الترجمة غير السليمة قد تدمر جهود منتجي أفلام كبار
عندما تقرر أن تقدم خدمة للمجتمع أرجوك فكر ألف مليون مرة قبل أن تقدمها من وجهة نظرك لأنها أحيانا تدمر ما تفعله، حاول أن تتبني وجهة نظر حيادية علي الأقل واترك الحكم على كل من يختار خدماتك التي يشكرك الجميع عليها، إنها النصيحة التي أتمني أن يتقبلها مني كل من يجتهد ويحاول أن يوفر على المشاهدين للأفلام الأجنبية عناء البحث عن ترجمة ويقرر الاجتهاد بترجمة هذه الأعمال بمجهوده الشخصي، لكن هذا المجهود أحيانا ما يصدمك خصوصا عندما تقرأ عبارة ”استغفر الله العظيم“ .. أو ”أعتذر عن ترجمة هذه العبارة لأنها خادشة للحياء“، أو ” ايه السفالة دي“!!
هذه العبارات الغريبة قد تجدها على مشهد لبراد بيت أو نيكولاس كيدج وسلمى حايك وقطعا مستحيل أن يقول براد بيت ايه السفالة دي أو أن تقول جوليا روبرتس أستغفر الله العظيم لكنها العبارات التي يقرر مترجم الأفلام الأجنبية المنحاز لأفكاره استخدامها لاعتبارات يجدها أخلاقية أو ضعف في الترجمة أو استخفاف بعقول الغلابة الذين يتابعون ترجمة حضرته ولا يفرقون بين آرائه الشخصية التي لا يجب أن تكون في الفيلم وبين ما يقوله أبطال الفيلم لدرجة أنني فوجئت بأحد المترجمين يكتب في بداية أحد الأفلام قائلا: “هذا الفيلم يحتوي على بعض المشاهد الساخنة وللأسف البطل سوف يموت في النهاية”!
هكذا قرر المترجم “السخيف” وضع لمساته السحرية على عمل تكلف ملايين الدولارات وكان من المفترض أن يقيمه المشاهد سواء بالسلب أو الإيجاب حسب رؤيته الشخصية لكن الأخ الذي يبدو أنه خريج إحدى المعاهد المضروبة التي تعلم فيها كيفية إدخال تعديلات على برامج الكمبيوتر ورص العبارات المترجمة للعربية قرر أن الفيلم لا يرقى لمستوى المشاهدة ولابد من إفساد القصة قبل بدايتها بعبارتين من صنع خياله المثير للدهشة!
عبارتان قرر من خلالها محو تاريخ كامل من الاجتهاد والعمل والتكنولوجيا بدأت بوضع بعض العبارات البسيطة وقت السينما الصامتة حيث تابع منتجو تلك الأفلام أن بعض التفاصيل تضيع من الجمهور ولا يستطيعون فهمها ولهذا بدؤوا فى وضع عبارات صغيرة داخل الفيلم ليظهر فى نهاية الثلاثينات بعض عبارات توضيحية تحت عدد من المشاهد لتوضيحها مثلما يحدث في بعض أفلام السينما الصامتة وأشهرها أفلام شارلي شابلن مثلا.
من بعد هذه الفترة الصعبة خرجت السينما من حدود الصمت إلى الحوار والمؤثرات الصوتية التي تطورت مع الأيام ليصبح المشاهد العربي في حاجة لمعرفة ما يحدث على لسان الأبطال وفهم الأحداث التي تدور على الشاشة أمامه وهنا ظهرت الحاجة الملحة لوجود شخص يشرح أحداث الأفلام الأجنبية ويتحدث بلسان أبطالها لكن باللغة العربية وبالفعل ظهرت فكرة “المترجم” الفوري الذي كانت تستعين به بعض دور العرض ليشرح للمشاهدين المشاهد الحوارية الصعبة وكأنهم تلاميذ أمام مدرس اللغة الإنجليزية في الفصل، وطبعا لم تنجح هذه المحاولات البسيطة إلى أن ظهر اسم العملاق أنيس عبيد الذي قاد مرحلة بداية الترجمة الإحترافية، أنيس عبيد سافر لدراسة الهندسة في فرنسا وهناك وجد إعلانا في الجامعة عن دورات تدربية لكيفية دمج الترجمة المكتوبة على شريط السينما وبدأ في تنفيذ الترجمة على أول فيلم طويل وهو فيلم «روميو وجولييت» الذي نجح نجاحًا ساحقا وقتها وأصبحت الترجمة هي أساس الفيلم الأجنبي.
توفي أنيس عبيد وظهر الإنترنت ليتفنن “الهاكرز” والمبرمجون في تحميل معظم الأفلام العالمية لدرجة أنك أصبحت تشاهد أهم الأفلام التي تحصد جوائز الأوسكار بعد عرضها في هوليوود مباشرة بينما معاليك تجلس لتشرب الشاي بالحليب أمام الكمبيوتر الشخصي وعندما تصطدم بأن الفيلم لا يحمل معه الترجمة باللغة العربية كل ما عليك هو أن تكتب على أحد محركات البحث “ترجمة فيلم كذا بالعربية” لتجد مئات الاجتهادات الشخصية التي يشارك بها أساتذة الترجمة الإلكترونية عبر الإنترنت وهم الذين يتحول أعظم الأفلام العالمية مع بعضهم إلى درس ركيك في قواعد اللغة والنحو والصرف والآراء الشخصية التي قد تتسبب بنوبات ضحك مستمرة بينما أنت تشاهد فيلم درامي سودوي قاتم!
الأزمة الحقيقية هى أن معظمنا يلجأ لهذه المساهمات في ترجمة الأفلام ولا أحد يحاول فرض رقابة أو وضع مسؤولية علي ما يحدث من تشويه وإفساد للحوار بل والسيناريو في تلك الأفلام المترجمة لأن الحال مثل كل ما يحدث خلال الإنترنت من عبث واستهتار وحقوق ضائعة ولهذا لا أخجل من الاعتراف بأن مشكلة الترجمة لن يكون لها حل بعد الآن لكني في نفس الوقت أرجو كل مجتهد أن يراعي ضميره ويراعي الصناعة التي تتكلف مليارات الدولارات غير الفكر والإبداع والمجهود الذي يضيع بسبب وجهة نظر المترجم أو تحفظاته الشخصية أو ربما لأن المدام “خانقة “ عليه في البيت!