التغلغل الإيراني في سوريا
منذ أن بسطت نفوذها في سوريا وتمددت تحت مسميات فضفاضة في مقدمتها محاربة تنظيم داعش، وسعت إيران في إنشاء الحسينيات التي بلغت عددها نحو 500 حسينية و69 حوزة شيعية حتى منتصف عام 2019 -وفقًا لتقارير صحفية.
وتعلم هذه المراكز أصول الفقه الشيعي واللغة الفارسية سواء في العاصمة دمشق أو في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية، فتغلغلت على نحو ناعم في منطقة دير الزور التي تحتلها عبر ميليشياتها من لواء الفاطميون الأفغانية والزينبيون الباكستانية والحرس الثوري الإيراني، إلى جانب كتائب الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني، فأدت لتصاعد عمليات الإتجار بالمخدرات والرقيق الأبيض، بالإضافة إلى مكاتب زيجات المتعة التي خصصت لها أحياء بأكملها، والتي دفعت أعداد هائلة من السكان إلى الهجرة والنزوح.
وحول الأحداث الصادمة التي تشهدها مدينة دير الزور أكبر مدن الشرق السوري على يد إيران، أكد “رامي عبد الرحمن” مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لـ أخبار الآن، عن انتشار واسع وكبير للمواد المخدرة بمختلف أنواعها، إلى جانب مكاتب زيجات المتعة وبيوت الدعارة ذات الطابع العشائري وتحت حماية الميليشيات الإيرانية المسيطرة على المدينة.
ونوه “عبدالرحمن” في حديثه بتمدد بيوت الدعارة في عدة أحياء، لاسيما في حي الجورة والعمال التي تتردد عليها ميليشيات طهران في ظل انعدام رقابة الحكومة السورية.
استباحة إيران لمحافظة دير الزور
وفي ذات السياق، تحدث “علي حباش” اسم مستعار لتاجر من مدينة ديرالزور، لـ أخبار الآن قائلًا إنه استقر به الحال في مدينة القامشلي بعد نزوحه من مدينته قبل شهرين، بسبب استباحة إيران لمحافظة دير الزور وبلداتها وقراها ليس فقط عسكريًا بل دينيًا وثقافيًا واقتصاديًا، ولم تكتفِ بذلك فقط بحسب حباش بل استغلت الانهيار المعيشي الذي يعيشه السكان، وذلك عبر تخصيص سلال غذائية وتوزيعها على المتشيعين منهم، واستمالتهم عبر الأنشطة التربوية والثقافية، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال في المعسكرات، بإغراء عوائلهم برواتب شهرية تصل لـ 600 دولار.
وحذر “حباش” من عواقب انتشار بيوت الدعارة ومكاتب زيجات المتعة في مسقط رأسه ديرالزور، والتي تتنافى مع طبيعة المنطقة العشائرية، قائلًا: “إيران تتجه بالمدينة إلى اتجاه الانحلال الأخلاقي، فمنذ 2018 وهي تراعي هذه الزيجات والضحايا غالبًا هن القاصرات، اللاتي تزوجن مرغمات مقابل مبالغ تصل لـ 200 دولار”.
ويعتقد الدكتور “ناصر مأمون “عيسى الباحث في العلاقات الدولية، إن الميليشيات الشيعية (الفاطميون والزينبيون) واجهت صعوبات جمة بداية في نشر الدعارة بالمحافظات الجنوبية والشرقية، خاصةً مدينة ديرالزور وذلك قبل نجاحها في اختراق المحافظة ذات الطابع العشائري السني، من خلال استجلابها بائعات هوى إيرانيات وأخريات عراقيات اللواتي انتشرت بيوتهن في أرجاء المنطقة، بهدف ضرب الهوية وخلق جيل لا يعترف بالأعراف والقيم المجتمعية، مضيفًا لأخبار الآن أنه :”عبر مكاتب زيجات المتعة حاولت شرعنة الدعارة بغطاء ديني، فانتشرت الظاهرة بين السكان المحليين”.
