الهيمنة الإيرانية في سوريا
- الهدف الإيراني الاستراتيجي في سوريا هو أن يكون لها موطىء قدم قريب من البحر المتوسط
- يعمل الإيرانيون في سوريا على تغيير معالم الأحياء وتغيير أسماء الشوارع فيها وخصوصا منطقة السيدة زينب
منذ أن تحالف الرئيس السوري السابق حافظ الأسد مع إيران الجمهورية وإيران تعمل على ترسيخ نفوذها في هذا البلد الذي ابتعد كثيرا عن محيطه العربي. وفي السنوات العشر الأخيرة استغلت إيران ما جرى في سوريا لتساعد النظام على البقاء مقابل أهداف بدأت تتكشف وكانت الفرصة الذهبية لإيران لكي تزحف بنفوذها هناك. وقد سبق أن بذلت إيران جهودا كبيرة وأنفقت أموالا طائلة لمساعدة الرئيس السوري الحالي بشار الأسد على البقاء في السلطة ودفعت حزب الله لإرسال ميليشياته لدعم قوات الرئيس بشار الأسد كما أرسلت هي المئات من المقاتلين من فيلق القدس.
واستغلت الأحوال الأمنية لكي تواصل تدخلها في الشؤون السورية وتفرض ما تريد من سياسات وأيديولوجيا تسهل عليها تحقيق أهدافها الخفية في المنطقة.
لا توجد أي فوائد مالية أو اقتصادية تكتسبها إيران من تواجدها في سوريا برغم أنها أنفقت ما يقرب من مئة مليار دولار لمساعدة النظام على البقاء. لكن الفائدة الكبرى هي فائدة استراتيجية بعيدة المدى تخلق لإيران مناطق نفوذ تملؤها بالأسلحة وتجعل منها قواعد ومراكز انطلاق لتدخلاتها في دول الجوار وبصورة خاصة في لبنان حيث يعمل حليفها حزب الله.
إيران عملت بجهد على تعزيز وجودها العسكري في سوريا
معلوم أن إيران عملت بجهد عال على تعزيز وجودها العسكري في سوريا ببناء قواعد عسكرية في عدد من المناطق السورية وخصوصا تلك القريبة من الحدود العراقية. فالهدف الإيراني الاستراتيجي في سوريا هو أن يكون لها موطىء قدم قريب من البحر المتوسط. وقد تطورت أهداف إيران في سوريا وانتقلت الآن إلى هدف استراتيجي لم يكن خفيا لكنه الآن اصبح أكثر وضوحا وهو إقامة استيطان إيراني دائم في سوريا وبشكل خاص في المناطق القريبة من العاصمة دمشق ومتاخمة لبعض المزارات الشيعية مثل مقام السيدة زينب على سبيل المثال.
وبعد أن عملت على تعزيز وجودها العسكري عبر الدعم الكامل للنظام وبعد هدوء الجبهات العسكرية تغلغلت إيران في مجتمع رجال الأعمال باستخدام ما يمكن تسميته بأدوات القوة الناعمة والنشاط الثقافي والديني ثم انتقلت الآن إلى تحقيق الهدف الثاني الذي ستكون نتائجه بعيدة المدى وهو إحلال عائلات المقاتلين الإيرانيين في سوريا وعائلات شيعية أخرى تستقدمها من إيران في المناطق التي تركها أهلها نتيجة القتال. كما أنها تقوم بشراء العقارات وبأسعار سخية ومن دون مساومات. وقد ساهمت حالات الفقر والبطالة والنتائج القاسية للأحداث التي وقعت في سوريا في زيادة حمى الإيرانيين لشراء العقارات في ريف دمشق الجنوبي.
الاهتمام الإيراني بشراء العقارات في سوريا ليس جديدا لكنه في الشهور الماضية ازداد بشكل ملحوظ. وإذا ما أكملت إيران خطتها في شراء المزيد من العقارات وتحويل منطقة السيدة زينب بأكملها إلى ضاحية شيعية فإنها ستكون ضاحية أشبه بالغيتو لا يعلم أحد ما يجري فيها. يقوم الإيرانيون بشراء العقارات من أراضي ومساكن في منطقة أصبحت تعرف بمثلث الاستيطاني الإيراني تمتد ما بين حمص ودير الزور ودمشق ولكن بشكل أكبر في منطقة دمشق بالإضافة إلى المناطق المتاخمة لهضبة الجولان.
