التظاهرات الإيرانية أيقونة للحرية والنضال
- الأحلام الكُردية نجحت في إيقاظ الشعوب الإيرانية التي كانت تبحث عن فرصة للتعبير
- قضية مقتل مهسا آميني أصبحت نقطة جامعة لجميع الشرائح والطوائف الإيرانية
- صمود الأكراد في إيران ساهم في دفع باقي الشعوب للتضامن مع كُردستان إيران
اندلعت التظاهرات في مدن كردستان إيران تنديدًا بمقتل الفتاة الكردية مهسا آميني التي تحولت إلى أيقونة للحرية والنضال على مستوى إيران والمنطقة والعالم، وتوسعت الاحتجاجات حتى شملت أكثر من 45 مدينة كُردية في كردستان إيران، إضافة إلى انتشار التظاهرات في باقي المناطق الإيرانية من زهدان وبلوشستان مرورًا بمدن الأحواز العربية، وصولًا إلى العاصمة الإيرانية طهران.
وعلى الرغم من المحاولات الإيرانية الممنهجة لتقسيم المجتمع الإيراني وتشويه المكون الكُردي وتصويره كفاعل سلبي ضمن الشعوب الإيرانية، إلا أن الأحلام الكُردية هذه المرة نجحت في إيقاظ جميع الشعوب الإيرانية التي كانت تبحث عن فرصة للتعبير عن رأيها في مواجهة آلة القمع الأيديولوجي.
هذا وأصبحت قضية (مهسا أميني) نقطة جامعة لجميع الشرائح والطوائف والمكونات الإيرانية التي تبحث عن بناء دولة متصالحة مع الداخل والخارج، بعيدًا عن الأحلام المذهبية والمشاريع التخريبية التي تؤثر بصورة سلبية على الداخل الإيراني ومحيطه الخارجي.
القمع الإيراني وإيقاظ الأحلام التاريخية الكُردية
عمل النظام الإيراني منذ اليوم الأول للاحتجاجات على الإسراع في تطويقها وإخمادها بصورة فورية، وتم اتخاذ مجموعة من الخطوات لتنفيذ هذا الهدف، منها عسكرة المناطق الكُردية بصورة كاملة، والاستعانة بعناصر كُردية داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية.
يأتي ذلك إلى جانبِ اعتقال أكثر من 5000 آلاف مواطن كُردي في المدن الرئيسية الثائرة مثل (سقز، جوانرود، سنندج، مريوان) وغيرها من المدن الثائرة، مع استمرار قتل المتظاهرين بصورة يومية وتنفيذ عمليات إعدام للمعتقلين بهدف نشر الخوف والرعب داخل الشارع الكُردي.
ولم يتوقف النظام الإيراني على هذه الخطوة، بل عمل على قصف واستهداف كردستان العراق بحجة التواطؤ ومساعدة الاحتجاجات الإيرانية، لدفع المواطنين في كُردستان إيران إلى التوقف عن التظاهر أملًا في إيقاف القصف على إخوانهم في الجانب العراقي، وبالرغم من اتخاذ السلطات الإيرانية لجميع هذه الخطوات المدروسة والممنهجة من القمع المباشر والتخويف والترهيب.
إلا أن هذه الإجراءات ساهمت في إيقاظ الحلم الكُردي لدى المواطنين في كُردستان إيران، ودفعهم إلى رفع سقف مطالبهم التي كانت عبارة عن معاقبة القتلة والحصول على بعض الحقوق الثقافية، ورفعها إلى مطالب بإسقاط النظام وإعادة الحلم التاريخي بتأسيس دولة كُردية وخاصة حلم جمهورية مهأباد التي شكلت التجربة الأولى لتأسيس دولة كُردية خلال المائة عام الماضية.
وصية “القاضي محمد” مؤسس جمهورية كُردستان
يتذكر أكراد كُردستان إيران وصية “القاضي محمد” مؤسس جمهورية كُردستان (1946) الذي وجه كلامه للكُرد قائلًا: “ناضلوا دون هوادة من أجل الخلاص من الظلم والعبودية، لا تتخلفوا عن ركب التطور، كي تعيشوا مثل باقي شعوب العالم أحرارًا. فإنْ تحررْتم وأصبحتم سادة وطنكم، حينها سوف تحصلون على كلِّ ما تشاؤون، تحصلون على المال والأملاك والدولة والشرف”.
وقال: “حيث يظهر الحراك الشعبي أن تعويل النظام الإيراني على مسح الذاكرة الكُردية لم يُحقق أي نتائج على أرض الواقع، وخاصة في العمل الممنهج على نشر المخدرات وتدمير الشباب لإبعادهم عن أحلامهم القومية وحقوقهم المشروعة، وخاصة مع شعور الجيل الكُردي الجديد بضياع حقوقه والسيطرة عليه عن طريق استخدام النصوص الدينية والمذهبية التي تحاول طمس الهوية القومية للسيطرة الكاملة على المناطق الكُردية من قبل السلطات الإيرانية”.
قمع السلطات الإيرانية للمحتجين لم يحقق النتائج المرجوة
وبعد أكثر من أربعين عام على الجمهورية الإيرانية ورغم اتباع كل الوسائل للسيطرة الكاملة على كُردستان إيران، من إطلاق الخميني فتوى بتكفير المناضلين الكُرد تمهيدًا لإعدامهم وتصفيتهم بصورة جماعية، وصولًا إلى سياسات عسكرة المجتمعات الكُردية وشيطنة التظاهرات من قبل المرشد الإيراني الحالي خامنئي، وفشل النظام الإيراني في نسيان الكُرد حلمهم التاريخي، نرى اليوم أن تراكم القمع أدى إلى الانفجار ولم يُحقق النتائج المرجوة.
