قمة شرم الشيخ عهد جديد لمواجهة أزمة المناخ
كلام الحكومات
الجديد في قمة شرم الشيخ المناخية هو إقرار مناقشة مسألة تمويل الخسائر للدول الفقيرة والمتضررة كي تتمكن من التعامل مع العواقب الناجمة عن تغير المناخ. يُقدر هذا التمويل بنحو 100 مليار دولار سنويا من الدول المسؤولة عن القسم الأكبر من الانبعاثات إلى الدول الفقيرة والأكثر تضررا جراء تغير المناخ.
وترفض الدول الغنية منذ أكثر من عقد إجراء مناقشات رسمية حيال الخسائر والأضرار أو الأموال التي من المفترض منحها لمساعدة البلدان الفقيرة لمعالجة آثار ارتفاع درجة حرارة الأرض.
مع ذلك لن تضمن مناقشات الخسائر والأضرار المدرجة على جدول أعمال قمة شرم الشيخ (كوب 27) تقديم تعويضات أو الاعتراف بالمسؤولية بالضرورة، ولكنها بحسب وزير الخارجية المصري سامح شكري رئيس الدورة الـ27 للمؤتمر، تهدف إلى قرار حاسم في موعد لا يتجاوز 2024.
تكمن المشكلة الرئيسية هنا حيث لا تعترف الدول الصناعة الكبرى بما فيها الاقتصادات النامية المسماة بالدول الناشئة بمسؤوليتها عما وصلت اليه البشرية من الدمار والأضرار بالنظم الأيكولوجية للأرض. ولكن رغم ذلك، يعد ادراج تعوض الخسائر نصف اعتراف بالمسؤولية.
أما القديم في القمة، فتتمثل بوجوده عديدة، أولها تسارع الانبعاثات الحرارية بشكل مخيف ووصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ “انتحار جماعي” للبشرية. ويمكن وصف غياب الرئيس الصيني عن القمة بقديم آخر، ذلك انه غاب في قمة غلاسكو العام الماضي أيضاً، وتهرّب بذلك من التزامات الصين الدولية تجاه أزمة المناخ التي حالت لليوم دون استجابة طموحة لها. وتقف الصين على رأس قائمة الدول الأكثر انبعاثاً للكاربون إذ تصل مشاركتها الى (30٪) من الانبعاثات عالمياً، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة (15.2٪).
هناك قديم آخر يتكرر في جميع القمم وهو مراجعة كيفية تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ التي تهدف إلى منع تجاوز حرارة الكوكب عتبة 1.5 درجة مئوية، فيما تشير التوقعات الى ان السخونة ستتضاعف اذا بقي “التقاعس” سيد الموقف ويؤدي الى المزيد من الأضرار بالبشرية والأنظمة الأيكولوجية.
تاريخ المسؤولية والأضرار
منذ الثورة الصناعية التي تعود بدايات ظهورها الى عام 1750، تعد الدول الصناعية الكبرى مسؤولة عن زيادة الغازات الدفيئة في الجو، وذلك بسبب النشاط الاقتصادي والزراعي المكثف، ناهيك بالمزيد من الطلب على مصادر الطاقة. وهذا ما يعنيه الاعتراف بالمسؤولية وتعويض الدول المتضررة جراء تغير المناخ في القمم المناخية؛ أي ان الدول التي سببت الاحترار الكوكبي تتكفل بتعويض الدول المتضررة والفقيرة، بينما هي ليست مسؤولة عن الأزمة المناخية التي يعيشها العالم اليوم بسبب الانبعاثات الكربونية.
ولكن ماذا بخصوص مسؤولية الدول التي تسمى بالناشئة مثل الصين، الهند، البرازيل، تركيا، كوريا الجنوبية وإيران، وما الآثار التي تتركها على الأرض، وهل يمكن مقارنة مشاركتها في الانبعاثات مع انبعاثات الدول الصناعية التقليدية كما يم تعريفها؟ يقتضي مثل هذا السؤال مقارنة البيانات المتعلقة بالانبعاثات الحرارية لكل دولة حسب نسبة مشاركتها وليس تاريخ وطول مشاركتها، لأن الاعتماد على السرد التاريخي للغازات الدفيئة لا يؤدي سوى الى ارجاء الكارثة المناخية.
لو قارنّا بين دولة صناعية متقدمة مثل بريطانيا والتي تعتبر مهد الثورة الصناعية وبين دولة ناشئة مثل الصين، نلاحظ بأن المملكة المتحدة البريطانية أطلقت منذ عام 1750 الى اليوم 78 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بينما أطلقت الصين منذ 2013 الى اليوم 80 مليار طن من الكربون الى الغلاف الجوي. تبدي المملكة المتحدة انفتاحها على دفع “تعويضات المناخ” للبلدان المتضررة والمعرضة أكثر لآثار تغير المناخ ولم تعارض الحكومة البريطانية اقرار قصية التعويضات في قمة Cop27 الجارية، انما من غير المرجح أن تكون الصين طرفاً في هذا الملف، لأنها لا تزال تعتبر نفسها دولة ناشئة.
