هل يكون موقف جبران باسيل يعني اقترابه من القطيعة مع حزب الله؟
- المعارضة باتت تخشى من عمليات اغتيال وتصفيات
- لبنان بحاجة إلى رئيس إصلاحي يكافح الفساد
تسارعت في الأسبوع الماضي الخطوات السياسية والحزبية في لبنان وتقاطعت التصريحات الصادرة عن الزعماء السياسيين وظهروا كأنهم أصبحوا في عجلة من أمرهم مسابقين الأحداث لتحقيق المكاسب التي يسعون إليها.
وبدت المعارضة اللبنانية متماسكة وجادة في مواجهة قوى الممانعة والثنائي الشيعي وشددت على أن بمقدورها أن تحقق الأغلبية البرلمانية اللازمة بخمسة وستين نائبا لإيصال مرشحها إلى الرئاسة بصورة جدية بعيدا عن المناورة والتكتيك.
على عجل تم الإعلان، وخلال أيام عن اتفاق أقطاب المعارضة عبر ما يسمونه التقاطع على بعض الأسماء ثم التأكيد على اسم الوزير جهاد أزعور ليكون المرشح الذي يواجه مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية.
قد لا يكون أزعور أفضل من في الساحة، لكن المعارضة ترى فيه مرشح تلاقي وسطي غير استفزازي يملك ما يلزم من مواصفات شخصية ومهنية وسياسية وقدرة على حماية لبنان من مزيد من الهيمنة والانهيار.
ويرى معارضوه أنه لا يملك رؤية إصلاحية ويصفه الثنائي الشيعي بأنه مرشح تحدي ومواجهة، وأن انتخابه سيطيل الأزمة ويعمقها وسيضر بالشراكة الوطنية والاستقرار الداخلي.
ومن هنا لا يزال حزب الله مصرًا على مرشحه سليمان فرنجية، ونقل نائب لبناني عن مصادر في الحزب أنه لن يكون هناك رئيس إلا سليمان فرنجية.
وبهذا الموقف الذي سربه الحزب عن طريق نائب لبناني فإنه يعود إلى مقولته القديمة “مرشحنا أو لا أحد”، وهذا يخيف اللبنانيين لأنه سيكون نذير خطر قد يشعل فتيل الانفجار.
كما أن المعارضة باتت تخشى من عمليات اغتيال وتصفيات عندما أشارت إلى ما نشرته صحيفة معروفة بتأييدها لحزب الله عن معارضة ترشيح جهاد أزعور ونشرت مع التعليق صورة لأزعور ومعها صورة لمسؤول لبناني سابق تم اغتياله عام 2013.
كثيرون باتوا يحذرون بجدية من أن الصراع قد يقع وقد يكون محتدما في حال لم يتم انتخاب الرئيس الجديد قبل نهاية شهر يوليو المقبل الذي يوافق أيضا نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان الذي سيشكل فراغ منصبه مشكلة دستورية إضافية.
محاولة خلق الانسجام والتوافق في الداخل اللبناني رافقه بصورة متزامنة جولة للبطريرك الماروني الذي زار الفاتيكان وفرنسا. فالعلاقات اللبنانية وخصوصا اللبنانية المسيحية مع الفاتيكان ومع فرنسا ذات حساسية خاصة. لكن البطريرك على ما يبدو لم يذهب إلى هناك للترويج للمرشح الذي قيل أن الفريق المسيحي يريده رئيسا بل تباحث في الخطوط العريضة والمبادئ التي تحكم النظام السياسي في لبنان مع التزام كامل بما تم الاتفاق عليه في الطائف. فالبطريرك كان واضحا خصوصا عندما دعا إلى الحوار مع الجميع وكذلك عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان تكون بنوده تنفيذ الطائف وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وحل قضية اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان وإعلان حياد لبنان.
توحيد المعارضة المسيحية في لبنان هو الأمر الأكثر أهمية الآن، ولا بد أن يلتقي التيار الوطني والقوات اللبنانية في منتصف الطريق. ومع أن الثقة تكاد تكون معدومة بين الفريقين إلا أنهما يتفقان على معارضة ترشيح سليمان فرنجية مهما كلفهم الأمر بحسب تصريحاتهم.
