في السنوات الأخيرة تحول وجود إيران في سوريا من دعم وحماية إلى عبء ثقيل
الأزمات مؤقتة والمصالح دائمة، هذا هو عنوان الحراك السياسي الذي يشهده الشرق الأوسط الآن، لذلك لم تتأخر المصالحة السعودية السورية بعد المصالحة السعودية الإيرانية وكانت إحدى ثمراتها.
ويتوقع أن تبلغ هذه المصالحة مداها بدعوة سوريا إلى القمة العربية المقبلة في السعودية في الشهر القادم، وإذا ما وجهت الدعوة إلى الرئيس بشار الأسد نفسه للحضور تكون المصالحة قد تمت بالكامل، وليست المصالحة الثنائية فقط هي التي ستتم بل أيضا ستكون هناك مصالحة عربية مع سوريا ودعوتها للعودة إلى الجامعة العربية.
بالمصالحة مع سوريا التزمت المملكة العربية السعودية بمصالحها العليا ومصالح الأمة العربية وتجاوزت بنجاح أي ضغوط خارجية كان يمكن أن تعيقها.
فعودة العلاقات مع سوريا وإعادتها إلى الإجماع العربي عمل دبلوماسي مهم جدًا قامت به المملكة العربية السعودية لتحقيق التوازن في العلاقات الإقليمية ولأجل مواجهة الضغوط الخارجية ونفوذ القوى الإقليمية. فبعد سنوات من العزلة حان الوقت لاستعادة سوريا إلى الجامعة العربية وكذلك إلى مؤسسة القمة العربية.
نجاح التطبيع العربي مع سوريا سيؤدي بصورة ما إلى تحجيم الدور الإيراني فيها وهذا قد يشكل تمهيدًا لخروج إيران من سوريا. وهذا الهدف وإن كان لا يزال بعيدًا إلا أن هناك دلائل عديدة على الساحة السورية تشير إلى أن إيران لم تعد تلك الجهة المرحب بها كثيرًا. وكثيرون من المعلقين يرون أن ثمن إعادة سوريا إلى الإجماع العربي هو خروج الإيرانيين منها لكن الأمر ليس بهذه السهولة المتخيلة.
في السنوات الأخيرة تحول الوجود الإيراني في سوريا من دعم وحماية إلى عبء ثقيل، وباتت تدور في أوساط النظام شكاوى وتذمر وأحيانًا مواقف واضحة مناهضة لها.
فقد أصبحت سوريا تدفع الثمن الباهظ لاستمرار التدخل الإيراني، وقد تسربت في الماضي أنباء عن طلب دمشق إبعاد أحد الجنرالات الإيرانيين من سوريا وتم الأمر بهدوء وخرج الجنرال جواد غفاري عائدًا إلى إيران لكن هذا التسريب لم يتم تأكيده رسميًا من أي من الجانبين.
إيران مصرة على البقاء في سوريا وقد انتقدت في عام ألفين وثمانية عشر تلميحات من الرئيس الروسي الذي قال بعد لقاء مع الرئيس بشار الأسد أنه بعد التسوية السياسية وانتهاء الحرب على القوات الأجنبية الانسحاب الكامل من سوريا.
وقالت طهران في وقتها أن لا أحد يمكنه إجبارها على فعل شيء لا تريده، وواصلت التمترس في سوريا وإرسال القوات والسلاح والذخائر إلى هناك وظهر أن الانسحاب الطوعي من سوريا أمر صعب للغاية، فهي لا تستطيع التخلي بسهولة عن مكتسباتها في هذا البلد ولهذا التخلي تداعيات ضارة جدًا على أمنها القومي وعلى وجود المحور الذي تتزعمه بحجة المقاومة.
مصالح طهران في سوريا قديمة لكنها ترسخت بقوة عند قيامها بالتدخل العسكري لحماية النظام خلال الحرب الأهلية فاعتمدت عليها سوريا اعتمادًا كليًا وكان ذلك أحد أسباب بقاء النظام في السلطة، لكن إسرائيل اعتبرت هذا التدخل مساسًا بأمنها القومي.
ومنذ بضع سنوات كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية التي تستهدف مراكز التجمعات التابعة لطهران وأوقعت خسائر كبيرة فيها. بل أن إسرائيل تقول الآن إن دقة ضرباتها تصل إلى مئة في المئة وأنها دمرت ما يقرب من تسعين في المئة من البنية التحتية الإيرانية في سوريا.
