إيران تستخدم حركة الجهاد في غزة للقيام بالوكالة عنها بحرب الصواريخ ضد إسرائيل
لم تستطع إيران أن ترد على الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مصالحها في سوريا فلجأت إلى الحل الأسهل وهو استخدام حركة الجهاد في غزة للقيام بالوكالة عنها بحرب الصواريخ ضد إسرائيل متذرعة باستشهاد احذ قادتها وهو خضر عدنان في المعتقل.
فالخسائر التي يتحملها الفلسطينيون لا تقلق إيران طالما أن ما يحدث يعطيها الإحساس بأنها قامت بالرد على الضربات الإسرائيلية مهما كانت النتائج في قطاع غزة.
تملك حركة الجهاد كمية كبيرة من الصواريخ التي زودتها بها إيران. وبينما تستطيع إيران توجيه حركة الجهاد وفق أجندتها لإطلاق صواريخها من قطاع غزة فإنها لا تستطيع استخدام أي منظمات رديفة للعمل ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية مثلا لأن السلطات السورية لا تسمح أبدا بأي عمل من هذا القبيل ولهذا تلجأ إيران على الدوام إلى الخيار الأسهل وهو الفصائل الفلسطينية في غزة.
تستغل إيران المنظمات الفلسطينية في مواجهات غير متكافئة ثم تتركهم يتلقون الضربات.
حركة الجهاد مثلا تريد الاحتفاظ برصيدها من الشعبية لدى الجمهور الفلسطيني وليس لديها ما تخسره فعلا في غزة. فالحركة لا تحكم مثلما هو حال حركة حماس وليس لديها أي مسؤوليات اجتماعية أو سياسية تجاه سكان غزة وبالتالي فإنها لا تقلق لجهة طبيعة النتائج المترتبة على القصف الإسرائيلي.
ما جرى ويجري بين إسرائيل وحركة الجهاد في قطاع غزة كان حربا بالوكالة نيابة عن إيران فالحركة هي الفصيل الفلسطيني الأكثر قربا إلى إيران.
وفي هذه المواجهة عملت إسرائيل على التفريق بين حركتي الجهاد وحماس وحذرت حماس من الاشتراك في العمليات القتالية. ويبدو أن حماس استجابت إن لم يكن للتحذير الإسرائيلي فربما تلقت نصيحة من جهة ما فنأت بنفسها عن التورط وتركت الجهاد وحدها. بالإضافة إلى أن حماس لا يمكنها التأثير على الجهاد أو تفرض عليها ما تريد.
في الأسبوع الماضي تحدثت مصادر إعلامية غربية إلى صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن اجتماع هام عقده قائد فيلق القدس الإيراني مع قادة الفصائل المدعومة من إيران وطلب منها تنسيق المواقف وتوزيع المهام والأدوار ووضع خطة شاملة للقيادة تحسبا لسيناريو مواجهة جديدة وموسعة. ما تريده إيران هو تنسيق جهود الفصائل وتوحيدها تحت ما يسمى بتوحيد الساحات.
وخلال أيام العملية كانت إيران تريد من حركة حماس التدخل لدعم حركة الجهاد لكن هذا الضغط لم يسفر عن قبول حماس بالمشاركة بل خلق انقسامات بين قادتها.
وبينما تعتقد حركة الجهاد أنها لا تملك شيئا لتخسره فإن حركة حماس على العكس من ذلك لديها الكثير لتخسره في حال شاركت بالمواجهات وتعرضت لضربات إسرائيلية. غير أن حركة حماس دعمت الجهاد إعلاميا وعبر المشاركة فما يعرف بغرفة العمليات المشتركة.
تحاول حماس تفادي الانزلاق إلى مواجهة كبرى مع إسرائيل لأن النتيجة ستكون مدمرة ليس فقط على الحركة بل أيضا على القطاع وسكانه المدنيين وستضر بالأحوال المعيشية بصورة عامة في القطاع. فهناك التجارة بين القطاع وإسرائيل وهناك آلاف العمال الفلسطينيين الذين يعبرون يوميا إلى إسرائيل للعمل.
وكلما استمرت المواجهات استمر حظر دخول العمال وهذا يترتب عليه خسائر فادحة. ولهذا تدرك حماس ما تفعل. فالمواجهة غير المتكافئة مع إسرائيل سينتج عنها مضاعفات اجتماعية واقتصادية إلى جانب الخسائر البشرية الأمر الذي سيزيد ويضاعف معاناة الشعب الفلسطيني.
وهذا بالضبط ما تريده إيران لأن زيادة المعاناة الفلسطينية ستدفع الفلسطينيين إلى مزيد من التمسك بالتحالف مع إيران وطلب مساعدتها.
تحملت حركة حماس الكثير من النقد واحيانا النقد القاسي الموجه لقياداتها لعدم دخولها على خط المواجهة لدعم حركة الجهاد ويتهمونها بأنها من خلال عدم مشاركتها تشجع إسرائيل على مواصلة ضرب حركة الجهاد.
لكن حسابات حماس مختلفة. فهي تعلم أن سكان غزة يفتقدون معظم مقومات الحياة كما يفتقدون أي أمل في حياة أفضل ولذلك فهي لا تريد أن تحملهم دمارا إضافيا.
منذ بداية العام الحالي ضاعفت إسرائيل هجماتها وضرباتها ضد المواقع الإيرانية في سوريا. ولا شك أن إيران أحست بقوة الضربات وفداحة الخسائر فقررت أن تحاول الرد من خلال حركة الجهاد في غزة.
فهي تريد اختبار مدى صبر إسرائيل وقدرتها على التحمل وتفحص ردود أفعالها على القصف الصاروخي الذي تقوم به حركة الجهاد. كما أنها تريد اختبار قدرة حلفائها على توحيد الساحات وفتح الجبهات وهو الأمر الذي لم يحدث.
نجحت إسرائيل في استدراج حركة الجهاد إلى معركة غير متكافئة وتكبيدها خسائر كبيرة باغتيال مجموعة كبيرة من قادتها وقتل العديد من عناصرها بالإضافة إلى الدمار الذي طال أحياء القطاع.
وقد كان من السهل على حركة الجهاد الإصغاء إلى تعليمات إيران فهي ترتبط بها ارتباطا وثيقا ومعظم تسليحها إن لم يكن كله من إيران ولهذا فهي تقبل بما تمليه عليها طهران. لكن مثلما حدث في أغسطس الماضي خاضت حركة الجهاد المعركة وحدها من دون مشاركة حماس إلا مشاركة إعلامية أو ربما ببعض الاستشارات عبر غرفة العمليات المشتركة.
خلال زيارته إلى دمشق التقى الرئيس الإيراني بقادة حماس والجهاد وكانت رسالته لهم واضحة وهي أن إيران ستواصل الدعم وطلب منهم الحاق الهزيمة بإسرائيل. وما تريده إيران هو توحيد الساحات لجعل كل الجبهات المحيطة بإسرائيل مشتعلة.
بطبيعة الحال لم يكشف الرئيس الإيراني أي خطط عسكرية أو نوايا لكن إيران يمكنها بالفعل إشعال جبهة جنوب لبنان أيضا.
وإشعال الجبهات أمر سهل إذ لا يتضمن أكثر من اطلاق رشقة صواريخ عبر الحدود لترد إسرائيل وتبدأ دورة القصف والقصف المضاد إلى أن يتدخل أصحاب النوايا الصالحة ويتم التوصل إلى وقف لاطلق النار ويدعي كل طرف أنه انتصر.
كشفت هذه المواجهة التي استخدمت فيها حركة الجهاد أكثر من ألف ومئة صاروخ كمية السلاح الذي وردته إيران إلى قطاع غزة. وهذه الترسانة تشمل أيضا إلى جانب الصواريخ قذائف مضادة للدبابات ومدافع الهاون.
وتنفق إيران على تمويل وتسليح حركتي الجهاد وحماس في قطاع غزة ما يقرب من مليار دولار سنويا لكنها لم تعمل على دعم الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بأي شكل من أشكال الدعم الإنساني فلم تعمل على دعم بناء المرافق الصحية لتوفير الخدمات الطبية اللازمة أو بناء الملاجىء لحماية السكان من الغارات الإسرائيلية أو إنشاء المدارس لرفع مستوى التعليم أو تدعيم البنية التحتية المتهالكة في غزة.
فارتقاء مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة والانفتاح على العالم قد يبعد الفلسطينيين في غزة عن النفوذ الإيراني ولذلك سعت إيران إلى إبقاء أحوال غزة كما هي فهذه هي لوسيلة الوحيدة لإبقاء نفوذها حيا في القطاع.