تهريب الدولار إلى إيران.. مشكلة تهدد العراق ولبنان
يقترب لبنان من حالة الإفلاس بعد استنزاف الدولارات من أسواقه وكذلك الأمر مع العراق بعد استفحال عمليات تهريب الدولار نقدا إلى خارج الحدود. وأمر تهريب الدولار النقدي إلى خارج لبنان أو خارج العراق ليس أمرا وليد يومه لكنه الآن استفحل وزاد عن حده واستوجب تدخلات دولية.
منذ سنوات والليرة للبنانية تتهاوى في سعر صرفها أمام الدولار وكذلك الدينار العراقي. وفي الأسبوع الماضي بلغ سعر الليرة حدا قياسيا زاد عن خمسة وستين ألفا للدولار الواحد وفي العراق زاد عن ألف وستمئة وخمسين دينارا للدولار.
لماذا يحدث هذا الانحدار في سعر صرف العملة الوطنية وكيف؟
ما يكاد يجمع عليه المتابعون وكذلك وسائل إعلام عراقية ولبنانية وعربية هو أن الدولار يتم تهريبه إلى الخارج باتجاه إيران وسوريا لخدمة هذين البلدين دون أي اعتبار لمصلحة العراق أو لبنان الذي يكاد اقتصاد كل منهما ينهار إلى الحضيض.
شبكات التهريب وفق ما يقوله المتابعون شبكات منظمة تعمل تحت مظلة شركات مرخصة ومعروفة وقد كشفت وسائل إعلام لبنانية عن أسماء عدد من الأشخاص الذين يعملون في حقل الصيرفة ويملكون مكاتب في بيروت وعدد من المدن اللبنانية الأخرى وقالت وبشكل صريح إنهم يعملون لأجل جهة سياسية وحزبية معروفة بعلاقاتها الخاصة مع إيران. وفي العادة يتم تسهيل خروج هؤلاء الأشخاص الحاملين لحقائب مالية غير مراقبة عبر المنافذ الحدودية الشرعية لأن من يسيطر على هذه المنافذ هم من أتباع وعملاء الجهات المتنفذة التي تقوم بجمع الدولار من الأسواق.
قبل ثلاث سنوات تفاقمت أزمة الدولار في لبنان وأثيرت قضية تهريبه إلى سوريا لكن المسألة لم تأخذ أبعادا خطيرة مثلما هو الحال اليوم. تكمن الخطورة الأكبر في لبنان أن الحال يتزامن مع الفراغ الرئاسي والحكومي مما أوصل المشكلة إلى حدها الأقصى.
أما في العراق فإن إثارة قضية تهريب الدولار خرجت على الملأ بشكل أزمة بين العراق وبين مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي الذي لاحظ وجود دولارات أميركية في إيران كانت مرسلة لاستخدام البنك المركزي العراقي. ولأن البنوك العراقية منذ العام ألفين وثلاثة لا تتقيد تماما بالقوانين المالية والنقدية وتخالفها وتخرقها بدون حسيب أو رقيب أصبحت تجارة الدولار أمرا ميسرا سمح بتهريبه بكل سهولة.
كشفت المعارضة الإيرانية في الخارج تفاصيل كثيرة تتعلق بتهريب الدولار إلى إيران عبر عملاء عاملين مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أقاموا شركات تشكل واجهات لأجل تسهيل تحويل الدولارات لاستخدامها في تعزيز ودعم وتمويل ميليشيات تابعة لها في بعض دول المنطقة.
هناك في العراق ولبنان من يجمع الدولارات من السوق من خلال شركات صرافة يملكها متنفذون تدعمهم جهات سياسية وأحزاب وميليشيات مسلحة وهذا الجمع يكون لصالح هذه الجهات التي تعمل لصالح إيران و تعمل في سفارتها في بغداد أو في بيروت. وقد جعلت السفارة الإيرانية في بغداد من بعض مهامها إدارة عمليات تهريب الدولار وإيداعه في مصرف الحرس الثوري في طهران المعروف باسم مصرف أنصار.
