هبة راشد.. تبقى قصتها ملهمة تستحق تسليط الضوء على واحدة من أنجح تجارب العمل الأهلي في مصر

لسنوات طويلة كنت متابعًا للعمل الأهلي في مصر، برزت خلالها مؤسسات كان اللافت جدًا فيها قيادة النساء لها، مثل هبة السويدي (مؤسسة أهل مصر)، ود. أنيسة حسونة عليها رحمة الله صاحبة الفضل الكبير في (مؤسسة مجدي يعقوب ومستشفى الناس)، وهبة راشد (مؤسسة مرسال)، ولبني محرم (جمعية يهمني الإنسان)، وسبق كل هؤلاء – ممن أسعفتني بهن الذاكرة – يسرية لوزا وعلا غبور وياسمين الخيام ونجلاء بدير وأخريات من النساء العظيمات في ربوع مصر.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد مع والديها خلال تكريمها بالسفارة الهولندية.

تبقى هبة راشد وتفاصيل معافرتها قصة ملهمة تستحق الحكي وتسليط الضوء على واحدة من أنجح تجارب العمل الأهلي في مصر، حكاية «مرسال» بدأت بمكتب مستعمل وشقة غرفتين وصالة واثنين موظفين ومبلغ 20 ألف جنيه من متبرع عابر – سنحكي حكايته فيما بعد – حتى وصلت إلى 530 موظفًا بعد 10 سنوات وميزانية زادت العام الماضي فقط عن 700 مليون جنيه، فيما تجاوزت ميزانياتها المجمعة خلال السنوات الماضية المليارات. فمن هي هبة راشد التي أسست مرسال؟ وما حكايتها وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد.

الطفولة والنشأة

ولدت هبة سيد راشد في 20 يونيو عام 1980 في العقبة بالأردن، لوالدين مصريين تعود جذورهما إلى محافظة الفيوم. أسرة مكافحة وتعيش ظروفًا صعبة. الأم لم تنل حظها من التعليم، والأب لم يكمله بسبب ظروف أسرته المادية رغم تفوقه الدراسي.

تركت هبة وأسرتها الأردن وهي في الخامسة من عمرها وعادوا إلى مدينة الفيوم. وقتها كان والدها يعمل موظفًا في مصنع الغزل والنسيج. لا تنسى هبة راشد جملة والدتها السيدة زينب: «لو أبوكي مات وعندك بكره إمتحان.. تقعدي تذاكري». كان لدى هذه الأم التي لم تتعلم إصرار رهيب على تعليم أبنائها. رغم ميزة هذه التربية في خلق الإصرار والتحدي إلا أنها تركت آثارًا سلبية أخرى. حُرمت «هبة» من حياة الطفولة والمراهقة الطبيعية، حتى في الإجازة كانت تذهب إلى مكتبة الطفل والكُتَاب لحفظ القرآن وتتعلم شغل البيت والطبخ. حياة مليئة بالجد والكد والتعب.

العودة للأردن

أنهت هبة دراستها الابتدائية في المعهد الأزهري بالفيوم، ثم عادت الأسرة مرة أخرى للأردن عام 1992، وهناك حصلت على الشهادتين الإعدادية والثانوية، وخلالهما تفوقت في الدراسة، وقرأت لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويحيى حقي وغيرهم.

حياتها في الأردن كانت قاسية وصعبة هي الأخرى. تخبرني أنها كانت تتعرض هناك للتنمر لكونها من الوافدين الذين يعتبرهم البعض أقل شأنًا من أهل البلد. ناهيك عن تنمر زميلاتها في المدرسة عليها لزيادة وزنها، إضافة إلى الفكرة العامة لدى العرب وقتها بأن مصر هي شارع الهرم. تعود «هبة» من المدرسة وتغلق على نفسها باب حجرتها وتبكي كثيرًا لتعرضها للتنمر والسخرية.

المدينة الجامعية

في عام 1998 أنهت هبة المرحلة الثانوية في الأردن بمجموع 89 %، وقررت الأسرة العودة مرة أخرى إلى مصر. ذهب بها التنسيق إلى كلية الألسن جامعة عين شمس لتدرس بقسم اللغة العربية. سكنت في البداية في المدينة الجامعية ثم تنقلت بين دور الطالبات حتى استقرت حياتها بالكامل في القاهرة.

قضت هبة راشد 20 عامًا تقريبا من عمرها في التنقل بين دور الطالبات خلال دراستها الجامعية وبعد تخرجها وعملها في العديد من الوظائف بالقاهرة التي اختارتها مدينة لها بدلا من الفيوم.

بعد حياة مغلقة سواء في الفيوم أو الأردن التي لم تكن ترى فيها الشمس – على حد وصفها – وخلت من الأصدقاء، وجدت نفسها في المدينة الجامعية منفتحة على ثقافات مختلفة من كل محافظات مصر. عاشت «هبة» في تلك المرحلة حياة انطوائية وفقدت الثقة في نفسها لدرجة جعلتها تكره التصوير حتى لا ترى صورها، وتتجنب النظر في «المراية» لاعتقادها أنها ليست جميلة. كانت ترى نفسها «لخمة وعلى قدها» وأي شخص يستطيع الضحك عليها واشتغالها.

أول وظيفة

تخرجت هبة راشد من الجامعة بتقدير جيد جداً عام 2002، وكانت تحلم بالتعيين كمعيدة لكن حلمها لم يكتمل. وأول راتب حصلت عليه هبة راشد 700 جنيه عام 2002، في وظيفة مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر بشركة الحلول المتكاملة الدولية ضمن برنامج مؤقت للقراءة للمكفوفين.

جددت الشركة لها ثلاثة أشهر أخرى، ثم انتهى المشروع وحتى لا تقطع الشركة عيشها، تم تكليفها بمهمة جديدة «موظفة اختبار ودعم فني» أو «تِستر» من TEST (اختبار)، وهو الشخص الذي يختبر برامج الكمبيوتر ويجربها قبل طرحها للجمهور. تعرضت «هبة» للتنمر خلال تلك الفترة أيضًا، تقول: «لم أكن أعرف أي شيء في الكمبيوتر ولا أعرف الفرق بين الجيجا والميجا. ومن المواقف التي لا أنساها وتركت أثرًا كبيرًا حتى اليوم، أنني ذات يوم وبمنتهى حسن النية وهي في وسط زملائي في القسم الجديد الذي انتقلت إليه، سألت بصوت عال، «أنا عاوزة أمسح اللي على الـ (سي دي)، وأحط حاجة تانية»، وقتها ضحك كل زملائي بصوت مرتفع وسخروا مني لأن الأسطوانات لا يتم المسح منها».

تقول هبة عن تلك الفترة: «أنا ماكنتش عارفة أي حاجة، كنت أبيض، طالعة من الجامعة أبيض، وجاية من الفيوم أبيض، وما أعرفش أي حاجة خالص وكل شيء تعلمته من الصفر».

تعلمت كل ذلك بينما كان شقيقها الأكبر «ياسر» معارضًا لعملها وحياتها بمفردها في القاهرة، وكانت شبه منفصلة عن أشقائها وتمضي في طريقها وحيدة، ثم عملت بعد ذلك كمسؤولة مراقبة جودة بشركة ميكروتيك لأشهر بين عامي 2005 و2006. ثم عملت لعامين بشركة «كولتك» كقائدة لفريق التطوير اللغوي في الشركة المسؤولة في ذلك الوقت عن التدقيق اللغوي لبرامج مايكروسوفت. وبعد الليسانس حصلت على الماجستير في اللغة العربية في اللغويات عام 2008.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد مع والدها ووالدتها.

نقطة التحول

كانت نقطة التحول في حياة «هبة» بعد محاضرة لمنصة «زدني» عن إدارة المشروعات، دفعت لحضورها 50 جنيهًا، ذهبت لتفهم مصطلحًا جديدًا جذبها انتباهها. حينها أدركت أن هذا هو المجال المناسب كي تعمل به. قررت في هذه اللحظة دراسة إدارة المشروعات.

عادت هبة إلى شركتها الأولى الحلول المتكاملة الدولية بعد أن تغير اسمها إلى GET Group FZN لتصبح منسقة برامج خلال الفترة من 2008 إلى 2010 ثم تولت منصب مديرة برامج من 2010 إلى 2013.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد.

