نتنياهو ما بين مطرقة الحلفاء وسندان التظاهرات
هل ما يجري في إسرائيل هو أزمة دستورية عابرة أم أزمة وجودية ستقلب نظامها وتبدله نحو نظام ديكتاتوري مثلما يقول المعارضون لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟
يرفض بنيامين نتنياهو مقولة المعارضة بأن ما اقترحته حكومته من تعديلات على النظام القضائي تشكل مناهضة للديمقراطية بل يرى فيها أداة لاستعادة التوازن بين سلطات الدولة الثلاث. فهل هو محق في رده؟
كان نتنياهو الذي يواجه تهما بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة على خلاف دائم مع القضاء وما يسعى إليه الآن من تعديلات يبدو وكأنه تصفية حسابات قديمة. إلا أن الخطير في الأمر أن التعديلات عند إقرارها ستتيح له الإفلات من الإدانة في قضايا فساد تلاحقه.
انتفض الإسرائيليون ضد مسعى نتنياهو واتهموه بالانقلاب على الديمقراطية وتحويل إسرائيل إلى الحكم الدكتاتوري لكن فرصهم في إحباط تمرير مشروع التعديلات القضائية لا تزال ضئيلة للغاية في وجه إصرار نتنياهو وحكومته وأنصاره في الكنيست على تمرير المشروع. وهذا ما يدفع المعارضة لمواصلة الاحتجاجات وتوسيع إطارها وتحفيز مئات الألوف من المعارضين لتشمل فئات جديدة لأجل تعطيل البلاد وإجبار نتنياهو على التراجع.
قبل أسبوعين أعلن مئة من ضباط سلاح الجو الإسرائيلي رفضهم الاستجابة لطلبات الخدمة إذا ما واصلت الحكومة خططها في الانقلاب ضد القضاء وضد الديمقراطية.
وقبل ذلك دخل جنود الاحتياط وطياري الاحتياط إلى حلبة المعارضة رافضين الاستجابة لنظام التدريب كنوع من الاحتجاج. كذلك فعل ألوف من جنود الاحتياط. حتى قادة الأمن السابقين انتقدوا طريقة نتنياهو ورأوا أنه يضعف الدولة ويضر بالديمقراطية.
وهذا الامتناع يشير بوضوح إلى تنامي المعارضة العميقة للتعديلات، بعض القادة السابقين في الجيش أرسلوا إلى بنيامين نتنياهو رسالة احتجاج قوية حذروه بضرورة التراجع لأن تداعيات ما يريد فرضه ستشكل خطرا حقيقيا على الأمن القومي الإسرائيلي.
كان شعار المحتجين أنهم لا يريدون خدمة نظام دكتاتوري.
كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك وقد كان رئيسا للأركان أيضا يعارض توجهات نتنياهو ووصف ما يقوم به بأنه اغتيال لإعلان استقلال إسرائيل وسيحولها إلى نظام دكتاتوري.
ويرفع المحتجون شعارا ملفتا وهو “مقاومة الدكتاتورية” مع أن إسرائيل منذ إنشائها قبل خمسة وسبعين عاما تتباهى وتتغنى بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
تتصاعد الاحتجاجات ضد بنيامين نتنياهو إلى درجة جعلته يعيش في دوامة وربما يفكر في التراجع عن خطته لكنه لا يستطيع بسبب ضغط حلفائه من اليمين وخصوصا وزير العدل الذي هدد بالاستقالة في حال تراجعه.
واستقالة هذا الوزير قد تضر بالتحالف الحكومي بما يؤدي إلى استقالة الحكومة وحل الكنيست والدعوة لانتخابات جديدة، ودخول إسرائيل دوامة جديدة.
ولا يزال مئات الألوف من الإسرائيليين يحتجون في شوارع المدن الرئيسية وفي الأسبوع الماضي تظاهروا أمام السفارات الغربية لأجل تدويل المشكلة.
وقد بدأت تخرج أصوات من المحتجين تدعو لإصدار دستور يحكم إسرائيل بدلا مما يسمى الآن القانون الأساسي الذي تتحكم به الحكومة.
واستمرار المظاهرات المعادية للتعديلات قد تصل إلى حد الاضطرابات الأمنية إذا ما أصر وزير الأمن الداخلي على استخدام القوة المفرطة لإسكات المعارضة.
لماذا يرفض المحتجون التعديلات المقترحة؟ نظام الحكم في إسرائيل يعتمد على الانتخابات والأحزاب التي تحصل على أكبر نسبة أصوات تشكل الحكومة سواء منفردة أو بالاشتراك مع حلفاء لها.
وبهذا تكون الحكومة مسيطرة على الكنيست وتمرر ما تريد من قوانين، لكن في النظام القضائي الحالي المستقل تماما والذي يعين أعضاؤه بعيدا عن قرارات الحكومة يمكن للمحكمة العليا أن تنقض وتلغي أي قرار للكنيست.
ولهذا يريد اليمين الإسرائيلي الحد من سلطات المحكمة العليا والقضاء ويسعى إلى سرعة الانتهاء من إقرار التعديلات لجعلها أمرا واقعا. ونجاح الحكومة في إقرار هذه التعديلات يعني أنها ستكون قادرة على القيام بكل ما تريد من إجراءات بدون رقابة المحكمة العليا التي ستفقد هيبتها.
تشتمل التعديلات على أربع مسائل هامة وهي إلغاء المراجعة القضائية لتشريعات الكنيست وإلغاء تدخل المحكمة العليا في القرارات الحكومية وربط تعيين القضاة بالحكومة وتحويل المستشارين القضائيين للوزراء إلى موظفين بالتعيين. هذا يعني بصورة أو بأخرى الانقلاب وبدلا من خضوع الحكومة والكنيست للقضاء يصبح القضاء خاضعا للحكومة والكنيست. سيطرة الحكومة على تعيين القضاة في جميع المحاكم سيضر بمهنية القضاء واستقلاله. فالقضاة الذين سيدركون أن تعيينهم وإقالتهم وترقيتهم مرتبطة بالحكومة والوزراء سيخضعون لمصالح هؤلاء ويحابونهم في أي قضية يكونون طرفا فيها.
يرى خبراء في الشؤون القانونية أن مشروع قانون التعديلات القضائية سيضعف القضاء ويدمر استقلاله ويحد من قدرته على مراقبة السلطتين التنفيذية والتشريعية ويركز السلطات بيد الحكومة. ويعتبر الإسرائيليون المحكمة العليا الحصن الأخير لحماية الديمقراطية واستقلال القضاء استقلالا تاما حقيقيا يعتبرونه ركيزة أساسية لتلك الحماية وأي تعديلات تنتقص من حرية القضاء واستقلاله تعتبرها المعارضة انقلابا على الديمقراطية مع أن الحكومة اليمينية تعتبرها إصلاحا ضروريا.
كما أن إقرار التعديلات لن يبقي المحكمة العليا ملجأً للأقلية في حال تعرضها للظلم. وسيكون العرب في إسرائيل أكثر المتضررين من تحجيم صلاحيات المحكمة. والمحكمة العليا هي المؤسسة الوحيدة في إسرائيل التي تتمتع بسلطة مراجعة الإجراءات الحكومية والتشريعات التي يمررها الكنيست.
ستكون الأسابيع القادمة حاسمة بحسب ما يرى المعلقون الإسرائيليون في تحديد نتائج ما يجري. تملك حكومة بنيامين نتنياهو أغلبية أربعة وستين مقعدا في الكنيست ولذلك هي مطمئنة إلى إمكانية تمرير مشروع قانون التعديلات القضائية. لكن الأمر لن يكون سهلا فقد يخلق معركة مريرة بين الحكومة والكنيست من جهة وبين المحكمة العليا من جهة أخرى والتي قد ترد القانون أو أن تحكم بأن بنيامين نتنياهو غير مؤهل للبقاء في منصبه. فإذا رفض الانصياع لقرار المحكمة فإن الأجهزة الحكومية ستكون غير ملزمة بقبول تعليماته وأوامره.
ولكن بعد أن مرر الكنيست التعديلات بالقراءة الأولى هل يمكن للمحكمة العليا استخدام صلاحياتها الحالية التي مازالت معها أن تتدخل وتوقف إجراءات الكنيست في استكمال إقرار التعديلات؟ وفق بعض السياسيين الإسرائيليين فهذا أمر وارد وممكن إذا ما تقدم المعارضون إليها بالتماس للتدخل قبل فوات الأوان. ولكن في حالة حدوث ذلك فإنه سيفتح بابا لصراع غير مسبوق وشرس بين سلطات الدولة المختلفة. كما أن من طبيعة بنيامين نتنياهو الذي يتمتع بتأييد الأحزاب اليمينية والمتدينة أنه لا يلتزم وهنا تبدأ المعركة.
عدم تمكن بنيامين نتنياهو من تمرير القانون سيكون كارثة له وستتجه إسرائيل إلى انتخابات جديدة فإذا خسر فيها بنيامين نتنياهو وهذا متوقع ستكون نهايته السياسية وسيضطر للمثول أمام المحكمة لمواجهة تهم الفساد.
لا شك أن هذه ستكون معركة نتنياهو الأخيرة وعلى ما يبدو أنه قرر خوضها حتى النهاية مهما كانت النتائج. فإما الانتصار وتحقيق ما يريد وإلا ستكون نهايته السياسية ومعها الإدانة بالفساد وقضاء ما تبقى له من العمر في جوار زميله السابق إيهود أولمرت الذي سبقه إلى هناك بتهم مشابهة.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن.