الحج “السياسي” المقدّس للشيعة في سوريا
في ظلّ الأوضاع الأمنية المتوترة في الشرق الأوسط، جاء إعلان رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية، عباس حسيني، في 22 أيلول/سبتمبر 2024، ليُسلط الضوء على واقع الأضرحة في سوريا، حيث أعلن عن تعليق رحلات زيارة المراقد والأضرحة لأسباب أمنية.
لطالما كانت الأضرحة في سوريا مواقعَ مقدّسة مفتوحة لجميع المسلمين، تجسد الترابط الروحي بين مختلف الطوائف الإسلامية. إلا أنّ التدخل الإيراني بعد “الربيع العربي” دفع بسردية جديدة تعتبر هذه الأضرحة ممتلكات شيعية خالصة، مما أدى إلى تغيير في طبيعة هذه المواقع.
إيران، من خلال تركيزها على حماية هذه الأضرحة، لم تكتفِ بالجانب الديني، بل استخدمتها كذريعة لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في سوريا. مرقد السيدة زينب في دمشق هو مثال بارز على ذلك، حيث تحولت حمايته إلى أداة لتبرير الوجود الإيراني المتزايد في البلاد.
هذا التوجه أسهم في تعزيز التوترات الطائفية بين السنة والشيعة، وعمّق الفجوة بين الطوائف الدينية. كما أن السياسات الإيرانية في هذا السياق تسببت في إحداث تغييرات ديموغرافية وثقافية في المناطق المحيطة بالأضرحة، مما أدى إلى اضطرابات اجتماعية زادت من تعقيد المشهد السوري.
بات من الضروري إعادة النظر في هذه السرديات، والتأكيد على الهوية الإسلامية المشتركة لهذه الأضرحة لضمان الحفاظ على الترابط الطائفي وتفادي مزيد من التوترات.
من خلال هذا المقال، نستعرض أهمية هذه الأضرحة، والتحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها، مع تسليط الضوء بشكل خاص على وضع الأضرحة في دير الزور.
أهمية الأضرحة والمقامات الدينية للشيعة في سوريا
تحتلّ الأضرحة والمقامات الشيعية في سوريا مكانةَ رفيعة في الوجدان الديني للشيعة على مستوى العالم الإسلامي. مرقد السيدة زينب، الذي يقع في جنوب دمشق، يعدُّ من أهم تلك المواقع، ويحظى بتقديس كبير لدى الشيعة، إذ يُعتقد أنه يحتوي على ضريح السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب.
هذه المكانة الدينية تجعل من المرقد مركزا رئيسيا للزيارات من قبل الحجّاج الشيعة، وخاصة القادمين من إيران والعراق ولبنان. إلى جانب أهميته الروحية، تحوّل هذا المرقد إلى رمز للصمود أمام الاضطرابات والصراعات التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة بالنسبة للنظام السوري والإيراني على حدّ سواء.
تجذب الأضرحة في سوريا، لا سيما مرقد السيدة زينب والسيدة رقية، آلاف الزوار كل عام، والزيارة ليست مجرد طقس ديني فحسب، بل يعتبرها المراقبون أحد أدوات القوى الناعمة التي تستخدمها إيران للنفوذ إلى عمق المجتمع السوري، والترويج للتشيّع، وجذب المجتمعات الهشّة إلى الانخراط في جماعاتها المسلّحة والانتماء إلى التشيّع.
الارتباط بهذه الأضرحة لم يكن فقط شعبيا ودينيا، بل امتد ليشمل دعما سياسيا وعسكريا، فمنذ اندلاع الأزمة السورية في 2011، زادت الأهمية الاستراتيجية لهذه الأضرحة، إذ أصبحت هدفا لحماية المليشيات الموالية لإيران، وتطوّرت هذه العلاقة بين الدين والسياسة بشكل أكثر وضوحا مع استمرار الحرب، حيث باتت حماية هذه المقامات جزءا من الأهداف العسكرية لبعض الأطراف الفاعلة في الصراع السوري.
ولم تقتصر هذه الأضرحة على دمشق فحسب، بل تشمل أيضا مناطق أخرى في سوريا. مرقد السيدة رقية، ابنة الإمام الحسين، يقع في وسط دمشق وهو أيضا مقصد ديني هام، يعزز من الصورة الروحية ويُعدّ واجهة وذريعة لإيران في التوغّل في مختلف مفاصل سوريا كدولة ومجتمع.
لقد جعلت هذه الأهمية الدينية والسياسية من الأضرحة في سوريا محطات رئيسية في أي نقاش حول التدخل الإيراني في سورياـ فإيران لم تنظم فقط رحلات دينية لزيارة هذه المواقع، بل شاركت أيضا في حمايتها بشكل نشط، سواء من خلال قواتها العسكرية أو الميليشيات التي تدعمها. ويعتبر ذلك جزءا من سياستها الأوسع المتمثلة في ربط الحماية العسكرية بالمصالح الدينية والثقافية.
التأثيرات الأمنية والسياسية على زيارات الأضرحة
مع استمرار الصراع السوري على مدى أكثر من عقد، أصبحت الأضرحة الشيعية جزءا من المشهد السياسي والأمني في البلاد، لقد أثرت الحرب والنزاعات المستمرة بشكل مباشر على قدرة الزوار الشيعة على القيام برحلات إلى هذه المواقع الدينية، خاصة مع تعقيد الأوضاع الأمنية في المناطق التي تحتضن هذه الأضرحة.
إعلان تعليق الزيارات من قبل رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية في أيلول/سبتمبر 2024 جاء ليوضح حجم هذه التأثيرات، حيث أعلن بشكل صريح أن الأوضاع الأمنية المتدهورة جعلت من الصعب تأمين هذه الرحلات وضمان سلامة الزوار.
في السنوات الأخيرة، كانت زيارات المراقد في سوريا تتطلب ترتيبات أمنية مشددة، شملت مواكب مسلحة وتنسيقا بين السلطات الإيرانية والسورية، لكن هذا الترتيب أصبح أكثر صعوبة وتحديا مع تزايد المخاطر الأمنية.
إلى جانب الصراع الداخلي في سوريا، ساهمت التوترات الإقليمية أيضا في تدهور الوضع الأمني حول الأضرحة، فقد شهدت سوريا خلال السنوات الماضية تدخلات عسكرية متنوعة، منها الضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة على مواقع يُعتقد أنها تحتوي على ميليشيات مدعومة من إيران، وهذه الضربات، التي غالبا ما تستهدف مناطق قريبة من الأماكن الدينية، جعلت من زيارة الأضرحة مخاطرة كبيرة.
وفي هذا السياق، يُعدّ التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد حزب الله في لبنان عاملا مؤثرا آخر في قرار تعليق الزيارات. في أيلول/سبتمبر 2024، أعلنت إسرائيل عن دخول “مرحلة جديدة” من الحرب مع حزب الله، ما أدى إلى تصعيد العنف في لبنان وسوريا على حد سواء، فعمليات القصف والضربات الجوية التي تستهدف مواقع في لبنان، بما في ذلك الضاحية الجنوبية لبيروت، وحركة النزوح الكبيرة للبنانيين صوب سوريا والتوتر العام في ذلك المربّع، تزيد من صعوبة تأمين سلامة الزوار في هذه الظروف، كما أن التوترات المستمرة بين إسرائيل وإيران تعني أن أي تصعيد إضافي قد يعرض الأضرحة لخطر أكبر.
هذه الأوضاع الأمنية جعلت من استمرارية تنظيم الزيارات تحديًا كبيرا، ليس فقط من منظور الأمان الشخصي للزوار، بل أيضا من ناحية السياسة العامة التي تتبعها إيران في سوريا، فالتصعيد الأمني في المنطقة يضع إيران في موقف حساس، حيث يجب عليها الموازنة بين دعمها للأضرحة وحمايتها، وبين الحفاظ على سلامة مواطنيها الذين يرغبون في زيارة هذه المواقع.
