إسرائيل قلقة من المشروع النووي الإيراني
مع الأيام الأولى لحكومة بنيامين نتانياهو أجرى سلاح الجو الإسرائيلي مناورات مشتركة مع سلاح الجو الأمريكي في أجواء إسرائيل الجنوبية والهدف بحسب ما نقلته مصادر صحفية أمريكية وإسرائيلية التدرب على قصف أهداف في عمق أراضي العدو. وعبارة “عمق أراضي العدو” عندما ترد على لسان جهات عسكرية إسرائيلية فإنها تعني أهدافا داخل إيران واحيانا داخل سوريا.
فهل كانت تلك المناورات مؤشرا على وجود نية أمريكية إسرائيلية مشتركة لمهاجمة إيران انطلاقا من القواعد الجوية الإسرائيلية في صحراء النقب؟ أم هي مجرد تنبيه وتحذير موجه إلى طهران في ظل الجمود الذي أصاب مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران والغرب؟
لا تخفي إسرائيل قلقها من المشروع النووي الإيراني ولم يعجز رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ولا سلفه عن التهديد بنية إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية التي تشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل. وقال قائد المناورات عن الجانب الإسرائيلي أن مقاتلاته الحربية مستعدة للذهاب إلى أي مكان يطلب منها. وبناء على هذه التصريحات بات من المؤكد أن هذه المناورات كانت تدريبا على ضرب أهداف في عمق الأراضي الإيرانية وقصد منها اختبار عدة سيناريوهات محتملة متعلقة بهذه الأهداف.
حكومة نتنياهو الجديدة ورسائل التصعيد ضد ايران
ما يعزز مثل هذه الفكرة المحتملة تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لبيد بأن إسرائيل قادرة تماما على القيام بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران. كذلك نبه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق خريجين من سلاح الجو الإسرائيلي بأن عليهم الاستعداد للقيام بضرب إيران خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة.
من الناحية العسكرية الفنية يعتقد قادة عسكريون إسرائيليون أن ثلاثة أسراب من طائرات إف خمسة وثلاثين المتطورة بمساعدة كافية من الولايات المتحدة وطائرات تزويد بالوقود في الجو ستكون كافية للقيام بتلك الضربة بنجاح. فهل تكون ضربة أميركية إسرائيلية مشتركة؟
الخطير في الأمر أن هذه المناورات جاءت متزامنة بشكل أو باخر مع تصريحات أمريكية قالت أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة فيما يتعلق بإيران. وجاءت هذه التأكيدات على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الذي نوه بأن الدبلوماسية ستكون الخيار الأول على الدوام لكن الخيارات الأخرى التي لم يفصح عن تفاصيلها موجودة أيضا للتعامل مع إيران حول الملف النووي. واستكمالا لهذا الموقف اكد المتحدث أن واشنطن تواصل التباحث مع شركائها حول هذه المسالة بمن فيهم إسرائيل. ومع هذه التصريحات كان وزير الخارجية الأميركي يهاتف نظيره الإسرائيلي بذات المحتوى وبزيادة مفادها أن الاتفاق النووي مع إيران قد انتهى.
ماذا يفهم من وصف الاتفاق بأنه انتهى؟ هل يفهم أن هذا مجرد ترديد لصدى زلة لسان الرئيس بايدن في الشهر الماضي بأن الاتفاق قد مات؟ لقد سبق للولايات المتحدة أن قالت أن لديها خطة بديلة في حال أن الاتفاق انتهى إلى الفشل. فهل الخطة البديلة هي مجرد عقوبات وتشديد للعقوبات؟ لقد اختبرت الولايات المتحدة العقوبات حتى الحد الأقصى وهذه لم تردع النظام الإيراني بل زادته تعنتا وتشددا فنتائج العقوبات دائما تقع على عامة الشعب أما أركان النظام فإنهم يعيشون في نعيم السلطة ولا يكترثون لمعاناة شعبهم مثل كل سلطات الأنظمة الدكتاتورية.
