%80 من سكان قطاع غزة يعانون من نقص الغذاء
تتفاقم الأزمة الاقتصادية والغذائية في قطاع غزة وتزداد حدة الفقر والجوع والبطالة، واكتملت المأساة بالقصف الإسرائيلي الأخير الذي تبعه إعلان برنامج الغذاء العالمي عن توقف تقديم معوناته الغذائية التي يستفيد منها في العادة مئتي ألف مواطن فلسطيني في القطاع. وبرر برنامج الغذاء العالمي توقف مساعداته الغذائية لسكان قطاع غزة بعدم توفر المخصصات اللازمة لتمويل المعونات الغذائية.
منذ أكثر من شهر أطلق برنامج الغذاء العالمي صيحة تحذير، وإنذار بشأن الحالة الإنسانية والغذائية في قطاع غزة منبها إلى احتمال نقص موارده المالية وبالتالي التوقف عن توفير المساعدات الغذائية للفلسطينيين. وبدون الدعم المالي لا يمكن للبرنامج أن يعمل أو يواصل تقديم خدماته التي يقوم بها في القطاع.
كذلك هو حال وكالة الغوث الدولية، الأونروا، التي تعاني من نقص مزمن في التمويل، الأمر الذي يؤثر على خدماتها في القطاع إذ يعتمد على مساعداتها نسبة كبيرة من الفلسطينيين هناك.
قرارات وقف التمويل التي تأثرت بها الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي سيكون لها عواقب ونتائج سلبية للغاية على القطاع وسكانه. فالتمويل يعد مشكلة عميقة ووقف الخدمات سيؤدي إلى أزمة قد تقود إلى تصعيد امني خطير. ستظهر نتائج نقص التمويل على شكل تراجع حاد وخطير في مستوى المعيشة المتدني أصلا في القطاع وسترتفع نسب ومستويات نقص الغذاء لتصل إلى ما يقرب من المجاعة. بل لقد حذرت بعض المصادر من خطر المجاعة في قطاع غزة خصوصا مع ارتفاع نسبة البطالة إلى خمسين في المئة وارتفاع نسبة المواطنين الذين يعانون من حالة فقر شديد إلى أكثر من خمسة وستين في المئة من السكان.
تشير التقارير التي تتحدث عن حالة الغذاء في القطاع إلى أن ثمانين في المئة من السكان يعانون من نقص الغذاء وهم بحاجة إلى مساعدة إنسانيه. ومعاناة الأطفال في القطاع هي الأصعب. ثمانون في المئة من أطفال غزة يعانون من الإحباط والاكتئاب. بالإضافة إلى المشكلات النفسية مثل تأخر النطق وصعوبة التركيز والتبول الليلي اللاإرادي.
ولذلك ستكون نتائج هذه الأزمة مروعة على صحة الأطفال ومستقبل حياتهم. حتى الذين يتخرجون من الجامعات فإنهم سرعان ما ينضمون إلى قوافل العاطلين عن العمل ومن ثم إلى قوائم الفقراء. ولا يجد هؤلاء من حل سوى محاولة الهجرة إلى أوروبا عبر قوارب التهريب.
في العام الماضي 2022 وصل أكثر من ألفين وسبعمئة شاب فلسطيني إلى شواطئ اليونان مهاجرين من وطنهم بحثا عن فرصة حياة أفضل. لكن في أحيان كثيرة عديدون من الشباب لا يصلون إلى الوجهة التي يرغبونها بل تغرق بهم القوارب ويلقون حتفهم. وقد عانت الكثير من عائلات القطاع من فقدان شبابها في عرض البحر.
في السنوات القليلة الماضية تراجع دعم المانحين بشكل كبير الأمر الذي أعاق استمرار تقديم الخدمات والغذاء إلى السكان مما شكل تحديات خطيرة. إحدى هذه التحديات مشكلة المياه في القطاع التي تزيد من معاناة السكان بشكل كبير. ولا توجد أي مخصصات لحل المشكلة.
