باطرفي ودائرته المقربة لم يتخلوا عن حياة الثراء التي اعتادوا عليها
- التنظيم بات أيضا يعاني من صراع داخلي بين الأغنياء والفقراء
- خلقت أموال المكلا حالة من التراخي والفساد بين قيادات وعناصر التنظيم
في العام 2015 عاش تنظيم القاعدة مرحلة رخاء مالي غير مسبوق، خصوصا بعد أن سيطر على مدينة المكلا الساحلية في محافظة حضرموت جنوبي شرق اليمن، وكانوا قد تحكموا أيضا بإيرادات ميناء الحاويات في محافظة عدن. لكن هذا الرخاء لم يدم طويلا إذ واجه التنظيم أزمة مالية خانقة بدأت بعد مقتل زعيمه المؤسس ناصر الوحيشي.
مقتل الوحيشي خلق حالة من الفراغ الإداري والتنظيمي، وهو ما استغله عدد من القيادات الجهادية المقربة من الوحيشي لكي تنهب مبالغ طائلة من الأموال التي سبق وأن ادخرها التنظيم لصالحه، إضافة إلى استحواذهم الشخصي على أموال أفرع البنوك اليمنية التي تم السطو عليها في مدينة المكلا.
وخلقت هذه الأموال حالة من التراخي والفساد بين قيادات وعناصر تنظيم القاعدة، كانت محل انتقاد دائم من المرجعيات الأيديولوجية والشرعية في التنظيم.
دعم قاعدة الخارج
وبحسب قيادي مقرب من القيادة العامة، فان المبالغ المالية التي استولى عليه التنظيم من بنوك المكلا، كان أكبر من الذي أعلن عنه بكثير، موكدًا “أن التنظيم إبان سيطرته على المكلا أرسل أموالًا لجميع الجماعات المقربة في سوريا والصومال وأفغانستان.
واكد القيادي في حديث حصري لـ”أخبار الآن” أن قيادة تنظيم القاعدة في اليمن أرسلت الأموال إلى جماعة الشباب الصومالية، وجماعة أنصار الدين في سوريا، كما أرسلت الأموال إلى أفغانستان، منها للتنظيم نفسه، ومنها لجماعة طالبان، مشيرًا إلى أن القيادة العامة في اليمن، توقعت أن تقوم جماعة طالبان برد الجميل، وإعادة إرسال أموال إلى التنظيم الذي يمر بأزمة مالية خانقة.
وأضاف القيادي أن التنظيم أرسل بعشرات الملايين إلى سيف العدل في إيران، خلال السنوات الماضية، موكدًا أن الأموال كانت ترسل لسيف العدل من قبل زعيم التنظيم السابق قاسم الريمي، وأيضا الزعيم الجديد خالد باطرفي، ويتم إرسالها مع قيادات عبر البحر إلى إيران.
الإفلاس
وفي بداية العام 2016، وقبل انطلاق العملية البرية التي قادتها قوات التحالف العربي وقوات المقاومة الجنوبية والنخبة الحضرمية بإسناد من القوات الأمريكية، لطرد تنظيم القاعدة من محافظة حضرموت؛ شهدت مدينة المكلا عملا استخباريًا مكثفا لمعرفة أماكن تخزين الأموال وطرق تحصيلها، وتم بالفعل استهداف أكثر من 15 مليار ريال يمني بالقرب من مزرعة باغزوان بساحل حضرموت بقصف طيران أمريكي.
وعقب اقتحام حضرموت بريا تم مداهمة أكثر من شقة داخل مدينة الشحر وغيل باوزير، ومصادرة أموال طائلة حاول التنظيم إخفائها بمساعدة بعض المتعاونين من أبناء المنطقة على امل أن يتم تهريبها اليه لاحقا.
وفي وقت لاحق، قام التنظيم بالتحقيق مع مسؤوله المالي أبو تراب السوداني وقدمه إلى المحاكمة بتهمتي الجاسوسية واختلاس الأموال، وقام بإعدامه ضمن حملة تصفية الجواسيس داخل التنظيم التي قادها قاسم الريمي وإبراهيم أبو صالح المسؤول الأمني.
