شيرين بدر.. مصدر للفخر والإلهام ودرس من دروس العزيمة والإصرار
خلال عام 2018 توقف برنامج مانشيت الشهير الذي كنت أتولى رئاسة تحريره، وجاءتني فرصة في مجال لم أعمل به من قبل، كمستشار لإحدى شركات الديجيتال ماركتنج (التسويق الرقمي)، يومها قررت تخصيص نصف راتب أول شهر للحصول على دبلوم في الديجيتال ماركتنج. كان يحاضر في هذه الدبلومة 7 مدربين، أهم ما يميزهم هو امتلاك الخبرة والممارسة، واحدة فقط من المدربين السبعة بقيت على تواصل معها حتى اليوم، هي «شيرين بدر» المتخصصة في تهيئة محركات البحث (SEO).
أتابع نجاحها وتألقها وعملها في كبرى الشركات العالمية ومعاناتها مع رحلة مرضها، ثم بعد أكثر من خمس سنوات أكتشف تفاصيل مذهلة لم أكن أعلم عنها شيئًا، أدهشني أنها بدأت حياتها المهنية كـ «كوافيرة» واستمرت في العمل بهذه المهنة لمدة 20 عامًا بمنطقة دار السلام الشعبية في مصر، وخاضت تجارب نجاح وفشل عديدة حتى وصلت إلى تعيينها مديرة إقليمية في شركة أمازون العالمية. كيف حدث كل هذا وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟ هذا ما سنعرفه سويًا في السطور القادمة.
النشأة في السعودية
ولدت «شيرين بدر» في الرياض بالمملكة العربية السعودية في الأول من مايو عام 1982، لأب مصري كان يعمل موظفًا في جامعة الأزهر، وسافر للعمل في السعودية كموظف إداري في عدد من الشركات المختلفة، وأم مصرية «نورا» كانت تعمل قبل السفر إلى السعودية، مدرسة في معهد فن التجميل في مصر الذي درست وتخرجت فيه وتم تعيينها فيه. وسافرت إلى أكثر من بلد للعمل في مهنة الكوافيرة، وعادت إلى العمل في محل الكوافير المملوك للأسرة في منطقة عابدين بوسط القاهرة حيث تسكن العائلة، وكان من أشهر محلات الكوافير للسيدات آنذاك في وسط البلد.
كانت الأم «نورا» أول من يستخدم السشوار وقتها في المنطقة، وكانت تتولى تربية أشقائها الأصغر منها سنًا والإنفاق عليهم بعد وفاة الأب والأم، حتى تخرجوا وحصلوا على وظائف في أماكن مرموقة كالبنوك والشركات الكبيرة. وكانت شقيقتها «فاطمة خليل» باحثة في علم الحشرات، وكانت لها أبحاث هامة وحصلت على الماجستير والدكتوراه في وقت قياسي من ألمانيا لكنها فارقت الحياة فجأة في ظروف غامضة بألمانيا في أواخر الثمانينات عن عمر يناهز 35 عامًا وسببت ألمًا وجرحًا غائرًا لم يندمل حتى اليوم.
كوافيرة الأميرات
نتيجة دراستها وعملها ومعرفتها التي تكونت في المعهد، احترفت «نورا» مهنة «الكوافيرة» وبدأت ممارستها في السعودية بشكل فردي حيث كان ممنوعًا حينها في الثمانينات فتح مشاريع أو محال تجارية للتجميل أو الكوافير. تسببت سمعتها الجيدة في طلبها بالاسم من الأميرات بالعائلة المالكة في السعودية. تتذكر «شيرين» القصور الفاخرة والفارهة التي كانت تدخلها مع والدتها، كانت كل أميرة ترسل لهن سيارة للإتيان بهن من المنزل وإعادتهن مرة أخرى.
خلال تلك الفترة، اشترت أسرة «شيرين» شقة كبيرة وفخمة في مدينة نصر وقاموا بتجهيزها وفرشها، لكن مالكها السابق طمع فيها مستغلًا عدم نقل عداد الكهرباء وتوثيق العقد، ورمى العفش في الشارع، هنا ذهب تفكير أشقاء الأم إلى استئجار شقة في منطقة دار السلام الشعبية لتخزين العفش بها.
بعدها قررت الأم «نورا» العودة للقاهرة لتعليم وتربية طفلتيها في مصر، تركوا حياة السعودية بكل ما فيها، وعادت الأسرة بعد 8 سنوات قضتها «شيرين» من طفولتها بالمملكة.
محل الملابس ونادي الفيديو
طالت الحياة المؤقتة في شقة دار السلام بحارة «عمر جلال» بعدما استثمر الوالدن «قرشين» الغربة في تأجير محل للملابس الجاهزة للسيدات بميدان محطة مترو دار السلام، ونادٍ للفيديو. كانت «شيرين» وشقيقتها تعودان من المدرسة إلى محل الملابس، فأصبح هو مكان المذاكرة والأكل والنوم حتى يقفل المحل أبوابه، وكان أيضًا مكان قضاء الأجازات. بعد سنوات، فشل المشروعان نتيجة عدم خبرة الوالدين في إدارة هذه المشاريع وتم استغلال حسن النوايا من أقرب الناس حولهما لنهب أكبر كم ممكن من أموالهما كونهما عائدين من الخليج ومعهما «تل فلوس»، لكن التل اختل وأصبح فَلسًا، وأصبحت الأسرة على الحديدة، وخسروا كل شيء.
20 عامًا كوافيرة
بعد خسارة «تحويشة» السعودية والعودة لنقطة الصفر، فكرت الأم «نورا» عام 1996 في العودة إلى المهنة التي تجيدها وتفهم فيها وافتتحت محل «كوافير للسيدات» في نفس العمارة التي كانت تسكن بها بمنطقة دار السلام لترعى بناتها ولا تتكرر مأساة محل الملابس. كانت «شيرين» وقتها طالبة في الصف الأول الثانوي بمدرسة السنية الثانوية بنات بالسيدة زينب بالقاهرة، وبدأت تتعلم من والدتها مهنة «الكوافيرة» حتى أصبحت ساعدها الأيمن في المحل رغم وجود عاملات أخريات معهما. ظلت «شيرين» تعمل في المحل لمدة 20 عامًا، من 1996 إلى 2016، لم تتوقف أبدًا عن ممارسة المهنة خلال تلك المدة مهما كانت ما تفعله، سواء في دراستها أو في الوظائف الأخرى التي عملت بها بعد التخرج.
فريق كرة القدم النسائية
منذ الإبتدائية، كانت «شيرين» تمارس مع أقرانها في الشارع وزملائها في المدرسة كرة القدم، وظلت تلعبها حتى الجامعة. وخلال دراستها بكلية الآداب قسم لغات شرقية، شاركت في فريق الجامعة لكرة القدم النسائية وخاضت مباريات وبطولات باسم الجامعة وحتى اليوم تعشق كرة القدم جدًا.
حلم العمل كصحفية
كانت أمنية حياة «شيرين» منذ صغرها أن تكون صحفية، تقرأ بنهم شديد لدرجة الانتهاء من أربعة أو خمسة كتب في اليوم الواحد، تتنقل ما بين الروايات، والكتب العلمية، إلى أدب الرحلات وعلم الفلك. كانت القراءة هي اهتمامها الوحيد ومنها بدأت تعلم كتابة الخواطر، وبعدها تطورت لكتابة المقالات، وإجراء تحقيقات صحفية مع المدرسين ونشرها في مجلة الحائط في المدرسة، خاصة في الثانوية العامة.
الطالبة المثالية
تسبب النشاط الطلابي لـ «شيرين» في المدرسة الثانوية، وبخاصة في الصحافة والإذاعة، في ترشيح إدارة المدرسة لها كطالبة مثالية، وخاضت مسابقات على مستوى المدرسة والإدارة والمنطقة التعليمية والمحافظة، وفازت بالفعل بلقب الطالبة المثالية على مستوى المنطقة التعليمية وكانت المكافأة هي الذهاب لمعسكر الطالبات المثاليات على مستوى الجمهورية في الإسكندرية لتصبح أول تجربة لها للسفر بمفردها بعيدًا عن أسرتها.
