اللبنانيون يفشلون في انتخاب رئيس للمرة الثانية عشرة
لا أحد يستطيع أن يفرض شيئًا على أحد في لبنان. هذه خلاصة الإخفاق الثاني عشر لانتخاب رئيس جديد في لبنان. واذا كان للأرقام أن تتكلم فإن نتائج التصويت في الجلسة الانتخابية جعلت كل فريق يعرف حجم مؤيديه ومن ذلك أن سبعة وسبعين نائبًا في البرلمان اللبناني لم يصوتوا لمرشح حزب الله وتسعة وستون نائبًا لم يصوتوا لمرشح المعارضة. لكن الأرقام قالت أيضًا أن فرص مرشح المعارضة كانت أكبر من فرص مرشح الممانعة ولذا لو أن رئيس مجلس النواب طلب مواصلة انعقاد المجلس في جلسة تصويت ثانية ربما استطاع مرشح المعارضة الحصول على أصوات أعلى.
على أي حال فليست هذه هي المعركة الحقيقية في لبنان. المعركة الحقيقية هي معركة المعارضة في مقاومة محاولات حزب الله استكمال هيمنته وسيطرته على لبنان. وإذا لم تحسم هذه المعركة بأي طريقة كانت فإن التوترات الطائفية ستتعمق في بلد غارق أصلاً في أسوأ أزمة مالية واقتصادية ليواجه شللاً سياسيًا في ظل فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال تفتقد الشرعية ومناصب عليا ستفرغ تباعًا في حالة ليس لها مثيل في العالم.
اقتراب مرشح المعارضة من الحصول على ستين صوتا في الجولة الأولى من التصويت رفع درجة التوتر عند فريق الممانعة وهذا دفع نوابه لتهريب النصاب وبالتالي عدم توفير أي فرصة لعقد جلسة تصويت ثانية. ولا شك أن نواب الممانعة سيواصلون هذا التكتيك لتفويت الفرصة على مرشح المعارضة. فهذه هي الطريقة لجعل كل جلسة انتخابية هي جلسة أولى تستدعي بحسب الدستور حصول المرشح على ستة وثمانين صوتا للفوز. فإن لم يفز في الجولة الأولى فإنه يكفيه خمسة وستين صوتًا في الجولة الثانية التي يجب أن تعقد بعد الجولة الأولى مباشرة. وعدم انعقاد جولة ثانية بعد الأولى يخلق تعقيدات دستورية وخلافات عميقة قد تجر إلى ما لا يريده أحد.
الإخفاق الذي رافق الجلسة الانتخابية الثانية عشرة قد تجر وراءها جلسات أخرى بالعدد نفسه أو أكثر وهذا مؤشر خطير باتجاه فراغ طويل سيجر معه فراغات أخرى. فأرقام التصويت التي صدمت حزب الله وشريكته حركة أمل قد تدفع الثنائي إلى مواصلة تعطيل الانتخاب وتحول كل جلسة انتخابية إلى ما يشبه المسرحية الهزلية المعادة. ومع أن الجلسة انعقدت بكامل أعضاء المجلس إلا أن عدم التوافق كان سيد الموقف. بعض النواب لعبوا في الوقت الضائع وصوتوا لأشخاص لم يترشحوا. وإذا كان التصويت بورقة بيضاء يعبر عن موقف سياسي فإن التصويت بأوصاف وشعارات يعبر عن انعدام النضج السياسي.
كان واضحًا لمن تابع الجلسة الانتخابية في الأسبوع الماضي أن رئيس المجلس كان يتصرف بطريقة لا تتوافق مع مكانة منصبه. فقد خالف الدستور عندما لم يكترث لضياع ورقة تصويت. كما أنه انهى الجلسة بطريقة مصطنعة وغادر قاعة المجلس بطريقة استعراضية.
كان مؤسفًا ولافتًا في الوقت نفسه أن بعض النواب اللبنانيين عبروا عن شعورهم بالقهر والأسى من تضييع الفرصة تلو الأخرى وترك لبنان إلى الفراغ واتهموا نواب الممانعة بالتسبب في تهريب النصاب. تهريب النصاب هذه المرة استفز وزارة الخارجية الأمريكية التي أعلنت انزعاجها من تصرف نواب الممانعة وقالت أنهم يفضلون مصالحهم الشخصية على الشعب.
بعض النواب اتهموا رئيس المجلس بأنه يضيع دستورية الجلسات. واتهموه بالانحياز وافتقاد الشفافية والحياد. فقد كان منحازًا بوضوح إلى فريق الممانعة ولم يمارس مهمته بموضوعية. ومن الغريب أن يظل رئيس مجلس النواب اللبناني يدعو النواب إلى تحمل مسؤولياتهم والإسراع في انتخاب رئيس بينما هو ينهي الجلسات على عجل ولا يلتزم بالدستور بإبقاء الجلسات متواصلة. والأغرب تصريحات رئيس المجلس التي عادة ما تأتي على شكل تهديدات عندما يقول بأن انتخاب رئيس لن يتحقق إلا بالتوافق والحوار. فماذا يعني التوافق والحوار؟ كيف يمكن لفرقاء سياسيين أن يتوافقوا وأصول العملية الديمقراطية تعني التنافس والاحتكام للتصويت؟ هذا الحل الذي يدعو إليه رئيس مجلس النواب اللبناني حل غير دستوري لأنه يلغي حق النواب بالاختيار الحر والتصويت لمن يريدون. أما التوافق فمعناه الاتفاق على مرشح معين يدعمه طرف يستقوي بالسلاح والدعم الخارجي.
ترى الكتلة الوطنية أن الجلسة الأخيرة لمجلس النواب فضحت حدود فائض القوة والإملاءات الخارجية وعدم قدرة حزب الله على فرض مرشحه. فقد تلقى الحزب صدمة غير متوقعة بالأرقام التي نتجت عن التصويت. وهذا دفع الحزب للتأكيد على أنه سيظل يعطل النصاب إلى أن يقر الجميع بمرشحه. فلماذا يعتقد حزب الله أن من حقه أن يفرض الرئيس الذي يريد؟ هل لأنه يستقوي بالسلاح والدعم الإيراني؟ واضح أن إيران تحاول من خلال حزب الله فرض معادلة جديدة بالنسبة للرئاسة الأولى في لبنان وهي أن أي رئيس يأتي يجب أن يمر عبر موافقة حزب الله وإذا أراد المسيحيون في لبنان مواصلة الاحتفاظ بالرئاسة الأولى فإن عليهم القبول بهذه المعادلة.
وإذا كان حزب الله قد نجح بتطبيق هذه المعادلة عند انتخاب الجنرال ميشيل عون بعد تعطيل دام ثلاثين شهرًا فإن المعارضة اللبنانية في الوقت الراهن تبدو مصممة على منع ذلك فهي لا تريد رئيسًا يعمل من خلال عباءة الحزب بعد أن اختبروا ماذا حصل خلال رئاسة الجنرال عون الذي خضع لإملاءات الحزب وسكت على ممارساته وهيمنته على مفاصل الدولة اللبنانية.
في هذه المرة تبدو المعارضة اللبنانية في وضع أكثر تماسكًا وأشد تصميمًا على الصمود في وجه ضغوطات الثنائي الشيعي وقد وصفت المعارضة نتائج التصويت في الجلسة الأخيرة بأنها انتفاضة حقيقية في وجه محاولات الفرض والهيمنة. وإلى جانب الصمود فالمعارضة تحتاج إلى نوع من الدعم الخارجي والتوافق الإقليمي الذي يبدو أنه بات في الطريق إليها من باريس.
سبق للمعارضة أن أعلنت أنها ستدرس التصويت لأي مرشح ما عدا سليمان فرنجية. وقد تخلت فرنسا عن دعم ترشيح سليمان فرنجية وأعادت حساباتها لكي تتدارس مع المملكة العربية السعودية صيغة جديدة تحافظ على شرعية الرئاسة والأصول الدستورية والعرف السائد. معروف عن السعودية أنها لا تتدخل في أمر انتخابات الرئاسة اللبنانية وسبق أن أعلنت أن الأمر يخص اللبنانيين وحدهم. لكن الجانبين اعلنا بعد قمة باريس أنه لا بد من وضع حد وبسرعة للفراغ الرئاسي والمؤسساتي في لبنان لكي يتم البدء بحل باقي مشكلات هذا البلد.
ولذلك سيتوجه بعد قمة باريس مبعوث فرنسي خاص إلى لبنان لدراسة الظروف الراهنة وقد يقترح حسب ما يرى بعض المعلقين أن يتوافق اللبنانيون على اختيار قائد الجيش الجنرال جوزيف عون الذي يحظى باحترام الجميع. لكن بالتأكيد كل طرف يريد ثمنا لموافقته وهذا أمر لا يتم بحثه إلا في الغرف المغلقة.