لبنان.. بيروت مازالت مسرحاً لنشاط سياسي ودبلوماسي وإعلامي مكثف
- كم سيصمد لبنان بدون رئيس منتخب؟
- لماذا يتأخر انتخاب الرئيس اللبناني؟
- لماذا تصر بعض الأطراف على فرض مرشح بعينه أو التهديد باستمرار الفراغ؟
- لبنان غارق في الانقسامات والتعنت الحزبي والعناد الطائفي
في الشهر الماضي كانت بيروت ومازالت مسرحاً لنشاط سياسي ودبلوماسي وإعلامي مكثف قد يسفر عن نتائج قد يكون بعضها إيجابيا يتعلق بالرئاسة وانتخاب الرئيس وبعضها قد يكون تداعيات لتصريحات أطلقها زعماء سياسيون وقد تجر عليهم غضباً وسخطاً من حيث لا يدرون.
الحراك ليس فقط في لبنان بل يشمل أيضاً الشرق الأوسط الذي يشهد ظروفاً جيوسياسية مختلفة أبرزها ناجم عن المصالحة السعودية الإيرانية ومنها ما يتعلق بانتخاب الرئيس اللبناني وحل معضلة الفراغ الرئاسي والتعطيل السياسي الذي يعانيه لبنان. ونجاح التوصل إلى انتخاب رئيس لبناني جديد سيعد نجاحاً للمصالحة وللدبلوماسية السعودية أيضاً.
لكن لو انتقلنا من الصورة العامة إلى تفاصيل الحالة السياسية اللبنانية سنجد أن كل فريق في لبنان يعمل لصالحه فقط وهناك من لا يريد مصلحة لبنان أصلا ويسعى من حيث لا يعلم إلى دماره وانهياره. وعادة ما يتميز الزعماء اللبنانيون بأنهم يعطون الوعود ويدّعون الالتزام بها ولكن على أرض الواقع يتبخر كل شيء. وقد تسببت الأزمات والجمود في انقسامات لا حدود لها وقد تودي إلى نتائج لا يعلم أحد مداهاً.
بعض الزعماء السياسيين في لبنان بدأوا يفقدون توازنهم وهذا أخذ يظهر في تصريحاتهم الشعبوية لوسائل الإعلام. ففي هذه التصريحات وخصوصاً الأخيرة منها قدم الزعماء أنفسهم كل بطريقته. الوزير السابق سليمان فرنجية الذي لم يعلن ترشحه رسمياً لرئاسة الجمهورية يرى أنه أكثر شخص مطروح للرئاسة ويرى أنه يملك ثقة حزب الله وثقة الرئيس السوري وكأنه يريد القول أنه بامتلاكه هذه الثقة فإن فوزه بالرئاسة بات مؤكداً.
أما زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع فقد قطع كل الخطوط مع سليمان فرنجية في تصريحاته الأخيرة وحمل على الرئيس الفرنسي بشأن تأييد باريس لترشح فرنجية ويقول له خذه ليكون رئيسا لفرنسا. فالقوات اللبنانية ترفض بالمطلق ترشح سليمان فرنجية وتتمسك بمرشحها ميشيل معوض.
وبالنسبة لزعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل فالأمر لديه أيضاً صعب وخلافه مع فرنجية أكبر من أن تتم تسويته بسهولة وربما يكون أسهل عليه التصالح مع القوات اللبنانية على التصالح مع فرنجية. ولا يستطيع باسيل أن يعلن تأييده لأي مرشح طالما أن الثنائي الشيعي لم يسحب تأييده لترشح فرنجية فهو لا يزال يخشى من غضب حزب الله عليه.
هذه التصريحات تعد أمثلة على الحالة التي وصل إليها الزعماء اللبنانيون ورأى فيها خصومهم أنها تشكل أزمة عميقة سببها الخشية من أن يجدوا أنفسهم خارج اللعبة السياسية لأن غيرهم من الخارج قد يفرض الحل الذي سينقذ لبنان. فهؤلاء الزعماء الذي يفترضون في أنفسهم أنهم الحل لمشكلة لبنان هم في رأي خصومهم المشكلة.
ستة شهور مرت منذ شغور منصب الرئاسة في لبنان واستمرار هذا الشغور قد يخلق رأياً عاماً ضاغطاً قد يؤدي إلى تدمير العيش المشترك الذي يعاني أصلا من الهشاشة وتكون الخطوة الثانية التقسيم. فكم سيصمد لبنان بدون رئيس منتخب؟ ولماذا يتأخر انتخابه ولماذا تصر بعض الأطراف على فرض مرشح بعينه أو التهديد باستمرار الفراغ؟ فإخفاق البرلمان اللبناني على مدى إحدى عشرة جلسة في انتخاب رئيس جديد خلق انقسامات جديدة وزاد في التعنت الحزبي والعناد الطائفي الذي منع الوصول إلى الانتخاب.
