضغط من أجل الحصول عليها لبلداتهم وقراهم.
بل أن عدم المشاركة العربية في التصويت بشكل فاعل هذه المرة حيث لم تزد نسبة المشاركة عن 44 في المئة ساهم في فوز كتلة بنيامين نتانياهو. بينما كان إقبال المتدينين اليهود على التصويت لأحزابهم عالية جدا. وبعد ظهور النتائج المخيبة لآمال المجتمع العربي في إسرائيل بدأ هذا المجتمع يلوم نفسه على التقصير واكتشف غلطته الكبرى التي تمثلت في انقسام الأحزاب أولا وفي العزوف عن التصويت ثانيا.
يعود بنيامين نتانياهو إلى الحكم بصورة دراماتيكية بعد أن حققت كتلته الانتخابية بالتحالف مع اليمين المتطرف أغلبية مريحة تتيح له إمكانية تشكيل الحكومة. وبوجوده في السلطة من جديد ووجود نائب يتولى حقيبة الأمن الداخلي مثل بن غفير الذي يدعو علنا إلى طرد النواب العرب من الكنيست لن يكون المجتمع العربي في إسرائيل بخير. وبرغم أن نتانياهو صرح كثيرا بأن حكومته ستخدم جميع المواطنين قاصدا العرب إلا أنه في الواقع شخص غير جدير بالثقة عند العرب في إسرائيل.
اعتاد بنيامين نتانياهو أن يُفاجئ الجميع عند تشكيل الحكومة ولذلك فقد يضم إلى تشكيلته الوزارية بني غانتس المتحالف مع خصمه يائير لابيد لكن هذا الإجراء قد يغضب حلفاءه اليمينيين إلا أنه يستطيع السيطرة على غضبهم وإسكاتهم وإقناعهم بما يريد. ومن عادته أن يجعل معه في الوزارة وزير أو اثنين يتشاجران مع باقي الوزراء لينشغلوا عنه. ووجود وزير متطرف مثل بن غفير في الحكومة سيشكل تغييرا صادما في التركيبة السياسية الإسرائيلية وسيكون بداية صراعات حزبية قد تعيد إطاحة الحكومة.
فإذا انصاع بنيامين نتانياهو لمطالب هؤلاء الحلفاء ومنحهم في حكومته الجديدة مناصب وزارية سيادية فالتفسير الوحيد لذلك هو أن إسرائيل ستغرق في التطرف وتذهب إلى اقصى اليمين وفي هذا دمار لكل الإنجازات “الديمقراطية” التي تمت في السبعين سنة الماضية لكن الخاسر الأكبر سيكون المواطن العربي الفلسطيني.
الآن يحاول اليسار الإسرائيلي لملمة جراحه ومحاولة إعادة بناء تشكيلاته الحزبية بعد هذه الخسارة العميقة. كذلك الأحزاب العربية تحتاج الآن إلى مراجعة ليس فقط في أمر مشاركتها في الانتخابات القادمة بل أيضا في توحيد صفوفها. فالعرب في إسرائيل يشكلون عشرين في المئة من مجموع السكان ومشاركتهم الكثيفة في التصويت ستمنحهم قوة برلمانية قد تصل إلى 22 أو 24 مقعدا وبهذا يمكنهم التحكم ليس فقط في تمرير أو عدم تمرير القوانين بل أيضا في تشكيل الحكومة وبقاءها أو إسقاطها.
لكن العرب في إسرائيل يشعرون منذ سنوات بأنهم مهمشون ومحبطون وهذا وضع لا يشجعهم على المشاركة بحيوية في الحياة السياسية. وهو ما أضعف البنية التحتية للأحزاب العربية ففرقها وقسمها فاصبح من الصعب عليها أن تخوض الانتخابات اعتمادا على نفسها. ويرى بعض الحزبيين العرب في إسرائيل أنه مهما كان عد نوابهم في الكنيست فهم لا يؤمنون بديمقراطية إسرائيل وبالتالي فإن مشاركتهم في الانتخابات ترشيحا وتصويتا لن تحل مشكلات مجتمعهم.
المجتمع العربي في هذه الانتخابات ظل مترددا؛ الأمر الذي أضعف المرشحين العرب وكان لذلك تأثير سلبي على نسبة التصويت التي سمحت لمعسكر نتانياهو تحقيق فوز لم يكن يحلم به. ويرى محللون فلسطينيون أن المرشحين العرب انفسهم في هذه الانتخابات لم يقدموا برامجهم بشكل يقنع الجمهور بالمشاركة.
شكلت هذه الانتخابات وربما للمرة الأولى صراعا شخصيا بين نتانياهو وخصومه. وحتى بالنسبة له كانت أيضا معركة شخصية لإنقاذ نفسه من الإدانة بالفساد.