كيف تنظر المؤسسة العسكرية الأمريكية إلى الاتفاق النووي الإيراني؟
لم تفصح الولايات المتحدة أبدا عن خطتها البديلة لكن في رأي الكثيرين لا بد أن تكون خطة عسكرية. فكيف تنظر المؤسسة العسكرية الأمريكية إلى الاتفاق النووي واحتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران؟ من الواضح أن الولايات المتحدة ليس لديها أي خيارات لضرب المشروع النووي الإيراني في المدى القصير وتحاول على الدوام تفادي التصعيد مع إيران وتترك نظام الملالي يشتبك مع شعبه الذي ينتفض عليهم. لكن من المعروف أن الولايات المتحدة كثيرا ما تغير مواقفها وقد سبق أن اتخذت قرارات بالتدخل العسكري في أماكن عديدة بعد أن كانت لا ترغب في ذلك أو لم تعلن مسبقا عنه. وما انطبق في الماضي على السياسة الأمريكية قد ينطبق عليها في الوقت الحاضر.
منذ أمد قصير نقلت الولايات المتحدة إسرائيل من منطقة القيادة الأوروبية إلى منطقة القيادة الأمريكية الوسطى أي الشرق الأوسط وفي هذا مغزى كبير وهدف يسعى إلى دمج إسرائيل في الخطط الأمريكية العسكرية للمنطقة بما يوحي بخلق نوع من التفاهم الأميركي الإسرائيلي على تنسيق استراتيجي في الشؤون الدفاعية بين الجانبين وقد يكون الأمر متعلقا بالخطر الإيراني. ومن هنا جاءت المناورات المشتركة استعدادا لمثل ذلك لتكون اختبارا لبعض سيناريوهات الضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية.
أما عودة بنيامين نتانياهو رئيسا لحكومة يمينية متطرفة في إسرائيل فقد غذت التسريبات والشائعات بخصوص هجوم عسكري يستهدف إيران. وقد يعمل بنيامين نتانياهو عند لقائه الرئيس الأمريكي على إقناعه بأن إسرائيل جاهزة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية لكنها بحاجة إلى دعم أميركي سياسي ودبلوماسي وكذلك عسكري ولوجستي. وهذا يعني حصول إسرائيل على القنابل الضخمة القادرة على اختراق التحصينات الإيرانية التي تحتمي بها المنشآت النووية أو أن تقوم الولايات المتحدة نفسها بتلك المهمة.
في التحضير للمواجهة القادمة يعمل بنيامين نتانياهو على ثلاثة محاور خارجية وهي منع ترسيخ الوجود العسكري الإيراني في سوريا وغيرها من دول الجوار لحرمانها من أي قاعدة يمكن استخدامها في الرد على أي ضربة إسرائيلية. والمحور الثاني هو تحريض الولايات المتحدة للمشاركة في الضربة الإسرائيلية والمحور الثالث هو تحريض العالم ضد إيران مثلما فعل مرة في الأمم المتحدة حتى إذا ما قامت إسرائيل بتوجيه ضربتها لا يكون هناك من يلومها على ذلك.
إزاء هذه التطورات وخشية إيران من مثل تلك الضربة أصدرت تحذيراتها لإسرائيل والولايات المتحدة برد شديد سيطال كثيرين في حال تعرضها لأي هجوم. وتحدثت عن نية إيران التزود بطائرات روسية متطورة من طراز سوخوي خمسة وثلاثين.
المهم في الأمر كما يرى الخبراء أن أي ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية لن يقضي على المشروع النووي الإيراني قضاءً تاما بل قد عطله فقط ولسنوات محدودة. ولهذا فأي ضربة عسكرية يجب اتباعها بضغوط أخرى وربما إجراءات إضافية لإسقاط النظام وإقامة نظام مدني يجعل إيران تتخلى عن طموحها في امتلاك سلاح نووي ويدفعها لإقامة علاقات سلام وتفاهم مع جوارها العربي.