ومن جانبه، اعتبر طارق جاسم الناطق الرسمي للمجلس الوطني لقوى الثورة الأحوازية، “أن نشر الفساد الممنهج لا يأتي بسهولة، لذلك تحاول عناصر إيران في دير الزور إعطاء صفة شرعية ودينية لهذا الفساد، وتشريعه من خلال إعطاء طابع ديني تحت مسمى زواج المتعة أو زواج الصيغة، وهذا تحت صيغة معينة من حيث التاريخ والزمان الذي يتم عقده بين طرفي الزواج، وبالتالي الشخص الذي يمارس الزواج وما يترتب عليه هو فقط ملتزم بقوانين محدودة ضمن زواج مؤقت”.
أسباب استشراء الظاهرة
أرجع محمد عبادي الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أسباب الانتشار الهائل لبيوت الدعارة ومكاتب زيجات المتعة في محافظة ديرالزور، لعدة أسباب أبرزها كما يقول :”الطريقة الإيرانية لنشر العقيدة الشيعية عبر ترغيب الجمهور بنكاح المتعة، وهو الأمر الشائع في الأوساط الشيعية, وكذلك تسهيل حياة المقاتلين الشيعة المنضوين تحت مظلة فصائل إيرانية الولاء في المدينة السورية، خاصةً ميليشيات الدفاع الوطني ولواء القدس، والميليشيات الأجنبية من (فاطميون وزينبيون) وغيرها، بالإضافة إلى تجارة هذه الميليشيات وأمراء الحرب في الدعارة والمخدرات، فمعلوم أن الحرس الثوري وحزب الله اللبناني من أساطين تجار المخدرات حول العالم، وكلتا التجارتين الدعارة والمخدرات من وسائل كسب أمراء الحرب، وكما الحال مع ميليشيات العراق يتم استنساخ التجربة في سوريا”.
وتابع في حديثه لـ أخبار الآن قائلًا إن الميليشيات الإيرانية استغلت حالة العوز والفقر لدى السكان المحللين بعد سنوات الحرب الطويلة، لتجنيد المقاتلين في عمليات التهريب والمخدرات، والنساء في أعمال لا أخلاقية، متابعًا “تستقدم الميليشيات الفتيات والسيدات من إيران والعراق تحت ستار زيارة المراقد المقدسة في سوريا، ومن ثمّ يتم تجنيده”.
وأضاف “يمكن قراءة واقع انتشار بيوت الدعارة وعمليات تهريب المخدرات في مناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية في دير الزور في سياقين، الأول: الإفراز الطبيعي لسلوك هذه الميليشيات التي تعمل كعصابات نهب وسلب، وهو ما يتسق مع قاعدة أخلاقية دينية تُحلل زواج المتعة الذي يتسبب في مشاكل اجتماعية جمّة، أهمها هو أطفال هذه الزيجات الذين يولدون بلا نسب ويهددون اللحمة المجتمعية,
أما الثاني: فهو تكمن الرغبة الإيرانية في خلق حالة مجتمعية شيعية، خاصةً في هذه المناطق لتهجير أهلها، وصُنع حواضن مجتمعية تمثل خزانًا بشريًا لوجود دائم في الأراضي السورية”.
ومع استجلاب المرتزقة الأجانب المقاتلين إلى التطوع في الميليشيات المحلية أو الإيرانية، زادت شبكات الدعارة ومكاتب زيجات العفة كما تسميها إيران، ووفق الدكتور مسعود محمد الناشط السياسي المتخصص في الشؤون الدولية، فأن عناصر النظام تُسّهل فتح بيوت الدعارة وحمايتها، بمكاتب تيسير (زواج المتعة)، و(المساكنة) التي تبيح استئجار منزل من الشاب والفتاة والعيش فيه من دون زواج، بل سهلت انتشار ميليشيات مثل حزب الله ولواء فاطميين الأفغاني بيوت الدعارة تلك.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ أخبار الآن، أن “انتشار هذه الظاهرة عملية مقصودة من النظامين السوري والإيراني، وتهدف إلى إيجاد بنية اجتماعية هشة، ومفككة اجتماعيًا وأخلاقيًا، تجعلها غير قادرة على العمل السياسي والنشاط المدني الهادف المعارض للنظام مستقبلًا، إضافة إلى الدخل المالي العالي الذي يصل إلى المنفذين من ضباط أمن وعسكر في النظام، ما يجعلهم يستميتون في الدفاع عن هذه الظاهرة، وهي معركة حقيقية من معارك النظام على ثقافة الشعب السوري وقيمه، فالنظام وإيران يحاولان نسف أي مرتكز لأي ثورة قادمة”.