حيث يستحيل معالجة المشكلات المتعلقة بحقوق الشعوب بالقوة والعنف واللجوء إلى الوسائل العسكرية، بل يتطلب الأمر القبول بالوسائل الدبلوماسية والحوار والتفاوض في سبيل الوصول إلى حلول منطقية على أساس المصالح المشتركة لتحقيق مصالح شعوب المنطقة بعيدًا عن سياسات الإقصاء ومحاولات إزالة الآخر وفرض هوية طائفية ودينية على باقي الشعوب كما يفعل النظام الإيراني الحالي.
أحلام الكُرد كوابيس تلاحق مستقبل النظام الإيراني
بينما كان النظام الإيراني يحلم بتوسيع نفوذه الجغرافي في المنطقة والاستفادة من العوامل الدولية للدخول بصورة أقوى إلى مجال الطاقة العالمي وتجاوز العقوبات الأمريكية وتوفير المليارات لإعادة تنشيط الحرس الثوري وتحقيق المزيد من الإنجازات الأمنية والعسكرية، حولت تظاهرات كُردستان إيران هذه الأحلام إلى كوابيس باقتراب تراجع وانهيار النظام الإيراني.
حيث ساهم صمود الأكراد في إيران إلى دفع باقي الشعوب للخروج والتضامن مع كُردستان إيران مع عجز السلطات الإيرانية عن السيطرة على جميع هذه النقاط التي تحولت إلى مساحات جغرافية ترفض القوات الإيرانية وتطرد أنصار خامنئي بصورة مباشرة.
التحشيد العسكري الإيراني على الحدود العراقية يقيد أحلام طهران التوسعية
التركيز الإيراني على المظاهرات الداخلية وتحشيد القوات العسكرية داخل المدن والمناطق الحدودية مع العراق يُساهم في تقويض الأحلام التوسعية الإيرانية بصورة كبيرة، حيث تحولت أولويات النظام الإيراني في المرحلة الحالية على الحفاظ على بنية وكيان النظام ولم تعد تولي الكثير من الاهتمام للتوسع الخارجي أو حماية نفوذها داخل دول المنطقة في ظل وجود تهديدات حقيقية تستهدف عقيدة نظام الجمهورية الإسلامية وتهز أركان الأفكار الأيديولوجية التي قامت عليه الدولة الحالية.
وأكدت الاحتجاجات السابقة في إيران والتي أرسلت رسائل واضحة إلى السلطات الإيرانية بأن النظام الإيراني من غير الممكن أن يتخلى عن أفكاره وأيديولوجية الحكم الذي يسير عليه منذ أكثر من أربعين عام، على الرغم من فشل هذه الأيديولوجية في الاستجابة إلى الحد الأدنى من مطالب المواطنين ومختلف شرائح المجتمع، وهذا ما يدفع النظام الإيراني إلى التمسك بهذه الأيديولوجية والتي أصبحت تواجه العديد من التحديات الداخلية والخارجية وباتت تُشكل عبئا على الأمن الإقليمي والمنظومة الدولية وخاصة بعد التدخل في الغزو الروسي لأوكرانيا وإرسال الطائرات المسيرة لمساعدة الجانب الروسي والذي يُشكل مخاطر حقيقية لدولة مارقة لا تحترم المواثيق والقوانين الدولية وتعمل على نشر الفوضى في المحيط الإقليمي والخارجي.
Anti-government protests continued today in the city of Zahedan (southeast Iran), despite having endured multiple brutal crackdowns over the last nine weeks. pic.twitter.com/eRb3E54zWL
— Karim Sadjadpour (@ksadjadpour) November 25, 2022
الاحتجاجات الإيرانية فرصة للتحرر
تُشكل الاحتجاجات الإيرانية وخاصة في المناطق الكُردية فرصة حقيقية للشعوب الإيرانية للتحرر والتخلص من المنظومة السياسية الإيرانية والسلطة الدينية التي عملت على تأسيس جمهورية الخوف وفعلت أساليب العنف ونشرت الفوضى خارج حدودها، وقد ساهم تصرفات النظام الإيراني في إحياء الأحلام القومية لباقي الشعوب من ضمنها حلم جمهورية مهأباد في كردستان إيران.
وهو ما يُمثل كابوسًا حقيقيًا للنظام الإيراني، حيث يحلم المواطنون في كردستان إيران ببناء تجربة للحكم مشابهة لإقليم كردستان العراق والذي سيشكل عقدة لإيران التي تعمل بكل قوة على إضعاف تجربة إقليم كردستان العراق وتقوم حاليًا بقصف الإقليم واستهدافه بالصواريخ الباليستية وطائرات الدرون المفخخة والتحشيد على الحدود العراقية.
هذا فضلًا عن التهديد بغزو بري لأراضي كردستان، حيث تُشكل تجربة الإقليم صداعًا مستمرًا للنظام الإيراني الذي يخشى من تطور القضية الكُردية في أي رقعة جغرافية داخل المنطقة باعتبارها سيُشكل تهديدًا على المشروع السياسي والديني للجمهورية الإسلامية الإيرانية.