رجال الصين الفاسدين.. كيف تستغلهم للسيطرة على موارد الدول؟
- تشتهر الشركات المملوكة للدولة الصينية بوضع خطط معقدة للالتفاف حول القيود المفروضة على استخدام الموارد الوطنية في الدول والصناعات الأخرى
- خبراء: “نحن ضد تصدير المعادن الخام سواء الليثيوم أو المغنسيت أو أي شئ آخر ويجب على باكستان ترقية جميع المعادن محليًا ثم تصديرها”
وقعت كل من الصين وباكستان اتفاقية استراتيجية في الثالث عشر من شهر الحالي نوفمبر ٢٠٢٢، بغرضِ البحث واستكشاف أصول الليثيوم الباكستاني، وكذلك تمكين الشركات الصينية من استخدام المعدنِ الصناعي، بُغية داعم صناعة السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة الصينية.
من ناحيتها ادعت وسائل الإعلام الصينية الرسمية أنها تتجه للبحث بشكلٍ أفضل عن احتياطيات الليثيوم في باكستان، بحسب الاتفاقية التي دُشنت بين مركز الأبحاث الصيني – الباكستاني المُشترك لعلومِ الأرض
China-Pakistan Joint Research Centre on Earth Sciences، والشركة الصينية “Tianqi Lithium“، ووُقعت خلال مؤتمرٍ دولي حول صناعة بطاريات الليثيوم وعُقد الأسبوع الماضي في سيتشوان Sichuan الصينية.
ويبدوا أن شركات التعدين الصينية قد لعبت دورًا من أجلِ الحصول على حقوق مُعالجة احتياطيات الليثيوم الباكستانية، كونها تنتج نحو 3 ملايين طن من الليثيوم بصورةٍ سنوية، بهدفِ تلبية الطلبِ المُتزايد على البطاريات في جميعِ أنحاء العالم.
وإلى ذلك تعمل شركات التعدين الصينية على تسريع جهودها بغرضِ الوصول إلى احتياطيات الليثيوم، لذا اتخذت العديد من الشركات بما في ذلك “Ganfeng” و”Suzhou TA&A” و”Sinomine” و”BYD” – وهي شركة عالمية رائدة في تصنيع البطاريات والمركبات الكهربائية -، التي تجاوزت تسلا في مبيعات السيارات من هذا النوع خلال النصفِ الأول من عام 2022، – اتخذت الشركات – خطوا للحصول على حقوق تعدين الليثيوم في جنوبِ أمريكا وأفريقيا وجنوبِ آسيا.
مُستقبل الصناعات في ظل معدن الليثيوم
ويضع الكثيرون آمالهم على دور معدن الليثيوم في المُستقبل، لا سيما متطلباته لصناعة البطاريات الخاصة بالسياراتِ الكهربائية والهواتف المحمولة. كما أن هُناك العديد من الاستخداماتِ الصناعية الأخرى لليثيوم والمُركبات ذات الصلة، بما في ذلك إنتاج الزجاج المُقاوم للحرارة، وكذلك السيراميك، وزيوت تشحيم الليثيوم، والمواد المضافة للحديد والصلب والألمنيوم.
وقد يصل سعر طن الليثيوم في السوق إلى 20 ألف دولار، ويوفر “مثلث الليثيوم” المكون من تشيلي والأرجنتين وبوليفيا 75% من إمدادات الليثيوم في العالم.
وفي أفغانستان تعتبر مصادر الليثيوم واحدة من المصادر ذات المستوى العالمي، عبر وادي كافرستان Kafiristan الواقع بمنطقة شيترال Chitral، حيث نجح جيولوجيون في توسيع نطاقه إلى باكستان، وجمعوا بعض العينات التي تدفقت من مجاري أعلى وأسفل من منطقة تاربيلا Tarbela (مقاطعة خيبر بختونخو)، وقد حصلوا على تحليل الأشعة السينية “XRF”، وهي تقنية تحليلية غير مدمرة تُستخدم لتحديد التركيب الأولي للمواد.
أزمة بسبب الاتفاق الصيني – الباكستاني
ومنذ توقيع الاتفاقية، لم يعلن المسؤولين الباكستانيين عن شروطها، إذ تم إخفاء تفاصيل التعاون الصيني الباكستاني عن عامة الناس، بُغية استغلال الثروة المعدنية لباكستان.
وفي هذا الصدد، تُطالب الشركات والاقتصاديون المحليون بإعلان بنودِ الاتفاقية الجديدة على الملأ، كي يتمكن البرلمان من مناقشة إيجابيات وسلبيات اتفاقية المعادن الجديدة، لضمان المصلحة الوطنية.
وفي تصريحاتٍ خاصة لـ “أخبار الآن”، قال الخبير الاقتصادي الباكستاني الشهير د. قيصر بنغالي Dr. Kaiser Bengali لـ “أخبار الآن”: “وقعت باكستان والصين اتفاقية تعدين الليثيوم، لكن شروط الاتفاقية غير معروفة لنا. حتى المقاطعة التي سيحدث فيها هذا التعدين تبقى طي الكتمان والسلطات لا تتنفس شيئًا عن ذلك.”
وأضاف: “إن للمحافظات الحُرية الكاملة بموجبِ القانون في إدارة مواردها المعدنية بأنفسها، مما يترك مجالًا ضئيلًا للحكومةِ الفيدرالية للانتهاء بشكل مستقل من أي اتفاق قد يُقوض الحُكم الذاتي الإقليمي أو حق الوحدات الفيدرالية في التعامل مع مواردها الطبيعية.
وقال: “كان ينبغي عرض شروط وأحكام هذه الاتفاقية على مجلس الشيوخ الباكستاني للموافقة قبل التوقيع على الاتفاقية بشكلٍ قانوني.”
