الحالة الجهادية لا تهم فقط المنطقة العربية
تروم هذه المقالة التوقف عند مجموعة من الأسباب التي تساهم في تغذية الجماعات الجهادية وخدمة مشروعها، سواء تعلق الأمر بأسباب مباشرة أو أخرى غير مباشرة.
ومعلوم أن تفسير الظاهرة موزع على عدة محددات كما يرتبط بطبيعة المقاربات النظرية المتبعة في قراءة المعضلة، لأن قراءة المشاريع الجهادية من منظور العلوم السياسية مختلف عن قراءتها من منظور الفلسفة أو علم النفس أو حتى انطلاقاً من الأدبيات الصوفية، بما يُفيد أننا إزاء تعددية في الأسباب المغذية للظاهرة.
وتتأسس المقالة على فرضية؛ أصبح ضرورياً التنبيه إليها أو التذكير بها، مفادها أن الحسم في طبيعة هذه الأسباب يساعدنا في خيارات المواجهة، لكن بقاء على نسبة معينة من الأسباب نفسها يساهم بدهياً في استمرار الظاهرة، وهذا عينُ ما تروم المقالة التوقف عنده بالتحديد.
وما يزيد المشهد تعقيداً أن الحالة الجهادية لا تهم دولة عربية معينة دون سواها، ولا تهم المنطقة العربية وحسب، وإنما تهم عدة قارات، بحيث نجد لائحة من المشاريع الجهادية في المنطقة، لعل أشهرها تنظيم “القاعدة” في مرحلة سابقة وتنظيم “داعش” منذ عقد تقريباً، كما نجد الظاهرة حتى في المجال الأوروبي وإن كانت تتميز بأنها تهم حالات فردية أكثر منها مجموعات أو تنظيمات، بما في ذلك حالة ظاهرة “الذئاب المنفردة”، ونجدها كذلك في دول الساحل.
وحتى لا نتيه في كثرة التفاصيل، نقتصر على قراءة الظاهرة ومسبباتها في دول الساحل، مع استعراض أهم الأسباب من جهة، وإسقاط مؤشرات الأسباب ذاتها في السياق الراهن، انطلاقاً من قاعدة نظرية منطقية، مفادها أنه كلما كانت تلك الأسباب متواضعة اليوم، كلما تراجعت مؤشرات الحالة الجهادية في الساحة، والعكس صحيح.
تعدد مُسببات الحالة الجهادية في دول الساحل
على صعيد آخر، وفي سياق تقريب الصورة أكثر للقارئ بخصوص تعدد مُسببات الحالة الجهادية في دول الساحل، لا مفر من تبني رؤى تفسيرية مركبة أو النهل من فكر مركب بتعبير المفكر الفرنسي إدغار موران، وليس الارتهان إلى رؤية أحادية، من قبيل اختزال ظهور الحالة الجهادية إفريقيًا في سبب سياسي صرف أو سبب ديني بالتحديد أو سبب اجتماعي.
وإجمالاً، هناك اتجاهان اثنان في هذا السياق: الأول الارتهان إلى خطاب تفسيري اختزالي، والثاني الانتصار لخطاب تفسيري مركب، وهذا عينُ ما نراهن عليه في هذه المقالة، من خلال التوقف عند نموذجين اثنين في هذا الصدد، ومن خارج المجال البحثي العربي الإسلامي:
1- يتعلق النموذج الأول، ويهم إصداراً بحثياً نزعم أنه من أهم الدراسات المرجعية حول الظاهرة، ألفه الباحث مارك أنطوان بيروس دي مونكلو، وعنوانه: “الحدود الجديدة للجهادية في إفريقيا”.
وقد جاء الكتاب موزعاً على مقدمة مطولة بعنوان: “ساحل ــ ستان وتحدي التضليل” وسبعة فصول وخاتمة، تطرقت لتجاوز الرؤى المتداول حول صعود الإسلام في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء (الفصل الأول)؛ التاريخ العريق للظاهرة “الجهادية” في إفريقيا (الفصل الثاني)؛ الدول الضعيفة والطلب على الشريعة الإسلامية في الحقبة الاستعمارية (الفصل الثالث)؛ “الجهادية المُعَوْلَمة” بين التخيلات ونظرية المؤامرة (الفصل الرابع)؛ مُحدّدات الحركية “الجهادية” (الفصل الخامس)؛ الفقر، المال والقرآن (الفصل السادس)؛ “المنطق القمعي ونبوءات متحققة” (الفصل السابع)؛ أما خاتمة الكتاب، فجاءت تحت عنوان “حدود الردود العسكرية على الإرهاب “الجهادي”.
ويتضح أننا أمام مجموعة من المؤشرات التي تخول لقارئ الكتاب التنويه بمضامينه، وفي مقدمتها توقف المؤلف عند تعدد الأسباب والمُحدّدات التي تغذي الظاهرة الجهادية، لأنه رفض منذ مقدمة الكتاب الإحالة على مُحدّد واحد دون سواه، كأن يختزل السبب الوحيد أو الرئيس في المُحدّد الديني، أو المُحدّد الاقتصادي والاجتماعي، أو المُحدّد السياسي والأمني كما سلف الذكر أعلاه، حيث ارتأى المؤلف أن يستعرض مجموعة من العوامل والأسباب التي غذت الظاهرة، موجهاً عدة مؤاخذات نقدية صريحة إلى أغلب القراءات البحثية والإعلامية، بما فيها القراءات السياسية والأمنية، المحلية والإقليمية والدولية، التي تروج لهذا المُحدّد أو غيره، مع صرف النظر غير المتعمد أو المقصود عن باقي الأسباب.
من مُميزات الكتاب أيضاً، أن مؤلفه زار جميع الدول الإفريقية المعنية بالظاهرة الجهادية، بمعنى أنه اجتهد في الجمع بين الحُسنيين إن صح التعبير: النظري العملي، كما أنه التقى وأجرى حوارات مع أغلب الرموز الإسلاموية الحركية، من قبيل حسن الترابي أو مقاتلي “جماعة الشباب” الصومالية وجماعة “بوكو حرام” النيجيرية وغيرها، ومع أن العمل يتضمن وقفات مع أداء العديد من الجماعات الجهادية إلا أن المؤلف ارتأى التوقف بتفصيل أكثر مع ثلاث جماعات بالضبط: جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا، و”جماعة الشباب” في الصومال، و”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، في المنطقة المغاربية على الخصوص.
الأغلبية المسلمة الصامتة في إفريقيا والمعادية للإسلاموية
من مفاتيح الكتاب كذلك، أن الأغلبية المسلمة الصامتة في إفريقيا لا زالت أغلبية غير مرئية، ولا تجد نفسها في أغلب أنماط التديّن الحركي في الإسلام، سواء تعلق الأمر بالطرق الصوفية والجماعات السلفية أو مُجمل الجماعات المتشددة ذات النفس القتالي، أو الداعية إلى التطبيق الحرفي للشريعة من منظور متشدد.
توجد التجربة الإسلاموية في السودان، ضمن تطبيقات هذا المفتاح النظري، حيث يرى مارك أنطوان بيروس أن رحيل حسن الترابي كان إيذاناً بفشل المشروع السياسي ـ الديني الذي رُوج له في السودان، ولكن مع كارثة ذات أبعاد ثلاثة، طالت السودان السُّني، ويتعلق الأمر بفقدان الجنوب السوداني، والذي أصبح لاحقاً دولة جنوب السودان، ابتداءً من 2011، ارتفاع مؤشر الفتن في الأوساط السنية السودانية، والانخراط في تحالفات سياسية واستراتيجية غير طبيعية مقارنة مع خصوصيات المنطقة، من قبيل التحالف السياسي مع إيران الشيعية، أو مع جبهة قتالية مسيحية في شمال أوغندا.
قد يبدو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بعيدًا بعض الشيء، لكن شبكات تنظيم القاعدة في اليمن وإفريقيا تنسّق وتتقاسم الموارد بشكلٍ وثيق، وإلى الغرب من السودان، في منطقة الساحل، التنظيم الجهادية حاضرة كماً ونوعاً، سواء مع تنظيم “القاعدة” أو تنظيم “داعش” أو تنظيمات أخرى.
