فيفا واجهت اتهامات بالفساد هزت أركانها
- عاد الفيلم الوثائقي إلى عام 1904 وهي السنة التي تشكل فيها الفيفا
- بعد انتخابه وعد هافيلانج بتطوير اللعبة لا سيما في الدول النامية
- حصل بلاتر على 111 صوتا، مقابل 80 صوتا ليوهانسين
فيلم وثائقي من 4 حلقات، الأولى منها أقل من الساعة بدقائق، بدأت ببث الأحداث الرياضية في 27 مايو من العام 2015، والتي “زلزلت فيفا” وعالم كرة القدم، حيث تم القبض على متورطين في عمليات فساد، ومنهم 7 مسؤولين كبار في “فيفا” قبض عليهم صباح الأربعاء في الفندق الذي يقيمون فيه في مدينة زيورخ السويسرية.
وزارة العدل الأمريكية اتهمتهم بإثراء أنفسهم على مدى عقدين من خلال الرشاوى، والعمولات التي بلغت أكثر من 150 مليون دولار.
وكان من بين المتهمين الذين قُبض عليهم: “جيفري ويب، رئيس اتحاد كرة القدم لأمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي، وجاك ورنر، نائب رئيس فيفا السابق، وإدواردو لي، رئيس اتحاد كرة القدم في كوستاريكا، ويوجينو فيغيريدو، رئيس اتحاد كرة القدم في أمريكا الجنوبية، وخوسيه ماريا مارين، البرازيلي وعضو لجنة فيفا.
عملية المداهمة كانت قبل يومين من اجتماع أعضاء فيفا في زيورخ لحضور الاجتماع السنوي، وفيه كان يسعى رئيس فيفا -حينها- سيب بلاتر، إلى إعادة انتخابه في المنصب لفترة خامسة، في منافسة مع الأمير على بن الحسين، منافس بلاتر على رئاسة المنظمة، على أنباء القبض على مسؤولي فيفا بقوله “إنه يوم حزين لكرة القدم”.
بطاقة حمراء للفيفا
في بداية الحلقة الأولى من الفيلم ظهرت مشاهد مُسلجّة لـ”لوريتا لينش”، المحامي العام للولايات المتحدة وقالت فيها: “نحن هنا للإعلان عن فض الختم عن التهم، واعتقال أشخاص، كجزء من تحقيقنا طويل الأمد حول الرشوة والفساد في عالم كرة القدم المنظمة، وتضم لائحة الاتهام 47 تهمة ضد المتهمين، منها “الابتزاز، والاحتيال الإلكتروني، ومؤامرات تبييض الأموال” على مدار عقدين من الزمان”.
أضافت لينش: “تحملوا مسؤوليات مهمة على كل المستويات، من بناء ملاعب كرة قدم للأطفال في الدول النامية، إلى تنظيم كأس العام، كان من المتوقع أن يلتزموا بالقوانين التي تحافظ على شرف كرة القدم، وحماية نزاهة اللعبة بدلا من ذلك أفسدوا أعمال كرة القدم العالمية لخدمة مصالحهم، وتحقيق الثروات لأنفسهم”.
ووفقًا للعمل الوثائقي الذي عرض على منصة “نتفليكس”، فإنه لفهم كيفية تجذر الفساد في كرة القدم في أماكن مختلفة من العالم، فإن يجب الرجوع لمعرفة أصول الفيفا، كيفية نشأتها وتطورها.
كيف نشأت الفيفا وكيف تطورت؟
عاد الفيلم الوثائقي إلى عام 1904، وهي السنة التي تشكل فيها الفيفا على يد اتحادات كرة القدم الأوروبية، وكان جميع رؤساء تلك الاتحادات هواة، ولا يملكون المال، ومرت سنوات ومعها انطلقت الأفكار، حتى جاء العام 1930 وهو الذي شهد أول نسخة من كأس العالم لكرة القدم للرجال، ومرت عقود وانتشرت كرة القدم بشكل هائل في جميع أنحاء العالم، على الرغم من صغر حجم الفيفا كل هذه العقود، وكان مقر المنظمة التي يديرها مجموعة من الهواة، مبنى صغير في وسط مدينة زيوريخ، حتى جاء العام 1974.
