إسرائيل تستهدف مواقع إيرانية سواء في سوريا أو في الداخل الإيراني
- وقوع مواجهة شاملة في المنطقة تكون رأس الحربة فيها إيران قد يضيع فرصة تاريخية بوصول رئيسي إلى منصب المرشد
لم تكد تمر ثماني وأربعون ساعة على قيام إسرائيل بضرب أهداف إيرانية في سوريا وقتل عناصر إيرانية وسورية حتى حبس الشرق الأوسط أنفاسه متوقعا اندلاع مواجهة إقليمية وبخاصة مع انطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه شمالي إسرائيل.
لكن سرعان ما تبين أن تلك الصواريخ لم تكن من صواريخ حزب الله أو نيابة عن إيران مع أن إيران قد لا تعارضها. وقد حاولت أكثر من جهة التأكيد أن ما حدث كان عملا أحاديا من إحدى الفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان مرتبطة بحركة حماس أو الجهاد الإسلامي وكلتاهما ترتبطان بإيران.
كان واضحا أن كلا من إسرائيل وحزب الله لا يريدان التصعيد في الوقت الحاضر بل يريدان التهدئة لأنه على ما يبدو ليس من مصلحة أي منهما التورط في حرب مباشرة.
في كل ما جرى في الأسبوع الماضي مؤشرات تدل على ما قد يذهب إليه الشرق الأوسط في المستقبل القريب. لكن هل الشرق الأوسط مستعد لحرب جديدة؟ أو هل يتحمل حربا جديدة؟ تصريحات عديدة من مختلف الجهات لا تشير إلى أن أيا منها ترغب في مواصلة التصعيد حتى أن تصريحا إسرائيليا لافتا جاء فيه أن الهدوء سيقابل بالهدوء وكأن ما بين السطور يقول لحركتي حماس والجهاد وكذلك لحزب الله التزموا الهدوء وستلتزم به إسرائيل أيضا.
فهل معادلة الهدوء مقابل الهدوء ستكون نهاية المطاف؟
بعد ضرب مصالحها ومقتل ضباطها في سوريا ما الذي يدفع طعران لعدم الرد على تل أبيب مثلما تتوعد على الدوام؟ هذا سؤال مشروع يتردد في كل مرة يكشف فيها النقاب عن قيام إسرائيل بتوجيه ضربة للمصالح الإيرانية سواء في سوريا أو في الداخل الإيراني.
المعلقون المتعاطفون مع طهران يعتقدون أنها تقوم بالرد فعلا ولكن لا تعلن عن عملياتها التي تستهدف إسرائيل. وما حدث في الأسبوع الماضي في الجبهتين الشمالية والجنوبية وصفه معلقون بأنه رد إيراني مؤكدين أن رشقات الصواريخ وبغض النظر عن الجهة التي اطلقتها لا يمكن أن تحدث بدون مباركة حزب الله بينما اجتهد حزب الله في دفع التهمة عن نفسه.
إذا كنا سنصدق المعلقين وإذا كان موقف حزب الله من تلك الضربات الصاروخية لمجرد حماية نفسه وتفادي حربا مفتوحة هل يمكن القول أن ما حدث كان تمرينا لما يمكن أن يحدث في المستقبل من حرب ظاهرة بدلا من حرب الظل الدائرة الآن بين إسرائيل وإيران؟
شنت إسرائيل مئات الغارات في سوريا استهدفت مصالح إيرانية وأخرى لحزب الله وكأنها مطمئنة إلى أن طهران لن تقوم بأي رد.
كذلك يبدو مريبا الصمت السوري وكأن جهات في النظام السوري راضية عما تقوم به إسرائيل ضد القواعد التي يتواجد فيها ضباط إيرانيون.
يعزز هذه الفكرة تصريحات لأحد زعماء مجلس العشائر السورية الذي تحدث عن وجود خلافات بين أركان النظام السوري من عائلة الأسد نفسها يحاولون مقاومة الوجود الإيراني والتخلص منه.
ويدعم هذه الفكرة دقة الإصابات التي توقعها الغارات الإسرائيلية الأمر الذي يوحي بأن إسرائيل تتلقى معلومات دقيقة جدا عن تلك المواقع وأماكن تواجدها.