دراسة اللغة العبرية
درست «شيرين» في القسم الأدبي بالثانوية العامة لحبها التاريخ والجغرافيا، وحصلت في الثانوية على 87 % وفقدت حلمها في دخول كلية الإعلام، ودخلت كلية الآداب قسم لغات شرقية وتخصصت في اللغة العبرية وآدابها، ومن حبها للتخصص كانت ترغب في استكمال الدراسات العليا في مقارنة الأديان بعد التخرج، لكن الظروف المادية للأسرة حالت دون ذلك.
مكتبة التصوير وسايبر الإنترنت
بجانب مهنة «الكوافيرة» وخلال دراستها الجامعية، عملت «شيرين» في وظائف عديدة لتوفير دخل يكفيها لشراء كتب الجامعة والقواميس والمراجع، فعملت في المبيعات وتسويق منتجات التجميل، وفي مكتبة لتصوير الكتب، وبعد التخرج عملت في «سايبر» إنترنت. رغم كل هذه الوظائف، إلا أن «شيرين» كانت تجد مشكلة كبيرة بعد التخرج في العمل بالتخصص الذي درسته وأحبته وهي اللغة العبرية، وعندما جاءتها فرصة للعمل في طابا كمترجمة عبري، رفضت والدتها سفرها. وظلت تبحث عن أي فرصة عمل وكان العائق الأكبر أمامها هو عدم إجادة اللغة الإنجليزية والتعامل مع الكمبيوتر.
منحة وزارة الاتصالات
هنا بدأت «شيرين» في البحث عن طريقة لتعلم الكمبيوتر بأقل تكلفة، وكانت هناك منحة مجانية مقدمة من وزارة الاتصالات بأكاديمية السادات لمدة ثلاثة أشهر بالإضافة إلى صرف بدل أيضًا، قدمت «شيرين» للحصول على المنحة، وتعلمت استخدم الويندوز والأوفيس والكتابة السريعة على لوحة المفاتيح، وأنهت المنحة وهي في المركز الأول. وكان تفوقها سببًا في حصولها على منحة مجانية أخرى من الوزارة للحصول على الرخصة الدولية لقيادة الكمبيوتر الـ ICDL.
العمل في جمعية رسالة
بعد الشهادة، حصلت «شيرين» على فرصة عمل بجمعية رسالة الخيرية الشهيرة التي كانت تعمل متطوعة بها منذ عام 2003 في نشاط المكفوفين من خلال كتابة الكتب الخاصة بهم وطباعتها بطريقة برايل. وبسبب حبها للتسويق، كانت «شيرين» تشتري كتب التسويق من سور الأزبكية، وتقرأها وتتعلم منها، ثم تبدأ في تطبيقها في فرع جمعية رسالة في فيصل كنشاط للدعاية من خلال التعلم الذاتي، وعندما بدأ إدخال الإنترنت عام 2005، بدأت في التسويق للجمعية عبر المنتديات والبريد الإلكتروني واستمرت في التعلم. وفي عام 2008 بدأت «شيرين» في الحصول على كورسات في البرمجة والتصميم، والسوشيال ميديا «فيسبوك» و«تويتر»، وإنشاء جروبات للتسويق للجمعية.
كانت «شيرين» خلال تلك الفترة تعمل في سكرتارية مجلس إدارة جمعية رسالة ومسؤولة عن المخازن والمشتريات وسنتر الكمبيوتر والدعاية، ثم ركزت في الدعاية فقط وحققت فيها نجاحًا كبيرًا وابتكرت طرقًا في التسويق ونشر مفهوم التطوع في الجامعات والنوادي والمدارس وأرض المعارض وقاعة المؤتمرات. كانت تدير من مكتبها أكثر من 300 متطوعًا في القاهرة والجيزة، بالإضافة إلى تحضيرات يوم اليتيم والحفلات وتقديم فقرات للمكفوفين والصم والبكم.
رغم كل هذه النجاحات، تركت «شيرين» العمل في رسالة بسبب محاربة مدير في فرع آخر لها، كان أقدم منها ويرغب في إزاحتها من منصبها كمديرة للدعاية لكل الفروع، ونجح بالفعل في إبعادها من وظيفتها لكنها بقيت كمتطوعة. ثم عملت في جمعية السبيل في المعادي ونجحت خلال عامين فقط في تنمية مواردها بـ 100 ألف جنيه شهريًا بعدما كانت بلا أي موارد ثابتة.
عُقدة الإنجليزي
خلال المرحلة الإبتدائية والإعدادية كانت «شيرين» تدرس في مدرسة «ايجيبت» الخاصة. وعندما انتقلت في الثانوية العامة إلى مدرسة حكومية، التقت بمدرسة الإنجليزي الأستاذة «فاتن» التي سخرت منها خلال تعرفها على الطلاب الجدد، وقالت لها: «آه كلكم بتيجوا ما تعرفوش انجلش»، تسببت تلك الجملة من هروب «شيرين» من المادة ومن الأستاذة التي تدرسها وتسببت لها في عُقدة.
سيرة ذاتية حمقاء
استمرت عقدة الإنجليزي تطارد «شيرين» بعد تركها العمل في رسالة وبحثها عن فرص في أماكن أخرى، فلا تنسى عندما ذهبت إلى إنترفيو مع الأستاذة «حنان» مديرة الموارد البشرية بأحد مكاتب المراجعة المالية الشهيرة بطريق الأسكندرية الصحراوي، طلبت منها المديرة الحديث بالإنجليزية، وعندما فشلت «شيرين» تعاملت معها المديرة بطريقة فظة جدًا وقالت لها جملة لن تنساها أبدًا: « حد يعمل سي في (سيرة ذاتية) بالحمق ده، إيه اللبس اللي إنتي جاية تعملي بيه الإنترفيو ده.. لازم تلبسي فورمال مش كاجوال»، وطردتها بمنتهى قلة الذوق. وقتها نزلت «شيرين» إلى الشارع منهارة مما حدث ومن الطريقة التي عوملت بها، وزادت عقدتها من الإنجليزي ومن البحث عن فرص عمل أخرى وشعرت بضياع وتوهان كبيرين حتى جاءت فكرة «يالا علم» لتنتشلها.
موقع يالا علم
في 2009، أنشأت «شيرين» وشريكها «محمد إكرامي» موقع «يالا علم»، أول موقع تعليمي مجاني عن بعد، وكانت فكرته قائمة على التطوع لمن لديهم القدرة على إفادة الناس بعلمهم بدون مقابل للمعلم أو المتعلم، وشارك في التجربة وقتها عدد كبير من المتطوعين وحظيت باهتمام إعلامي كبير، لكن بعد عام 2011 اختلف الوضع وأغلقا الموقع.
تعلمت «شيرين» من «إكرامي» الكثير لأنه كان مصمم ويب وكان يأخذ بيدها ويدلها على الطريق الصحيح، ماذا تذاكر وماذا تفعل، تجتهد وتصيب وتخطئ. ومع تجربة موقع «يالا علم»، بدأت «شيرين» في التخصص أكثر في الـ (SEO) تهيئة المواقع لمحركات البحث.
تدريس الكورسات
بدأت «شيرين» في تدريس كورسات التسويق في جمعية رسالة كمتطوعة خلال الفترة من 2008 حتى 2012. بعد ذلك قدمت كورسات في شركات مختلفة بأجر بسيط. زادت شهرة «شيرين» رويدًا رويدًا، خاصة مع بدايات عام 2013 عندما أسست مع زميلها «أيمن محمد» مجتمعًا للعاملين في الديجتال ماركتنج، ثم في 2014 أسس «أحمد سامي» مبادرة «ديجتاليزر» وتجمع خلالها المتخصصون وأعطوا كورسات مجانًا لآلاف الشباب في أكثر من محافظة مثل الدقهلية والقاهرة وغيرها، وكان لتلك المبادرة أثر كبير في عدد كبير من الشباب.
التدريس في جوته والجامعة الأمريكية
بعد فترة، عملت «شيرين» مع معهد جوته الألماني ضمن مشروع «تحرير لاونج»، وكانت تعطي كورسات مجانية وتجري مقابلات لألف متقدم من الشباب قبل دخول الكورس لاختيار الأكثر احتياجا حيث كان يوفر المعهد للمغتربين الإقامة والوجبات ومصروف جيب. تعتبر «شيرين» معهد جوته من أعظم الأماكن التي درّست فيها. ومع زيادة شهرتها، رشحها أحد زملائها للعمل في الجامعة الأمريكية تحت إشراف الدكتورة أميرة الديب التي تعتبرها «شيرين» من أفضل من تعاملت معهم في حياتها.
النصب في العمل
رغم قصص النجاح، إلا أن «شيرين» تعرضت للنصب من شركات عديدة كانت تحصل منها على وعود بالشراكة في تلك الشركات بالمجهود، فكانت تعمل بدون مقابل أو بأجر زهيد جدًا. اعتبرت كل ما تعرضت له دروسًا وخبرات في الحياة، ثم انتقلت إلى العمل مع الوكالات الإعلانية، وكان العمل معها يعادل أربع أو خمس سنوات من العمل مع أي شركة مستقلة بذاتها.
في تلك الوكالات كانت تتعامل مع أكثر من عميل في مجالات وصناعات مختلفة، مثل السيارات، والعقارات، والتسوق، والإعلانات المبوبة، والمجال الطبي والترفيهي ، وقنوات التليفزيون. عملت لصالح قناة سي بي سي و كيدزانيا، وانترمارك، وياقوته، وبيزات، وامتلاك للعقارات، وعملت في السياحة، ومع مجموعة طلعت مصطفى للعقارات، وشركات ملابس وتداول أوراق مالية في الخليج، ومواقع إخبارية مثل أخبار 24 في السعودية.
خلال عملها في كل هذه المهن والشركات والجهات، كانت تنتهي «شيرين» من الكورسات أو من عملها في الشركات وتعود إلى دار السلام لتشارك والدتها السيدة الفاضلة «نورا خليل» في عملها في «الكوافير»، ولم تنقطع عنه ولا عن ممارسة المهنة حتى جاء عام 2016.
كسر العقدة
في 2016، قررت «شيرين» كسر عقدة الإنجليزي، ومدرسة الثانوي ومديرة الموارد البشرية، وحصلت على كورس في اللغة الإنجليزية بمعهد «بيرلتز» للغات، ومكثت فيه عامين كاملين. كان هذا الكورس سببًا في نقطة تحول كبيرة في حياتها. وفي نفس العام اشترت «شيرين» محل الكوافير والشقة التي يسكنون فيها بالإيجار ثم قامت ببيعهما، وشراء شقة تمليك للأسرة في المعادي.
العمل في أمازون
في منتصف عام 2017 اتصل مدير «شيرين» السابق خلال فترة عملها مع منصة «بيزات»، وعرض عليها العمل في «أمازون»، وتم التواصل مع الدكتورة أميرة الديب في الجامعة الأمريكية ومع المسؤولين في معهد جوته لمراجعتهم، ونجحت «شيرين» في اجتياز المهمة وتم تعيينها في أمازون في منصب المدير الإقليمي لمحركات البحث في مصر والسعودية والإمارات في الأول من أكتوبر 2017. وكان لكورس اللغة الإنجليزية فضل كبير في نجاحها خاصة أن عملها كان مع شخصيات من كل الجنسيات.
تزامن انضمام «شيرين» إلى أمازون مع استحواذها على شركة سوق، وكانت مسؤولة عن مشروع تحويل موقع سوق لأمازون في جزئية تهيئة محركات البحث بمفردها بدون فريق عمل، وواجهت تحديات كبيرة، خاصة بعد تعيين مدير هندي لها بعد عامين من تعيينها وكان يعمل سابقا في أمازون الهند وتمت إقالته فيما بعد.
عملية تحويل موقع سوق إلى أمازون بدأت أولًا في الإمارات عام 2019، ثم تلتها السعودية عام 2020 تزامنًا مع جائحة كورونا، فيما تم التحول في مصر عام 2021، حققت «شيرين» خلال تلك الفترة قصة نجاح كبيرة، فكانت أمازون تظهر في مصر فقط بعدد 200 ألف كلمة، وبعد 3 سنوات من العمل وصلوا إلى 3 ملايين كلمة.
الخيانة والخداع
خلال عام 2019، تعرضت «شيرين» لخداع كبير من مصدر ثقة بالنسبة لها، كانت أكبر صدمة تعرضت لها في حياتها، وحتى اليوم لا تستوعب ما حدث وغير قادرة على تصديق ما حصل، تخبرني أنها تعرضت للخيانة والخداع. ثم مرضت «شيرين» مرضًا شديدًا. وقضت أربع سنوات في اللف على الأطباء لتعرف فقط تشخيص مرضها، وذهب تقدير معظمهم إلى ضرورة إجراء جراحة في العمود الفقري بعد رحلة قضتها بين 19 طبيبًا في تخصصات مختلفة، وكادت أن تأخذ قرار الجراحة بالفعل لكن آخر طبيب تابعت معه أخبرها أنها ليست بحاجة لإجراء العملية وإنما للذهاب إلى طبيب متخصص في الروماتويد والمناعة.
هنا بدأت «شيرين» مرحلة جديدة من حياتها عندما أخبرتها طبيبة الروماتويد أنها مصابة بمرض «الفايبروميالجيا»، وطلبت منها البحث عنه وعن طرق علاجه. ثم كانت الصدمة الجديدة عندما بدأت «شيرين» في البحث ودخول الجروبات على فيس بوك وقراءة تجارب المصابين بالمرض.
الاستقالة من أمازون
بعد التأكد من التشخيص، أصيبت «شيرين» بحالة إحباط شديدة وساءت حالتها النفسية أكثر وتأثرت حركتها وبقيت في سريرها لشهور بدون حركة. كانت الإصابة بالمرض خلال فترة عملها في أمازون، وظلت تعمل من الوضع نائمة حتى أصبحت غير قادرة على العمل. وبعد قصة النجاح التي حققتها في تحويل سوق إلى أمازون، هنا قدمت استقالتها من الشركة العالمية في 2022.
التفكير في الموت
مرض الفايبرومياليجا أو الألم الليفي العضلي هو اضطراب يسبب ألمًا واسع المدى في البنية العضلية الهيكلية يصاحبه شعور بالإرهاق واضطرابات النوم والذاكرة والحالة المزاجية ومن أهم أسبابه الضغط العاطفي والجسدي.
تخبرني «شيرين» أن المرضى المصابين بهذا المرض يتمنون الموت كل يوم لأنه مرض لا علاج له حتى الآن. الألم في كل جزء في الجسم، بخلاف الاكتئاب، وألم في المعدة، وضعف الرؤية، وألم في الأوتار والأعصاب والعظام والمفاصل. كل هذا بجانب الأرق، فلا يوجد نوم على الإطلاق حتى بالمهدئات والمنوم، والعلاج الوحيد هو علاج الاكتئاب الذي يخفف قليلًا من حدة الألم لأن الألم الذي يشعر به مريض الفايبرومياليجا يعادل 4 أضعاف الألم الذي يشعر به الشخص العادي.
كان كل ما تحلم به «شيرين» أن يقل الألم ولو قليلًا أو أن تستطيع النوم ليلًا بدون البقاء مستيقظة لسبع ساعات في السرير مع المنوم والمهدئ، بخلاف الاكتئاب الذي يجعل صاحبه يفكر في الموت للخلاص من الألم غير المحتمل، بجانب الإجهاد والتعب وعدم القدرة على عمل أي مجهود. كان أبعد شيء عن خيال «شيرين» أن تمتلك القدرة على المشي لمدة تزيد عن خمس دقائق. كانت لا تتحرك إلا بعكاز.
الحياة في دهب
خلال الإصابة بحالة الاكتئاب الحادة، طلبت منها والدتها السيدة الفاضلة «نورا» السفر إلى أي مكان لتغيير الجو. سافرت بالفعل إلى مدينة دهب السياحية بالعكاز، وهناك تبدلت حياة «شيرين» لشخص آخر. ألقت بالعكاز وبدأت تمشي وتمارس الرياضة. خلال تلك الرحلة وجدت مكانًا بالصدفة في كومباوند في دهب، فقررت شراء شاليه، ليكون مكانًا لها ولأسرتها. جهزت الشاليه بالأثاث اللازم، واتصلت بوالدتها وشقيقتها لرؤية المكان وبعدما شاهدتا حالة التحسن على «شيرين»، قررت الأسرة الانتقال للحياة معها بشكل كامل في دهب.
يميز سكن «شيرين» الجديد أنه بعيد نوعًا ما عن دهب المدينة، وفي حضن الجبل وعلى البحر مباشرة وهو ما وفر لها بيئة هادئة تساعدها على التعافي من المرض، والعودة لممارسة عملها من جديد بشكل طبيعي ثم أصبحت دهب هي عشقها ولا تستطيع البعد عنها لأكثر من أسبوعين.
رياضة الهايكنج
خلال رحلتها الأولى إلى دهب، جربت «شيرين» الصعود إلى جبل موسى في سانت كاترين. كانت تجربة ممتعة جدًا بالنسبة لها، وشعرت بقوة استمدتها من الجبال. تمارس الهايكنج (المشي الجبلي) بعد أن كانت تمشي بعكاز، كانت معجزة بالنسبة لها. ساعدتها الحياة في دهب بين الجبال والبحر والطبيعة والهدوء على التعافي وأحبت رياضة الهايكنج وذهبت في رحلات هايكنج في مصر، ثم في بلدان في الخارج، مثل سريلانكا، وماليزيا، ولبنان ووصلت عدد البلدان التي زارتها إلى 21 دولة.
صعود قمة بون هيل
جاءت لها بعد ذلك فرصة للسفر لمدة أسبوعين إلى «نيبال» في رحلة للهايكنج فقط، صعدت خلالها قمة «بون هيل» خلال مدة من 8 إلى 10 أيام في درجة حرارة تحت الصفر وعشرات الكيلومترات وآلاف السلالم للوصول للقمة. قبل الوصول للقمة بساعات قليلة، فكرت «شيرين» في العودة، بعد إحساسها بالتعب، وبدأت رحلة الرجوع بالفعل لكن الفريق المصاحب لها شجعها ورفضوا رجوعها وبقوا معها حتى نجحوا في الوصول إلى القمة على إرتفاع أكثر من 3200 مترًا فوق سطح البحر. وقتها كانت تشعر «شيرين» بأن هذا أكبر إنجاز في حياتها.
بعد تلك الرحلة، بدأت «شيرين» في الاهتمام بالرياضة واللياقة البدنية بشكل عام، والذهاب إلى الجيم، والمشي على الأقل من 8 إلى 10 كيلومترات يوميًا، وفي كل سفرياتها إلى الخارج لا تفعل شيئا سوى المشي بعد أن كانت عاجزة ومحرومة من المشي.
تمارس «شيرين» حاليا حياتها بشكل طبيعي جدًا، بين الرياضة والعمل من دهب وإدارة شركتها «مدرارة» في دبي، وتتوسع حاليًا لإنشاء فرع لشركتها في السعودية، لديها عملاء ومشاريع خاصة بالشركة. تعيش حاليًا مع والدتها «نورا» التي تعتبرها كل حياتها، وتصفها بأنها بنتها وصديقتها وحبيبتها وروحها وكل شيء في الدنيا، ولا تستطيع البعد عنها، ويعيش معها في دهب أيضًا والدها وشقيقتها، ويعمل معها في شركتها أخوها طارق.
لم تنته قصة «شيرين بدر» الملهمة، فأنا على يقين أنها ستكتب فصولًا أخرى، وأن نجاحاتها وإنجازاتها لن تتوقف. هزمت المرض الخطير وحولته إلى تحدٍ لصعود وتسلق القمم والجبال، وتخلصت من عقدة اللغة والتنمر حتى عملت في كبرى الشركات العالمية، وحولت فشل مشاريع الأسرة واليأس منها إلى امتلاك وتأسيس شركتها الخاصة التي تتوسع فيها من دولة إلى أخرى، وخاضت تحديات كبيرة في كل مراحل حياتها ولم تخجل يومًا من العمل مع والدتها ومساعدتها في محل الكوافير.
«لا تخف من الفشل.. كن خائفًا من عدم المحاولة» كانت هذه لافتة باللغة الإنجليزية تحملها «شيرين» خلال إحدى رحلات تسلق الجبال. لافتة تلخص حياة الفتاة المصرية الملهمة التي لم تخف من الفشل أبدًا.. وكانت تحاول مرات ومرات حتى صارت فتاة عظيمة. ولدت من رحم أم عظيمة. أم كافحت وتحملت مسؤولية أشقائها وأطفالها.
تستحق «شيرين بدر» منا جميعًا أن تكون مصدرًا للفخر والإلهام ودرسًا من دروس العزيمة والإصرار، وتستحق التكريم هي ووالدتها من الدولة المصرية والجهات التابعة لها.. فخور بكِ لأبعد مدى يا «شيرين» يا ملهمة.