رسوب فبكاء فتحدي فنجاح

في أواخر عام 2009 كان امتحان الحصول على شهادة PMP (إدارة المشاريع الاحترافية) حلم كبير جدا جدًا بالنسبة لهبة، تقول: “لا خبرتي ولا معلوماتي ولا حتى مرتبي كانوا يسمحوا بيه، بس أنا كنت مصرة آخدها بأي شكل، ودخلت الإمتحان أول مرة وسقطت، بس أنا كنت قافشة، وقفت في شارع مصدق مكان الأميديست القديم أعيط شوية وبعدين طلعت على الشغل، وتاني يوم الصبح صحيت الساعة 6 أذاكر، وحجزت ميعاد جديد بعد شهر للامتحان، ونزلت من الإنترنت صورة شهادة لواحد أخدها ونجح وشيلت اسمه وتاريخ الشهادة وحطيت اسمي وتاريخ الامتحان وخليتها على سطح المكتب”.

كتبت هبة رسالة الموبايل التي سوف ترسلها لأصدقائها المقربين الذين يعرفون بموعد دخولها الإمتحان (نتيجة الـ PMP تصدر في نفس الوقت أون لاين). نجحت هبة في الامتحان وأرسلت الرسالة المجهزة وكانت في غاية السعادة، وبعدها بستة أشهر حصلت على الـ RMP (شهادة محترف في إدارة المخاطر المهنية)، وبعدها بسنتين على الـ SP (شهادة مهنية في جدولة المشاريع) وبذلك تكون حصلت على 3 شهادات معترف بها دوليًا في إدارة المشروعات.

تقول هبة: “الخلاصة لو هتموت على حلم عيشه بكل تفاصيله، وتخيل كل ما يتعلق بلحظة تحقيقه وحوله لصور كمان”.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

الجبنة قوت يومها

كان مرتب «هبة» آنذاك ضعيفًا ويفوق التزاماتها. تتذكر عندما كانت «الجبنة» قوت يومها الوحيد لأن المرتب سرعان ما تلتهمه أيام الشهر الأولى، وكانت ترفض مساعدة أسرتها ماليًا لأنهم كانوا ضد إقامتها وحياتها بمفردها في القاهرة، بينما أصرت هي على استكمال رحلتها حتى تقف على قدميها.

تقول: «أهلي (ماما وأخويا) كانوا رافضين جدا أكمل في القاهرة والوحيد الذي منحني المساحة هو بابا، كانت هذه معافرة من نوع خاص، ومعافرة مع الحياة في القاهرة وعدم كفاية الدخل، لكن كان أولاد الحلال في ضهري. وكل شخص يمر بصعوبات يمنحه ربنا من يهونوا عليه الطريق».

كانت المعافرة كبيرة، وبدأت «هبة» في تلك الفترة التطوع في جمعية رسالة، تستلم علب المناديل من الجمعية وتبيعها لزملائها في الشغل، وترد ثمنها للجمعية مرة أخري، وتحضر حفلات دار المسنين، وزواج الأيتام.

أغنية علي الحجار التي تحققت

“لو مش هتحلم معايا مضطر أحلم بنفسى.. لكنّى فى الحلم حتى عمرى ما هأحلم لنفسى.. لو كنت راح أفتش عن منصب ولا جاه واصاحب الحذر.. ده أنا أبقى مستحقش حلاوة الحياة و ضحكة البشر”. لم تكن تعلم هبة راشد أن كلمات أغنية علي الحجار التي كتبتها على حسابها على فيس بوك عام 2010 ستحقق بعدها واحدًا من أكبر الأحلام، ستصبح “مرسال” كما هي عليه اليوم.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد.

آمال طلبة

«آمال طلبة» هي زميلة «هبة راشد» في الشغل، التي كانت رئيسيًا في تعلقها بالعمل الخيري وقطاع الصحة، عندما طلبت منها المشاركة في عملية جراحية لطفل صغير، ثم في عملية زراعة قوقعة، كانت «هبة» وقتها تعتقد أن الصم يعيشون ويموتون صمًأ ولا علاج لهم. انشغلت «آمال» فيما بعد بأسرتها وسافرت خارج مصر بعد جر رجل «هبة» للعمل الخيري في القطاع الصحي.