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن صانعو القرار “باعوا ببساطة كل ما يُصادفونه لكسبِ المال، وهذا هو السبب في أن باكستان لم تُصنف الليثيوم كموردِ استراتيجي في ظل عصر السيارات الكهربائية والبطاريات”، وتابع: “نادرًا ما يُفكرون في متطلبات تطوير قطاعهم الصناعي.”
وتساءل بنغالي: “ماذا فعلنا في ميناء غوادار؟ لقد وقعنا اتفاقية مع الصين بحصة ضئيلة بنسبة 9.0 في المائة من أرباح الميناء، مع إيلاء القليل من الاهتمام لمصالح الأمة”، كما لفت إلى أن: “الصناعات الصينية التي تنتج السيارات الكهربائية تتوسع بسرعة وتحتاج إلى إمدادات مستدامة من الليثيوم لمواجهة الطلب المتزايد”.
أهمية الليثيوم بالنسبة للصين
وأكد بغالي أن: “الليثيوم هو معدن صناعي مُهم يستخدم الآن في صناعة البطاريات الضرورية لصناعة المركبات الكهربائية، ويُحاول عُمال المناجم الصينيون تسريع إنتاجهم بسبب الارتفاع السريع في مبيعات السيارات الكهربائية في البلاد”، وأضاف: “العمال الصينيون يواجهون مشكلات بما في ذلك نقص المواد والنزاعات في المجتماعات المحلية لزيادة قدرتها على التعدين”.
هذا وأوضح أن: “الصين بحاجة إلى احتياطيات الليثيوم الباكستانية للحفاظ على حركة صناعة السيارات الكهربائية، رُغم أنها تُهيمن على سوق الليثيوم العالمي، ولديها 65% من قدرة المعالجة والتكرير في العالم.”
الفساد الصيني للسيطرة على الموارد الوطنية للدول
وفي هذا السياق، تشتهر الشركات المملوكة للدولة الصينية بوضع خطط معقدة للالتفاف حول القيود المفروضة على استخدام الموارد الوطنية في الدول والصناعات الأخرى.
وعلى سلبيلِ المثال، أنشأت بكين شركات محلية تخضع لسيطرتهم بالكامل، للالتفاف على القيود المفروضة على النفوذ الأجنبي. فيما تسعى مؤسساتهم الحكومية إلى عقودٍ طويلة الأجل وغير قابلة للكسر، بغرض السيطرة المباشرة أو غير المباشرة على موارد الدول الحيوية.
كما تستخدم السلطات الصينية رجال الأعمال غير الأمناء والفاسدين وأصحاب المناصبِ العامة لتقوية نفوذهم وإضعاف قبضة المجتمعات المحلية على الموارد الوطنية.
وفي باكستان، تقوم الصين بالحيلة ذاتها، للحصول على ملكية معادن باكستان، والصناعات القائمة على الزراعة وشبكات الاتصالات. ووفقًا لغرفة التجارة والصناعة الصينية – الباكستاني المُشتركة، فإن أكثر من 25– شركة صينية تُمارس نشاطًا تجاريًا في الوجهات الصينية الرئيسية وهي فيصل أباد، وجيلجيت، وإسلام أباد، ولاهور، وكراتشي، ومولتان، وبيشاور، وكويتا.
من ناحيته، قال رئيس اتحاد أرباب العمل في باكستان إسماعيل ستار “EFP” لـ “أخبار الآن”: “نُعارض بشدة فكرة تصدير أي شئ في شكله الخام، لكن نعم إذا كان بالإمكان تحديثه محليًا وتحويله إلى كربونات الليثيوم، فإننا ندعم هذه الفكرة”.
الخبراء في باكستان ضد الاتفاق الصيني
وفيما يخص الاتفاقية الصينية – الباكستانية قال ستار إنه ليس لديهما أي فكرة عن توقيعها وبأي شروط يتم إبرامها، وأكد: “نحن ضد تصدير المعادن الخام سواء الليثيوم أو المغنسيت أو أي شئ آخر، ويجب على باكستان ترقية جميع المعادن محليًا ثم تصديرها إلى دولٍ أخرى بما في ذلك الصين.
وأضاف: “اتحاد أرباب العمل في باكستان شكل لجنة معنية بالمعادن تعمل على تحديث المعادن المختلفة بما في ذلك الليثيوم.”
إنتاج باكستان لمادة الليثيوم.. كم قد يتراوح؟
وإلى ذلك، يُمكن لباكستان تصنيع من 1 إلى 3 ملايين طن من مادة الليثيوم سنويًا، بسعرٍ يتراوح بين 10 آلاف إلى 20 ألف دولار أمريكي للطن الواحد في السوقِ الدولية. حيث يلعب اتحاد “EFP” دورًا حاسمًا في إجراء دراسة تجريبية أولية حول الليثيوم المستخرج من بحيرة محلول ملحي، بمساعدة جمعية مصنعي الملح في باكستان Salt Manufacturers Association of Pakistan”- “SMAP”، إذ تُجرى الآن الدراسة في موقعين.
وفي العام الماضي، وضعت باكستان خطة لتطوير صناعة السيارات وتصديرها (AIDEP 2021-26) بهدفِ تعزيز صناعة المركبات الكهربائية المحلية وتقليل استخدام الوقود الاحفوري في البلاد.
وهذه السياسة تسير بعكس ما تخطط له الحكومة بشان احتياطيات الليثيوم في البلاد. إذ ستحطم الصفقة الحالية بين الصين وباكستان الخاصة بالتنقيب عن مناجم الليثيوم، آمال الحكومة في توسيع صناعة السيارات الكهربائية المنتجة محليًا من خلال رؤية (AIDEP 2021-26).