هذه هي قصة رياضة الجوجيتسو التي بدّلت حياتي
محمد ماهر علي من الأردن و بدأت المسيرة مع رياضة الجوجيتسو في عمّان عام 2008، كنت أدرس في الجامعة تخصص علم حاسوب سنة ثانية حينها تعرفت على اللعبة عن طريق الصدفة حيث كنت أمارس رياضة رفع الأثقال حينها وفي النادي كان أول لقاء بيني وبين شاب عمره 16 عاما الذي كان يحمل الحزام الأزرق في رياضة الجيو جيتسو والذي أبهرني بقوته وأسلوبه في التعامل مع أشخاص أكبر منه حجما. حينها عرض علي ان أزور صالة التمرين لأجرب الرياضة وكنت أرتدي الحزام الأبيض البسيط وقتها ولم أكن أعرف ماذا ينتظرني. لكن ما لم أكن أعلمه حينها هو أن هذه الرياضة ستكون لها تأثير كبير على حياتي الشخصية والمهنية وعلى حياة الكثيرين من الاشخاص من حولي.
بداية الرحلة كانت مثل أي مبتدئ آخر، مع تعلم أساسيات الجوجيتسو والمعاناة الجسدية والنفسية من التمرينات البسيطة بسبب الوزن الزائد. كنت أواجه التحديات بشكل يومي، حيث كانت القواعد والتقنيات الجديدة تبدو مرهقة ومعقدة. لكن هناك شيء ما في هذه الرياضة جعلني أستمر.
على مر السنوات، واجهت الكثير من التحديات والصعوبات. كانت هناك لحظات من الاستسلام وشعور الفشل، ولكن لم تمنعني من النهوض والاستمرار كل مرة. مواجهة الهزائم اليومية كانت جزءًا من تطوري في هذه الرياضة. تعلمت كيفية الاستفادة من الهزائم للنمو وتطوير المهارات والتقدم.
لم تكن الجوجيتسو فقط رياضة بالنسبة لي، بل كانت أيضًا وسيلة لتحسين مهاراتي الشخصية والمهنية. بفضل تلك الصفات المكتسبة من هذه الرياضة، تمكنت من النجاح في مساري المهني حيث أنني أشغل حاليا منصب رئيس القسم الرقمي في قناة الآن في مدينة دبي للإعلام.
غيرت الجوجيتسو نظرتي للعالم وأعطتني ثقة أكبر في نفسي. كانت تعلمني قواعد الانضباط والصبر والتحمل. تلك الصفات لم تكن مفيدة فقط في الصالة التدريبية بل أيضًا في حياتي والمهنية.
الجوجوتسو بالمعنى الحرفي تعني «فن الليونة» و هو الاسم الذي يطلق على مجموعة من أنماط الفنون القتالية اليابانية، بما فيها القتال الأعزل. تطورت الجوجوتسو من الساموراي في اليابان كطريقة لهزيمة خصم مسلح دون استخدام أسلحة. نظرا لعدم فعالية ضرب الخصم المدرع في ذلك الوقت فقد كان أكثر الأساليب فعالية لهزيمة العدو هو عمليات لي المفاصل والرمي والإخضاع. تم تطوير هذه التقنيات حول مبدأ استخدام قوة المهاجم ضده بدلا كما تُعدّ شكلاً من أشكال فنون القتال التي لا تعتمد على استخدام الأسلحة، وإنما الاعتماد على أسلوب شلّ حركة الخصم لإخضاعه والسيطرة عليه بأقل الخسائر.
البداية: طريقي نحو الجوجيتسو
في سن العشرين من عمري وجدت نفسي في مفترق طرق في حياتي. كنت أبحث عن رياضة تساعدني في حل مشكلة الوزن الزائد، وخلال رحلة البحث عثرت على رياضة الجوجيتسو البرازيلية.