من الناحية التاريخية، تتصدر الصين 14 في المئة من جميع الانبعاثات الحرارية عالمياً، ولم تتجاوزها في ذلك سوى الولايات المتحدة التي تعد مسؤولة عن أطلاق 25 في المئة من جميع الانبعاثات عبر التاريخ؟
كلام الناس
أثناء القمم المناخية يطغي الكلام الرسمي على مجمل المشهد الإعلامي والسياسي، ويبرز الى جانب الكلام الحكومي نشاط المنظمات البيئية والحقوقية، بخاصة ان جزء كبير من السجال حول المناخ يتعلق بالعدالة المناخية على مستوى الدول والمجتمعات. ولكن هناك كلام آخر يقال في الصمت أحياناً، أو توثقه المؤسسات الأكاديمية من أجل رسم السياسات العامة وصناعة القرار. وبما ان المسألة المناخية تستلزم الاستجابة والحلول، لا يمكن الاكتفاء بكلام الحكومات ولا بمواقف المنظمات البيئية فقط، ذلك ان الرأي العام غير المعلن يكشف النقاب عن زوايا كثيرة من التحديات الراهنة، البيئية منها، والاقتصادية والأمنية وتلك المتعلقة بالغذاء والتعليم والصحة.
قبل انعقاد قمة شرم الشيخ باسبوعين صدر عن مركز الباروميتر العربي التابع لجامعة برينستون الأمريكية استطلاع رأي مهم حول الأزمات المناخية والبيئية في العالم العربي. ويجمع الاستطلاع الذي اجراءه المركز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين عامي 2021-2022 آراء 26 ألف مواطن عبر المنطقة تجاه البيئة والتغير المناخي. ويشمل الاستطلاع كل من العراق، اليمن، مصر، تونس، المغرب، الجزائر، لبنان، السودان، فلسطين، الأردن، الكويت، ليبيا وموريتانيا.
ويرى أغلب الناس في جميع الدول التي شملها الاستطلاع أنهم مسؤولون كأفراد مع الحكومات عن الإسهام في التحديات البيئية التي تواجه المنطقة. هذا الرأي وفق مركز الباروميتر العربي سائد بغض النظر عن الاختلافات الديمغرافية في أغلب الدول المُستطلَعة حيث يتفق الناس عموما مع هذا الرأي رغم الاختلافات في السن ومستوى التعليم والدخل والنوع الاجتماعي. في جميع دول الاستطلاع، يرغب الكثير من المواطنين في أن تبذل حكوماتهم المزيد من الجهود لمواجهة تغير المناخ. وبالمقارنة بقضايا أخرى، مثل انعدام الأمن الغذائي أو الدعم والمساعدات أو التعليم، يشير الاستطلاع الى ان تصنيف ملف البيئة يأتي في قاع أولويات الإنفاق الحكومي والمجالات المفضلة للمساعدات الخارجية، في تقدير المواطنين.
تستحق نقاط كثيرة في الاستطلاع التوقف والتحليل ليس من جهة رسم السياسات المحلية فحسب، بل حتى يمكن وضعها في سياق أية مفاوضات مستقبلية حول “التعويضات المناخية”، لأنها تدخل ضمن عمليات إشراك المجتمعات المحلية في رسم السياسات. كما انها تحدد القضايا الملحة في حياة المواطنين اليومية مثل المياه، إدارة المخلفات وجودة الهواء من جانب، انعدام الأمن الغذائي واللااستقرار الاقتصادي والتعليم من جانب آخر.
بناءً عما ذكر، لا يمكن النظر إلى قضية المناخ من زاوية ضيقة وبعيدة عن مصالح المواطنين والهموم اليومية التي تشغلهم. تالياً، يعد توفير الأمن الغذائي وفق خطط مستدامة في استغلال الموارد الطبيعية جزء من حماية النظم الأيكولوجية التي نعيش عليها، كما يمكن اعتبار إشراك الخبرات التاريخية للسكان المحليين في مثل هذه الخطط شكلاً من أشكال مواجهة آثار أزمة المناخ والتأقلم معها. من هنا تأتي أهمية ربط طموحات المواطنين بالقضايا المناخية وحماية النظم البيئية.
وفي ذات السياق، يشكل إدخال القضايا البيئية والمناخ إلى مناهج التربية والتعليم مع توفير العدالة الاجتماعية عتبة جوهرية لتأسيس جيل واع بالتحديات المناخية والبيئية. نحن بحاجة ماسة لتنشئة جليل جديد قادر على استغلال الطبيعة ليس كمصدر لانهائي كما فهمت البشرية منذ ظهور Homo Sapiens، بل كجزء منّا ومن جميع الأنواع الأخرى على الأرض.
وبما أن قضايا الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي والتعليم والبنى التحية والخدمية، تسبق الأزمة المناخية وسبل تقليل الكربون في وعي المواطنين، يمكن لواضعي السياسات العامة جعل تلك القضايا المفتاح الرئيسي في ملف التعويض المناخي والمفاوضات الإقليمية والدولية القادمة؛ وهناك عام كامل للعمل على هذه القضايا الى حين انعقاد القمة القادمة في دولة الإمارات.