من المؤسف أن ما تقدمه بعض الدول من مساعدات لقطاع غزة يذهب لفئة بعينها ولأهداف محددة ليس ممن بينها إقامة مشروعات إنتاجية أو تطوير التعليم أو المرافق الصحية أو البنية التحتية. معظم الأموال المتدفقة على القطاع تذهب للسلاح والمسلحين. فلماذا تسعى هذه الدول وغيرها لإبقاء الأوضاع في غزة على ما هي عليه؟
تطوير غزة وتعزيز قدراتها الذاتية من خلال دعم المرافق الصحية وبنية التعليم وتطوير الصناعات والخدمات البلدية يمكن أن يضعف ولاء السكان لسلطة حماس أو يضعف الدعم الشعبي لإيران والميليشيات المسلحة. ونقص تمويل حماس والمسلحين التابعين لها قد يضعف من قبضتهم على القطاع.
كشفت جولة القتال الأخيرة في غزة بين إسرائيل وحركة الجهاد كم هي كبيرة حالة البؤس التي تعاني منها مستشفيات قطاع غزة ومراكزها الطبية. فهذه المستشفيات ضعيفة التجهيز وطواقم الإسعاف أقل مما يجب والأدوية والعلاجات في حالة نقص دائم. وباتت الأوضاع في غزة غير محتملة واصبح القطاع أشبه بالسجن الكبير. وقد أجبرت الظروف الصعبة التي تعيشها غزة وهي منطقة حرب تضربها المجاعة والحصار هذه الحالة أجبرت ثمانين في المئة من السكان للعيش اعتمادا على المعونات التي قد تنقطع.
يعيش في قطاع غزة حوالي مليوني فلسطيني ومعيشتهم معيشة فقر ومعاناة وحصار وقلة موارد وضغوط نفسية هائلة. ويشير دبلوماسيون غربيون يتابعون ما يجري إلى أن استمرار الوضع الإنساني والغذائي في التدهور سيجر إلى كارثة إنسانيه سيكون من الصعب احتواؤها.
لا يخفى أن الحصار الإسرائيلي المضروب على القطاع منذ أكثر من خمس عشرة سنة يعد من الأسباب الرئيسية لما يعانيه القطاع لكن الظروف الأخرى ونقص المساعدات وسوء الإدارة وعدم توجيه المساعدات المالية نحو أهداف منتجة يؤدي إلى تفاقم الظروف الصعبة وهذا دفع المنظمات الإنسانية للتحذير من كارثة إنسانيه مع تقلص المنح وعدم قدرة الجهات المانحة على توفير التمويل الكافي لتغطية تكاليف المساعدات. ويقدر خبراء أنه في العام ألفين وخمسة وثلاثين أي بعد اثني عشر عاما سيصل عدد سكان قطاع غزة إلى ثلاثة ملايين نسمة وهذا يعني حالة غير مسبوقة من الازدحام والفقر فالقطاع هو أكثر بقاع العالم كثافة سكانية.
في الوقت الحاضر تعد الحالة المعيشية في القطاع أشبه بالانتحار وبدون نظام اقتصادي إنتاجي لا يمكن للقطاع أن يتمكن من الصمود في مواجهة المعاناة التي يعيشها السكان. والحالة الأمنية والعيش في ظروف القلق من القصف الإسرائيلي وتوقع الخسائر يزيد من تعميق الأزمة الإنسانية في غزة. ويرى البنك الدولي أن ما يتنظر قطاع غزة يشكل فترة قاتمة لأن أغلبية ساحقة من السكان يعيشون اعتمادا على المساعدات. ويبدو أن الأمور ذاهبة نحو الأسوأ فيما يتعلق بالشباب بينما يخشى بعض الخبراء من انفجار الحالة الأمنية بصورة لا يمكن احتمال نتائجها. المطلوب اليوم حماية غزة من مصيرها وإنفاذها من مستقبلها وتوفير الحماية لسكانها قبل أن تصبح الخسارة أمرا مقضيا.