قرار الدخول لأول مرة إلى حصة الجوجيتسو في ذلك اليوم الأول كان بمثابة بداية رحلة استثنائية، فرياضة الجوجيتسو، بتوجيهها الفريد للاستراتيجية والتواضع وفن التعامل مع الصعوبات الجسدية والنفسية التي تواجهك، كانت هذه الرياضة أكثر من مجرد رياضة؛ فقد أصبحت أسلوب حياة.
الأحزمة و ترتيبها من الأقل الى الأعلى
أبيض: أول حزام ضمن سلسلة تصنيف الأحزمة وبداية مشوار اللاعب في رياضة الجوجيتسو وتعلّم قوانينها وتقنياتها ويأخذ بين سنتين إلى 3 سنوات
الأزرق: تعمق اللاعب واكتسابه للمهارات والخبرة ويأخذ بين سنتين إلى 4 سنوات
البنفسجي: الخطوة الأولى نحو المستوى المتقدم ويأخذ بين سنتين إلى 3 سنوات
البني: إلمام اللاعب بقدر كبير من المعرفة ومن الحركات في مختلف الجوانب الفنية ويأخذ بين سنة إلى سنتين
الأسود: أعلى حزام في رياضة الجوجيتسو حيث يصقل اللاعب المهارات والممارسات التي اكتسبها ويأخذ حوالي 10-12 سنة من تمرين متواصل
الصمود وإتقان الذات:
على مر السنوات، تعلمت دروسًا حياتية لا تقدر بثمن من الجوجيتسو. كان الصمود والتغلب على الصعوبات من أول وأكثر الدروس أهمية. ساعات لا تُحصى من التدريب والقتال على البساط ومواجهة الانتكاسات الجسدية والنفسية، علمتني أن الفشل في معظم الأحيان لا يعتبر هزيمة بل هو فرصة للتحسين واثبات الذات و مواجهة التحديات بطريقة اذكى وأفضل.
أيضا، تعلمت قيمة العمل الجماعي والثقة في الفريق. في الجوجيتسو، لا يمكن أن يحقق الإنسان النجاح بمفرده. يجب التعاون والتفاهم مع زملاء في التمرين وفي الحصص التدريبية لتحقيق النجاح للفريق عن طريق المشاركة في البطولات المحلية والعالمية. هذه القيمة أيضًا أثرت بشكل كبير على أدائي في مجال العمل.
يُعدّ تدريب الجوجيتسو من أكثر فنون القتال شدةً؛ إذ تحتاج إلى بناءٍ جسديّ قويّ من أجل التصارعالقتال مع خصوم أكبر حجما وأكثر قوة، حيثُ تشمل جلسة التدريب المثاليّة على تدريب عضلة القلب، والأوعية الدمويّة، والتنفس الجيد، إضافةً إلى التدريب على تمرينات المقاومة، إذ تعمل هذه التدريبات على زيادة مرونة الجسم، وبناء قوة التحمل، والقوة الجسديّة المناسبة لهكذا رياضة.
الجوجيتسو تتطلب الانضباط والصبر والتدريب الشاق لتحقيق نتائج على الصعيد الرياضي والشخصي، من خلال التدريب الممنهج والاستعداد للتعلم من المعلمين والزملاء في الصالة، من خلالها صقلت مهارة مراقبة الذات، سواء على البساط أو خارجها. هذا الإتقان الذاتي أصبح مبدأً يوجه حياتي الشخصية والمهنية.
تمكين العقول الشابة: مواجهة التنمر
امتدت رحلتي في الجوجيتسو أكثر 12 سنة من التمرين المستمر, هذا الشغف جعلني جزء من مجتمع أكبر حيث أنني تمكنت من مساعدة صغار العمر في مكافحة التنمر في المدارس وفي الحياة بشكل عام, أدركت أن الانضباط والثقة بالنفس التي تبنيها هذه الرياضة يمكن أن تكون أدوات قوية للأطفال الذين يواجهون مشكلات التنمر في حياتهم اليومية, الجيوجيتسو تمكنك من السيطرة على خصمك من دون ضرورة ان تأذيه. لأنها ترتكز على تقنيات التثبيت و الإخضاع.