والاتفاق على معارضة فرنجية هو ما دفع رئيس التيار الوطني للإعلان عن قبوله بترشيح جهاد أزعور، والتنازل عن طموحه في الرئاسة خصوصًا بعد أن أدرك أنه لن يصل إليها. وفي خطاب لافت في حفل عشاء هيئة قضاء جبيل أعلن جبران أن عدم ترشحه يعني حماية التيار في ظل ظروف لا تسمح بوصول رئيس من التيار.
لكن إعلان باسيل عن موافقته على ترشيح أزعور لا يعني أنه يلزم التيار به فهناك أعضاء في التيار لا يوافقون على ذلك وهو لا يريد أن يرى التيار منقسما على نفسه. فمحاولة فرض المرشح على جميع نواب التيار لن تكون أمرا موفقا في الوقت الذي أعرب فيه بعض هؤلاء النواب عن تحفظهم على ترشيح أزعور. لكن في السياسة كل شيء ممكن وعندما يعلن رئيس التيار موقفه المؤيد لترشيح أزعور بصورة علنية وبحضور الجنرال عون ومباركته فقد يغير هؤلاء النواب موقفهم.
لماذا اتجه باسيل إلى خيار ترشيح أزعور وإعلان موقفه بهذه الصورة الواضحة، وبخطاب قوي أكد فيه استقلالية قرار التيار ورفضه المطلق بأن يفرض عليه أي رئيس وهو الذي صرح قبل أيام بأن موافقته على أي مرشح آخر مرهون بموافقة حزب الله على هذا المرشح.
لا شك أن جبران باسيل في موقف صعب ومحرج للغاية. فقد كان طامحًا في الرئاسة لكن حليفه الثنائي الشيعي رشح خصمه سليمان فرنجية، وتمسك بترشيحه. أما ما يمكن وصفهم بأنهم حلفاؤه المحتملين أي الكتائب والقوات فلا يريدونه رئيسا أما هو فكان يلزم نفسه بعدم ترشيح أحد لا يرضى عنه حزب الله.
في ضوء هذا الوضع سربت وسائل أعلام لبنانية أن باسيل طلب من الثنائي الشيعي التزاما بالموافقة على تأييد قوانين اللامركزية الإدارية والمالية مقابل تأييده لترشح سليمان فرنجية، لكن الحزب رفض. وهذا الرفض هو ما وصفه بيان المعارضة بأنه طعنة في الظهر تلقاها باسيل من حلفائه. كما نقلت الصحافة اللبنانية عن الحزب استياءه من تصرفات باسيل، وقال إنه يقبل اعتراض باسيل على فرنجية لكنه لا يقبل منه العمل على إسقاطه.
لا بد أن الثنائي الشيعي تلقى أكبر مفاجأة أو ربما صدمة من موقف جبران باسيل المؤيد لترشيح جهاد أزعور للرئاسة في الوقت الذي كان يظن أن تأييد التيار لمرشحه سليمان فرنجية سيكون تحصيل حاصل على أنه الثمن الذي يدفعه التيار للحزب الذي جاء بالجنرال عون رئيسا في العام ألفين وستة عشر بعد أن عطل الانتخابات ثلاثين شهرا.
هل يكون موقف جبران باسيل وخطابه القوي والصريح يعني اقترابه من القطيعة والافتراق مع حليفه الشيعي؟ هل يستطيع باسيل أن يخرج من عباءة تحالفه مع حزب الله؟ هل هي بداية صحوة لبنانية للانعتاق من هيمنة القوة الإقليمية والدولية وفتح صفحة جديدة في تاريخ لبنان الحديث؟
مع ذلك لا يزال الوضع الانتخابي مشوشًا وغامضًا وغير واضح. فالفريق المسيحي ممثلًا بأكبر مجموعتين، وهما القوات والتيار غير متفقين بعد في إطار تفاهمات مكتوبة وموقعة. ولم يضعا برنامجًا سياسيًا موحدًا ولم يعلنا موقفًا موحدًا من حزب الله وسلاحه. وهذا الانقسام سيؤدي إلى خسارة الفريقين لأن تأخير الاتفاق، وبالتالي تأخير انتخاب الرئيس ستكون نتائجه الانحدار إلى الفوضى.
لبنان بحاجة إلى رئيس إصلاحي يكافح الفساد، وينقذ الدولة ويجري الإصلاحات اللازمة لمنع الانهيار. ويرى البعض أن رئيسًا بمثل هذه المواصفات لن يرضى عنه حزب الله، ولا بد أن يقع التصادم، ولا أحد في لبنان يريد رئيسًا يتصادم مع الحزب فالنتيجة ستكون الحرب الأهلية.