دير الزور والأضرحة الشيعية – الأهمية والتحديات
رغم أنّ مدينة دير الزور ليست من أبرز المدن التي تضم مراقد شيعية معروفة على مستوى العالم الشيعي مثل دمشق، إلا أنّ لها أهمية خاصة في السياق السوري العام والدور الذي تلعبه ضمن التواجد الإيراني في المنطقة، فموقع دير الزور في شرق سوريا على الحدود مع العراق، أكسبها استراتيجية كبرى، ليس فقط بسبب مواردها الطبيعية مثل النفط، ولكن أيضا لدورها كحلقة وصل بين الجماعات المسلحة الموالية لإيران على جانبي الحدود السورية-العراقية.
من الناحية التاريخية والدينية، ورغم أنّ المدينة ليست مركزا رئيسيا للزيارات الدينية الشيعية كما هو الحال في دمشق، إلا أنّ موقعها الجغرافي الاستراتيجي جعل منها مكانا هاما لإيران التي تسعى لتأمين تواجدها العسكري والديني في شرق سوريا. المنطقة تضم بعض المقامات والمزارات الشيعية التي تحظى بأهمية محلية، وقد سعت إيران على مدى السنوات الماضية إلى تعزيز وجودها فيها، خاصة من خلال ميليشياتها التي تعمل على حماية هذه المواقع.
تتوزع المزارات والأضرحة الشيعية في محافظة دير الزور بشكل متنوع، حيث تعد بلدة حطلة من أبرز المواقع التي تحتضن هذه الأضرحة. في قلب البلدة، تقع حسينية الإمام جعفر الصادق، المعروفة سابقا باسم حسينية الملالي، التي تم إعادة ترميمها مؤخرًا لاحتضان مراسم العزاء والفعاليات الدينية.
إلى جانبها، توجد حسينية الإمام الرضا، التي تقدم خدماتها للمجتمع المحلي من خلال إقامة المناسبات الدينية والدروس للأطفال، كما تشهد مدينة دير الزور وجود حسينية أبو الفضل في حي هرابش، والتي تُشرف عليها ميليشيا حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى جامع الحسن والحسين في حي الجورة، الذي يستخدم أيضا لإقامة شعائر دينية مهمة.
تتواجد مزارات أخرى في مدينة الميادين، حيث تُقام مراسم العزاء في حسينية حي التمو وحسينية الحسين، التي تُخصص لعناصر الميليشيات الأجنبية والمحلية، كما أنّ جامع بن لادن القريب من قلعة الرحبة قد تم تحويله إلى حسينية خاصة بميليشيات فاطميون الأفغانية، ولا يستقبل الزوار إلا من الأجانب. هذه المراكز الدينية أصبحت محاور رئيسية لأداء الطقوس الشيعية في المنطقة.
في مدينة البوكمال، تبرز قبة علي في بلدة السويعية، التي تعود إلى تاريخ طويل حيث يُعتقد أنها كانت مكان جلوس ناقة الإمام علي بن أبي طالب. تم ترميم هذا المزار من قبل ميليشيات حركة النجباء العراقية ليصبح مركزا جديدا للزيارة. بالإضافة إلى ذلك، هناك حسينية العباس في حي الجمعيات، التي تحولت من مسجد عبدالله بن عباس إلى حسينية خاصة بالميليشيات العراقية، ويعكس مزار عين علي في بادية القورية التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة، حيث تم ترميمه مؤخرا وتطويره لاستقبال الزوار الشيعة من العراق وإيران والكويت، مما يجعله من أبرز المعالم الدينية في المنطقة.
مع دخول الصراع السوري في مراحل معقدة جديدة، أصبحت دير الزور مركزا لوجود الميليشيات المدعومة من إيران مثل “حزب الله” العراقي و”فاطميون“، التي تتواجد في المنطقة لحماية خطوط الإمداد الإيرانية بين العراق وسوريا، وفي إطار ذلك، تعرضت هذه المنطقة لهجمات مستمرة من قبل تنظيم “داعش” في فترات سابقة، وكذلك لضربات جوية من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي استهدفت مواقع إيرانية ومخازن أسلحة في المنطقة. هذا الوضع الأمني المضطرب أثر بشكل مباشر على الأماكن الدينية والمزارات، وأدى إلى تقليص عدد الزوار بشكل كبير، بل وحتى تعليق الزيارات في بعض الأوقات.
