إيران ستكون على رأس أولويات حكومة نتنياهو
من المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف المشغول بانتقاء وزراء حكومته يعيش مرحلة صعبة لا يريد فيها أي توتر مع الولايات المتحدة بخصوص الاتفاق النووي مع إيران وسيعمل على توضيح موقفه النهائي من هذا الاتفاق بعد استقرار حكومته. وبمجرد إعلان انتصار كتلة بنيامين نتانياهو في الانتخابات الإسرائيلية ظهرت للعلن التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.
لقد سرب بعض أصدقاء بنيامين نتانياهو أن أكثر ما يشغله ليس وجود أو عدم وجود متطرفين في تشكيلته الوزارية من أمثال بن غفير أو أرييه درعي، كما أن ما يشغله ليس تعديل بعض بنود قوانين القضاء للهروب من الإدانة بالفساد بل ما يشغله هو الملف النووي الإيراني وكيف سيكون على حكومته الوقوف بحزم في مواجهة هذا المشروع حتى لو أدى ذلك إلى توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية يقضي فيها على طموح إيران بامتلاك سلاح نووي. هذا القرار سيكون وفق أحد مساعدي بنيامين نتانياهو ضمن القرارات المبكرة التي سيتم بحثها في الاجتماعات الحكومية الأولى.
وزير الدفاع الإسرائيلي الذي لن يبقى في منصبه مع حكومة بنيامين نتانياهو يعتقد أن الجيش الإسرائيلي قادر وحده على تنفيذ مهمة تدمير المنشآت النووية الإيرانية وانه كان كذلك منذ عشر سنوات.
يريد بنيامين نتانياهو أن تتذكره إسرائيل بأنه الزعيم الذي دمر قدرات إيران النووية وليس فقط بأنه رئيس الحكومة الذي سيخلط أوراق الجهاز القضائي للهرب من العقوبة التي يستحقها على تهم الفساد وسوء الائتمان التي يحاكم عليها. لكن التساؤل الذي يحاول كثيرون أن يجدوا له جوابا هو كيف سيتدبر نتانياهو ما سيحدث في المنطقة بعد توجيه تلك الضربة؟ هل إسرائيل جاهزة وقادرة على تحمل أي ضربة انتقامية من إيران في حال قامت بتوجيه الضربة الأولى؟
قبل البحث في جواب هذا التساؤل هناك سؤال آخر يتعلق بطبيعة الضربة المحتملة هل ستكون ضربة قاضية؟ أم ستكون مجرد ضربة تؤخر المشروع الإيراني بضع سنوات ثم تعود الأمور إلى ما هي عليه اليوم؟ ربما تتوقع إسرائيل أن الإدارة الأمريكية لو كانت للرئيس دونالد ترامب فإنها ستؤيد الضربة الإسرائيلية أما بالنسبة لإدارة بايدن فالأمر لا يزال غامضا.
من معرفة شخصية بنيامين نتانياهو والسوابق التي اقترفها في مجال القرارات الكبرى فقد يعمل على توجيه الضربة التي يفكر فيها وقد يعمل أيضا على توريط الولايات المتحدة معه في هذه العملية. فهو يحتاج إلى الدعم الأمريكي في هذه الضربة ليحمي نفسه ويحمي إسرائيل من تبعاتها ونتائجها. لكن هل سيكون سهلا عليه إقناع واشنطن بالمشاركة في مثل تلك العملية؟ لا يمكن التكهن بمثل هذا الأمر. ومهما تكن قوة أصدقاء إسرائيل في واشنطن فإن الدولة الأميركية العميقة لن تستجيب بسهولة لاي مطلب إسرائيلي يتعلق بضرب إيران إلا إذا كانت هي تريد ذلك. وحتى الآن لا تبدو الولايات المتحدة راغبة في أي عمل عسكري ضد إيران لأنها تعلم أن أي ضربة لن تكون كافية وحدها للقضاء على المجهود النووي الإيراني.
لقد سبق أن قامت إسرائيل بتدمير المشروع النووي العراقي عام واحد وثمانين وكذلك المشروع النووي السوري عام ألفين وسبعة ولم يكن هناك أي رد فعل لا من العراق ولا من سوريا. لكن الأمر مع إيران قد يكون مختلفا وقد تفاجىء إيران العالم بعدم الرد إطلاقا على مثل تلك الضربة إذا كان قد صاحبها تهديد نووي إسرائيلي. لكن لا أحد يمكنه معرفة ما سيحدث فعلا في حال وقوع ضربة إسرائيلية تدمر المنشآت النووية الإيرانية.
قيام إيران بتصنيع صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت
بعد تسريب هذه المعلومات نشرت صحيفة إيرانية على صفحاتها الأولى نبأ قيام إيران بتصنيع صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت لتصل إلى أكثر من ستة آلاف كيلومتر في الساعة وقادر أن يصل إلى هدفه في إسرائيل في غضون سبع دقائق. وكان هذا في رأي الصحيفة بمثابة تغيير في قواعد اللعبة. لكن هل فعلا استطاعت إيران تصنيع هذا الصاروخ؟ ومن أين ستطلقه ليصل إلى إسرائيل في سبع دقائق؟ هذه المبالغة الإيرانية والتي نقلتها أيضا الصحافة الإسرائيلية لا تشير إلى جدية في موضوع هذا الصاروخ. وتصنيع صاروخ بهذه المواصفات بالكاد تقدر عليه دول عظمى. وتوقيت الإعلان عنه وفي صحيفة ليست واسعة الانتشار يدلل على أن الإعلان عنه كان مجرد بروباغاندا في مواجهة فوز نتانياهو ومحاولة لاستباق أي تحرك إسرائيلي.
يلوم بنيامين نتانياهو الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه أعطى إيران فرصة إضافية للتفاوض وهذا في رأيه أضاع الكثير من زخم الضغط الأمريكي على إيران الذي كان يمكن تحقيقه لو استخدم الرئيس بايدن حقه الدستوري في إصدار أمر تنفيذي يعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق يمنع التمادي الإيراني في مواصلة تخصيب اليورانيوم.
انخرطت الولايات المتحدة في مفاوضات جديدة مع إيران منذ أكثر من عشرين شهرا ولم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة بل كانت هناك اتهامات متبادلة بالمماطلة والتسويف خصوصا وان إيران وفق ما يقوله الجانب الأمريكي تضع شروطا تعجيزية ومطالب غير منطقية وهو ما دفع مصادر أميركية جمهورية ضاقت ذرعا بتواصل المحادثات إلى القول أن الاتفاق بات في حكم الميت. وما على الولايات المتحدة الآن سوى التوجه لتأييد الانتفاضة الشعبية المناهضة للنظام. ويتهم الجمهوريون إدارة بايدن بأنها لم تفعل ما يكفي لدعم الانتفاضة الشعبية في إيران.
يرى الجمهوريون أن الاتفاق لن يخدم مصالح الولايات المتحدة ولن يؤدي إلى ضبط السلوك النووي الإيراني ويفهم من هذه التصريحات أنه إذا ما عرض الاتفاق على الكونغرس فإن الجمهوريين سيرفضونه. وما سيقوي موقف الجمهوريين في الكونغرس أن الرئيس السابق دونالد ترامب قرر ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة والمؤكد في حال فوزه أنه لن يواصل التفاوض على الاتفاق.
المخاوف الغربية من إحياء الاتفاق النووي
المخاوف الغربية من إحياء الاتفاق تتلخص في أن إيران ستستغل الأموال العائدة لتمويل الإرهاب من جديد وتمويل جهودها في التدخل في دول الجوار وفي قمع الانتفاضة الوطنية. لكن واشنطن وفق ما يقول المسؤولون فيها ستواصل ترك الباب مفتوحا للدبلوماسية مع مواصلة سياسة الضغط والعقوبات. لكن إلى متى يمكن للولايات المتحدة أن تتقبل الوضع الراهن؟ يرى المسؤول الأميركي عن المفاوضات مع إيران أنه إذا ما فشلت الدبلوماسية فإن الولايات المتحدة ستستعمل أدوات أخرى لكنه لم يحدد ماهيتها.
سيكون هذا العام أو ما بقي منه بصورة أدق حاسما للغاية فيما يخص الاتفاق. فإما التوقيع والالتزام أو وقف التفاوض وبالتالي يدخل الاتفاق حالة من اثنتين إما تفاوض جديد من الصفر بموجب معايير وشروط أمريكية جديدة أو حالة عداء بين الجانبين ستؤدي إلى تصعيد التوتر وتصعيد الخلاف والوصول إلى حدود صراع لا تعرف نتائجه لكن إسرائيل ستكون أحد أطرافه الرئيسية بالتأكيد.