الجماعات الجهادية.. طرف جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
في السابع من يناير الجاري، نشر حساب (Cᴀʟɪʙʀᴇ Oʙsᴄᴜʀᴀ) على موقع التغريدات “تويتر”، مقطع فيديو أظهر رستم أزاييف أو عبد الحكيم الشيشاني، أثناء اشتراكه في القتال على الجبهة الأوكرانية ضد القوات الروسية.
وتستقبل الكتائب المسلمة وجوها جديدة وتتوالى الإمدادات البشرية من المسلمين أصحاب الثأر مع بوتين، حيث كان عبدالحكيم الشيشاني قائدا لإحدى الفرق في سوريا تدعى كتيبة “أجناد القوقاز” على مدار أعوام.
The Ichkerian OBON (Separate Special Purpose Battalion) of the UA Foreign Legion during recent urban fighting in #Bakhmut.
Some of you may notice someone with an interesting pedigree and an AT-4… pic.twitter.com/aLXMLKHV6k
— Cᴀʟɪʙʀᴇ Oʙsᴄᴜʀᴀ (@CalibreObscura) January 7, 2023
عندما اندلع الصراع بين أوكرانيا وروسيا في شباط (فبراير) الماضي، كانت المنظمات والجماعات الجهادية هي المستفيد الأكبر، كما هو الحال غالبًا ، فطرحت وجهات نظرها بشأن النزاع، معبرةً عن آراءٍ مختلفة.
منذ البداية، تساءل الكثيرون عما إذا كان استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، سيمكن الجهاديين من أن يجدوا مجالًا أوسع في الانتشار ومواصلة القتال في مناطق العمليات الأخرى.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالانتشار الروسي، فمن غير المرجح أن يحدث هذا، حيث يُنظر إلى روسيا بشكل لا لبس فيه، وبشكل مشترك من قبل الجماعات الجهادية بأكملها على أنها عدو ظالم يجب محاربته وضربه.
ومع ذلك، فإن الأمر المختلف هو إمكانية القتال لدعم الانتشار الأوكراني، حيث أن العديد من الجماعات الجهادية المستقلة أو المتحالفة مع هيئة تحرير الشام والتي كانت تعمل في السياق الأوكراني على مدار العقد الماضي، تتكون من الشيشانين والداغستانين والتتار والأوزبك. ويرى المقاتلون الطاجيكيون وغيرهم أن روسيا هي العدو الرئيسي لأهدافهم العملياتية.
المقاتلون المسلمون في الجبهة؟
أدى الصراع المستمر إلى عودة ظهور المقاتلين الأجانب، مما أثار مخاوف متزايدة وأسئلة مهمة تتعلق بالأمن وتحليل ظاهرة الإرهاب الجهادي. حيث أن وجود مقاتلين أجانب في أوكرانيا ليس ظاهرة حديثة.
فمنذ عام 2015، ظهرت كتائب للقتال على الجبهة الأوكرانية، مثل كتيبة جوهر دوداييف وكتيبة الشيخ منصور وهما مجموعتان شيشانيتان مهمتان، مناهضتان بشدة لروسيا، وتقاتلان في أوكرانيا ضد روسيا منذ بعض الوقت.
كما ظهر أيضًا المقاتلون الشيشانيون إلى جانب الأوكرانيين وضد الروس في عام 2015 عندما تم تشكيل كتائب المسلمين الشيشانين كجزء من “كتائب المتطوعين الأوكرانية” لمواجهة الحركات الانفصالية الموالية لروسيا ولاحقًا الغزو الروسي لأوكرانيا والذي اندلعت أحداثه بدايةً من فبراير 2022.
وكان معظم هؤلاء المقاتلين قد فروا من الشيشان بعد سقوط جمهورية إيشكيريا الشيشانية عام 2009، بعد أن خاضوا معارك ضارية مع الروس لعدة سنوات في حروب الشيشان.
“كتيبة الشيخ منصور الدولية لحفظ السلام” (Shaykh Mansur International Peacekeeping Battalion) هي تشكيل مسلح غير حكومي متطوع، يشارك في النزاع المسلح في شرق أوكرانيا إلى جانب قوات الأمن الأوكرانية، ويتألف بشكل أساسي من الشيشانين الذين هاجروا من روسيا بعد الصراع الشيشاني.
سميت الكتيبة على اسم الشيخ منصور Shaykh Mansur الذي قاد المقاومة ضد التوسع الروسي أثناء حكم كاترين العظيمة أواخر القرن الثامن عشر. ولذلك ظلت شخصية الشيخ منصور رمزًا لمقاومة الغزو الخارجي في كل من الشيشان ومنطقة شمال القوقاز بأكملها، وغالبًا ما تتكرر في الدعاية الجهادية المحلية جنبًا إلى جنب مع شخصيات أخرى مثل الإمام شامل الداغستاني الذي كان يدعو إلى وحدة المسلمين وحثهم على حمل السلاح في مواجهة السلطة المركزية الروسية.
يقود الكتيبة القائد المسلم شبرلوفسكي Cheberloevsky. الذي يدعو بشكلٍ دوري كلًا من الشيشانين والداغستانين والإنغوش إلى الانضمام إلى “الفيلق الدولي” في أوكرانيا والقتال ضد القوات المسلحة الروسية.
تم تشكيل “كتيبة جوهر دوداييف” – (Dzhokhar Dudayev Battalion) من قبل عيسى موناييف- Isa Munayev في عام 2014 كـ “كتيبةٍ دوليةٍ لحفظ السلام” ولمحاربة الانفصاليين الموالين لروسيا في أوكرانيا.
تتألف بشكل أساسي من الشيشانين الذين هاجروا من روسيا بعد الصراع الشيشاني الثاني والعديد من المهاجرين المتطوعين من جورجيا وأذربيجان وبولندا ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا.
سميت الكتيبة على اسم جوهر دوداييف – Dzhokhar Dudayev، أول رئيس لجمهورية إيشكيريا الشيشانية، الذي قتلته القوات المسلحة الروسية في عام 1996. وحاليًا، الكتيبة تعمل تحت قيادة آدم أوسمايف – Adam Osmaev.
بالنسبة للعديد من المقاتلين من مناطق آسيا الوسطى أو القوقاز، والتي كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفيتي سابقًا، فإن الحرب في أوكرانيا ليست سوى المرحلة التالية من الحرب ضد روسيا، أو بمعنى أدق هي حربًا لتحرير المنطقة من النفوذ الروسي. لذلك فإن الصراع الروسي الأوكراني هو ساحة جديدة لمواجهة الروس.
واللافت هو انتشار مقاطع فيديو لمسلمين من شمال القوقاز، يقاتلون إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا. حيث تم دمج دولتهم إشكيريا بالقوة في الاتحاد الروسي.
اختيار أوكرانيا أصبح واضحًا للجميع، فالوضع الحالي يسمح بتدفق كتائب المتطوعين، التي حصل بعضها على اعترافٍ رسمي، مما يمكنها من العمل بشكل تنظيمي بعيدًا عن سيطرة الدولة، وبالتالي تلقي دعم المواطنين العاديين.
إلى جانب الكتائب و “الفيلق الأجنبي” والجيش الأوكراني، وصل العديد من مقاتلي الميليشيات الكردية التابعة لوحدة الدفاع الشعبي YPG في الأشهر الأخيرة على وجه الخصوص إلى ساحات القتال في أوكرانيا، فسافر العديد من قدامى المحاربين في وحدات حماية الشعب إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب جيش كييف، لكن من غير الواضح في أي دورٍ إلى الآن.
كما أدانت المعارضة السورية المتمردة بشكل علني روسيا وخاصة المسلمين الذين يقاتلون إلى جانبها، وخاصة مجموعة “قاديروفتسي” وذلك بسبب الأحداث في سوريا، فروسيا هي أقرب حليف للرئيس بشار الأسد في حربه ضد الثوار السوريين. كما أكد القائد الفاروق أبو بكر، الذي أتيحت لي الفرصة لمقابلته، موقفهم القوي ضد روسيا بتمني هزيمتها، لكنه نفى أيضًا الشائعات التي ترددت عن استخدام مقاتلين سوريين في الصراع.
حيث قال: “لا حديث عن نقل مقاتلين سوريين من الثورة والجيش الوطني للقتال مع الجيش الأوكراني، على الرغم من كون روسيا وجيشها عدو وحشي، ومحتل، وقاتل للأبرياء، وأن ضحايا هذه الحرب هم الشعب الأوكراني كما في حالة بلدي سوريا. ونأمل أن تفشل روسيا التي تدخلت في بلدي ووقفت مع نظام الأسد المجرم ضد مطالب الشعب السوري. كما نأمل أن تعيد الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية النظر في الملف السوري الآن وتقدم الدعم العسكري حتى نتمكن من فتح ساحات جديدة للقتال، لتحرير المناطق من نظام الأسد ونلحق الخسائر الفادحة بالعدو الروسي”.
سعت روسيا بدورها إلى تضخيم صفوفها العسكرية على الجبهة الأوكرانية من خلال استغلال الدعم السوري. كما حاولت وسائل الإعلام والحكومة السورية استقطاب المتطوعين الراغبين في مساعدة القضية الروسية. واستخدمت روسيا بعض الشركاء والحكومة في دمشق، ووسائل الإعلام لتجنيد المقاتلين المتطوعين، كما عرضت عليهم عقودًا كبيرة شملت راتبًا قدره 1000 دولار أو 1.5 ألف دولار ويصل إلى 3000 دولار وحتى إلى 7000 دولار للمقاتلين الجرحى، بالإضافة إلى توفير الحصص الغذائية لعائلات المتطوعين، ودفعة تأمين للأسرة بقيمة 15000 دولار، إذا لقى المتطوع حتفه أثناء القتال.
وعلى الرغم من جهود التعبئة، إلا أن روسيا فشلت في هدفها لإغراق أوكرانيا بالمقاتلين الأجانب، وكان الرد ضعيفًا، حيث تم إرسال حوالي 500 مقاتل سوري فقط إلى الجبهة، معظمهم من قوات الصياد الأمنية وأفراد من مدفعية اللواء الثامن، المنتشرة على الجبهة في خيرسون.
في الآونة الأخيرة، أخبرني مصدر شخصي موجود في مقدمة الصراع الروسي الأوكراني أن: “هناك تقارير عن نقل مقاتلين من إيران وأفغانستان للقتال إلى جانب الروس”، ولكن لا يوجد دليل ملموس لدينا على هذا النحو.
الجهاديون في الصراع؟
رد العالم الجهادي فور اندلاع الصراع في وقت مبكر من فبراير بعبارات دعائية لكنه اتخذ مواقف مختلفة تجاهه.
ومن ناحية أخرى، كان هناك الذين اتضحت مواقفهم على الفور، وهم الجماعات الجهادية الأصغر العاملة في سوريا، والمكونة من مقاتلين من القوقاز والتتار والأوزبك والطاجيك وغيرهم، الذين ركزوا دائمًا عملياتهم الجهادية بشكل أساسي ضد عدوهم الأول، وهو كما وصفوه “المستبد الروسي”.
تلقيت العديد من التصريحات أو الردود الواردة من المقاتلين الجهاديين الأجانب العاملين في سوريا، فصرح أحدهم قائلًا: “يريد العديد من الجهاديين الشيشانيين في إدلب أن يكونوا جزءًا من المقاتلين المسلمين الذين يقاتلون الروس في أوكرانيا”، وأكمل “إذا كانت الحكومات الغربية قد دعمت المقاتلين الشيشانين في وقتٍ سابق، فإن الحرب في أوكرانيا لم تكن لتحدث، كما ذكر أحد المقاتلين الأخرين: “نريد فقط أن تتاح لنا الفرصة لمحاربة الروس أينما كانوا”.
حدث أول تغيير حقيقي كبير في أكتوبر / تشرين الأول 2022، عندما وصل أحد أهم القادة الشيشانين والجهادي المخضرم، عبد الحكيم الشيشاني – Abdul Hakim al-Shishani، زعيم جماعة أجناد القوقاز، أو كما يتم تسميتهم “جنود القوقاز” (Soldiers of the Caucasus)، إلى الجبهة الأوكرانية.
عبد الحكيم الشيشاني غادر ريف اللاذقية مع حوالي 30 من رجاله لمحاربة الروس، والذي يُعد الهدف الأساسي للجماعة، ولهذا ذهبوا إلى سوريا للقتال. لكن السبب الرئيسي في تركهم الأراضي السورية يكمُن في العلاقة الصعبة التي واجهتها الجماعة مع هيئة تحرير الشام، فأكد لي مصدر جهادي سوري: “في البداية، حاربوا روسيا في سوريا، لكن في العامين الماضيين، كانت هيئة تحرير الشام تطاردهم وتقيدهم؛ لذلك، وجدوا أن الذهاب إلى أوكرانيا فرصة للتخلص من اضطهاد هيئة تحرير الشام”.
رستم أزهييف – Rustam Azhiev، المعروف بعبد الحكيم الشيشاني، هو أولاً وقبل كل شيء من قدامى المحاربين في حروب الشيشان. ولد عام 1981 في مستوطنة صغيرة بالقرب من غروزني، وانضم إلى المقاومة الشيشانية كجندي خاص بعد وقت قصير من بدء الحرب الشيشانية الثانية في عام 1999، وسرعان ما ترقى في الرتب ليصبح مشرفًا عسكريًا للقطاع المركزي في الأقليم الشيشاني، الواقع تحت سيطرة إمارة القوقاز في عام 2007.
في عام 2009، وبعد إصابته بجروح خطيرة في أحد المعارك مع الروس، غادر الشيشان وهرب إلى تركيا، حيث وصل إلى سوريا في أواخر عام 2012 مع مجموعة من قدامى المحاربين الشيشانين والموالين له. وفي عام 2013، أسس عبد الحكيم جماعة الخلافة القوقازية وبدأ العمل العسكري. في عام 2015، ومع بداية التدخل الروسي في سوريا، اندمج عبدالحكيم الشيشاني وجماعته مع جماعة شيشانية أخرى، وهي جماعة جند القوقاز، وشكلا جماعة أجناد القوقاز – Ajnad al Kavkaz، والتي استمرت في العمل بنشاط في ريف وجبال وغابات اللاذقية، وظلت مستقلة نسبيًا. ولكن بما أن الجماعة تعمل بشكل أساسي في محافظتي إدلب واللاذقية، وهي المناطق التي تقع تحت هيمنة هيئة تحرير الشام منذ عام 2017، فبالتالي أصبحت الاشتباكات معها حتمية، مما أدى إلى قرار الانتقال إلى مسرح عمليات آخر، بدلاً عن ذلك.
في عام 2019، قاتلت أجناد القوقاز إلى جانب جماعة جهادية مستقلة أخرى، وهي أنصار التوحيد، في محافظة حماة السورية. خلال فترة هجوم الجيش السوري على شمال غرب سوريا عام 2020، وشارك قناصة أجناد القوقاز في الدفاع عن جبل الزاوية. ومنذ ذلك الحين، استمرت المجموعة في العمل في سوريا، ولكن فقط بالتعاون مع قوات ملحمة التكتيكية – Malhama Tactical، حتى جاء قرار التحرك في الأشهر الأخيرة. ليصل عبد الحكيم الشيشاني إلى أوكرانيا عبر المرور من تركيا، وذلك بالتنسيق مع قيادة كتيبة الشيخ منصور وقيادة الحكومة الشيشانية في المنفى بجمهورية إشكيريا.
في أكتوبر الماضي، إذن قام القائد الشيشاني المقاتل أحمد زكاييف – Akhmed Zakayev، الذي يقود الحكومة الشيشانية في المنفى بجمهورية إشكيريا، بتنصيب عبدالحكيم الشيشاني نائبا له، وكلفه بالإشراف على القوات الشيشانية التي تقاتل حاليا إلى جانب الجيش الأوكراني. . الفيديو الكامل الذي شاركه زكاييف بنفسه على قناته الرسمية متاح على موقع يوتيوب، حيث يمكن رؤية الزعيم الجهادي لأجناد القوقاز جالسًا إلى جانبه.
وتزامن وصول زعيم جماعة أجناد القوقاز، وصل حوالي 20 مقاتلًا جنبًا إلى جنب مع زعيمهم، ومنهم العديد من مساعديه الموثوق بهم. وفي وقت لاحق، غادر 70 مقاتلًا آخر سوريا ووصلوا إلى أوكرانيا. وكانت قناة تلغرام التابعة لمجموعة زكاييف، قد نشرت في وقتٍ سابق صورةً تظهر جواز سفر أوكراني تم إصداره لعبدالحكيم الشيشاني، وفي الأيام التالية، نشرت قناة زكاييف على يوتيوب مقطع فيديو طويل يظهر عبدالحكيم الشيشاني إلى جانب زعيم شيشاني آخر، وهو عبدالله أورتخانوف – Abdulаh Ortkhanov، وزير دولة جمهورية الشيشان في المنفى بإشكيريا. وذكر زكاييف في مقطع الفيديو أن البرلمان الأوكراني المكون من مجلس واحد قد اعترف باستقلال جمهورية إيشكيريا الشيشانية.