حيث يُعتبر الدفاع عن النفس من الفوائد التي تجذب الناس إلى رياضة الجوجيتسو، حيثُ يُمكن استخدام هذا الفن القتاليّ عند تعرّض الشخص للخطر، أو الهجوم عليه؛ لأنّ تدريباته تقوم على تقنيات ساحة الحرب القتاليّة، لذا فإن الممارسين لهذه الرياضة قادرين على الدفاع عن أنفسهم، ويشار إلى أنّ اكتساب هذه المهارة يحتاج إلى سنواتٍ طويلة من الممارسة والتدريب.
بدأت في تنظيم ورش عمل ضد التنمر، حيث أقوم بتعليم الأطفال والكبار فن الدفاع عن النفس، سواء جسديًا أو عقليًا. من خلال الجوجيتسو، قمت بتزويدهم بالأدوات والمهارات الجسدية التي تبني الثقة المطلوبة لمواجهة المتنمرين والأهم من ذلك، فهم أهمية التعاطف في التعامل مع الخصوم, وضرورة انهاء أي قتال او مواجهة بأقل الخسائر للطرفين.
فوائد الجوجيتسو: مكافحة التحديات في الحياة
الجوجيتسو ليس مجرد رياضة، بل هو نمط حياة يفيد في جوانب عديدة من الحياة. تساعد الجوجيتسو على تطوير القوة البدنية واللياقة والمرونة. ولكن أهم من ذلك، يمكن أن تكون لها تأثير كبير على الصحة النفسية. يعلم اللاعبين كيفية التحكم في التوتر والقلق وتعزيز التركيز واتخاذ القرارات الصائبة في وقت سريع جدا وفي مواقف قد تكون مواقف حياة أو موت.
واحدة من أهم الطرق التي ساعدتني فيها الجوجيتسو على المستوى النفسي ايضا هي تعزيز التركيز والانتباه. في صالة التدريب، يجب عليك أن تكون مركزًا بشكل كامل على الحركات والتقنيات التي تمارسها وعلى حركات منافسك أو خصمك, هذا النوع من التركيز انتقل بالتأكيد إلى حياتي اليومية.
تعلمت كيفية التفكير بوعي والتحكم في أفكاري وانتقائها بعناية. هذه المهارة أصبحت مفيدة للغاية في حياتي المهنية حيث أن هذه الرياضة تتطلب انتباهًا كبيرًا للتفاصيل والقدرة على التعامل مع الضغوط واتخاذ القرارات بسرعة وبحكمة.
أيضًا، تعلمت كيفية التحكم في عواطفي والتعامل معها بفعالية. عندما تجد نفسك في موقف صعب أثناء المباراة، يجب عليك أن تكون هادئًا ومتماسكًا لاتخاذ القرارات الصائبة. هذه القدرة على الهدوء النفسي والتفكير بوعي تنقلت إلى حياتي اليومية وأثرت إيجابًا على كيفية تعاملي مع التحديات التي واجهتني على صعيد العمل والصعيد الشخصي.
الجوجيتسو أيضًا أعطتني القدرة على ممارسة الانتباه والوعي باللحظة الحالية. خلال التدريب، يجب عليك أن يكون وعيك موجودًا بشكل كامل في الحصة وتركيزك على كل تفاصيل الحركات والتقنيات. هذه القدرة على التركيز على اللحظة الحالية وتجاوز التفكير في الماضي أو المستقبل ساعدتني كثيرًا في تحسين فعاليتي وإنتاجيتي في العمل.
الإنجازات الرياضية: تفوق في البطولات المحلية والدولية
لقد شاركت بنجاح في العديد من البطولات وحققت إنجازات كبيرة. منها تحقيقي المركز الأول في بطولة الكويت الإقليمية والمركز الثالث على مستوى العالم في بطولة أبوظبي العالمية لمحترفي الجوجيتسو. لقد شاركت أيضًا في العديد من البطولات المحلية والإقليمية الأخرى.
