إيران.. هل يصمد النظام أمام استنزاف قوته أم سيلجأ إلى خيار القوة المفرطة مهما كان الثمن؟
منذ الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني لإعادة العلاقات وتطبيعها بين البلدين أحست إيران أنها قد تتحرر من عزلتها الدولية لكنها ما زالت تعاني من العزلة وما زالت خارج العديد من المؤسسات الدولية. واستمرار الانتفاضة الشعبية المناهضة لحكم الملالي وولاية الفقيه مستمرة منذ ستة شهور وهي نحو مزيد من الانتشار والتوسع واستخدام السلاح في بعض المناطق من إيران. كما أن النظام الإيراني لا يزال يعاني المزيد من الإخفاقات في مناطق تدخله في الجوار العربي وهذا سيزيد في عزلته برغم اتفاقه مع المملكة العربية السعودية.
منذ بداية هذا العام والنظام في إيران يشهد تخلخلا في بنيته وخلافات عميقة بين أركانه ويواجه مشكلات اعمق من أي وقت مضى. وأخذ كثيرون سواء في المعارضة أو خارجها يكشفون بعض التفاصيل. فالانشقاقات لم تعد بين إصلاحيين ومحافظين والنظام برأي المعارضة لم يعد صالحا للحياة بعد أن احدث شرخا كبيرا في البلاد وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.
العديد من وسائل الإعلام سواء المعارضة للنظام أو العالمية أخذت تتحدث عن انشقاقات وخيانات وتصدعات في النظام وفي أهم أجهزته. وقد تسرب مؤخرا حديث عن خيانات في فيلق القدس أحد أجهزة الحرس الثوري والتهمة هي بيع معلومات لإسرائيل. ولا بد أن هذه المعلومات هي التي تساعد إسرائيل في القيام بضربات تستهدف مصالح إيران العسكرية سواء منها التي في إيران أو في سوريا.
أما التسريبات الأخرى التي كشفت عنها صحافة المعارضة الإيرانية في الخارج فتتحدث عن اعترافات بعض قادة الحرس الثوري في أحد الاجتماعات السرية التي تمت بحضور المرشد علي خامنئي بوجود انشقاقات في الحرس الثوري سببها الخلاف حول سبل التعامل مع الانتفاضة الشعبية والخشية من احتمال وقوع انهيارات أمنية وهذا الخلاف هو الذي يمنع الحرس الثوري من استخدام القوة المفرطة كما كان متوقعا لإخماد الانتفاضة. المشكلة الأخرى التي يعاني منها الحرس الثوري وتسبب له أضرارا عميقة وتراجعات في تحقيق أهدافه هي نقص التمويل منذ تم وضعه في قائمة الإرهاب الدولي.
يواجه النظام الإيراني الآن مشكلة أمنية كبرى في إقليم بلوشستان حيث لجأ المعارضون هناك إلى حمل السلاح لمواجهة قمع السلطات داعين للثأر للذين سقطوا في مذبحة قام بها الحرس الثوري في الإقليم. واستخدام السلاح في منطقة قد يتكرر في مناطق أخرى وهذه مخاوف حقيقية عند الحرس الثوري وإذا ما تحولت الانتفاضة إلى السلاح في مناطق عديدة فقد تكون بداية النهاية لنظام ولاية الفقيه. وقد وقعت بالفعل بعض المواجهات المسلحة بين المحتجين ورجال الحرس الثوري في بعض المدن ومنها مهاباد.
حتى الآن يرد النظام بمزيد من القمع الذي حصد على الأقل ثلاثة آلاف قتيل ومزيد من أحكام الإعدام بحق المشاركين في الانتفاضة. واستمرار هذا الأسلوب في التعامل مع الانتفاضة يدل على فشل النظام وضعفه وهو انعكاس لفشل “الثورة الإسلامية” التي بشرت عند استيلائها على الحكم بحياة أفضل وديمقراطية حقيقية سعى إليها الإيرانيون ومشروع مجتمع جديد. لكن تلك الثورة سرعان ما غرقت في الطائفية والمذهبية وسراديب العمل السياسي ودهاليز الحكم وأضاعت سنوات عديدة في حروب عبثية وتدخلات في شؤون دول الجوار لم تجر على البلاد سوى الخيبة والخسران. وأخفقت إيران أيضا في استعادة دور شرطي الخليج الذي كان الشاه السابق يحاول القيام به.
لم ينجح الخميني في أن يصبح المرجعية الوحيدة لشيعة العالم مما عمق الخلاف بين شيعة إيران وشيعة العراق. واخفق النظام في تصدير الثورة. أي أن إيران لم تنجح في تحقيق الأهداف التي ادعتها في بداية الثورة. من الناحية الشكلية توجد ديمقراطية وانتخابات برلمانية ورئاسية ولكن لا توجد أي قيمة لا للانتخابات البرلمانية ولا الرئاسية فالمرشد هو الحاكم الأوحد ولا يمكن لأي شخص أن يترشح في أي منهما ما لم يحصل على موافقة مسبقة من المرشد. فالنظام في إيران فردي دكتاتوري وأجهزة الدولة وأدوات الديمقراطية فيها معطلة.
وكان ملفتا أن أحد السياسيين الإيرانيين يعتقد أن خمسة وسبعين في المئة من الشعب الإيراني غير راضي عن أداء الحكومة. أما أحد قادة المعارضة الذي يقضي عقوبة الإقامة الجبرية فيرى أن إنقاذ إيران يتطلب تحولا جذريا وصياغة دستور جديد وانتخابات بنزاهة حقيقية.
لا يزال الطريق طويلا قبل إسقاط النظام فالاحتجاجات وحدها لا تكفي. وما لم يتدخل التجار ورجال الدين والجيش فلن تنجح الانتفاضة في تهديد النظام تهديدا جديا. فهل يصمد النظام أمام استنزاف قوته أم سيلجأ إلى خيار القوة المفرطة مهما كان الثمن؟ في هذه الحالة ستقع مذابح قبل أن يتمكن أي من الفريقين الفوز.
هل يمكن القول أن استمرار الانتفاضة ستؤدي بالنظام الإيراني إلى السقوط؟ لا شك أن النظام يعاني من عوامل ضعف عديدة ابرزها الانتفاضة الشعبية، واستمرار الإعدامات في السجون ستحفز المحتجين على مزيد من التشدد ضد النظام كما أن التفكك الداخلي والغضب الشعبي على الأوضاع الاقتصادية المتردية سيقود إلى مواجهات جديدة. ولم تعد مطالب المحتجين إصلاح النظام فقط بل أصبحت المطالبة بإسقاطه واستمرار رفع شعار الموت للدكتاتور قاصدين خامنئي يعني مزيد من الإصرار على هذا الهدف.
لكن الذي سيعجل بتدهور الأوضاع في إيران باتجاه سقوط النظام هو غياب المرشد والصراع على خلافته. فالطامعون في المنصب كثيرون لكن واحدا فقط بدأ بالخطوات العملية للوصول إلى هناك وهو آية الله مجتبى خامنئي وهو نجل المرشد. وقد عمل خامنئي على منح ابنه رتبة آية الله ليكون جاهزا للمنصب مع هذا اللقب. ومع أن مجتبى نفسه بدأ يتدخل في كثير من إجراءات الحكومة متجاوزا الرئيس وحكومته إلا أن وصوله إلى منصب المرشد لن يكون بتلك السهولة التي يظنها.
لم يعلن خامنئي بعد من سيخلفه ولا بد أنه متحرج من التوصية بابنه وقد يلجأ للبحث عمن يقوم بحيلة مشابهة لحيلة رفسنجاني عندما أبلغ مجلس خبراء القيادة الذي ينتخب المرشد أنه سمع الخميني يوصي بأن يخلفه خامنئي. وقد بات اختيار مجتبى لخلافة والده أمرا محسوما عند بعض القيادات الإيرانية لكن الرئيس الإيراني وهو القوي الطامح إلى المنصب لم يعلن رأيه وقد يكون حجر عثرة أمام وصول مجتبى إلى ما يريد. وهذا ما سيزيد من مخاطر الانقسام في النظام ويؤجج الانتفاضة وبالتالي تهيئة الظروف لسقوطه.