توقف المؤلف عند ذكاء العقل “الجهادي” في توظيف بعض الأزمات المحلية أو الإقليمية، والتي لا علاقة لها بالمُحدّد الديني، من أجل خدمة مشروعه الجهادي، وبالنتيجة، وفي غياب معارضة ذات مصداقية، تتصدى للنخب الحاكمة في المنطقة، انتهى الأمر بهذه الجماعات إلى استقطاب جزء من الرأي العام، مورداً لائحة من الأمثلة، نذكر منها، ما جرى مع الظاهرة “الداعشية” في سوريا التي تحالفت في بقايا النظام البعثي في العراق، أو “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الذي تحالف مع الطوارق في شمال متالي ضد السلطة المركزية في باماكو، أو ما قام به فصيل منشق عن “حركة موجاو” بقيادة عدنان أبو الوليد الصحراوي، والذي تزعم قبائل صحراوية تعرضت للتهميش والإقصاء من طرق دول المنطقة، أو جماعة “بوكو حرام” في نيجريا التي وظفت حالات الاستياء من التهميش الذي طال مناطق في شمال نيجريا بعد الانقلاب السياسي الذي قامت به هيئات سياسية مسيحية على السلطة المركزية.
تبعات التجارب الإسلاموية الفاشلة في السودان والصومال
كما خلُص المؤلف إلى أن التجارب الإسلاموية الفاشلة في المنطقة، وخصّ بالذكر، النماذج الإسلاموية في القرن الإفريقي (السودان والصومال، بين 2008 و2014)، أفضت إلى تغذية الانطباع العام السائد حول مآل الأنظمة الدينية في التداول الإسلامي، سواء تعلق الأمر بالسنة أو الشيعة، حيث اعتبر في هذا السياق، أن التجارب سالفة الذكر، تسلط الضوء على حدود اليوتوبيات المرتبطة بالمثالية السياسية الدينية التي يتأكد للجميع أنها صعبة أو مستحيلة التحقق.
يؤاخذ المؤلف على صناع القرار في الدول الغربية، وخاصة في واشنطن ولندن وباريس عدم الإقرار بالأضرار الجانبية الخطيرة للمقاربة الأمنية المُتبعة قديماً وحالياً في التعامل مع الظاهرة “الجهادية”، معتبراً أن التأخر في هذا الاعتراف، يصب في مصلحة الخطاب “الجهادي” الذي يوظف هذه المعضلة في المزيد من الاستقطاب، تحت شعار مقاومة الإمبريالية. ومن بين أهم نتائج هذا المأزق، أن الدول الغربية، بَلْه الدول الإفريقية المعنية بالمواجهة المباشرة مع الجماعات “الجهادية”، فشلت عملياً في معارك القلوب والعقول، إذا استعرنا بعض المصطلحات التي تم تداولها في زمن “الحرب الباردة” بين المعسكرين الغربي والشرقي، بالرغم من أن “غالبية الساكنة الإفريقية المسلمة، لا تجد نفسها في الخطاب الإسلامي “الجهادي”، أو الإسلاميين كي بشكل عام.
بالنسبة إلى الفاعل الإسلامي القتالي، فلا يمكن اختزاله في صورة نمطية، غالباً ما تركز على المُحدّد الديني، بينما الأمر خلاف ذلك حسب المؤلف، حيث يرى أن هذا الفاعل يمكن أن يكون المدافع عن شرف القبيلة والراغب في الانتقام من اعتداءات ذات أسباب عرقية أو دينية؛ ويمكن أن يكون الفاعل الانتهازي والبراغماتي الذي يرغب في استغلال أجواء الفوضى والخراب الذي يطال المنطقة من أجل الاغتناء؛ ويمكن أيضاً أن يكون الفقير المعدم الذي يُقلد “روبن هود” عبر سرقة الأثرياء لمساعدة الفقراء؛ وأخيراً، يمكن أن يكون الطفل الضحية، الذي يُنفذ عملية تفجيرية، انتقاماً من نفسه ومن المجتمع والدولة. وبالنتيجة، إذا استحضرنا مُجمل هذه الدوافع، لا يمكن اختزال أسباب ولادة الجماعات الجهادية، في المُحدّد الديني كما سلف الذكر أعلاه، ثم إن التحدي المهم الذي ينتظر الأفارقة اليوم، يكمن على الخصوص في صيانة الدولة، وتقديم خدمات عمومية في المستوى، توفق بين الميراث الإسلامي والطلب على العدالة الاجتماعية.
2- نأتي للنموذج الثاني ببعض مضامين عدد مرجعي لفصلية “الدبلوماسي” الفرنسية (عدد 64)، وهي مجلة متخصصة في الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، نشرت منذ مدة ملفاً بعنوان “الجغرافية السياسية للإسلام”، متضمناً افتتاحية وأربعة محاور، وعناوينها كالتالي: “التاريخ والإيديولوجيا”، “السياسة والمجتمع”، “الجيوسياسة”، وأخيراً، المحور الذي يهمنا أكثر في هذه المقالة، وعنوانه “التشدد والحالة الجهادية”، وتضمن ثلاثة مواد: دراسة مطولة وحواران مع باحثين متخصصين في الحركات الإسلامية، وخاصة الجماعات الجهادية، وتهمنا هنا بالتحديد مضامين الحوار الذي أجرته المجلة مع الباحث مارك هيكر، وهو مدير تحرير مجلة “السياسة الخارجية”، ومدير الأبحاث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، وقد فاز مؤخراً كتابه الذي يحمل عنوان “حرب 20 سنة: الحالة الجهادية والحرب ضد الإرهاب” بجائزة الكتاب الجيويسياسي.
الجهاديون والهدايا المجانية بعد عودة جماعة “طالبان”
وبحكم صدور العدد بعد عودة جماعة طالبان للحكم في أفغانستان، فقد اعتبر المحاوَر أن نسبة الجهاديين في العالم اليوم، مضاعفة ثلاثة مرات مقارنة مع نسبة حضورهم في سنة 2001، ولا زالوا مصرين على تبني الشعارات نفسها والأهداف ذاتها، بما يُفيد أن أداء هذه الجماعات سيستمر وأن المسألة لا يمكن حلها بانتشار القوات العسكرية وحسب، حتى لو تعلق الأمر بنشر عشرات الآلاف من الجنود من شتى الجنسيات، ومقابل ذلك، سيتم الاتجاه أكثر في المرحلة الحالية والقادمة نحو استهداف الجهاديين عبر الضربات عن بعد وخاصة عبر طائرات “الدرون” التي يُتحكم فيها عن بعد.
كما وجه مارك هيكر الدعوة إلى أهمية التدقيق والحسم في الفوارق بين الجماعات الإسلامية المحلية ونظيرته العالمية، من قبيل تنظيم “بوكو حرام” أو بعض الجماعات الجهادية في إفريقيا دول جنوب الصحراء، والتي غالباً ما تشتغل في سياق محلي أو إقليمي بخلاف الأمر مع أداء وأهداف تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”، بالرغم من وجود بعض القواسم في أداء الاتجاهين الجهاديين، وإن كانت الغلبة حالياً تعود لهذين التنظيمين مقارنة مع باقي الجماعات.
وأضاف أن التنافس الميداني بينهما غالباً ما يصب في مصلحة تنظيم “داعش”، كما عاينا ذلك في عدة نماذج بالمنطقة العربية والقارة الإفريقية التي أصبحت عملياً تمثل مستقبل الحالة الجهادية، كما كانت من قبل، ولكن بشكل متواضع، بخلاف الأمر خلال السنين الأخيرة والمتوقع من السنوات القادمة، بحكم تراكم مجموعة من الأسباب التي تغذي هذا السيناريو، بما فيها الأسباب المرتبطة بتواضع الحرب على التنظيمات الجهادية، ولن تكون آخر تجليات هذا التواضع، صرف النظر عن “عملية باركان” الفرنسية في جمهورية مالي، والتي وصلت تعقيداتها إلى الانسحاب الفرنسي التدريجي من المنطقة، على غرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو الانسحاب الذي يُعتبر مكسباً ميدانياً وإيديولوجياً للتنظيمات الجهادية.
وعلى غرار الإشارات السابقة التي جاءت في مضامين الملف حول دور الدعاية الرقمية في استقطاب الأتباع والمقاتلين عبر شبكة الإنترنت، اعتبر مارك هيكر أنه منذ مطلع الألفية الثالثة والجماعات الجهادية توظف العالم الرقمي من أجل التأثير والاستقطاب، سواء مع تنظيم “القاعدة” بداية أو تنظيم “داعش” لاحقاً، بما في ذلك استغلال مواقع التواصل الاجتماعي وتوظيف الهاشتاغات والاستفادة من جملة خدمات رقمية لا حصر لها، معتبراً أنه أمام هذه الفورة الرقمية الجهادية، كان علينا انتظار سنة 2016 حتى نعاين انخراط الحكومات الغربية في الضغط على المؤسسات الرقمية من أجل مراقبة المحتوى الرقمي الخاص بالجهاديين، بما في ذلك استغلال خدمات الذكاء الاصطناعي لهذا الغرض، لولا أن هذه المبادرات تأخرت كثيراً مقارنة مع طول المدة الزمنية التي استغلت فيها الحركات الجهادية ما توفره الخدمات الرقمية.
من النقاط الهامة المرتبطة بآفاق العمل الجهادي، نقرأ إشارة صريحة لمارك هيكر مفادها أن التفكير في القضاء على الحالة الجهادية، يقتضي التفكير في ما جرى خلال العقدين الماضيين، وما هو قائم عملياً اليوم، ومن ذلك مثلاً، أن الخطاب الجهادي لا زال منتشراً في الساحة الإسلامية، لأن الجهاديين إجمالاً، يؤسسون خطابهم على إيديولوجية صلبة، ولا زال الخطاب المضاد للدعاية الجهادية متواضعاً في تقويض هذه الإيديولوجية، حتى إن “حرب الأفكار” التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية على عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن كانت نتائجها متواضعة مقارنة مع ما كان مرجواً، إضافة إلى أن بقاء حالات الإقصاء الاجتماعي في بعض المناطق تساهم في تغذية الخطاب الجهادي، ثم إنه حتى على فرض تتمكن القوات المسلحة من القضاء على بعض الرموز الجهادية أو بعض الثغور، فإن للجهاديين قدرة كبيرة على الانتشار والتحرك والمناورة، كأننا إزاء نسخة معاصرة من أسطورة سيزيف.
الهيكل الخماسي النظري المؤسِّس للجهادية
بقيت إشارة جامعة بين المثالين أعلاه في المقالة، ونحسبُ أنها جامعة أو تعتبر قاسماً مشتركاً في بعض الدراسات والأبحاث التي صدرت في المنطقة العربية حول المعضلة الجهادية، وهي التذكير بمحددات أو أركان “الهيكل الخماسي النظري المؤسِّس للجهادية”، والذي يمكن حصر أهم معالمه في النقاط التالية:
- المحدد الديني، والمرتبط بالتأويلات الدينية التي تروج خطاب “الجهاد والهجرة يؤسسان الخلافة”.
- المحدد الاجتماعي ويهم على الخصوص أجيالاً جديدة من الجهاديين من فئة المراهقين والشباب، ومن ضحايا التهميش الاقتصادي والاجتماعي، ممن يجدون في الحالة الجهادية فرصة لتصريف الحقد باسم الدين.
- المحدد السياسي، والمرتبط بالانتقام من سياسات غربية سائدة في العديد من دول العالم الإسلامي، وقد توقفت الدراسة عند أمثلة أفغانستان وليبيا ومالي.
- المحدد النفسي، ويهم على الخصوص الشباب الذي يسقط ضحية الدعاية والاستقطاب التي تقوم بها الحسابات الرقمية في مواقع التواصل الاجتماعي والتابعة للمنظومة الجهادية.
- وأخيراً، المحدد الهجين، ويهم حالة شباب منحرفين يطرقون باب الحالة الجهادية، من باب محو ذنوب المرحلة السابقة أو خلع القداسة عليه على ممارسات الانحلال، سواء همت السرقة أو الاغتصاب.
إذا لم نحسم في تفاصيل وتعقيدات وتبعات هذا الهيكل النظري المؤسِّس للظاهرة الجهادية، محلياً وإقليمياً على الأقل، فيمكن أن نتوقع تشعبات الحالة الجهادية على الأمد المتوسط على الأقل، فالأحرى الأمد البعيد.