ماهر القاضي.. عالم مصري من قرية “ناهيا” الصغيرة استطاع بفكره أن يقود مستقبل الطاقة عالميا
كلما فتشت عن قصص النجاح في أي مجال من المجالات، وجدت صورا لا تنتهي من المعاناة والمثابرة والتضحية والإعجاز والإنجاز، وعادة ما تحدث تحولات درامية لا تخطر ببال أحد، حتى في خيال صاحب القصة نفسها. ومع كل مرحلة تدرك أن المعطيات المنطقية لا تؤدي بالضرورة لنهايات منطقية.
ومن قصص الإعجاز التي عرفتها في حياتي هي قصة عالم مصري، يحتفل في أبريل 2024 بعامه الحادي والأربعين. يكبرني هذا العالم الكبير بشهر واحد، ولدت في الريف مثله، وكنت أذهب للحقل مثله، وعملت كصبي صنايعي في حرفٍ عديدة مثله، وكان مدرسي في العلوم بالإعدادية يشبه كثيراً مدرسه، وتخرجت من الثانوية العامة عام 2000 مثله، وكنت من الأوائل وأحلم بدخول كلية الطب مثله، وكدت أن أدخل كلية العلوم مثله، وتخرجت من الجامعة عام 2004 مثله، عملت في الصحافة وواجهت المتاعب وحلمت حلمًا كبيرًا وحققته مثله.
لكن حلمه هو كان أكبر وصنع في العِقدين الأخيرين من حياته ما لم يفعل أحد مثله، اليوم أنا فخور أن من أبناء جيلي، من أبناء مصر ابن مثله، نبت صالح وطفل فالح، اسم على مسمى، «ماهر» وهو فعلًا ماهر.
200 براءة اختراع
إنه العالم المصري «ماهر القاضي» الذي يمتلك الآن أكثر من 200 براءة اختراع في مجالات مختلفة، وما يزيد عن 70 ورقة علمية منشورة في مجلات علمية مرموقة، وحوالي 20 جائزة وطنية ودولية تقديراً لإسهاماته العلمية والبحثية الرائدة، ويشغل حاليًا منصبًا مرموقًا كأستاذ باحث مساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا، في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهو المؤسس المشارك والمدير التنفيذي للعلوم والتكنولوجيا في “نانوتك إينرجي”، وهي شركة رائدة في مجال الطاقة وتكنولوجيا البطاريات في الولايات المتحدة.
البداية من ناهيا
خرج ماهر فتحي محمد القاضي من رحم قرية ناهيا التابعة لمركز كرداسة بمحافظة الجيزة. وتفتحت عيناه لأول مرة على العالم في السابع عشر من أبريل عام 1983 ميلادية.
نشأ في أسرة بسيطة، لم تحتفظ ذاكرتها بصور طفولته. في هذه الأرض الخصبة، يعمل معظم سكان القرية بمن فيهم كل أفراد أسرته تقريبا في الحقول، نشأ ماهر محاطًا بثلاث شقيقات أكبر منه في السن وأنجب والداه بعده أربعة أشقاء وأختاً.
وفي بيئة لم تعرف قبله السعي نحو التعليم الأكاديمي، برز كأول متعلم بين الأبناء التسعة، لا يجد من يرشده في مذاكرة دروسه، ولا من يعينه على التحصيل أو الحصول على الدروس الخصوصية التي كانت رفاهية بعيدة المنال بالنسبة له.
الفصل الدراسي الأول راح
لم تتمكن شقيقات «ماهر» الثلاثة الأكبر منه سنًا من دخول المدرسة، وبدا أنه سيسلك المسار نفسه، وبدأ «ماهر» رحلته التعليمية بخطوة متعثرة عندما فاته فصل دراسي كامل في سنة أولى ابتدائي، وكان هذا أول تحول في حياته.
والده الفلاح الأصيل كان يعتمد على الأرض كمصدر رزق رئيسي. عمل «ماهر» معه في الفلاحة منذ الصغر وشاركه في زراعة مختلف أنواع الخضروات. كان يقضي أيامه بين رعاية المواشي وحرث وري وزراعة الأرض وحصاد ثمارها وثمار تعب وشقاء أسرته، مكتسبًا خبرات لا تُقدر بثمن في التعامل مع الحياة.
هذه السنوات التي قضاها ماهر في المساعدة في الزراعة والعمل في أرض والده، شكلت جزءًا لا يتجزأ من شخصيته وأسهمت في تطور قدراته العقلية والجسدية رغم أنه عمره حينها كان لا يتجاوز أصابع اليدين، لكنه اكتسب مهارات وأخلاقيات لعبت دورًا كبيرًا في نجاحه مهنيًا لاحقًا.
من الأرض إلى البقالة
التحول الثاني في حياة «ماهر» كان وهو في العاشرة من عمره، عندما قرر والده الابتعاد عن الزراعة، وهي المهنة التي يعرفها ويجيدها، ليبدأ مغامرة في عالم التجارة.
لم يكن هذا التحول مجرد تغيير في مصدر الدخل للأسرة، بل كان انعطافاً كبيراً في نمط حياتهم وطريقة معيشتهم. وجد «ماهر» نفسه أمام تحدٍ جديد، وهو مساعدة والده في إدارة محل بقالة، وكان لابد له أن يوازن بين مسؤولياته الجديدة في محل البقالة والتزاماته الدراسية.
عمله في المحل لم يقتصر على مساعدة والده فحسب، بل امتد ليشمل البحث عن فرص عمل أخرى تساعد في دعم الأسرة ماليًا. كان لديه العزم والإصرار للعمل في مصانع الطوب، وهي مهنة صعبة وشاقة وكانت شائعة بين أبناء ناهيا، وعمل بها محمد أبو تريكة لاعب كرة القدم الشهير.
البطل الأول.. يوسف أبو داغر
بدأت بذرة الطموح تنمو بداخل «ماهر القاضي» عندما التقى بثلاثة أبطال في رحلته التعليمية. بطله الأول هو صديق والده «يوسف أبو داغر» الفلاح البسيط.
كانت لقاءاتهما معًا فرصة لـ «ماهر» لاكتشاف الحكمة العميقة التي تكمن في خبرة الفلاح الأصيل. يمسك «أبو داغر» بيده الخشنة المحفورة بالتشققات، يد ماهر، الناعمة الصغيرة الرقيقة، ويعقد الفلاح الحكيم الفصيح مقارنة بين اليدين. ويخبر «ماهر» أن السر يكمن في التعليم والاهتمام بدراسته حتى لا يلقى نفس مصير يده ذات الشقوق.
هنا أدرك «ماهر» قيمة التعلم وأهمية السعي نحو التحصيل العلمي. وتأثر كثيراً بكلمات «أبو داغر» وحكاياته.
البطل الثاني.. مدرس العلوم
تحسن مستوى «ماهر» في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية، ثم واجه تحديات عائلية أثرت على أدائه في السنة الثانية، ونجح فيها بصعوبة كبيرة. وهنا، في ذلك الوقت الحرج، ظهر بطله الثاني، «محمد حسانين»، مُدرس مادة العلوم.
كان معلمًا استثنائيًا بطريقة تفكيره وتعامله مع الطلاب، يشجعهم ويحفزهم، وينظم المسابقات ويوزع الجوائز. من هنا ارتبط «ماهر» بمادة العلوم وزاد إصراره على التفوق فيها حتى أصبح من أكثر الطلاب تفوقًا. بل تجاوز «حسانين» دوره كمعلم، وبدأ يشجع «ماهر» بشكل شخصي ويتبناه ويثير فيه الشغف والطموح ويقدم له الدعم الذي يحتاجه، مؤمناً بقدراته، ومعبرًا عن ثقته في نبوغه ونجاحه.
البطل الثالث
تزامنت دراسة «ماهر» في المرحلة الثانوية مع حصول العالم المصري الدكتور أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء، الذي أصبح البطل الثالث في حياته وقدوته وملهمه الذي يخطط لتتبع آثاره وتحقيق أحلامه.
كلية العلوم
في عام 2000، التحق «ماهر» بكلية العلوم في جامعة القاهرة، ولا يزال يحتفظ بذاكرة واضحة لأول يوم له بالكلية، حيث واجه تحذيرات متكررة من أصدقائه القدامى ومن سبقوه بالكلية عن شدة تحديات الدراسة بالكلية وأنها مغامرة كبيرة. لكنه بعد أربع سنوات من الجهد المتواصل، والسهر الطويل، والاجتهاد في المحاضرات والسكاشن العملية، استطاع أن يثبت للجميع أن الإيمان بالنفس هو أول خطوة نحو تحقيق النجاح. وتخرج «ماهر» في عام 2004 متفوقًا على جميع زملائه، وتم تعيينه معيدًا في قسم الكيمياء.
كان هذا هو التحول الكبير الثالث في حياة «ماهر القاضي» ليبدأ بعدها رحلته مع البحث العلمي، وهنا تبيّنت قيمة التجارب والخبرات التي جمعها في كلية العلوم بجامعة القاهرة. فبعد أن اجتاز حوالي مائة مقرر دراسي خلال مرحلة البكالوريوس، وهو رقم قياسي مقارنةً بأي معيار عالمي، ويرى «ماهر» أن أي تحدٍ سيواجهه فيما بعد سيبدو أقل صعوبة بكثير. واصل «ماهر» تفوقه وتمكن من نيل درجة الماجستير في عام 2009.
سفرية ألمانيا
التحول الرابع في حياة «ماهر القاضي» كان خلال رحلته إلى ألمانيا عام 2009 لحضور مؤتمر علماء نوبل في “لينداو” بجنوب ألمانيا. هناك التقى عددا كبيرا من العلماء البارزين في مجاله، ومنهم العالِم ماريو مولينا، الذي اكتشف قبل 4 عقود كيف يمكن للكلوروفلوروكربونات (CFCs) أن تستنزف طبقة الأوزون الجوي للأرض التي تحجب الأشعة فوق البنفسجية الضارة من الشمس، أثرٌ بالغ. هذا التواصل المباشر مع عظماء العلم شكل لحظة تحول جذرية في مسيرته، وكانت حافزًا كبيرًا له، وأدرك أن الأحلام ممكنة وأن إمكانيات العلم اللامتناهية قادرة على إحداث تغيير إيجابي على العالم.
خلال تلك الرحلة، كتب «ماهر القاضي» في حسابه على فيس بوك: “صدق هذا أو لا تصدق! بالأمس، كنت أصور مع السير هارولد كروتو الحائز على جائزة نوبل. تم تصوير هذا من قبل مجموعة Nature Publishing Group، وهي مجموعة مجلة نيتشر Nature الشهيرة. يُسمح لعدد قليل فقط من الباحثين الشباب بالتصوير مع الحائز على جائزة نوبل.
محامٍ غيَر حياته
لعب القدر لعبته مرة أخرى مع «ماهر القاضي»، عندما التقى في ألمانيا في نفس المؤتمر مع «إدوارد جوهانسن» وهو محامٍ متخصص في براءات الاختراع، يتولى مراجعة الأبحاث العلمية لتقديمها لجهات الاختصاص بصيغة قانونية، كما أنه عاشق للحضارة المصرية ودائم الزيارة لمصر، ويعرف عنها أكثر مما يعرفه «ماهر». ارتبط «جوهانسن» بباحثين وعلماء مصريين وكان يسعى للتشبيك بين الجامعات الأمريكية وأكاديمية البحث العلمي التي كان يتولى فيها الدكتور أحمد جلال حلمي (المشرف على رسالة ماجستير ماهر) منصباً فيها في ذلك الوقت، ثم أصبح عميد علوم القاهرة فيما بعد.
كانت علاقة ماهر القاضي بهذا المحامي نقطة تحول خامسة في حياته. نفس المحامي تربطه علاقة قوية بـ “ريتشارد كانر” أحد العلماء الكبار في الكيمياء بجامعة كاليفورنيا، فدعاه المحامي للمشاركة في فيديو كونفرانس عبر سكايب مع أكاديمية البحث العلمي في مصر، حضر المؤتمر «ماهر القاضي» وأستاذه «أحمد جلال حلمي» الذي أثنى على تلميذه، وعرض «كانر» على «ماهر» حينها السفر لأمريكا للحصول على الدكتوراه ضمن فريقه البحثي، ثم تحقق المراد بحصول «ماهر» على منحة من الحكومة المصرية وسيكون لنا وقفة معها فيما بعد لأنها ستتسبب في مشكلة كبيرة لـ «ماهر».
التراجع عن السفر لأمريكا
في 5 سبتمبر 2009 حدثت المفاجأة، وتوفى والد ماهر القاضي قبل أسبوعين من سفره لأمريكا، لحظات صعبة كادت أن تقلب حياته رأسًا على عقب وتغير خططه بالكامل. كانت الفكرة المسيطرة عليه آنذاك هي إلغاء السفر واستكمال الدراسة وبدء برنامج الدكتوراه في جامعة القاهرة ورعاية الأسرة بعد فقدان عائلها باعتباره الشقيق الأكبر، لكن أشقاؤه عارضوه ورفضوا الفكرة وطلبوا منه السفر، وتعهدوا له بتحمل المسؤولية، بعدها كتب «ماهر» في 16 سبتمبر 2009 على حسابه على فيس بوك محاكياً فيلم محمد هنيدي: “إليكم البيان التالي.. تقرر سفر السيد ماهر القاضي يوم الأحد المقبل على طائرة مصر للطيران المتجهة إلى لوس أنجلوس…أستودعكم الله.”
بدء برنامج الدكتوراه
بعد يومين فقط من وصوله أمريكا، بدأ «ماهر» برنامج الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا. وبدأ معها حياة جديدة أحدثت له صدمة حضارية، لكنه ظل مؤمناً في قرارة نفسه ببيت الشعر لأبي تمام “لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا.”
إلى روح أبيه
وبعد لعق الصبر وفي مارس 2010 وأثناء وجوده في أمريكا، حصل «ماهر» على جائزة أفضل رسالة ماجستير في كلية العلوم جامعة القاهرة، وأهدى الجائزة إلى روح أبيه عليه رحمة الله، وإلى أمه في عيد الأم وإلى جميع أفراد أسرته وإلى مجموعة أستاذه أحمد جلال حلمي.
تسجيل براءتي اختراع
لم يكن «ماهر» بحاجة إلى سنوات طويلة ليبلغ المجد، وبنهاية 2011، كان يسجل اثنتين من براءات الاختراع في الولايات المتحدة الأمريكية لأجهزة قام باختراعها هو وزميلة له في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، واعتبرهما مشاركة متواضعة منه يهديها للوطن (مصر) والأسرة والأصدقاء.
إهداء إلى وطني الحبيب
اعتاد «ماهر القاضي» أن يهدي أبحاثه واختراعاته إلى وطنه مصر ووالديه، ففي 15 مارس 2012 كتب: “إهداء إلى وطني الحبيب .. قمت والحمدلله أنا و مجموعتي البحثية في جامعة كاليفورنيا بنشر بحث علمي في مجلة ساينس التي تعد من أكبر المجلات العلمية في العالم. اللهم تقبل هذا من عبدك الضعيف و اجعله في ميزان حسناتي. أسألكم الدعاء ويظهر في البحث اسمه كباحث رئيسي.”
ظهر اسمه بالفعل كباحث رئيسي، وحظي البحث بمتابعة كبيرة من وسائل الإعلام، ونشرت عنه مجلة ساينتفيك أمريكان التي تعد من أشهر المجلات العلمية في العالم لغير المتخصصين. وكذلك نُشر عنه تقرير في Royal Society of Chemistry وتقرير في الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم.
براءة الاختراع الثالثة
بدأت الماكينة «تطلع» قماش مرة أخرى، وبعد 6 أشهر فقط، وتحديداً في 15 سبتمبر 2012، كان «ماهر القاضي» في طريقه لتسجيل براءة الاختراع التالتة! وقال حينها: “الحمد لله ربنا كرمني أنا و زملائي واخترعنا نوعاً جديداً من البطاريات يسمى “المكثفات فائقة السرعة”. يمكن لهذه البطاريات أن تخزن كمية كبيرة من الطاقة، والجميل أنه يمكن شحنها في أقل من ثانية وليس ساعات مثل بطارية المحمول أو اللاب توب. الحمدلله فيه ناس كثيرة مهتمة بالموضوع والجميل إن في مخرج أفلام من هوليوود أعجب بالموضوع قوي وأنتج لنا فيلمًا تسجيليًا قصيرًا عن هذا الاختراع.”
الجائزة الأولى
سنوات التعب والكفاح، توجت بحصول القاضي على أول جائزة من قسم الكيمياء بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس وذلك لأهم الاكتشافات العلمية في علم الكيمياء لعام 2012. تم التكريم أثناء الحفل السنوي الذي يقيمه قسم الكيمياء لتكريم الطلبة وأعضاء هيئة التدريس المتميزين. كما حصل على خطاب تهنئة من رئيس الجامعة جين بلوك.
يتحدث القاضي عن الجائزة فيقول: “لهذه الجائزة تاريخ كبير حيث تأسست عام 1965 ويطلق عليها “جائزة هربرت ماكوي” وكان أول الحاصلين عليها دونالد كرام الذي حصل فيما بعد على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1987. والمفاجأة أن العالم المصري الكبير مصطفى السيد قد حصل أيضا على هذه الجائزة عام 1969 حينما كان عضوا بهيئة التدريس بهذه الجامعة.”
بحث جديد في نيتشر
بعد أقل من سنة من نشر بحثه في مجلس ساينس الأمريكية الشهيرة، نشر «ماهر القاضي» بحثاً علمياً جديداً في فبراير 2013 عن البطاريات الفائقة في مجلة نيتشر كومينكاشنز المرموقة nature communications. وتم اختيار بحثه ليكون غلاف المجلة لكونه أهم بحث في العدد.
وفي مايو 2013، أصدر قسم الكيمياء بجامعة كاليفورنيا نشرته السنوية التي تم فيها تسليط الضوء على المجهود الذي يقدمه «ماهر القاضي» في افتتاحية العدد. يعتبر القاضي أجمل ما في الموضوع كله هو الوالد والوالدة اللذين بدون تضحياتهما التي قدماهاـ لم يكن ليكون موجودًا في نشرة أخبار القسم. رحم الله والده و بارك له في عمر والدته.
زويل والسرطان
خلال نفس العام تلقى القاضي بحزن شديد خبر إصابة العالم المصري الكبير الدكتور أحمد زويل بسرطان النخاع. كان هو القدوة وبطله الذي كان يحلم به في الثانوية العامة.
شخصية غير عادية
في منتصف 2013، جاءت اللحظة التي انتظرها «ماهر القاضي» والتي من أجلها شد الرحال لأمريكا، عندما ناقش بنجاح رسالة الدكتوراه بحضور عدد كبير من عمالقة العلماء في الكيمياء وتلقى تعليقات رائعة، منها ما جاء على لسان عضو الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم وأحد أكبر علماء الكيمياء العضوية في العالم بأنه أصبح “شخصية غير عادية”، وفي حفلة التخرج لم يكن يتخيل أن قسم الكيمياء بجامعة كاليفورنيا سوف يذكر اسمه في صدر الصفحة الأولى لنشرة حفلة التخرج لتكون مفاجأة سارة له في هذا اليوم الذي انتظره لسنوات، ثم يلتقي رئيس القسم بعد إنتهاء الحفل ليقول له”نحن فخورون بك”.
ذاع صيت ماهر القاضي، ونشرت عنه أكبر صحيفة أمريكية USA Today لتسلط الضوء على أبحاثه في جامعة كاليفورنيا، وكذلك ما كتبته ناشيونال جيوغرافيك عن المكثفات الفائقة تعمل كبديل للبطاريات.
أجمل عيد
بعد هذا النجاح، قرر القاضي الذهاب إلى مصر في أجازة في أكتوبر 2013، وزار زملاءه وتلاميذه في جامعة القاهرة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقضي فيها العيد بعد غياب 4 سنوات عن مصر، حرم فيها نفسه من الأجازات ليحقق الانجازات، يقول: ” ياااه وحشني صوت التكبير وجو العيلة والأضحية والعيدية! يا ترى في حد هيفتكرني في العيديه ولا؟ تبا لكل من يعتقد إني كبرت على العيدية، الحمد لله قضيت أجمل عيد ليا في أخر عشر سنين.. كل حاجة فيه كانت روعة ماعدا ماتش المنتخب.”
جوجل وناسا
كان نجاح ماهر القاضي له طعم خاص، حصد ثمار تعبه، فجاءت اللحظة التي يأتي له خصيصاً فريق من جوجل العالمية في 2014 ليتحدثوا معه عن أبحاثه واختراعاته ويطلبوا عينات منها لتجربتها في مختبرات جوجل، وظل لعام ونصف العام يعمل في مشاريع مشتركة مع فريق بحثي في ناسا (مركز كنيدي) لتطوير جيل جديد من بطاريات الجرافين حتى يمكن إستعمالها في الفضاء، والهيكل التنظيمي لناسا يتكون من 10 مراكز ويعتبر مركز كنيدي أحد أهم هذه المراكز، حيث أنه المركز المسئول عن إطلاق الرحلات الفضائية. كان القاضي محباً لمجال أبحاث الفضاء عامة، لدرجة أنه كان يتمنى دخول قسم الفلك في الكلية.
من التويفل أولا إلى الإعجاب
في مايو 2015 كان مشرف ماهر في زيارة إلى جورجيا تك، والتقى بالعالم المصري الكبير الدكتور مصطفى السيد، وهنا طلب منه عالمنا المصري أن يبلغ سلامه وإعجابه بشغله إلى ماهر القاضي، يصف ماهر تلك اللحظة بقوله ” ساعتها حسيت من جوايا “ياااه الحمد لله” ويضيف: الموضوع ده رجعني لسنة ٢٠٠٩ لما كنت بأحضر للسفر إلى أمريكا وطبعا كان من ضمن الناس اللي كان نفسي أشتغل معاهم كان دكتور مصطفى السيد لكن المشكلة بقى ساعتها إنه ماكانش بيرد ولما استعجلنا رأيه كان رده “خلينا نستنى الأول نتائج التويفل (تحديد مستوى اللغة الانجليزية).. طبعا أنا ساعتها أخدتني العزة وإزاي ده هو إنت مش واثق فيا ولا إيه والكلام ده.
وافتكرت إنه كان للدكتور مصطفى السيد موقف مشابه مع العالم المصري الكبير أحمد زويل عندما بعث «زويل» لأكثر من جامعة لبدء الدكتوراه والوحيد الذي لم يرد عليه أيضاً الدكتور مصطفى السيد. يمزح القاضي “الظاهر كده إن دكتور مصطفى عنده مشكلة في اختيار الناس.”
الأستاذ يتزوج من تلميذته وزميلته
خلال عمله معيداً في كلية العلوم بجامعة القاهرة، تعرف ماهر القاضي على «نهلة» الطالبة في نفس القسم، والتي تخرجت وأصبحت معيدة زميلة له في نفس الكلية، وسافر ليبدأ هو رحلة الدكتوراة في أمريكا في 2009 واستمرت هي في القاهرة حتى تمت خطبتهما في ديسمبر 2013، ثم تحصل «نهلة» على الدكتوراه في الكيمياء التحليلية في 24 فبراير 2016، ويتحدث «ماهر» عن هذا اليوم فيقول: “النهاردة يوم مش عادي..واحد من أجمل أيام حياتي لإن حبيبتي وخطيبتي وأقرب إنسانة إلى قلبي ناقشت الدكتوراه النهاردة بنجاح في جامعة القاهرة.. شعور السعادة والفرحة على سنين التعب والصبر.فرحان بيها كما لو كنت أنا اللي أخدت الدكتوراه. ألف مبروك يا أحلى بنوتة في الدنيا بجد أنا فرحان وفخور بيكي و يا رب دايما كده ناجحة ومشرفاني”.
بعد شهرين من حصولها على الدكتوراه، تزوج «ماهر» و«نهلة»، وكان حفل الزفاف بفندق الماسة الشهير بالقاهرة، وسافرا إلى أمريكا وأنجبا جاسمين وعلي. وتستكمل حاليا زوجته أبحاثها في جامعته بكاليفورنيا تحت إشرافه هو شخصيًا ويحاولا تعليم طفليهما اللغة العربية والتربية الدينية من خلال مدرسة خاصة حتى لا ينسلخا عن هوية والديهما.
في الجزء الثاني.. نلقي الضوء على براءات الاختراع التي حصل عليها والمواقف الصعبة والتحديات التي واجهها وتعاونه مع باحثين مصريين آخرين وكتابه الأول وشركته الخاصة.