من الجانب السياسي والأمني، تشكل دير الزور منطقة صراع مستمر بين قوى متعددة، من بينها قوات النظام السوري، الميليشيات المدعومة من إيران، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي. هذه المنطقة الحساسة أصبحت ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية، ما جعل من الصعب تأمين أي استقرار مستدام فيها، ومع استمرار الهجمات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف مواقع تابعة لإيران، تزداد التحديات الأمنية التي تواجه حماية المواقع الدينية في المنطقة.
على الرغم من هذه التحديات، فإنّ إيران تواصل جهودها لتعزيز وجودها في دير الزور، سواء من خلال إرسال قوات إضافية أو من خلال دعم الميليشيات المحلية. يهدف هذا الدعم إلى حماية خط الإمداد الإيراني الذي يمتد من إيران عبر العراق وصولا إلى سوريا ولبنان، وكذلك حماية الأماكن والمزارات الدينية التي تعد جزءًا من استراتيجية إيران في ترسيخ نفوذها في المنطقة.
دور إيران في دعم وحماية الأضرحة الشيعية في سوريا
إيران تلعب دورا مركزيا في حماية الأضرحة والمقامات الشيعية في سوريا، ليس من منطلق ديني، بل كجزء من استراتيجيتها السياسية والعسكرية الأوسع في المنطقة، فمنذ بداية الحرب السورية في عام 2011، أصبح تأمين الأضرحة، وخاصة مرقد السيدة زينب في دمشق، جزءا وذريعة من تواجد إيران العسكري في سوريا، من خلال إرسالها قوات ومجموعات مسلحة تابعة لها مثل “حزب الله” اللبناني و”فاطميون” الأفغانية، عملت إيران على تأمين هذه المواقع من الهجمات المزعومة، خصوصا من الجماعات المتطرفة التي استهدفت بعض هذه الأضرحة.
الدور الإيراني في حماية الأضرحة تجاوز مجرد الوجود العسكري، ليشمل أيضا جهودا ثقافية ودينية تهدف إلى تعزيز الطابع الشيعي لبعض المناطق في سوريا، فعلى سبيل المثال، إلى جانب مرقد السيدة زينب، تعمل إيران على تعزيز مزارات أخرى في مناطق مختلفة من البلاد، ما يعكس توجها نحو تكريس وجودها في سوريا من خلال البعد الديني.
هذا الدعم لا يقتصر على إرسال قوات عسكرية فقط، بل يشمل أيضا تمويل عمليات إعادة إعمار بعض الأضرحة التي تضرّرت جراء الحرب. إعادة إعمار مرقد السيدة زينب، الذي تعرض محيطه لهجمات عدة، يُعد رمزا للتدخل الإيراني الذي يحمل أبعادا دينية واستراتيجية في آن واحد.
إيران تستغل هذه الأضرحة كأدوات لتعزيز نفوذها، ليس فقط بين الشيعة في سوريا، بل أيضا بين المجتمعات الشيعية في المنطقة ككل، وذلك من خلال تنظيم زيارات دينية وتقديم الدعم المالي، ومع ذلك، تواجه إيران عقبات وتحديات متزايدة في هذا السياق.
التوترات الأمنية المستمرة في سوريا، خاصة في ظل الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة، تعرقل جهود إيران لحماية وجودها ومنها هذه الأضرحة بشكل فعال.
إلى جانب التحديات الأمنية، هناك عقبات سياسية أخرى تواجه إيران في هذا المسعى، فالتواجد الإيراني في سوريا يثير حفيظة العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي ترى في هذا التواجد تهديدا لاستقرار المنطقة.
الضغوطات السياسية المفروضة على إيران، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية، تؤثر أيضا على قدرتها على تمويل هذه العمليات بشكل مستدام.
بالإضافة إلى التحديات الخارجية، تواجه إيران توترات داخلية فيما يتعلق بمسألة دعم وحماية الأضرحة، فمع تزايد الضغوط الاقتصادية داخل إيران، تصاعدت الأصوات المعارضة التي تنتقد تخصيص الموارد لحماية الأضرحة في سوريا على حساب الاحتياجات الداخلية.
هذه الانتقادات تضع القيادة الإيرانية في موقف صعب، حيث يتعين عليها الموازنة بين الحفاظ على نفوذها في سوريا وبين تلبية المطالب الشعبية داخل البلاد، ورغم هذه التحديات، لا يبدو أن إيران مستعدة للتخلي عن دورها في حماية الأضرحة.
على العكس، يبدو أن طهران ملتزمة بمواصلة هذا الدعم كجزء من استراتيجيتها الأوسع للحفاظ على نفوذها في سوريا والشرق الأوسط. إذ تظلّ الأضرحة جزءا لا يتجزأ من أدوات القوة الناعمة الإيرانية، التي تستخدمها لتعزيز ارتباطها بالعالم الشيعي وتعميق علاقاتها مع المجتمعات الشيعية في سوريا وخارجها.
ماذا لاحقا؟
مع استمرار النزاعات المسلحة في سوريا والتوترات الإقليمية في المنطقة، يبقى مستقبل الأضرحة الشيعية في سوريا، والزيارات المرتبطة بها، مرهونا بالتطورات السياسية والأمنية. الأضرحة التي كانت لوقت طويل مراكز روحية ودينية أصبحت جزءا من صراع أوسع على النفوذ في الشرق الأوسط، حيث تتداخل العوامل الدينية والسياسية والعسكرية.
لقد أظهرت إيران التزاما طويل الأمد بحماية هذه الأضرحة، سواء من خلال الدعم العسكري أو التمويل، ويبدو أن هذا الدور سيستمر رغم التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها في سوريا.
الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف المواقع الإيرانية، إلى جانب التصعيد المستمر مع الجماعات المسلحة، وخاصة في دير الزور والمناطق الحدودية، تظل تشكل تهديدا كبيرا على التواجد الإيراني في البلاد وعلى سلامة الزوار الذين تغذّي زياراتهم الدعاية الشيعية المتكرّرة والمستمرة.
من جهة أخرى، يبدو أن تعليق رحلات الحج والزيارة الإيرانية إلى سوريا هو قرار تكتيكي نابع من القلق المتزايد بشأن أمن الزوار، لكنه قد يكون أيضا إشارة إلى تحول استراتيجي في طريقة إيران إدارة وجودها في سوريا، فإيران تسعى باستمرار للحفاظ على توازن بين حماية مصالحها الاستراتيجية وتأمين المواقع الدينية، وبين تجنب التصعيد العسكري الذي قد يعرض وجودها للخطر.
أما على مستوى التوقعات المستقبلية، فمن المرجح أن تستمرّ الزيارات إلى الأضرحة الشيعية، لكن بوتيرة منخفضة وفي ظل إجراءات أمنية مشددة، وقد تكون هناك فترات من الاستقرار النسبي تسمح بعودة بعض الزوار، لكن تظل المخاطر الأمنية المحيطة بالأضرحة، وخاصة في المناطق مثل دير الزور، تحديا دائما.
إلى جانب ذلك، من المحتمل أن تستمر الضغوط الدولية على إيران بسبب دورها في سوريا، وهو ما قد يؤثر على قدرتها على تخصيص الموارد لحماية الأضرحة وتنظيم الزيارات، ومع ذلك، تظل الأضرحة جزءا لا يتجزأ من الهوية الشيعية ومن نفوذ إيران في سوريا، مما يجعل من الصعب تخيل تخلي إيران عن دورها في هذا السياق.
في النهاية، يمكن القول إنّ مستقبل الأضرحة الشيعية في سوريا مرتبط بشكل مباشر بمسار الحرب السورية والتوترات الإقليمية الأوسع في ظل استمرار النزاعات وعدم وجود حل سياسي واضح في الأفق، من المتوقع أن تبقى هذه الأضرحة محط أنظار العديد من الأطراف، سواء لأسباب دينية أو سياسية.