تحقيق التوازن: نجاح في العمل وعلى البساط
تعلمت من رحلتي في عالم الجوجيتسو أنه دائمًا ممكن التركيز على شغفك واستخدامه لتغذية مسارك المهني. إن هذا هو أحد الجوانب الأكثر إلهامًا في رحلتي وكيف يمكن دمج الشغف بالرياضة مع النجاح المهني.
الشغف هو ما يحفزنا ويدفعنا للتفوق في مجالاتنا. في حالتي، كانت الجوجيتسو هي شغفي الأكبر. من خلال التفرغ لتطوير مهاراتي في هذه الرياضة والاستمتاع بها، كنت قادرًا على تحقيق نجاح كبير في مجال الجوجيتسو نفسه.
ولكن ما يجعل الأمور أكثر إثارة هو كيف يمكن تحويل هذا الشغف إلى مساهمة في مساري المهني. بعد أن تعلمت العديد من الدروس في الجوجيتسو، بدأت أدرك كيف يمكنني تطبيقها في حياتي المهنية بطريقة أو بأخرى.
- الانضباط والتفاني: تعلمت من الجوجيتسو أهمية الالتزام بالهدف والعمل بجد لتحقيقه. هذا الانضباط ساعدني في الالتزام بالمهام والمشاريع في مجال عملي وتحقيق الأهداف بنجاح.
- التركيز على التفاصيل: في الجوجيتسو، يجب عليك أن تكون حذرًا وتراعي التفاصيل الصغيرة لتحقيق النجاح. هذه القدرة على التفكير التفصيلي تساعد في فهم أعمق للمشاكل والفرص في مجال العمل.
- التحكم في العواطف: تعلمت كيفية التحكم في عواطفي والبقاء هادئًا في ظروف صعبة. هذه المهارة مفيدة جدًا في التعامل مع ضغوط العمل وتفادي اتخاذ قرارات عاطفية غير ضرورية.
- التنافس الإيجابي: في الجوجيتسو، تتعلم كيفية التنافس بروح رياضية واحترام الخصم. هذا يمكن أن يساعدك على التعامل مع المنافسة في مجال العمل بطريقة إيجابية.
- استمرارية التعلم: الجوجيتسو هي رياضة تتطلب تعلمًا مستمرًا وتحسينًا دائم. هذا التوجه نحو التطوير والتعلم المستمر أصبح جزءًا من هويتي المهنية، حيث أسعى دائمًا لتطوير مهاراتي ومعرفتي في مجال الإعلام الرقمي.
الختام
أعتبر رحلتي في الجوجيتسو شهادة على أن المستحيل هي كلمة فقط ولكن في الحقيقة اذا كام لديك هدف في الحياة ولديك الشغف المناسب لتغذية هذا الهدف فالوصول الى هدفك يكون بالاستمرار والعزيمة وعدم اليأس. ومن خلال هذه الرياضة تعرفت على أبطال من جميع انحاء العالم وتعلمت من عقلياتهم وثقافتهم وخبراتهم وهذا كله أضاف الى حياتي المزيد من التحديات والفرص لأجد نفسي أمام طريق ليس له نهاية من الانجازات الممكنة والفرص التي بامكانها تغيير حياة الكثيرين من الاشخاص من حولي. وأيضا ساهمت هذه الرياضة من تمكين عقول الشباب لمكافحة التنمر وبناء ثقتهم بأنفسهم، ورسخت ثقافة اللطف والثقة بالنفس من خلال مواجهة الخصوم ومواجهة تحديات الحياة. رحلتي من حزام أبيض في عام 2008 إلى حزام أسود في عام 2022 هي نتيجة التفاني، والاستمرارية والقدرة على التفوق على صعوبات الحياة وعدم الاستسلام لأي ظرف صحي, جسدي, نفسي.
ولذلك اعتبر أن هذا يُعد نموذجًا حيًا يُظهر كيف يمكن للفرد استغلال شغفه لخلق عالم أفضل يعيش به هو ومن حوله، سواء في الرياضة أو خارجها.