وتشير بعض المعلومات إلى أن 90 في المئة من البنية التحتية لمراكز تطوير الأسلحة في سوريا التي تديرها طهران قد تم تدميرها كما تم تدمير سبعين في المئة من ممرات تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان.
في إيران نفسها تبدو الردود دعائية في الغالب، وغالبا ما تتحدث مصادر الحرس الثوري بعد كل عملية إسرائيلية بأن طهران قامت بالرد لكنها لا تحدد ما هي طبيعة ذلك الرد أو مكانه أو زمانه.
ومن ذلك ما نسب إلى قائد فيلق القدس في تصريح نشرته صحيفة محلية بأن طهران تنفذ أسبوعيا خمسين مهمة ضد إسرائيل في الضفة الغربية وفي الآونة الأخيرة ارتفع العدد إلى عشر عمليات يوميا.
بطبيعة الحال هذا تصريح دعائي أكثر منه واقعي فلا يمكن التحقق من هذه المعلومات إلا إذا أراد ذلك المسؤول أن يتبنى كل عملية مقاومة يقوم بها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة وينسبها لإيران.
من المعلوم أن طهران تقوم في العادة بتحريض بعض الجهات التي تمولها وتدعمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة للقيام بعمل ضد الاحتلال لكن هذا الأمر ليس متواصلا أو دائما.
لا شك أن طهران في الوقت الحاضر ليست معنية بصورة جدية بالرد على إسرائيل سواء بضربات مباشرة أو بواسطة وكلائها في المنطقة لأنها ليست معنية بالتأكيد في افتتاح حرب إقليمية واسعة.
وقد يكون السبب الرئيسي وراء هذا الموقف هو أحد أمرين أو كليهما معا وهما الانتفاضة الشعبية التي ترهق النظام منذ بضعة أشهر وما سببته من حالة العزلة الدولية التي تعاني منها والثاني صحة المرشد علي خامنئي.
فالرئاسة وكذلك قيادة الحرس الثوري منشغلتان في مواجهة الأمرين، وإذا كانت مواجهة الانتفاضة مسألة أمنية يختص بها الحرس وقوات الأمن فالأمر الثاني يشغل الرئاسة والحكومة.
فالرئيس إبراهيم رئيسي الذي سيقع على عاتقه بالاشتراك مع مجلس الخبراء تدبير انتخاب مرشد جديد أمامه معركة كبيرة في هذا السياق، فهو لا يريد أن يرى نجل خامنئي في مكان أبيه وهو المكان الذي يطمح إليه رئيسي منذ زمن.
ووقوع مواجهة شاملة في المنطقة تكون رأس الحربة فيها طهران قد يضيع فرصة تاريخية بوصول رئيسي إلى منصب المرشد.
يضاف إلى كل هذا أن إيران تعتقد أن الخيار العسكري المباشر ليس مطروحا في إسرائيل حتى الآن لأن إسرائيل لا تقدر على حرب طويلة الأمد مع إيران وليس لديها ما يكفي من الوسائل الدفاعية ضد الصواريخ الإيرانية بالإضافة إلى أن الصراعات السياسية الداخلية ستعيق أي عمل عسكري إسرائيلي واسع ضد إيران.
تواجه تل أبيب موقفا صعبا تجاه طهران ونشاطها النووي، فإسرائيل تعلن على لسان قادتها العسكريين أن لديها القدرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية لكنها في الواقع قد لا تكون قادرة على إدارة أحوال ما بعد الضربة.
كما أن ما يؤخر قيام تل أبيب بعملية واسعة ضد طهران هو موقف الموساد الذي يفضل استنزاف قدرات إيران بعمليات أمنية سرية متفرقة. كما أن الولايات المتحدة ما زالت ترفض إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بعملية عسكرية من جانب واحد طهران.
أي تصعيد في العمليات العسكرية في الشرق الأوسط سيكون لعبة خطيرة غير مضمونة النتائج بالنسبة لكل الأطراف، وإذا كان بإمكان طرف من الأطراف أن يبدأ الحرب فإن أيا منهم لن يستطيع إنهاءها وهنا يكمن الخطر الحقيقي.