تجربة كردستان العراق تقض مضجع إيران
- يُعد إقليم كردستان العراق تجربة فريدة ومميزة على المستوى المحلي والإقليمي
- نجح الإقليم في تحقيق الكثير من الإنجازات الأمنية والسياسية والاقتصادية
- تولي طهران اهتماما خاصاً بإقليم كردستان العراق وتعمل على معالجة كافة المشاكل الحدودية
يُعد إقليم كردستان العراق تجربة فريدة ومميزة على المستوى المحلي والإقليمي، حيث نجح الإقليم في تحقيق الكثير من الإنجازات الأمنية والسياسية والاقتصادية والتي ساهمت في بناء تجربة مختلفة قادرة على احتواء الجميع وبناء أسس التعايش والتأسيس لسلم مستدام والعمل على حماية الإنجازات والمكاسب المتحققة.
كما فتح علاقات خارجية ودية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، لتطوير وتقوية هذه التجربة التي تواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية خلال السنوات الأخيرة.
وكان من نتائج هذا الانفتاح والتعاون، تحول الإقليم إلى بوابة للتبادل الاقتصادي بين دول الجوار والعراق، وخاصة الجانب الإيراني، الذي يطمح برفع قيمة التجارة الثنائية بينه وبين العراق إلى 10 مليارات دولار خلال هذا العام.
كما تولي طهران اهتماما خاصاً بإقليم كردستان العراق وتعمل على معالجة كافة المشاكل الحدودية التي تُعرقل سهولة تصدير بضائعها إلى العراق، وبسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
حاولت إيران أن تُحول العراق إلى الرئة الاقتصادية عن طريق تصدير المنتجات والسلع الغذائية، إضافة إلى فتح المعارض الاقتصادية في مدن الإقليم والعمل على إنشاء مدينة صناعية والتسويق للمنتجات الإيرانية بصورة مركزة في محاولة لاحتكار الأسواق داخل العراق بصورة كاملة.
لم يُساهم هذا التعاون الاقتصادي في تغيير النظرة الإيرانية تجاه إقليم كردستان، بل أصبحت تُشكل مخاطر جدية على مستقبل الأمن والاستقرار داخل الإقليم من خلال العمليات العسكرية المستمرة وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة الانتحارية التي تؤدي إلى تقويض وإضعاف كيان الإقليم بصورة مباشرة، وخاصة مع إصرار إيران على النظر للإقليم كخطر أمني يُهدد المصالح القومية الإيرانية، وتسويق الاتهامات المستمرة لقادة الأحزاب الكُردية بالتواطؤ والعمل مع أعداء طهران لتبرير الهجمات المستمرة التي تستهدف قطاع الطاقة والأماكن المدنية بصورة عامة.
إقليم كردستان والهيمنة الإيرانية على العراق
يبدو أن نموذج إقليم كردستان يُعرقل المشاريع الإيرانية للهيمنة الأمنية والسياسية الكاملة على العراق، حيث فشلت طهران في نقل تجربتها في السيطرة والنفوذ إلى مدن الإقليم من خلال تأسيس الميليشيات والمراكز والمدارس والمؤسسات التي تقوم بالتسويق للمشروع الإيراني وفكرة ولاية الفقيه.
ويعترف السياسيون في إيران بهذا الفشل، حيث ينتقد السفير الإيراني الأسبق في العراق “حسن دانائي فر” منع السلطات الأمنية في كردستان العراق فتح مدارس وجامعات إيرانية في الإقليم، ويقول ” إن المكان الوحيد في العراق حيث لا يُسمح لنا بفتح مدارسنا أو جامعاتنا هو إقليم كردستان والأجهزة الأمنية تستخدم “الفيتو” ضد الاتفاقيات المبرمة معنا”.
وإضافة إلى ذلك، يعمل إقليم كردستان بالتعاون مع الشركاء والأطراف الدولية على تطوير قطاع الطاقة وخفض الاعتماد على الاستيراد من الخارج.
وقد عمل على تطوير حقول الغاز ووضع مشاريع لمد أنابيب نقل الطاقة لربط كافة مدن إقليم كردستان ببعضها البعض ثم ربطها بالخارج تمهيداً لتصدير الطاقة مستقبلاً بعد تلبية الاحتياجات الداخلية.
من جهتها عبرت طهران عن إنزعاجها من هذا المشروع الذي يُشكل خطراً على المصالح الإيرانية داخل العراق، وقررت إرسال رسالة مباشرة وواضحة عن طريق قصف منزل صاحب شركة “كار” في أربيل والمعني بتطوير مشاريع الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي لعرقلة هذا المشروع وتقويض المشاريع الوطنية حتى تبقى العراق بحاجة إلى الغاز الإيراني الذي يُستخدم كورقة سياسية في وقت الأزمات ويُشكل مورداً مالياً كبيراً للسلطات الإيرانية.
تُدرك إيران أن تجربة إقليم كردستان سوف يتعرقل مشروع الهلال الشيعي الذي يهدف إلى السيطرة على عدة عواصم عربية وإخضاعها للنفوذ الإيراني بصورة كاملة، حيث فشلت طهران في تسويق أفكارها و ايديولوجيتها داخل الإقليم، كما فشلت في خلق النزاعات الداخلية وتأسيس الجماعات المسلحة بهدف إحداث زعزعة أمنية تفتح المجال أمام الدخول الإيراني بصورة أسهل.
كما يُدرك قادة الإقليم خفايا المخططات الإيرانية وبالتالي يعملون على المحافظة على العلاقات بين الطرفين في دائرة ودية وداخل البُعد الاقتصادي والتجاري دون السماح بفتح مجالات أخرى تُسهل التغلغل الإيراني داخل الإقليم.
الإقليم مصدر إحراج لوكلاء إيران داخل العراق
تشكل تجربة إقليم كردستان مصدر حرج كبير للأحزاب السياسية والفصائل المسلحة الموالية لإيران داخل العراق، حيث نجح الإقليم في بناء مئات المشاريع وتطوير البنى التحتية وتوفير الخدمات وتحقيق العديد من الإنجازات عن طريق الاعتماد على 17% من الموازنة العامة للدولة العراقية>
بينما على الجانب الآخر فشلت الأحزاب السياسية في توفير الخدمات والبنى التحتية للمحافظات العراقية الأخرى، على الرغم من امتلاكهم 83% من الموازنة العامة إضافة إلى المساعدات الدولية المستمرة التي ذهبت في صفقات الفساد ولم تتحول إلى مشاريع حقيقية على أرض الواقع.
يشعر حلفاء إيران داخل العراق بحرج كبير من استمرار تجربة إقليم كردستان، حيث يتساءل أنصار وجمهور هذه الأحزاب عن سر نجاح الإقليم في تحقيق التطور والازدهار على الرغم من الإمكانيات المتواضعة مقارنة بإمكانيات الحكومة المركزية التي فشلت في توفير أبسط الخدمات للمواطنين.
ويبدو واضحاً من خلال هذه المعطيات أن هناك نموذجين للحكم داخل العراق، نموذج أربيل ونموذج بغداد، يعاني نموذج بغداد المقرب من إيران من الفساد والفوضى وانتشار الميليشيات وهدر كبير في المال العام وغياب الخدمات والبنى التحتية، بعكس نموذج أربيل الرافض للهيمنة الإيرانية و الذي تحول بفضل ذلك إلى تجربة ناجحة على مستوى المنطقة.
ونظراً لهذه الأسباب تعمل إيران على تحويل إقليم كردستان العراق إلى ساحة للصراعات والأزمات، وتستغل اليوم الاضطرابات الداخلية الإيرانية لتحقيق العديد من الأهداف من ضمنها تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج، وإضعاف تجربة إقليم كردستان من خلال عمليات القصف المستمرة وممارسة ضغوطات على صناع القرار في الإقليم للخضوع للمطالب الأمنية والسياسية والسير على الخط الإيراني مثل باقي الأحزاب والأطراف السياسية العراقية في بغداد.
ويبدو أن صانع القرار الكُردي قد أدرك هذه النقطة، حيث طالب مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان من إيران إيقاف الهجمات الصاروخية على الإقليم وعدم تصدير التوترات الداخلية إلى الجوار.
يحتاج إقليم كردستان إلى المزيد من الوحدة الداخلية لتحصين هذه التجربة، كما يتطلب المرحلة الراهنة بذل الكثير من الجهود لتحصيل المزيد من الدعم الدولي لحماية وتقوية المؤسسات الرسمية في الإقليم ورفع القدرة على مواجهة التحديات في ظل الإصرار الإيراني على معاقبة الإقليم وتحميله مسؤولية التدهورات الداخلية الإيرانية، على الرغم من بذل السلطات في الإقليم كافة الجهود لمنع تحول الإقليم إلى مصدر تهديد لدول الجوار وعدم السماح للأطراف الكُردية المعارضة بتنفيذ هجمات على إيران انطلاقا من أراضي إقليم كردستان.