كيف تحول حلم الدولة الكردية بعيدا عن العراق إلى كابوس؟
الانفصال عن العراق وتأسيس الدولة الكردستانية هو حلم وهدف وغاية للأحزاب الكردية في إقليم كردستان منذ عقود مهما أظهروا للعلن غير ذلك لأسباب تاريخية وقومية معروفة، واستطاعوا خلال حكم صدام وبعد مجازر ارتكبها بحق الأكراد الحصول على الاعتراف بالإقليم في تسعينيات القرن الماضي وهنا بدأت مرحلة الاستقرار والبناء والتحضير لمرحلة ما بعد صدام حسين.
حيث كان برزاني وطالباني أبرز قادة الحزبين الحاكمين في الإقليم عرابي هذه المرحلة وتفاوضوا مع الأمريكيين والبريطانيين ونجحوا مجتمعين في إسقاط صدام وأسسوا مع الأحزاب الشيعية بعد مقاطعة السُنة المرحلة الانتقالية وبسطوا نفوذهم في مفاصل مهمة في الدولة في بغداد وليس في الإقليم فقط.
بدأوا يشكلون حكومات ويرفضون أخرى وسيطروا على كركوك هذه المحافظة الغنية ذات التنوع القومي بين الكرد والعرب السُنة، وتحكموا في ملف النفط وبيعه وتصديره إلى الخارج، وتحولت أربيل إلى عاصمة القرار السياسي في العراق والكل يتمنى رضا مسعود برزاني الذي كان يجمع الأطراف الشيعية وحتى السنية المتخاصمة لحل مشاكلهم.
ووصل الأكراد لذروة المكاسب والانتصارات في 2010، ما فتح شهيتهم من جديد لفكرة الاستفتاء على الانفصال عن العراق ويأخذوا معهم النفط وكركوك والنفوذ والسطوة في القرار دون أن يقدموا تنازلات مستغلين ضعف السنة غير المتقبلين لفكرة ما بعد صدام وانعدام رؤيتهم حول إدارة الدولة ومستغلين تفكك الشيعة المنقسمين بين فئة لا تفكر إلا بالانتقام بسبب عقدة النقص والحقد التي عاشوها سابقا وفئة تفكر بطريقة تحصل بها على أكبر قدر ممكن من منجم الذهب “العراق” وفئة ترفض تقبل أنها الآن هي من تدير الدولة وليست المعارضة كما السابق.
كل هذا تسبب بسقوط ثلث العراق بيد تنظيم داعش الإرهابي عام 2014 وجرى ما جرى بعدها لكن رغم أن الدولة كانت على حافة الانهيار إلا أن أربيل كانت تحارب على حدودها لمنع دخول الدواعش من جهة وتخطط لطرح فكرة الاستفتاء من جهة أخرى
كيف خسر إقليم كردستان مكتسباته؟
وهنا بدأت مرحلة الخسائر التدريجية للإقليم في عام 2017.. في الوقت الذي كان العالم يترقب ويتابع تطورات العراق وسوريا وجيوش التحالف الدولي التي تقتال الإرهاب قرر مسعود بارزاني الزعيم الكردي أن يحدد موعدا للاستفتاء على الانفصال رغم الرفض الغربي وتحديدا الأمريكي ومواقف الجيران خاصة إيران وتركيا اللتان تعتبران ملف الأكراد خط أحمر ولن تفاوض أو تساوم عليه ولن تسمح بإنشاء دولة كردية على حدودهما ولو كلفهما ذلك خوض حروب طويلة، وهنا طغت الشخصية الكردية العنادية للبارزاني على الشخصية الدبلوماسية التي تناقش وتفاوض وتتنازل إذا لزم الأمر.
وبعد إجراء الاستفتاء استيقظت الأحزاب الشيعية من غيبوبتها وقررت أن تواجه برزاني بأدواته وبدأت تدريجيا بسحب البساط منه، فقامت أولا بتفكيك التحالف بينه وبين الحزب الكردي الحاكم في السليمانية برئاسة بافل طالباني نجل الراحل جلال طالباني وسحبته إلى صفها بعد أن منحته امتيازات على حساب بارزاني وصل إلى حد الانقسام داخل قوات البيشمركة وتبادل الاتهامات حول اغتيال ضباط بارزين فيها، وقطعت تدريجيا الإمدادات المالية وبدأت الحكومة في بغداد تدقق على كل صغيرة وكبيرة تدخل وتخرج من الإقليم وتسلمت بغداد إدارة محافظة كركوك ووصلت الأحزاب الشيعية في بغداد لمرحلة عدم إرسال رواتب موظفي الإقليم إلا في حالة تسليم عائدات النفط ورفضت أهم مرشحيها لتولي رئاسة الجمهورية وهو وزير داخلية الإقليم، وكسبت دعوى تحكيم دولية ضد تركيا لإيقافها عن استيراد النفط من الإقليم دون موافقتها وهكذا تحولت أربيل إلى أسيرة في يد الأحزاب الشيعية وتعيش تحت رحمتهم.. برزاني اختار التوقيت الخطأ ورفض التراجع ونسي أن الحفاظ على المكتسبات أصعب من الحصول عليها وهو الآن والشعب الكردي يتحملون النتيجة.