ومثلما أدت فترة الرخاء القصيرة التي عاشها التنظيم في المكلا إلى تفشي الفساد بين أعضائه، فإنها أيضا أضعفت روحهم القتالية.
ويقول قيادي جهادي في تنظيم القاعدة في اليمن إنه بعد إفلاس التنظيم بدأت الكثير من القيادات تطالب بالامتيازات المالية التي اعتادت عليها، ورفض كثير منهم القيام بأي مهام ميدانية إذا لم يتقاضى مبالغ مالية مقدما.
صراع طبقي داخل التنظيم
وبحسب القيادي فإن التنظيم بات أيضا يعاني من صراع داخلي بين الأغنياء والفقراء؛ ويضيف المصدر بأنه يمكن تقسيم التنظيم من وجهة نظر مالية إلى صنفين: الأول هم الغالبية العظمى من المقاتلين والقيادات الوسطية والعليا الذي تم قطع المخصصات الشهرية عنهم وعن أسرهم.
أما الصنف الثاني فهم النخبة المقربة من الزعيم الحالي للتنظيم خالد باطرفي والذي رفضت الحلقة المحيطة به، الإفصاح عن ما ادخرّته من أموال مهربة من المكلا واحتفظوا بها بشكل شخصي دون أن يقدموها إلى خزينة التنظيم، وقد حاولت هذه النخبة التهرب من أي محاسبة مستغلة اتهام أبو تراب السوداني بتهمة الجاسوسية وألقت عليه مسؤولية تبديد الأموال.
واضطر التنظيم إلى اتخاذ عدة إجراءات تقشفية للتكيف مع وضعه المالي الهش، أهمها تخفيض ميزانية أعمال الولايات، ووقف الميزانيات التي كانت تعطى لأمراء الولايات وتكون تحت تصرفهم.
وقد أدى هذا الإجراء إلى انفجار الصراع القيادي بين خالد باطرفي من جهة، وبين القيادي الشاب الأبرز في التنظيم سعد عاطف العولقي من جهة أخرى.
ويرى مصدر قيادي في القاعدة أن إجراءات باطرفي التقشفية لا تعكس إفلاس التنظيم بشكل كامل، ويضيف: “هناك أموال كبيرة مع القيادة العامة وبالأخص باطرفي وإدارته المقربة، البعض منها من إيرادات المكلا التي نجحوا بتهريبها، والبعض الاخر تم جمعها مؤخرا من حضرموت وكان التنظيم قد أودعها مع بعض المتعاونين معه، ثم تم تكليف القيادي “أبو اسامه الدياني” لإعادة جمعها، وقد نجح الدياني بتحصيل مبالغ كبيرة منها”.
البحث عن دعم خارجي
لكن باطرفي لم يكتفِ بما راكمه من أموال طائلة، وقد بدأ يفكر فعلا في عرض خدمات عملياتية يقوم بها تنظيم القاعدة في مقابل مردود مالي خارجي.
وبحسب مصدر جهادي رفيع فإن قيادة التنظيم كلفت أحد القيادات القريبة جدًا من باطرفي في العام 2020 بتولي مهام التواصل الخارجي، وأمرته بالتنسيق مع الزعيم الجهادي المقيم في إيران “سيف العدل” ومع قيادات الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية، والترتيب سويًا للقيام بعمليات مشتركة في المهرة وحضرموت تستهدف المصالح الغربية وقوات التحالف العربي، وفي المقابل سوف تقدم إيران دعما ماليا سخيا للقاعدة وسوف توجه الحوثيين بعدم استهدافهم عسكريا.
مرتزقة جدد
وفي المحصلة يبدو الوضع المالي لتنظيم القاعدة في غاية التناقض؛ فبينما لم يتخلى باطرفي ودائرته المقربة عن حياة الثراء التي اعتادوا عليها منذ حقبة المكلا، يعاني التنظيم من أزمة مالية خانقة انعكست سلبا على تماسكه الداخلي وفاعليته العملياتية.
ولا يبدو أن ثنائية “الفساد، والإفلاس” سوف تدفع التنظيم إلى تقليص نشاطه في اليمن، بل قد تدفعه إلى التخلي عن أهدافه الايدلوجية والاستراتيجية والتحرك بمنطق المرتزقة لتحصيل مبالغ مبالية مقابل خدمات أمنية.