في 2011 أصيبت فتاة بطلق ناري في عينيها، وجمعت هبة راشد تبرعات لها، وتمت العملية زراعة القرنية بنجاح وعاد البصر مرة أخري للفتاة، أحدثت تلك الواقعة تغييرًا كبيرًا في حياة «هبة».

في 2012 ذهبت هبة للتطوع في مؤسسة «نبني» التي أسسها «جواد نابلسي» في منشية ناصر، ولم تمكث معهم طويلًا، ثم زادت الحالات التي ترعاها وتجمع لها تبرعات.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد خلال إحدى المحاضرات.

تأسيس مرسال

في تلك الفترة كانت تخشى «هبة» من تأسيس مؤسسة خيرية رغم إلحاح أصدقائها، لكن بعد قرارات إغلاق عدد من الجمعيات الأهلية تحمست لتأسيس مؤسسة أهلية للعمل في قطاع الصحة لتقنين وضعها وأنشطتها. وفي أغسطس من عام 2013 بدأت «هبة» في مهمة البحث عن مقر لمؤسسة خيرية جديدة في مدينة نصر، وقدمت أوراق التأسيس في سبتمبر.

تقول عن هذه الأيام: «قدمت ورق المؤسسة الخيرية والحقيقة معيش ولا جنيه واحد من المصاريف ولا عارفة هأجر مكان منين ولا حاجة بس قلت هتدبر يعني، بس لازم أدفع إيجار وتأمين للشقة وعمالة أفكر هنجيب منين ونودي منين، حد معرفوش عامل متابعة «فلو» بعتلي عن طريق صديق اللي يكفي التأسيس كله.. الحمد لله حمدا طيبًا مباركًا .. بس للأمانة أول تبرع سبقه رقم موبايل مميز من فودافون علشان يبقى رقم المؤسسة».

تضيف هبة: «وقتها قابلت أول متبرع لمرسال وأعطاني 20 ألف جنيه، وقالي خديهم إعملي بيهم اللي نفسك فيه، وسابني ومشي، أخدتهم وأجرت مخزن أوضتين وصالة ودهنتهم، وشطبته وكان أول مكتب مستعمل وكان تبرع مع 6 كراسي ولا زلت أحتفظ بهذا المكتب».

لم تكن هبة تعرف ذلك المتبرع إلا من خلال فيس بوك، وبعدما تبرع لها أغلق حسابه ولا يزال مغلقا حتى اليوم.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

مكتب مرسال الأول.

ناريمان ناجي

للأسف الثلاثة أسماء التي تقدمت بها هبة للمؤسسة الخيرية كانوا مسجلين بأسماء مؤسسات وجمعيات أخرى، ثم تقدمت بأكثر من 50 اسم آخرين، وتم رفضهم لأنهم علشان مكررين

تقول هبة راشد: «قدمت حوالي 60 اسمًا للوزارة وكلهم طلعوا مكررين، وكتبت بوست ومن الشروط ألا يكون الاسم مكررا، حتى جاءتني رسالة من الصحفية «ناريمان ناجي» ترشح لي اسم «مرسال»، فهي التي اختارت اسم «مرسال»، وحتى اليوم تساعدني في الاستشارات الإعلامية وتخبرني عن رأيها في الأشخاص الذين أتعامل معهم، وكذلك الصحفية «هبة فاروق» التي كانت السبب في موضوع «واشنطن بوست» الذي كان نقلة كبيرة في حياة مرسال».

 

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

مرسال من غرفتين في القاهرة إلى مارثون في دبي.

التغييرات الكبيرة

في بدايات عام 2014، أدركت هبة إن «مفيش حاجات كبيرة بتيجي إلا بتغييرات كبيرة»، كتبت حينها: «آخر كام شهر.. غيرت شغلي، بدأت إجراءات لمؤسسة خيرية لتحقيق رؤيتي في العمل الخيري، مرضت بخمس أمراض مختلفة، غالبا من كتر التوتر، ودخلت مستشفى كمريضة لأول مرة، كسبت ناس كتير وبرضه أخدت يجي سبعين قلم على سهوة في مختلف أنواع العلاقات، عرفت طرق وسكك  شغل جديدة، فتحت سكك كتير في الشغل الخيري، اشتغلت في محافظات عمري ما دخلتها ولا زيارة، جاتلي رسائل ربانية مكنتش أحلم بيها، بدأت كورسات جديدة.. حقيقة اتبهدلت على كافة المستويات وشفت حاجات حلوة كتير برضه، معنديش أمل في الراحة لأن الراحة في الجنة وبس، لكن عندي حماس إني  ألاقي فرص أحسن واشتغل بكفاءة أكتر، الحمد لله لما كان وما سيكون، وبرضه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا».

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

لافتة لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.

في 2015 أعلنت مرسال عن بدء تأسيس مشروعها الطبي «مركز مرسال لتشخيص وعلاج الأورام»، وتم افتتاحه في يوليو 2016 لتقديم خدمات الفحص والمتابعة وجرعات العلاج الكيميائي ثم توالت مشاريعها.

رحلة مرسال.. وأعداء النجاح

تحكي لي هبة فتقول: «رحلة مرسال كانت رحلة عنيفة جدا، ومشاكل عديدة وأوقات ما كانش معانا فلوس وكمان فيها نجاحات كبير قوي، رحلة صعبة ولو بنت بتفكر تخوض نفس الرحلة، هأقولها إنها رحلة صعبة جدا».

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد بين كراتين رمضان في بدايات مرسال.

أعداء النجاح

رغم الصعود والنجاح الكبير، إلا أن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، تحكي هبة: «في مرة حد قدم فينا شكاوى كيدية وكان هيطلع قرار بسحب ترخيص المؤسسة والحمد لله اتلحق في أخر لحظة، وقلتها قابلت المسؤولين في وزارة التضامن وشرحت لهم الموقف والأبعاد ثم تم التراجع عن القرار».

تضيف هبة: «كان فيه نجاحات كبيرة قبل الكورونا لكن النقلة الكبيرة كانت بعد كورونا، وكارت فودافون وحاليا شغل غزة، بدأت مرسال بشخصين فقط كموظفين وحاليا لدينا 530 موظفًا، ونعمل في غزة على أكثر من بعد، الأول هو القوافل وبلغ قيمتها 250 مليون جنيه، ولسه بنجهز عربيات تانية، مع التحالف الوطني للعمل الأهلي، لكنها توقفت حاليا، ولدينا 5000 شخص فلسطيني في مصر مسجلين في قواعد بيانات مرسال سواء كانوا أسر أو طلبة، بالإضافة إلى خط التلي ميديسن بالشراكة مع فودافون للرد على الاستفسارات».

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

كارت فودافون الذي أحدث ضجة في العمل الخيري.

تكمل «هبة» رحلة نجاح مرسال، فتقول: «لدينا أكثر من 100 ألف مريض مسجل في مرسال من 56 جنسية، بنعالج أي حد، المهم أن يكون غير قادر وقد يكون دخله كبير لكن لو أنفقه بالكامل لن يكفيه، والأمر الثاني أن علاجه لا يكون متوفر في التأمين الحكومي أو الخاص أو نفقة الدولة. ولدينا مراكز خدمات، عندنا 3 مراكز عيادات وحضانات وحاليا نفتتح مستشفى أطفال».

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد أمام وحدة الرعاية المركزة خلال كورونا.

الأرقام لا تكذب

خلال 10 سنوات ساعدت مرسال في إجراء 1545 عملية بمختلف التخصصات، وقدمت 71581 خدمة في الطوارئ والعناية المركزة والحضانات، وفي الكفالات قدمت دعم للحالات المستحقة والمعتمدة بالمؤسسة لعدد 132168 خدمة، و وفي جلسات التخاطب والمستلزمات الطبية والأطراف الصناعية قدمت خدمات لـ  140,639 شخص.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

مساعدات مرسال خلال كورونا.

وفي الأدوية، تم تقديم 59731 خدمة، وفي الكشوف والتحويلات والفحوصات تم تقديم 34,235 خدمة، وفي دار الضيافة تم تقديم خدمات 171,681 خدمة للمرضى والمغتربين، وفي خدمات لمرضي التمثيل الغذائي (PKU) تم تقديم 8162 خدمة، وفي القوافل لدعم الجهات خارجية (المستشفيات الحكومية ) تم تقديم 5320 خدمة، وفي نشاط قوافل دعم غزة تم إرسال عدد 107 شاحنة أو سيارة إسعاف لدعم غزة.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

سيارات إسعاف مرسال.

المتبرع الأول يعود

كانت هذه رحلة «مرسال» بالأرقام بعد أكثر من 10 سنوات من العمل على الأرض، تلك الرحلة التي بدأت بمتبرع مجهول عاد للظهور مرة أخرة بعد 10 سنوات، ومن خلال صديق مشترك، تواصلت «هبة راشد» تليفونيًا مع المتبرع الذي كان سببًا في كل هذا الخير وأخبرته عن التحولات الكبيرة التي حصلت في مرسال.

خلال الاتصال حكى لها المتبرع المجهول لأول مرة حكاية الـ 20 ألف جنيه، وقال لها أنه عندما قابلها وقتها كان يرغب في استثمار المبلغ لأطفاله عام 2014، لكنه قرر التبرع به لأ هذا هو الاستثمار الأفضل لهم.

بعد هذا الاتصال التقت هبة بالمتبرع لأول مرة بمكتبها كرئيس تنفيذي للمؤسسة في أبريل 2024 بعد 10 سنوات كاملة. تقول لي هبة عنه: «هو رجل أعمال، ولديه شركة خاصة، وخلال تلك الفترة تعرض لكبوات ومحن كثيرة في عمله وحياته ثم في السنوات الأخيرة ربنا فتح عليه من وسع كبير، وتوسع نشاطه في دول أخرى بجانب مصر».

خلال اللقاء الأول، انبهر الرجل بما جرى في رحلة مرسال. واكتشفت هبة أنه خلال تلك السنوات كان يواظب على التبرع للمؤسسة ويتابع أخبارها من بعيد، وكانت لديه أفكار من عينة أنه لن يلتقي هبة راشد مرة أخرى إلا في الآخرة. كان لا يصدق ما يراه ويسمعه وكاد يبكي من الفرحة وهو يسمع منها قصة مرسال وما جرى فيها.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

برج القاهرة مضاء باسم مرسال.

حلم هبة

بجانب نجاحها في إدارة مرسال، كانت تسعى «هبة» في التعلم والدراسات العليا، وتقدمت للحصول على منحة لدراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية بالقاهرة 3 مرات لكنها لم تنجح. ثم سعت بعدها لدراسة الماجستير في جامعة أكسفورد بانجلترا، ولم يُقبل الطلب في العام الأول وتقدمت في العام التالي بعدما أعددت الطلب جيدًا وتم قبولها.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد في إنكلترا.

خلال تلك الرحلة حصلت هبة راشد على تكريمات وأوسمة وشهادات تقدير من جهات كثيرة، منها هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ضمن السيدات الأكثر تأثيرًا عام 2020، وتكريمات من السفارات المختلفة كالألمانية والهولندية والكندية والمكسيكية، كما حصلت على جائزة صديق المهاجرين من منظمة الهجرة الدولية إحدى وكالات الأمم المتحدة، وتم انتخابها عضوا في مجلس التحالف الوطني للعمل الأهلي.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

تكريم هبة راشد.

تحولت «هبة راشد» من شخصية كانت تخشى مواجهة الجمهور و«لخمة» وتخجل من مواجهة المرآة وترتعش عند إلقاء كلمة أمام جمع إلى شخص آخر تمامًا، تخطب في تيدكس وتحكي قصة مرسال في المؤتمرات الكبيرة وتوقع بروتوكولات تعاون مع رؤساء أكبر الشركات والجهات.

حكاية "هبة راشد".. من التنمر والخوف من النظر في "المراية" إلى إدارة مُؤسسة بـ "المليارات"

هبة راشد تلقي كلمة خلال مؤتمر صحة أفريقيا خلال الشهر الجاري.

ختامًا تخبرني هبة عن أحلامها فتقول: «حلمي أن تنطلق مرسال للعالمية وأن أصبح مستشارة للجمعيات الأهلية لمساعدتهم إنهم يكبروا ويعتمدوا على نفسهم. وطموحي الشخصي أن أتزوج وأنجب».