فهل ينتظر اللبنانيون أن يفرض عليهم العالم رئيسا جديداً؟ يبدو أن الأمر سيكون في هذا الاتجاه. فرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري متشائم وموقفه كان واضحاً عندما قال أن لا مؤشرات إيجابية على اقتراب انتحاب رئيس جديد لأن الخارج هو الذي يعمل على ملف الرئاسة. ومع أن بري نفسه يستطيع أن يغير الظرف السياسي ويدعو مجلس النواب للاجتماع بعد أن انقطعت اجتماعاته منذ منتصف يناير الماضي فقد رآه بعض السياسيين اللبنانيين أنه يتسلى بالجمهورية اللبنانية ولا يأخذ الأمر بجدية عندما يرفض دعوة المجلس النيابي لاجتماعات متواصلة لحل إشكالية الفراغ الرئاسي قبل أن تنضج التسوية في عواصم القرار الإقليمية والعالمية فيما يخص انتخاب الرئيس اللبناني.
أم هل مكتوب على لبنان أن يظل رهينة القوى الإقليمية؟ بعض السياسيين في لبنان يرفضون فكرة التدخل الأجنبي في اختيار الرئيس وخصوصاً التدخل الأمريكي مع أن الحل قد لا يتم بدون هذا التدخل. أما فرنسا التي دعمت بصورة ما ترشيح سليمان فرنجية المؤيد من الثنائي الشيعي ثم تراجعت بإعلانها عدم وجود مرشح معين تدعمه فإنها تعمل مع العواصم العربية على ترتيب الظروف اللبنانية للوصول إلى انتخاب الرئيس الجديد. فقد استدعت باريس العديد من الزعماء اللبنانيين لاستمزاج آرائهم بشأن انتخاب الرئيس الجديد لكن على ما يبدو بدون أي نتائج حاسمة. كذلك كانت باريس ملتقى لاجتماعات وزراء خارجية عدد من دول المنطقة حاولوا فيه إيجاد قاسم مشترك لحل مشكلة الفراغ الرئاسي.
ما تريده الدول العربية وبشكل خاص المملكة العربية السعودية هو أن ترى لبنان مستقرا لأن هذا الاستقرار سيكون عامل استقرار لكل المنطقة أيضاً. ولا بد أنهم سيدعمون أي خيار يتوافق عليه اللبنانيون. فليس من عادة السعودية وضع فيتو على أي مرشح كما أنها لا تدعم أي مرشح بعينه.
لابد أن اتفاق المصالحة السعودية الإيرانية أفرز هامشا ضروريا لحل مشكلة انتخاب الرئيس اللبناني بترك الأمر للدول العربية لمتابعة الملف والعمل على حله. وما تريده السعودية هو أن يترك الأمر للبنانيين أنفسهم يختارون رئيساً يتوافقون عليه. ومن هنا تواترت الأنباء عن وجود نية عربية لتقديم أربعة أسماء سيكون من بينهم قائد الجيش الجنرال جوزيف عون وكذلك الوزير السابق سليمان فرنجية ولم يعرف الاسمان الآخران على أن يتم التصويت على اختيار واحد من الأربعة.
الجديد في الأمر هو زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت الذي حمل رسالة لجميع الأطراف مفادها أن على اللبنانيين الإسراع في انتخاب رئيس جديد وأن طهران ستدعم أي مرشح يتم الاتفاق عليه ولم يعلن أي تأييد صريح لمرشح الثنائي الشيعي وهذا تغير في الخطاب الإيراني.
المشكلة المتكررة في عملية التصويت هي عدم وجود أغلبية واضحة لأي تكتل سياسي في البرلمان اللبناني ولذلك فالتوافق المسبق على الشخصية التي تحظى بالمواصفات التي يفرضها الدستور اللبناني أمر ضروري حتى لا يظل المجلس يدور في حلقة مفرغة.
مهما تأخر انتخاب الرئيس اللبناني ففي النهاية سيتم هذا الانتخاب بغض النظر عن كل المواقف التي يعلنها السياسيون في لبنان. لكن ما يخشاه كثيرون أن يكون هذا الانتخاب هو الأخير لرئيس اللبناني بالمواصفات المعهودة للجمهورية اللبنانية وأن يأتي الانتخاب في المرة القادمة وقد تغير كل شيء وأصبح لبنان الذي نعرفه ضرباً من الماضي.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن.