الجريمة المنظمة.. أبرز تحديات المواطنين العرب في إسرائيل
كثيرا ما عانى المجتمع العربي في إسرائيل من الفقر والتمييز والجريمة والإهمال من قبل الحكومة الإسرائيلية. وهذا الأمر ليس جديدا. في العشرين سنة الماضية وبشكل خاص منها آخر ثلاث سنوات أصبحت الجريمة المنظمة هي التحدي الأكبر الذي يواجه المواطنين العرب في إسرائيل ويؤرق حياتهم.
وقد تصاعدت معدلات الجريمة في الوسط العربي في إسرائيل بصورة مرعبة، وهي مرتبطة على الدوام بعصابات الجريمة المنظمة التي صارت تتبع عائلات مثلما هو حال مافيا نيويورك.
فالجريمة الأخيرة التي وقعت في الأسبوع الماضي في بلدة يافا الناصرة وراح ضحيتها ستة قتلى كانت عملية ثأر بين عائلتين تمتهنان الجريمة المنظمة، وقد قتل منهما عشرون شخصا على الأقل في العامين الماضيين.
خريطة توضح حدود بلدة يافا الناصرة
عدد الجرائم على كثرتها هي فقط رأس جبل الجليد وهو يخفي بازارا من الجرائم الأخرى وغسيل الأموال وتلزيم عطاءات حكومية لشركات لها علاقات مشبوهة مع عصابات الإجرام.
وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن خمسة وسبعين في المئة من الجرائم التي تقع في الوسط العربي تقوم بها عصابات الجريمة المنظمة. وليست الجريمة هي العلة الوحيدة التي يعاني منها العرب في إسرائيل لكنها في الوقت الحاضر هي المشكلة الأكثر بروزا وإلحاحًا.
أعداد القتلى ضحايا الجريمة المنظمة بلغ حدا يلفت النظر. في الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي وصل عدد القتلى ضحايا الجريمة المنظمة إلى مئة شخص مقارنة بأربعة وثلاثين في نفس الفترة من العام الماضي وهو رقم يعد كبيرا جدا قياسا إلى عدد السكان العرب.
ما بين الأعوام ألفين وخمسة عشر وألفين وواحد وعشرين ارتفعت معدلات الجرائم في الوسط العربي بنسبة خمسين في المئة. في العام ألفين واثنين وعشرين وحده بلغ عدد القتلى في الوسط العربي مئة وتسعة. وتسود حاليا مشاعر بأن الشرطة الإسرائيلية لا تقوم بواجبها في المجتمع العربي في إسرائيل وليس لها قوة ردع تجاه عصابات الجريمة المنظمة وطالب كثيرون بإقالة وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير. ويرى الكثيرون من قادة المجتمع المحلي في إسرائيل أن القتلى وهم ضحايا الجريمة المنظمة هم أيضا ضحايا إهمال وتسيب الوزير بن غفير عن واجباته الحقيقية، وهو متهم بإعاقة التعاون والتنسيق الضروري لمحاربة الجريمة.
إهمال شؤون المجتمع العربي
بسبب إهمال السلطات الإسرائيلية لشؤون المجتمع العربي في إسرائيل تنشط هذه العصابات في أعمال غير مشروعة أبرزها تجارة المخدرات وإقراض الأموال بربا فاحش. بالإضافة إلى ممارسة فرض الإتاوات على التجار. وتمتلك العصابات الإجرامية في إسرائيل معدات وأجهزة اتصالات وحتى مسيرات استخدمت إحداها في الجريمة الكبرى التي وقعت في الأسبوع الماضي قرب الناصرة وبعض هذه الأجهزة أكثر تطورا مما تمتلكها الشرطة.
استفحلت الجريمة المنظمة في البلدات العربية في إسرائيل وصارت كل عائلة من عائلات الإجرام تشكل سلطة قائمة بذاتها إلى درجة أن الحصول على السلاح وحتى المتفجرات والطائرات المسيرة التي تستخدم في تنفيذ الجرائم اصبح أمرا يسيرا وسهلا من خلال شرائه من جنود يقومون بسرقته من معسكرات الجيش الإسرائيلي الأمر الذي يلقي بشكوك وريبة تجاه أيد خفية تشجع الجريمة في المجتمع العربي في إسرائيل.
ما يثير الريبة أيضا أن الشرطة الإسرائيلية تبدو قليلة الفاعلية وعديمة القدرة على مواجهة هذه العصابات وبالتالي عاجزة عن فرض النظام والأمن بصورة جدية. وهنا يبرز تساؤل خطير من يدعم هذه العصابات من داخل السلطات الإسرائيلية الرسمية؟
هناك من يرى أن هذه العصابات تقوم بالتجسس على المواطنين العرب لصالح السلطات الإسرائيلية مقابل سكوت هذه السلطات عنها. بعض العصابات لها علاقات مع سياسيين إسرائيليين يقومون بتوفير الغطاء اللازم لها. فالإفلات من العقاب عامل مهم في تشجيع أصحاب السوابق والمجرمين على التمادي في جرائمهم. كما أن عجز الشرطة عن حماية الشهود يمنع المواطنين الذين يملكون أي معلومات تفيد التحقيق في الإدلاء بها خشية الملاحقة من قبل المجرمين.
وهناك محامون يتقاضون رشاوى من العصابات لكي يوفروا لها المسوغات القانونية، ويكشفون لها الثغرات التي تساعدها في حال التعرض للتحقيق والمحاكمة.
في مؤتمر هرتسليا الأخير للأمن في شهر مايو الماضي اعترفت رئيسة وحدة العمليات في الشرطة الإسرائيلية أن جهاز الشرطة في أزمة وهي لا تملك أدوات ولا خططا جدية لمواجهة الجريمة في المجتمع العربي وقالت “نحن في ورطة وعلينا الإعلان عن حالة الطوارئ بعد ارتفاع أعداد الجرائم فلم نعد قوة شرطة قوية”.
لكن الشرطة الإسرائيلية في الواقع تملك الاهتمام والقوة والقدرة الكافية عند وقوع أي جريمة في الوسط اليهودي. ففي عام ألفين وعشرين مثلا تم حل الغاز 71 في المئة من الجرائم التي استهدفت اليهود بينما تم حل الغاز 23 في المئة فقط من الجرائم التي استهدفت العرب. وهذا يوضح بحسب ما يرى قادة المجتمع العربي في إسرائيل حجم التمييز الذي يمارس تجاه العرب وكذلك حجم الخطر الذي يعيشون فيه.
لأسباب لم تعلن أغلقت السلطات الإسرائيلية وحدة منع الجريمة في المجتمع العربي. ومنذ إغلاق هذه الوحدة بدأت تتصاعد نسبة الجريمة وأعداد القتلى أيضا. وهذا ما دفع إلى تدهور الثقة الشعبية بالحكومة وبالقيادات المحلية.
تريد السلطات الإسرائيلية من ضمن أساليب الحل المقترحة تكليف الشين بيت أو ما يعرف في بعض البلدان العربية بالأمن الوقائي بإدارة الأمن في الوسط العربي لكن العرب يرفضون الفكرة لانهم يشعرون أن الشين بيت متواطىء مع العصابات الإجرامية وهناك مصالح متبادلة بين الطرفين.
ترى الأوساط العربية أن الحكومة الإسرائيلية غير منزعجة على الإطلاق من استفحال الجريمة في الوسط العربي وغير قلقة على مواطنيها من العرب ولا تعمل بجدية لوقف سيل الجرائم وعنف العصابات الإجرامية المسلحة طالما أن الضحايا ليسوا من اليهود. وهذا يسبب القلق البالغ لقادة المجتمع العربي في إسرائيل الذين أطلقوا صيحة إنذار بضرورة وقف المجزرة.
الخبراء يقولون أن اتساع الجريمة المنظمة في المجتمع العربي في إسرائيل لم يأت من فراغ بل هو نتاج سياسات تعمل على إقصاء العرب وإهمالهم كما أنه نتاج افتقاد الأمن وتراجع الثقة في السياسيين. فالحكومة الإسرائيلية تهمل السكان العرب وتتركهم عرضة لكل المشكلات المجتمعية ونهبا لعصابات الإجرام والمخدرات.
الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العرب في إسرائيل تقودهم إلى الإحساس باليأس الذي يزيد بينهم حالات الفقر والجريمة والعنف. ولا يمكن فصل ظاهرة الجريمة عن السياسات التمييزية والإهمال من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدى السنين للمجتمع العربي في إسرائيل. وهذه الظروف خلقت فجوات اقتصادية واجتماعية بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي في إسرائيل ولا أحد يعرف إلى أي مدى سيصل الأمر في النهاية.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن