عالم عربي أصبح من أهم علماء علوم المواد
يشق علماؤنا طريقهم الوعر والصعب لسنوات دون أن يدري أحد عنهم شيئًا إلا بعد تحقيقهم نجاحات كبيرة، فلم يعرف المصريون عن زويل إلا بعد حصوله على نوبل، ولا عن مجدي يعقوب إلا بعد حصوله على لقب «سير» ثم لقب «فارس» من ملكة بريطانيا، لكن في السنوات الأخيرة استطاعت مجموعة من خيرة شباب العلماء المصريين تحقيق نجاحات علمية كبيرة على مستوى العالم. كتبت عن بعضهم مثل إلهام فضالي وماهر القاضي، والقائمة تطول.
أحد هؤلاء العلماء الذين برزوا خلال السنوات العشر الأخيرة هو الدكتور «مايكل نجيب»، أستاذ المقتبل الوظيفي كين وروث أرنولد في العلوم والهندسة والأستاذ المشارك بجامعة تولين في مدينة نيو أورليانز بالولايات المتحدة الأمريكية الذي نشر 112 ورقة بحثية في دوريات ومجلات علمية دولية مرموقة، 12 منهم تم اختيارها أغلفة للمجلات العلمية. ولديه حتى الآن 6 براءات اختراع دولية، وألقى عشرات المحاضرات في مؤتمرات دولية وفي جامعات في أمريكا وأوروبا والصين.
أحد أهم علماء علوم المواد
«مايكل نجيب» هو أحد أهم علماء علوم المواد في العالم، وله الفضل في اكتشاف وتخليق عائلة جديدة من المواد ثنائية الأبعاد والمعروفة باسم عائلة المكسينات أو الماكسينز”MXenes” وهو ضمن قائمة أكثر 0.1 ٪ من علماء العالم استشهادًا أكاديميًا في مختلف التخصصات، كما حصد العديد من الجوائز سنتطرق إليها فيما بعد، فمن هو هذا العالم المصري الشاب النابه والنابغ وكيف وصل إلى ما وصل إليه؟ رحلة مليئة بالتفاصيل والحكايات.
النشأة والدراسة
ولد مايكل نجيب عبد المسيح عبد الملاك في 31 أغسطس عام 1985. لأبوين مصريين. تعود جذور والده إلى محافظة سوهاج بصعيد مصر، وكان يعمل في إدارة التفتيش والجودة بشركة النصر لصناعة السيارات بحلوان، وتعود جذرو والدته لمدينة الأقصر وكانت تعمل موظفة مدنية في وزارة الداخلية المصرية. درس «مايكل» في المرحلة الابتدائية بمدرسة وادي النيل الخاصة الابتدائية، ثم انتقل إلى مدرسة زهراء حلوان بنين الحكومية في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
تفوق «مايكل نجيب» في دراسته ولاحظ أساتذته تميزه في العلوم، فكان يجري التجارب المعملية ويعيد تطبيقها في المنزل. يمتلكه الفضول لتفكيك جهاز التلفزيون أو الراديو لمعرفة ما بداخلهما في غياب الوالدين بطريقة يستطيع من خلالها إعادة الشيء لأصله قبل عودتهما. وكان «مايكل» ممنوعًا من اللعب في الشارع، ومتاح له اللعب بالألعاب المنزلية مع جيرانه أو مع شقيقته «إنجي» التي تكبره بعام ونصف العام فقط، وكانت تعامله كأنها والدته ثم أصبحت صديقته الصدوقة، التي يلجأ إليها ويستئنس برأيها.
رغبة الأب وقرار الابن
كانت رغبة والدي «مايكل» أن يصبح طبيباً، بينما يرغب هو في دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم تلاشت رغبته تلك وأصبح أكثر ميلًا لدراسة الهندسة. بمجرد ملء استمارة الثانوية العامة أبلغ والده أنه لن يدرس في قسم علمي علوم لأزمته مع مادة الأحياء في الصف الأول الثانوي. درس علمي رياضيات، وحصل على ما يقرب من 96 %. وذهب به التنسيق إلى هندسة القاهرة.
لم يكن «مايكل نجيب» أبداً الطالب الدحيح. لديه اهتماماته الشخصية مثل قراءة القصص، والذهاب مرة أسبوعيًا إلى المكتبة، ومطالعة مجلة علاء الدين في طفولته، ثم بدأ في اقتناء سلسلة عالم المعرفة ومكتبة الأسرة من مصروفه الخاص، ثم روايات نجيب محفوظ والأدب العالمي وقراءة كتب عن التاريخ وعلم النفس. يذهب إلى السينما بانتظام ولم تفته مسرحية واحدة من مسرحيات المسرح القومي.
قسم التعدين بهندسة القاهرة
في العمارة التي كان يعيش فيها «مايكل نجيب» في حلوان، يدرس أحد جيرانه في هندسة البترول. أعجبت مايكل طريقة دراستهم وسفرهم لأسبوعين في الصحراء ثم العودة. أحب المغامرة، ومن هنا قرر دخول قسم التعدين بكلية الهندسة جامعة القاهرة لوجود تخصص البترول بداخله بالإضافة إلى الفلزات والمناجم.
يقول مايكل: «بدأت الاهتمام بالمذاكرة بداية من سنة أولى، وكانت من ضمن المواد التي أدرسها هندسة وعلوم المواد، وتقوم بتدريسها الدكتورة إيمان المحلاوي وهي سبب عشقي للمادة، ومهما قلت فلن أوفيها حقها. تدريس بسلاسة وشخصيتها تشعرك أنها أم لكل الطلبة، تتواصل معهم وتحببهم في المادة، وتهتم بهم، وحتى ذلك الوقت كنت لا زلت أرغب في التخصص في البترول، وأريد تجربة المغامرة».
يضيف: «انتهيت من أولى جامعة، وكنت من الأوائل، ثم نخضع لتنسيق داخلي لتحديد التخصص، سواء بترول أو فلزات أو مناجم. أعلى 100 طالب في التقدير عادة ما يدخلون البترول، ويليهم 70 طالب يختارون فلزات، وآخر 30 طالب مجبرون على المناجم. تغيرت نظرتي لقسم البترول، لأن فرص العمل به غير مضمونة، واخترت الفلزات ووقتها كان أسعد شخص هو الذي تركت له فرصة دخول قسم البترول بدلًا مني».
معاناة البحث العلمي في مصر
قضى «مايكل نجيب» التدريب الصيفي خلال الدراسة الجامعية في شركات البترول، مثل شلمبرجير وشركة بلاعيم، وفي مركز بحوث الفلزات، وشركة النحاس بالإسكندرية، ومصنع الألومنيوم في نجع حمادي وشركة أوراسكوم. كانت المحصلة بعد التدريبات في الشركات والمصانع، هي اتخاذه قرارًا بعدم العمل في القطاع الخاص لأن دوره فيه سيكون محدودًا وسيصبح مجرد ترس في ماكينة كبيرة، بينما يرغب هو في حرية إبداع أكبر.
أدرك «مايكل» خلال مشروع التخرج أنه سيعاني من ممارسة البحث العلمي في مصر، فيذكر لي على سبيل المثال، أنه عندما أراد الحصول على صورة من الميكروسكوب الالكتروني الموجود في مركز بحوث الفلزات، وجد طابورًا طويلًا على الجهاز ما يستدعي منه الانتظار ثلاثة أشهر. اضطر بسبب ذلك إلى الذهاب لمعهد التكنولوجيا في جامعة بنها لاستخدام الميكروسكوب الخاص به. نفس الصورة التي كان ينتظرها 3 أشهر في مصر، كانت تستغرق منه فقط خمس دقائق في مرحلة الدكتوراه في أمريكا.
سعد الراجحي
رغم تفوقه كل عام في الكلية، إلا أنه خلال تلك الفترة أصابه إحباط شديد بسبب أحاديث أقاربه وأشخاص يعرفهم في الكنيسة عن يقينهم باستبعاد تعيينه معيدًا بسبب ديانته. أوصاه هؤلاء بأن ينسى ذلك الحلم رغم محاولاته التوضيحية المتكررة لهم بأن القسم الذي يدرس فيه مختلف وأنه لا يشعر بأي تمييز ديني من أساتذته.
يقول لي مايكل: «هذا الانطباع كان سائدًا للأسف، وكوني تم تعييني معيدًا لا ينفي احتمالية أن آخرين يواجهون تمييزًا في كليات وجامعات أخرى، وأتذكر أنه في السنة الثانية بالكلية طلب الدكتور سعد الراجحي – الأستاذ بنفس القسم – مقابلتي بعد معرفته بوجود طالب متفوق بالقسم اسمه مايكل، وقال لي في نهاية الجلسة: (لو احتجت أي شيء تعالالي، اعتبرني أبوك هنا، لو أي حد ضايقك أو استقصدك تعالى). الحوار دا طمني وخلاني أحس إن القسم مختلف والناس مختلفة. بدأت أعرف كذلك دكتورة إيمان المحلاوي وكانت مشغولة بأحوال الطلاب وحل مشاكلهم ولديها استعداد لبذل وقتها ومالها من أجل طلابها، وتكريمها من رئيس الدولة كأم مثالية في 2024 هو تكريم مستحق».
صفر يا ولد
على النقيض من الدكتور «سعد الراجحي» وكيل هندسة القاهرة السابق، وباقي أساتذة قسم الفلزات، لا ينسى «مايكل» خلال دراسته الجامعية الصفر الكبير الذي حصل عليه في إحدى المواد لأول مرة في حياته، فكان أحد أساتذة الجامعة قد وضع جزءًا كبيرًا من درجة المادة التي يدرسها على الشفوي، ومنح «مايكل» في الشفوي صفرًا. يومها سأله مايكل بإندهاش صفر من كام؟ فقال له بتهكم: «صفر من أي حاجة.. هو صفر يا وله (ولد)».
يقول مايكل: «الحمد لله لم يؤثر هذا الموقف على تقديري التراكمي ومرتبة الشرف لأن الإمتحان التحريري كان بأرقام سرية، ونجحت في المادة. وأنا لا أحب الحديث على أنني كنت مضطهدًا. هذا الموقف كان كوميديًا، فالأستاذ نظر لي بقرف، وسألني أكثر من سؤال وأجبت عن كل الأسئلة، وقالي الجملة الشهيرة «صفر من أي حاجة.. هو صفر يا وله.. اطلع بره».
رفض «مايكل نجيب» أن يذكر لي اسم الأستاذ أو اسم المادة حتى لا يتم التعرف عليه، خاصة أنه توفاه الله. وفي النهاية تخرج «مايكل» بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ونادرًا ما كان يحصل الخريجون على امتياز مع مرتبة الشرف في هذا القسم. وتم تعيينه معيدًا وجاء ذلك مخالفًا لتوقعات أقاربه وأصدقائه وإثباتًا لوجهة نظره بأنه في مكان مختلف ولا يتعرض لأي تمييز.
خلال العمل معيدًا، تولى «مايكل» المساعدة في تدريس العديد من المقررات الجامعية مثل: (علم المواد، وتحليل الإجهاد (نظرية المرونة واللدونة)، وتشكيل المعادن والدرفلة، وعلم المعادن الفيزيائية، والاختبارات الميكانيكية، و الاختبارات غير الاتلافية، واختيار المواد، والكتابة الفنية).
رأفت القوصي
يعتبر «مايكل» نفسه مدينًا بفضل كبير في حياته للدكتور «رأفت القوصي» أحد أساتذة هندسة القاهرة المعدودين والمشهورين، لما كان له من علاقات قوية وخبرات كبيرة في قطاع الصناعة. بدأ «مايكل» العمل معه في معمل الاختبارات الميكانيكية واختبارات اللحام في سبتمبر 2007، فيقول عنه: «كانت من أجمل تجارب حياتي، وتعلمت منه كم كبير من العلم والمعرفة والخبرة العملية والعلمية والحياتية، لم يكن يبخل بمعلومة. تجربة في منتهى الجمال. كان شخصًا موسوعيًا. ومعه الدكتورة ناهد عبدالرحيم.. كانا مهتمان بمساعدتي بخلاف ما كنت أسمعه عن معاناة زملائي في الكليات الأخرى. لم يضعا لي أي عراقيل وهذا ما أحاول فعله مع الطلبة الذين أقوم بالتدريس لهم حاليًا في أمريكا».
سعد الراجحي مرة أخرى
عاد الدكتور «سعد الراجحي» للظهور مرة أخرى، وطلب لقاء «مايكل» ليسأله عن خططه المستقبلية بعد الانتهاء من الماجستير. أخبره «مايكل» برغبته في أن تكون الدكتوراه في المواد المتقدمة من أمريكا أو كندا، فكانت المفاجأة أن طلب «الراجحي» منه نسخة من سيرته الذاتية، ثم أرسلها لابنه د. تامر الراجحي الذي كان قد حصل على الدكتوراه من أمريكا، ولديه أبحاث منشورة ومشهورة وما يزال على تواصل مع أستاذه وزملاء دراسته في أمريكا ومنهم من أصبحوا أساتذة في جامعات أمريكية.
يقول «مايكل نجيب»: «أرسل د. تامر الراجحي سيرتي الذاتية لاثنين من الأساتذة، أحدهم هو مشرفه السابق في الدكتوراه في أمريكا، العالم المصري الدكتور ميشيل برسوم الأستاذ بجامعة دريكسل. لم أكن قد انتهيت من الماجستير حينها، فأجريت مقابلة بالتليفون مع الدكتور ميشيل وسألني بعض الأسئلة ثم طلب مني الاستعداد للانضمام إلى فريقه البحثي في أغسطس 2009. أبلغته أنني لا أستطيع السفر قبل الانتهاء من الماجستير، وعرضت الأمر على د. رأفت القوصي ود. ناهد عبد الرحيم، فساعداني للانتهاء من الماجستير بسرعة عبر إتمام التجارب، وساعدتني د. راندا عبد الكريم في إتمام تجارب متعلقة بمقاومة الصدأ رغم أنها لم تكن مشرفتي. وانتهيت من الماجستير والتويفل، واختبار جي آر اي (GRA) وهو اختبار تقييم الخريجين، لقياس قدرة الطالب على التفكير والتحليل في مجالات الكتابة التحليلية، والرياضيات، والمفردات، وهو بوابة الدخول إلى الدراسات العليا في كثير من الجامعات حول العالم».
في 21 ديسمبر 2009 أوصت لجنة المناقشة بمنح المهندس مايكل نجيب عبد المسيح عبد الملاك درجة الماجستير في هندسة الفلزات.
مايكل بالـ K مش ch
موقف آخر لا ينساه «مايكل نجيب» بسبب كتابة حروف اسمه بالإنجليزية. يقول لي: «عندما كنت أستعد لإنهاء إجراءات السفر لأمريكا، قدمت طلبًا لاستخراج شهادة التخرج باللغة الإنجليزية وبعد استلامها اكتشفت أن اسمي مكتوب بطريقة خاطئة، فطلبت تعديله. هنا استدعت الموظفة مديرها المباشر، وقال لي (هو هيتكتب كدا بالـ K مش ch لأنه يُكتب كما ينطق). حاولت أن أشرح له أن هذا اسم معروف في الخارج ويكتب كما يكتبونه Michael وليس Mikel لكنه أصر على موقفه. وقال لي (روح اشتكي لوكيل الكلية). يومها لم يحل وكيل الكلية المشكلة وطلب مني التحدث مع العميد، وعرف الموظف بالأمر فسبقني وذهب للعميد ويومها قال لي العميد: (مايكل، ميشيل، ميخائيل.. مش فارقة)».
يضيف مايكل: «توسط كثيرون، إلا أن الموظف طلب مني إصدار الشهادة باللغة العربية والذهاب لمكتب ترجمة معتمد لترجمتها لكني رفضت. حينها ذهبت إلى رئيس الجامعة ووجدت قرارًا من الجامعة يوصي بكتابة الاسم كما هو موجود في جواز السفر، وكنت أعتقد أن الموضوع تم حله بهذا القرار لكن الموظف رفض وأصر على موقفه. حتى تدخل وكيل آخر للكلية، واستدعى الموظف وقاله: (دا ابننا ومسافر بره وهمس بكلمتين في أذنه، بعدها أصدر لي الشهادة وكتب فيها اسم مايكل كما هو معروف في العالم أجمع Michael». ولا يعرف «مايكل» حتى اليوم ما الذي قاله وكيل الكلية للموظف في أذنه وجعله يغير رأيه المتعنت.
حينها شعر «مايكل» بالظلم، لأن عميد كليته لم يسمعه عندما سبقه الموظف وتحدث معه، يقول: «جالي العميد يومها وخبط على كتفي من ورا زي اللي بيقولي: (مع السلامة)». في النهاية حصل «مايكل» على الشهادة وعلى تأشيرة السفر لأمريكا، وغادر مصر بعدها بأيام معدودة وتحديدًا في 30 ديسمبر 2009.
السفر إلى أمريكا
كانت رحلة مايكل لأمريكا هي الأولى له خارج مصر، يقول عنها: «تجربة مثيرة وفيها شغف بجانب القلق. كنت (تعليم حكومي) ومقبل على ثقافة جديدة وحياة بمفردي وجو مختلف. سافرت في عز البرد، ولأول مرة في حياتي أرى الثلوج. حياة مليئة بالقلق والترقب والإثارة. وكان ينتظرني في المطار «محمد شمة» أحد الطلاب المصريين في الجامعة الذي تطوع لاستقبالي، وقد ساعدني كثيرًا ولم يبخل بأى معلومات تساعدني في البدايات، وبذل جهدًا إضافيًا كي أعرف المنطقة والمطاعم وغيرها من التفاصيل. وصلت ليلة رأس السنة وذهبت للجامعة في اليوم التالي والتقيت الدكتور ميشيل برسوم وبدأت الدراسة على الفور، وأدهشني أن معظم المراجع التي كنت أستخدمها في مصر كانت مستخدمة في الجامعة في أمريكا، لذا كنت فخورًا بأساتذتي في مصر».
دراسة «مايكل» الدكتوراه في أمريكا كانت بمنحة من مشرفه مصري الأصل ميشيل برسوم، وليست بتمويل من الحكومة المصرية. لذا كان بدخله إصرار وتحدٍ لإثبات استحقاقه هذه الفرصة والمنحة، فيعمل 12 ساعة متواصلة. تزامن ذلك مع فترة صعبة لوجود مشكلة في الحسابات المتعلقة بتمويل البحث الذي يعملون عليه، ما تسببت في ضائقة مالية أدت إلى توقف المشرف عن تمويل عدد من الطلاب، وكان هذا مصدر تهديد وقلق لـ «مايكل» الذي كان يخشى من الفشل.
الزواج
بعد فترة من القلق والتوتر والسهر والعمل عاد «مايكل» إلى مصر ليتزوج في 26 يوليو 2010 من «مارتينا» التي بدأ التعرف عليها عام 2000 بينما كانا في الثانوية العامة، ثم دخلا الجامعة سويًا في نفس العام 2002، وتخرجت هي من كلية الصيدلة وهو من كلية الهندسة بنفس الجامعة في نفس السنة 2007. وتم تعيينها كصيدلانية في الإدارة المركزية للصيدلة بوزارة الصحة المصرية، وغادرا مصر سويًا لترافق زوجها في رحلة كفاحه ونجاحه في أمريكا.
الاكتشاف الذي غير حياته
كانت «مارتينا» (وش السعد) على «مايكل»، فبعد أيام فقط من زواجهما وعودتهما إلى أمريكا، حصل الاكتشاف العلمي الكبير والطفرة التي حققها باكتشافه وتطويره عائلة جديدة من المواد ثنائية الأبعاد والمعروفة باسم عائلة الماكسينز أو المكسينات “MXenes”، فيقول مايكل: «المواد عبارة عن طبقات، طبقة من الكربيدات ثم طبقة من المعادن، مثل الألومنيوم أو السيليكون أو القصدير، ثم طبقة أخرى من الكربيدات. وهذه المعادن معروف أن لديها قدرة على استيعاب الليثيوم أو تخزينه بكميات كبيرة لكنها تعاني من مشاكل لتغير حجمها بأرقام كبيرة جدًا وتفتتها، والفكرة أن الكربيدات تعطي دعمًا للمعادن، ومن ضمن الأفكار التي فكرت فيها هي خلق مساحة لأيونات الليثيوم بين طبقات الكربيدات، وإننا نحفر أو نشيل طبقة المعادن».
هلع في المعمل
يضيف: «في أحد أيام شهر أغسطس من صيف 2010، اقترحت على د. ميشيل برسوم المشرف على رسالتي التخلص من طبقة المعادن كلها باستخدام حمض الهيدروفلوريك، ضحك وقتها وقال لي إني تعبت علشان أتخلص من جزء لكن ليه لا؟! “جرب”. ذهبت إلى مشرفي الثاني د.يوري جوجوتسي، واقترحت عليه استخدام حمض الهيدروفلوريك المركز، فقالي: (بس دا خطر.. حاول تجرب حاجة تانية). حمض الهيدروفلوريك المركز يتم التعامل معه باحتياطات أمن وسلامة عالية لأنه حمض خطير وقد يؤدي إلى الوفاة إذا لمس الجلد. كانت النتيجة أن سائل الحمض بدأ يغلي وبدأت فقاعات ترتفع في علبة سعتها لتر، واستمر الفوران وابتعدت أكثر من خطوة وشعرت بهلع شديد مما يحدث وانتظرت حتى ينتهي التفاعل لأقوم بالتنظيف».
بعدها وجد «مايكل» أن العشرة جرامات أصبحوا جرامًا واحدًا وأن المسحوق ذات اللون الرمادي تحول لمسحوق أسود وكان هذا أمرًا غريبًا. بدأ في تحليل المسحوق، فوجد أن الألمونيوم اختفى وتبقى التيتانيوم والكربون فقط، وباختبار الأشعة السينية، وجد أن البنية البلورية للمادة تغيرت. وبعد تحليل إضافي وجد أن المادة الجديدة تشبه الجرافين رغم احتوائها على التاتينيوم.
لقاء السابعة صباحًا
طلب «مايكل» مقابلة المشرفين، يوري جوجوتسي وميشيل برسوم، وتم اللقاء في السابعة صباحًا لمناقشة النتائج، يتذكر مايكل ذلك الاجتماع كأنه بالأمس لأنه أنشأ مواد ثنائية الأبعاد من التيتانيوم والكربون. وهذا اكتشاف جديد لم يسبقه إليه أحد من قبل.
كانت سعادة «مايكل» لا توصف لأن تجاربه انتهت إلى إمكانية إنتاج مواد ثنائية الأبعاد، وكان الهدف هو استخدامها في البطاريات لتوفير إمكانية الشحن السريع، وأطلقوا عليها اسم الماكسينز. وخلال فترة الدكتوراه توصل مايكل نجيب وحده إلى اكتشاف 12 مادة جديدة ثنائية الأبعاد.
الإحباط ورفض النشر
واجه «مايكل نجيب» والمشرفان صعوبات في البداية لنشر بحثهم واكتشافهم الجديد عن الماكسينز في مجلة علمية ذائعة الصيت. كان محررو تلك المجلات قلقون، وتم رفض البحث من اثنتين من كبريات المجلات من المحرر نفسه بدون إرساله للمراجعة لكونه بحث جديد ويرى أنه لا يستحق النشر. وفي نفس الوقت لا يمكن لباحث إجبار محرر على نشر بحث.
تسبب عدم النشر في إحباط وحزن شديد لـ «مايكل نجيب»، لكنه في النهاية استطاع نشر البحث في مجلة أدفانسد ماتريالز Advanced Materials المرموقة في 22 أغسطس 2011. حظي البحث بعدها بتغطية علمية وإعلامية كبيرة جدًا وتمت الإشارة إليه 9000 مرة. كان مايكل نجيب هو المؤلف الأول للورقة البحثية المنشورة.
البحث الثاني
بعد أشهر، نشر «مايكل نجيب» ورقته البحثية الجديدة عام 2012، ليثبت أن الماكسينز عائلة من المواد، وذلك في مجلة ACS Nano المرموقة في المواد النانومترية وهذا البحث كان سببًا في حصوله على جائزة «جائزة روس كوفين بورديۛ» كأفضل بحث من هيئة الخزفيات الأمريكية.
بانتهاء «مايكل نجيب» من الدكتوراه، كان قد نشر 25 ورقة بحثية 9 منهم كمؤلف أول. إنتاج بحثي كبير يعود جزء منه إلى العمل لساعات طويلة حتى في الإجازات. يعترف لي فيقول: «كنت محظوظًا لأني أعمل على اكتشاف جديد، وبالتالي كل ما أصل إليه فهو جديد وقابل للنشر لأن أحدًا لم يسبقني إليه».
70 ألف عالم من 100 دولة
منذ اكتشاف مايكل نجيب عام 2011 وحتى اليوم، اكتشف العلماء أكثر من 50 مادة جديدة من المواد ثنائية الأبعاد الماكسينات MXene. وتنبأت أجهزة الكمبيوتر بآلاف أخرى. وفي الوقت الحاضر، يدرس حوالي 70 ألف عالم من أكثر من 100 دولة أبحاثًا عن الماكسينات MXenes. وتخصص المنظمات البحثية ندوات علمية وأعدادًا خاصة من المجلات لهذه المواد.
انتهى هنا الجزء الأول من حكاية «مايكل نجيب»، وفي الجزء الثاني سوف نتحدث عن قرار فصله من جامعة القاهرة وأسبابه، وأهم إنجازاته العلمية عالميًا، والجوائز التي حصل عليها، ونتطرق إلى الاستخدامات الصناعية لاكتشافاته وأبحاثه، ونستعرض الشخصيات التي أثرت في حياته، إضافة إلى علاقته بأسرته في مصر، والإفطار الرمضاني الذي ينظمه في جامعته الأمريكية، ونعرف حكاية كتابه الأول وطالب الدكتوراه المصري الذين تخرج الشهر الماضي على يديه، وتفاصيل أخرى.