عند كثيرين الاحتماء بنظرية المؤامرة هو الحل الأسهل
- روسيا والصين وإيران برعوا في استعمال التآمر الخفي في إطار الحرب النفسية
- نظرية المؤامرة تريح الذين يبحثون عن تبريرات تعفيهم من أي مسؤوليات
تفسير الأحداث وفق نظرية المؤامرة أو نسبتها إلى قوى غيبية وخفية وسرية، تريح الناس الذين يبحثون عن تبريرات تعفيهم من أي مسؤوليات. وقد سبق لمروجي نظرية المؤامرة أن تحدثوا عن افتعال موجات الغبار التي ضربت غربي العراق، وسبقها الحديث عن تصنيع فيروس كورونا لتقليص أعداد السكان على كوكب الأرض. وهؤلاء المهووسين بفكرة التآمر الخفي لتحريك الأحداث قد يخلقون أي سبب ليكون وراء الكوارث والمصائب الكبرى التي تقع في العالم.
لماذا يميل الناس إلى تصديق حديث المؤامرة وبشكل خاص في الأحداث الكبرى؟
يستسهل كثيرون الركون إلى الغيبيات التي تعطيهم حالة من الاطمئنان، فيستريحون من عناء التفكير ومن عناء المسؤولية. يحدث هذا إما لشدة الجهل أو لشدة الخوف، فينسبون الحدث لقوة غامضة أو جهة مجهولة أو دولة عظمى تعمل على توجيه الأذى للشعوب. وجوهر الفكرة هو الإيمان بوجود قوى خفية تنسب إليها الأفعال التي لا يستطيع المؤمن بنظرية المؤامرة أن يصدق التفسير العلمي للحالة أو الحدث، فيحمي جهله بهذه الطريقة.
في بعض الأحيان يرى البعض أن كوارث الطبيعة مثل كارثة الزلزال الأخيرة التي ضربت جنوبي تركيا وشمالي سوريا، مجرد غضب رباني، ويرتاحون لهذه الرؤية، واحيانا يخترعون قصصا وهمية لوصف عمليات سرية وأسلحة غامضة تؤدي نتائجها إلى تلك الكوارث.
بطبيعة الحال عند التفكير العقلاني بالأمر نجد هذا الكلام مجرد هباء لا يصمد لحظة واحدة أمام الحقائق العلمية والكونية، لكن كثيرين يؤمنون به ويصدقونه ويريدون من الآخرين تصديقه أيضا. وقد صار عندهم الأمر رواية مؤكدة، رافضين التشكيك فيها أو حتى مناقشتها.
للأسف كان هناك الكثير من الشخصيات المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي تروج لفكرة المؤامرة، وتنسب بعض تفاصيلها إلى مواقع أميركية بعضها وهمي، تشير إلى أن أسلحة أميركية استراتيجية متقدمة جدًا استخدمت في إحداث الزلزال المدمر. ولإثبات وجهة نظرهم، أخذ كثيرون يروجون مقاطع فيديو قديمة لظواهر طبيعية وأعادوا تفسيرها على هواهم، ليربطوها بالزلزال، ويقدمون تفسيرًا ساذجًا بأن تركيا باتت مستهدفة وهناك من لا يريد رؤيتها تحقق أي نجاح.
الزلازل قد تقع في أي مكان على الكرة الأرضية، لكن هذا العدد الكبير من الضحايا هو الكارثة الفعلية، فهل تعفي نظرية المؤامرة والإيمان بها وتصديقها الناس من مسؤولياتهم كما يظنون؟
عندما يقول مسؤول ما أن سبب الزلزال قد يكون مفتعلا بسلاح خفي، فهو في الواقع يعفي من حيث يدري أو لا يدري المتسببين بأخطاء البناء التي أنتجت هذا العدد الكبير من الضحايا من مسؤوليتهم. فهل يعقل أنه توجد أقمار اصطناعية عسكرية تضرب الأرض بقضبان من التيتانيوم تنغرز في القشرة الأرضية مسافة خمسة كيلومترات وتحدث الزلزال؟
البعض حاول أن يبرر الأمر بالقول أن تجارب نووية تحت الأرض أو تحت البحار كانت السبب. معروف أن التفجيرات النووية تحت الأرض يمكن أن تحدث هزات لكنها في العادة خفيفة جدًا، ولا تكاد تسجل، كما أن التجارب النووية تحت الأرض وتحت الماء توقفت منذ سنوات عديدة ويتم إجراؤها في صحارى بعيدة، أو في أعماق المحيطات بعيدا عن البلاد المأهولة.
أما الحديث عن تأثير برنامج الجيش الأميركي المعروف باسم (برنامج الشفق القطبي النشط العالي التردد، هارب، H.A.A.R.P (High-frequency Active Auroral Research Program) فالحديث عن هذا التأثير في الواقع أشبه بقصص ما قبل النوم للأطفال. فهذا البرنامج يعمل على دراسة “طبقة الأيونوسفير”، ولا علاقة له بالقشرة الأرضية. واحيانا يتم الحديث عن سلاح تكتوني يتحكم بتحفيز طبقات الأرض لأحداث الزلازل في مناطق معينة أو يتحكم بالمناخ ويقوم على تغييره.
ينظر البعض إلى نظرية المؤامرة على أنها في كثير من الأحيان نتاج أنظمة ودول. وقد برعت كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران في استعمال فكرة التآمر الخفي الذي يحرك أحداث العالم في إطار الحرب النفسية.
في عام 2010 اتهم الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد “برنامج هارب” (H.A.A.R.P) الأميركي بأنه تسبب في فيضانات باكستان. وفي السنة نفسها اتهم رئيس فنزويلا هوغو شافيز البرنامج نفسه بأنه السبب في زلزالي تشيلي وهاييتي.
حديث المؤامرة عن وجود أسلحة سرية تُحدث زلازل وتغييرات مناخية لا يمكن تصديقه لأنه غير معقول أبدًا. فليس هناك أي سبب للزلازل سوى حركة طبقات الأرض الداخلية، وهذه الحركة لا يمكن توقعها بأي شكل من الأشكال، وأي حديث آخر عن أسباب الزلازل يدخل في باب الخزعبلات.
يمكن القول أن اللجوء إلى التفسير التآمري للكوارث والأوبئة يكون في معظم الأحيان ناتج عن موقف مسبق له علاقة بالمستوى الثقافي لحامله، وكذلك بالفكر السياسي أو الديني. فالإيمان الديني يقود في كثير من الأحيان إلى الإيمان بنظرية المؤامرة. وبحسب دراسات علم النفس السياسي هناك علاقة طردية بين هذين الإيمانين وهذه الظاهرة منتشرة في الشرق والغرب على السواء.
فالمتدينون لا يؤمنون بقوى الطبيعة وتفاعلاتها وتأثيراتها، بل ينسبون كل شيء إلى الله رب العالمين. واذا كان الحدث كارثيًا مثل جائحة كورونا، أو زلزال تركيا، فإنه يصعب عليهم نسبته إلى الله، فيلجأون إلى اتهام قوى بشرية شريرة ومعادية للإنسانية بالتسبب فيه. وبدلاً من الركون إلى الأسباب الطبيعية التي تنتج عنها مثل هذه الكوارث، فإنهم يبدعون في اختلاق الأسباب الناجمة عن مؤامرات الدول الكبرى أو المنظمات السرية.
نظرًا للجهل وغياب المعلومات يسود العلم المزيف (Pseudoscience)، وهذا العلم مجرد أفكار يريد صاحبها أن يظهرها بمظهر علمي لكنها في الحقيقة لا تصمد أمام التفنيد العلمي الحقيقي والدقيق.
والذين يلجأون إلى هذا الأسلوب في معظمهم من الذين لا يستطيعون تحدي الأنظمة والحكومات، أو انهم من شديدي الولاء لها. في حال وقوع جائحة مرضية مثل كورونا حصدت ملايين الأرواح، أو زلزال مدمر يسقط فيه عشرات الألوف من الضحايا، فإنهم يستعيضون عن نقد تقصير السلطات وفسادها وإخفاقاتها في توفير الحماية اللازمة لشعبها، بأن يعفوا الحكومات والفاسدين من المسؤولية ويريحون انفسهم من واجب التصدي لمكافحة الفساد بالترويج لفكرة المؤامرة الخارجية.
أخيرًا وفي حالات الكوارث، على الإنسان العاقل أن يلتزم أحد ثلاثة أفعال كما جاء في إحدى التغريدات الحكيمة: إما أن يساعد ويغيث، وإما أن يصلي وإما أن يصمت.