الحرس الثوري من أطفال زيجات المتعة
وكشفت مصادر خاصة من دمشق لـ أخبار الآن، أن السفارة الإيرانية في العاصمة السورية كانت تشرف على فتح مكاتب زيجات المتعة في منطقتي الست زينب والمرجة في ثمانينات القرن الماضي، وسهلت على المتقدمين أمور هذه الزيجات بعد تشيعهم ودفع مبالغ مادية للمتقدم وتأمين المسكن، لكن اللافت للنظر في شروط السفارة كما أشارت المصادر، أن مدة الزواج تنتهي بمجرد أن تحمل الزوجة، وشرط حصول السفارة على المولود، الجانب الذي أكده مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن لـ أخبار الآن، قائلًا: “المواليد كانوا من حصة السفارة الإيرانية التي بحسب تقارير أكدت إرسالهم إلى مراكز داخل إيران، وتولت السلطات الإيرانية تربيتهم ومن ثم تدريبهم، وغالبية المعلومات تشير إلى أن الحرس الثوري الإيراني هم نتاج أطفال المتعة”.
ولم يستبعد الدكتور “ناصر مأمون عيسى “الباحث في العلاقات الدولية لـ أخبار الآن، هدف إيران من نشر مكاتب زيجات المتعة وبيوت الدعارة، وهو إنتاج أجيال جديدة من جيش إيران المستقبلي من الحرس الثوري الإيراني من أطفال زيجات المتعة والدعارة، مع ورود معلومات مؤكده أن غالبية عناصر الحرس الثوري الإيراني هم مجهولي النسب كما يؤكد ويضيف: “ظاهرة معسكرات أطفال مجهولي النسب في إيران انتشرت منذ أواخر القرن الماضي، والتي كانت تشرف على إدارتها مؤسسات حكومية لتخريج آلاف المقاتلين، الذين استخدمتهم طهران في حروبها في سوريا واليمن والعراق، وحتى ضد مواطنيها في المظاهرات الشعبية التي تشهدها إيران بين الفترة والأخرى”.
وفي ذات السياق، أشار طارق جاسم الناطق الرسمي للمجلس الوطني لقوى الثورة الأحوازية، إلى أنه بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أمرت السلطات الدينية والسياسية بعدم قتل بائعات الهوى في منطقة شهرنو في العاصمة الإيرانية طهران
وتابع “تم التزاوج مع هؤلاء النسوة تحت مسمى زواج المتعة، مما أنتج عدد غير قليل من الأطفال ووضعتهم السلطات في مؤسسات تابعة للحكومة كانت تسمى هلال أحمر ثم ملاجئ الأيتام، بالإضافة إلى وجود عدد غير قليل من الأيتام من نتاج نفس الملاهي وملاجئ الجنس في النظام السابق، تم العمل على تربيتهم من خلال مؤسسات للحرس الثوري للمرحلة الثانية من تصدير الثورة، وما يترتب على الجهوزية لها بذلك، استخدمت إيران أعداد كبيرة من هؤلاء الأفراد الذين أصبح انتمائهم الأول والأخير للحرس الثوري الإيراني لصالح أهدافها “.
وبالنسبة لما يحدث في المنطقة وتنفيذ خطط مستقبلية لإيران وحرسها الثوري، يعتقد “جاسم” أن إيران تبحث من خلال نشر بيوت الدعارة وبيوت زواج المتعة (خانة عفاف بالإيراني)، عن أشخاص غير منتمين لعوائل مدنية، ويكون انتمائهم الأول والأخير هو الفكر والأيديولوجية التي أوجدتها إيران، ثم استهداف كيانات الأسر، التعليم، الثقافة، الدين، المجتمع، والسلطة السياسية للدول، لذلك كل تلك العوامل بالضرورة تخدم طهران في الوصول إلى أهدافها من أجل إيجاد بيئة حاضنة صحيحة لهم على حساب مجتمعات أخرى.