في ذلك الوقت، كان رئيس الفيفا مدرب كرة القدم، الإنكليزي البارز ستانلي راوس، وتحداه في الانتخابات السباح البرازيلي جواو هافيلانج، وكان رئيسا للاتحاد البرازيلي لكرة القدم.
خاض هافيلانج الانتخابات بدهاء، ولأسباب عدة لم تخلوا من السياسة، وبعض المغلفات البنية التي تمتلئ بالنقود، والتي تم توزيعها على عدد من أعضاء الوفود في أحد فنادق “فرانكفورت” -حيث الجمعية العمومية- فاز السبَاح البرازيلي، بعد فرز الأصوات في جمعية الفيفا العمومية في 11 يونيو 1974، وحصل على 68 صوتًا مقابل 52 لراوس، لتتغير الفيفا إلى الأبد، ويتغير شكل ودور كرة القدم في العالم، حيث تحولت الفيفا من كونه ناديًا بين الأصدقاء وهم الأوروبيون المهتمون باللعبة، وتحول إلى عمل وصناعة.
سيب بلاتر والتحول الجذري
بعد انتخابه، قطع هافيلانج وعودًا لتطوير اللعبة، لا سيما في الدول النامية ومنها إفريقيا، ولكن كانت المشكلة التي تقف عائقا أمام الفيفا هي عدم امتلاك الأموال، لتنفيذ هذه البرامج والأفكار، وحينها انضم سيب بلاتر إلى الفيفا.
تلقى بلاتر مكالمة هاتفية في أكتوبر من العالم 1974، من الفيفا جاء فيها: “هافيلانج يبحث عن شخص يمكنه تطوير اللعبة”.
بدأت رحلة بلاتر في تطوير اللعبة من خلال مجموعة من الأفكار التي احتاجت للمال، وهو ما وجده في البداية بالشراكة مع شركة كوكاكولا، وتم عقد مؤتمرا صحفيا في العام 1976 للإعلان عن الدعم الذي قدمته شركة المياه الغازية للمنظمة الرياضية، من أجل “برامج التطوير، ومسابقات الشباب”. وبهذا تبدأ فكرة ورحلة الرعاية الحديثة برامج التطوير. وكانت بداية المنظمة بشكلها الجديد.
وبعد حصول الفيفا على دعم كوكاكولا، تبعها شركات أخرى ترغب في تقديم الدعم، والحصول على الشراكة، مثل شركة أديداس التي أعلنت توفيرها للمعدات، ثم شركة “كيه إل إم”، ثم شركات عدة في أول 4 سنوات من عمل بلاتر تحت قيادة هافيلانج، حيث بِيعت حقوق رعاية ضخمة لأول مرة في تاريخ المنظمة.
شركات الرعاية بدأت تربط نفسها بكرة القدم، لرعاية كأس العالم في 1978، وهي البطولة التي أقيمت في الأرجنتين، وهو ما جلب أموالا طائلة للفيفا، التي حولت كرة القدم إلى “منتج” يمكنها بيعه بمليارات، ويوفر لها السلطة والنفوذ.
وشهدت هذه النسخة من كأس العالم (1974) دعوات للمقاطعة، وذلك لاتهام السلطة العسكرية الحاكمة حينها – والتي استولت على الحكم قل عامين من إقامة البطولة – بالقمع والديكتاتورية، ومع تغير النظام تعرض الاقتصاد الأرجنتيني إلى أزمات، ولكن أصرت السلطة على إقامة الحدث الكروي الأبرز عالميًا، وذلك وفق خبراء لـ”التبييض الرياضي”.
فشلت دعوات المقاطعة، وحصلت الأرجنتين – الدولة المنظمة- على بطولة كأس العالم.