أحد الناشطين اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي نسب إلى الوزير السابق وئام وهاب قوله إنه ابلغ حاكم مصرف لبنان عن ثلاثة صرافين لبنانيين يجمعون الدولارات من الأسواق لحساب جهة سياسية معروفة. أي أنه نقل الكرة إلى ملعب المصرف المركزي ليقوم بدوره. فالمصرف يعرف أن الدولار يتم تهريبه إلى الخارج وقد اعترف بذلك حاكمه رياض سلامة عبر تصريحات علنية في العام الماضي ولا بد أنه يعرف الكثير من التفاصيل ولا يعلن عنها لأسباب سياسية وأمنية.
بسبب النفوذ الإيراني عبر حزب الله في لبنان وعبر أحزاب معينة في العراق لم تستطع الحكومتان اللبنانية والعراقية فرض قيود مالية ضرورية تجعل البنوك تعمل وفق معايير مالية ونقدية قياسية تحمي العملة الوطنية وتحمي مخزون الدولة من الدولارات فتم استنزاف هذا المخزون إلى أن وصل الحال إلى ما وصل إليه الآن. لكن البنوك اللبنانية التي يكاد مخزونها من الدولار أن ينفذ وضعت الكثير من القيود على سحب الدولار من آلات الصرف الآلي بعد أن كانت قد سهلت لجهات سياسية بعينها أن تسحب ما تشاء من الدولارات.
بوصول الأمر إلى حافة الانهيار وتدخل الفدرالي الأميركي تم منع أربعة بنوك عراقية من التعامل بالدولار. وسيتم فرض عقوبات على خمسة عشر مصرفا عراقيا من المصارف التي سهلت خروج الدولار من البلاد عبر تعاونها المشبوه مع الحرس الثوري الإيراني ومعظم هذه البنوك يملكها سياسيون عراقيون وأحزاب.
يواجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إشكالية صعبة في محاولته ضبط الشؤون المالية ومحاولة وقف تسرب الدولارات إلى إيران. ولا بد أن إجراءاته الصارمة التي يتوجب عليه أخذها وخصوصا في المعابر الحدودية ستضر بمصالح إيران وعملائها وقد تطيح به أيضا لأنه وصل إلى منصبه بدعم النواب المعروفين بولائهم لإيران. ولذلك فإن عليه التعامل مع هذه القضية بصورة حكيمة وذكية. فهو لم يتحرك ضد عمليات تهريب الدولار إلا بعد ضغط أميركي مباشر وسيرسل وزير خارجيته على رأس وفد مالي متخصص إلى واشنطن للتباحث في الإجراءات الواجب اتباعها في هذا المجال.
وقد وصل تهريب الدولار من العراق إلى إيران حدودا قصوى بلغت حد مئة مليون دولار في الأسبوع وقد أبدى رئيس الوزراء العراقي في مقابلة تلفزيونية استغرابه لهذه الأرقام التي شكلت له مفاجأة وهذا دفعه إلى تفعيل القيود التي طلبها الفدرالي الأمريكي على المعاملات المالية لأجل تخفيض حجم التهريب.
منذ عام ألفين وأربعة عشر بدأت إيران سياسة جمع الدولارات وسحبها من البلدان التي يوجد لها فيها أعوان وانصار. وأقيمت الكثير من الشركات الوهمية التي تشكل واجهات لشراء الدولارات. وفي عام ألفين وخمسة عشر ذكرت رويترز عن مصادر استخباراتية في نيويورك معلومات بأن إيران قامت عبر هذه الشركات باستدراج مليار دولار نقدا لمواجهة العقوبات التي كانت مفروضة عليها.
انشغل السياسيون في كل من العراق ولبنان بحماية أنفسهم وتحصين مدخراتهم من خلال الاحتفاظ بها في خزائن بيوتهم وليس في البنوك حتى لا يتم انكشاف أمرهم. وواصلوا جمع الدولارات لمصلحتهم. وسواء في العراق أو لبنان فكل الإجراءات الحكومية لم تنفع في حماية العملة الوطنية بل استمر تدهورها إلى مستويات قياسية أمام الدولار بينما مدخرات المواطنين تتبخر أمام أعينهم. ويتساءل سياسي لبناني كبير إلى متى سيظل لبنان وشعبه ضحية أنشطة أحزاب تعمل لصالح إيران وتمارس السطوة والتسلط على أجهزة الدولة ومؤسساتها؟