وإذا كانت البيانات الإسرائيلية عن نتائج العمليات التي تستهدف المصالح الإيرانية في سوريا صحيحة فالمعنى الوحيد لذلك هو أنه يوجد في سوريا من يتعاون مع إسرائيل ويزودها بتفاصيل دقيقة أتاحت لها تحقيق الإصابات الدقيقة.
منذ عام ألفين وثلاثة عشر وإسرائيل تقوم بضرب أهداف إيرانية في سوريا لكنها منذ العام ألفين وسبعة عشر بدأت تكثف تلك الضربات بعد أن أخذت طهران تحاول بناء القواعد العسكرية والتمركز طويل الأمد في الأراضي السورية.
وترى مصادر إسرائيلية أن طهران بدأت تقلص أعداد قواتها في سوريا كما أنها تقوم بإخلاء بعض المواقع أو تغييرها نتيجة للضربات الإسرائيلية بعد أن خسرت الكثير من ضباطها ومعداتها.
بقاء النظام هو الخيار الأسهل حتى بالنسبة لإسرائيل ما دام في النظام من سيتعاون لإخراج الإيرانيين، ولا شك أن إسرائيل تنسق مع روسيا غاراتها ضد المصالح الإيرانية في سوريا والسؤال المهم هل هناك أي تنسيق مع الجانب السوري أو جهات ما في النظام السوري؟
في الوقت الحاضر أصبح الوجود الإيراني في سوريا مضطربًا وهناك تسريبات من المعارضة السورية في الخارج تتحدث عن وجود انقسامات بين أركان النظام تتعلق بهذا الوجود.
وأبرز ما تشير إليه تسريبات المعارضة هو تحول مهم في مواقف ماهر الأسد شقيق الرئيس وهو قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري، فقد بدأت تتشكل في سوريا ملامح تحالفات مناهضة لطهران قد تتطور إلى صراعات داخلية بين مؤيدين لها ومعارضين.
وأبرز أقطاب المعسكر المناهض لطهران يضم كلاً من ماهر الأسد وأسماء الأسد زوجة الرئيس أما الرئيس نفسه فموقفه الحقيقي غير معلن.
ربما تريد إسرائيل الآن محاربة إيران من خلال دعم وتأييد المعارضين لإيران من أركان النظام بتطمينهم بدعم بقائهم في السلطة، وربما نجحت إسرائيل بهذا في وضع العصي في دواليب العلاقات السورية الإيرانية.
تفسر المعارضة السورية نجاة ماهر الأسد من قصف إسرائيلي استهدف في العاشر من شهر أبريل الحالي أحد مقراته في ضواحي دمشق ومقتل العشرات من الإيرانيين الذين كان يستضيفهم هناك بأنه نتيجة تعاون أو تفاهم مع الإسرائيليين، فقد خرج ماهر الأسد من المكان قبل اثنتي عشرة دقيقة من تعرض المقر للقصف.
إذا ما صحت تسريبات المعارضة السورية بأن إسرائيل نجحت في استمالة ماهر الأسد أو إقناعه على الأقل بضرورة التعاون لأجل البقاء فهذا يفسر دقة الضربات الإسرائيلية، فهل تخلى ماهر الأسد عن حلفائه في طهران مع أنه كان وفرقته الرابعة الأكثر ارتباطًا بهم؟.
ما يهم عائلة الأسد هو البقاء في السلطة ولذلك فالنظام يتحالف مع أي جهة تدعم بقاءه، لكن إذا كانت الجهة الداعمة ستجلب الدمار لسوريا فإنه سيستبدلها بجهة ثانية وفي السياسة كل شيء مباح وكل شيء ممكن.
ولأن بشار الأسد يوصف بالضعف كانت المهمة من نصيب ماهر الأسد صاحب الشخصية الأقوى الذي يمكنه القيام بالمهمة الصعبة والمزدوجة وهي المحافظة على بقاء النظام وإخراج الإيرانيين من البلاد.
إخراج إيران من سوريا سيدمر مشروعها بإقامة الهلال الشيعي للسيطرة على المشرق العربي، ربما كان الحديث قبل عامين أو ثلاثة عن خروجها من سوريا ضربا من الوهم والخيال أما اليوم فالأمر يبدو أكثر احتمالاً بانقسام أركان النظام السوري بشأن هذا الوجود.