هورست داسلر ودوره في فساد هافيلانج
بعد الانتهاء من البطولة، بدأت مباراة من نوع آخر، لعبها رئيس الفيفا هافيلانج، وكان معه فيه هورست داسلر، المالك الألماني لشركة أديداس، والتي كونت علاقة متشابكة مع الفيفا، ووفقا للتقارير التي استند عليها الفيلم الوثائق، فإن أديداس التي سعت لتولي التسويق العام لنسخة كأس العالم في 1982 في إسبانيا، ووضع داسلر دفعة في العقد لـ”هافيلانج” من أجل التأكد من حصولهم على الحقوق. وهكذا حصل رئيس الفيفا على الأموال مقابل منح حقوق التسويق.
ومع تطور التلفاز، أصبحت حقوق مشاهدة الأحداث قيمة للغاية، فانتقل هورست داسلر إلى التسويق الرياضي، وبدأ في شراء حقوق البطولات من الفيفا، ومن ثم بيعها إلى جهات البث، وبهذا الشكل بدأت الأموال تتدفق إلى رئيس المنظمة “من تحت الطاولة”.
في الأثناء، كان سيب بلاتر يحظى بثقة “هافيلانج” الكاملة، وبدوره تصرف الأول بطريقة تجعل من الأخير يثق به، فقد فعل كل شيء من أجله، لكنه كان رجلا طموحًا للغاية، وفي عام 1981 أصبح الأمين العام للمنظمة، وهو المنصب الثاني، وبما أن الرئيس كان دائما في البرازيل، ولا يأتي إلى مقر المنظمة إلى شهرين تقريبا كل عام، فكان بلاتر هو المتحكم في كل شيء في الفيفا.
سنوات من العمل، وتطور اللعبة، وتدفق الأموال، صنع من الفيفا إمبراطورية عالمية، ورئيسها هو الإمبراطور الذي لا يمكن معارضته، لكن استطاع الجميع رؤية ما كان يمر من تحت الطاولة، ومنهم بالطبع بلاتر الذي أصبح لديه اللعبة؛ التي يمكن من خلالها تحقيق طموحه، وإحراز الهدف.
إبان بطولة كأس العالم 1994، أبرم سيب بلاتر اتفاقا مع هافيلانج، يقضي ببقاء الأخير 4 سنوات أخيرة، ثم يرحل بطريقة منظمة ويدعمه لرئاسة الفيفا.
حينها، بلاتر قال وهو مبتسما: “أنا حزين لأنه سيرحل، لأنه لا يمكنني أن أتصور أن يعمل الفيفا من دونه، العمل معا لمدة 21 سنة يخلق صداقة قوية، وعليّ استيعاب هذه المعلومات”.
وبعد انتهاء نسخة كأس العالم عام 1998، والتي فاز بها منتخب فرنسا، بدأت عملية التسليم والتسلم، وهنا ظهر لينارت يوهانسين، مرشح الدول الأوروبية التي لم تكن راضية عن إدارة هافيلانج، وبلاتر للمنظمة على مدار سنوات.
بلاتر، محاولا حسم المباراة، عقد تحالفا مع رئيس اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والبحر الكاريبي لكرة القدم (الكونكاكاف)، جاك وارنر، وذلك لعدد الأصوات التي يتحكم بها، وكذلك النجم الفرنسي ميشيل بلاتيني، الذي قال لبلاتر: “قيمتي تبلغ مليونا”، فرد بلاتر: “حسنا، اتفقنا على مليون”.
قبل بضعة أشهر من الانتخابات، كانت استطلاعات الرأي تؤكد أن بلاتر لن يحصل سوى 23% من الأصوات، مقابل 63% لمنافسه يوهانسين. لكن بفعل الترتيبات والإجراءات التي نفذها بلاتر، حصل على 111 صوتا، مقابل 80 صوتا ليوهانسين، وهو الأمر الذي استدعى جولة ثانية من الانتخابات لأنه لم يحصل أحدهما على 128 صوتا وهو الرقم المطلوب للنجاح من الجولة الأولى. لكن وقف يوهانسين موجها كلامه للجميع: ” انتهت اللعبة، وعليكم الذهاب لتناول الغداء”.
انتهت الحلقة الأولى من الفيلم الوثائقي، وبدأت رحلة بلاتر في قيادة الإمبراطورية، ماذا فعل، وكيف فعل؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال المقبل.