لا بد أن طهران تعتقد أن دورها في مساعدة الأسد على البقاء يخولها القيام بما تقوم به بعد أن بات واضحا أن النظام السوري ينفذ ما تطلبه إيران. فقد عدلت الحكومة السورية قانون تملك الأجانب للعقارات الذي لم يكن يسمح لغير السورين بامتلاك العقارات في البلاد لكي يصبح الأمر الآن متاحا لهم. وبعد صدور التعديل أقامت إيران ضاحية سكنية كاملة للإيرانيين في منطقة المزة حيث تقع السفارة الإيرانية وقد تم إجبار سكان المنطقة على بيع عقاراتهم بالقوة. كما أن منطقة السيدة زينب في ريف دمشق الجنوبي أصبحت الآن معقلا للإيرانيين الذين يتزايدون هناك بشكل ملحوظ. بالإضافة إلى كثير من الأحياء الشعبية في العاصمة التي امتلأت بالإيرانيين وأصبحت معاقل لهم.
يعمل الإيرانيون في سوريا على تغيير معالم الأحياء وتغيير أسماء الشوارع فيها وخصوصا منطقة السيدة زينب. وتنتشر صور القادة الإيرانيين الذين قتلوا في سوريا في شوارع الأحياء التي بات يسكنها الإيرانيون. وتقوم الحكومة الإيرانية بإرسال المقاولين الإيرانيين والعمال الأفغان من اللاجئين لديها للقيام بأعمال البناء في سوريا لصالح أصحاب العقارات الجدد من الإيرانيين. تتسرب أنباء عن أن الكثيرين من أصحاب العقارات يجبرون على البيع فالإغراء المالي كبير والمبالغ السخية التي يعرضها سماسرة العقار تقنع الملاكين الذين يعانون من الفقر والعوز ببيع عقاراتهم.
أما الذين يسهلون عمليات البيع ويتسترون عليها فهم أشخاص متنفذون مرتبطون بإيران أو بالحرس الثوري. فالجهات الإيرانية لا تشتري مباشرة بل عبر الوسطاء السوريين. ويظهر أن عملية شراء العقارات في المناطق الشعبية في دمشق أصبحت عملا مدعوما من سلطات طهران التي تحث عائلات وأقارب مقاتلي الحرس الثوري في سوريا الذين يربو عدهم عن العشرين ألفا على الشراء والاستيطان هناك. كما أنه لم يعد مستغربا أن عناصر حزب الله وأنصاره يتصدرون الجهات التي تقوم بالشراء في منطقة دمشق وضواحيها.
التغيير في البنية الديموغرافية والتركيبة السكانية والدينية في سوريا لصالح إيران وأنصارها سيخلق واقعا مختلفا قد يجر إلى صراعات أهلية جديدة إذ أن الشعب السوري الذي تنتمي أغلبيته إلى المذهب السني لن يقبل بهذه التغييرات الطارئة. إلى جانب هذا الاستيطان في العقارات تعمل إيران على إقامة المزيد من المراكز الثقافية التي تنشر التشيع واللغة الفارسية وتقيم الاحتفالات في ذكرى مقتل القادة الإيرانيين. وهذا التغلغل الثقافي الإيراني إلى جانب التغلغل السكاني سيشكل اختراقا للمجتمع السوري الذي بات يلحظ البصمة الإيرانية في مختلف وجوه الحياة السورية.
في أيام حكم الرئيس حافظ الأسد أقيم تحالف إيراني سوري خدم الجانبين لكن الأسد الأب لم يسمح بأي تجاوز إيراني بل أنه رفض إعفاء الإيرانيين من التأشيرة لدخول سوريا ولم يترك إيران تبتلعها. لكن أحداث سوريا الدموية دفعت الرئيس بشار للخضوع إلى الابتزاز الإيراني وتقديم بلاده لإيران لكي تبتلعها بسهولة.
في الآونة الأخيرة بدأ الاستيطان الإيراني في سوريا يأخذ ملامحه وصارا أمرا ملموسا ومثيرا للاهتمام وبدأت مخاوف السوريين تظهر إذ باتوا يخشون أن يجدوا أنفسهم غرباء في وطنهم.
سكوت النظام السوري على الاستيطان الإيراني في البلاد يبدو مريبا وقد يفسر على أنه الثمن الذي يدفعه النظام لإيران مقابل جهدها العسكري الذي أبقاه في الحكم. وقد يكون من المبكر الحكم على النتائج النهائية لعمليات الشراء الإيرانية للعقارات في سوريا لكن ما يجري يدل على أن الأمور سائرة نحو تغيرات ديمغرافية ممنهجة الأمر الذي سيعزز قبضة إيران على النظام السوري ويخلق أمرا واقعا قد لا يتمكن أحد من تغييره في المستقبل.