النظام السوري يسعى إلى استعادة السيطرة الكاملة على دير الزور بدعم إيراني

تمثّل دير الزور، بموقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية، واحدة من أبرز المناطق المحورية في الصراع السوري، حيث تشهد تقاطعا للمصالح المحلية والإقليمية والدولية. تقع المنطقة على ضفاف نهر الفرات بالقرب من الحدود العراقية، ما يمنحها أهمية استراتيجية كممر حيوي للتجارة والنقل، إضافة إلى مواردها النفطية والغازية التي جعلتها موضع تنافس بين قوى متعددة.

منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، أصبحت دير الزور ساحة لتنافس عسكري وسياسي بين القوى المختلفة، في مرحلة ما بين القوى المتصارعة والمتناوبة هناك، من قبيل “الجيش الحر” وتنظيم داعش، ولاحقا بين النظام السوري المدعوم من الميليشيات الإيرانية، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، إضافة إلى الدور الروسي المتنامي في المنطقة.

يسعى النظام السوري إلى استعادة السيطرة الكاملة على المحافظة بدعم إيراني يعزز نفوذه عبر “الهلال الشيعي“.

في المقابل، تعمل روسيا على تأمين مصالحها الاقتصادية والعسكرية من خلال السيطرة على الموارد الطبيعية وبناء قواعد استراتيجية، في حين يهدف التحالف الدولي إلى محاربة الإرهاب وضمان استقرار المناطق التي تسيطر عليها قسد.

أدت هذه التحولات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في دير الزور، حيث يعاني السكان من النزوح المستمر، تدهور الخدمات الأساسية، وارتفاع معدلات الفقر. التنافس على الموارد والاستراتيجيات العسكرية أضاف طبقة جديدة من التعقيد على إمكانية تحقيق استقرار دائم في المنطقة.

رغم التحديات، توجد محاولات لتحقيق الاستقرار من خلال دعم التحالف الدولي لإعادة الإعمار وتعزيز دور العشائر المحلية كوسيط بين الأطراف المتنازعة. إلا أن غياب حل سياسي شامل يجعل هذه الجهود غير كافية لتجاوز التوترات المستمرة.

تشير السيناريوهات المستقبلية إلى احتمال استمرار الصراع مع تصاعد التوترات بين القوى المتنافسة، خصوصًا مع تعقيد العلاقة بين روسيا وإيران. ومع ذلك، تبقى إمكانية التفاهم الجزئي قائمة من خلال المفاوضات الدولية ودور العشائر في تعزيز التوازن المحلي.

في النهاية، يظل تحقيق استقرار طويل الأمد في دير الزور مرهونا بإرادة سياسية دولية وإقليمية لتجاوز المصالح الضيقة والعمل على إعادة بناء النسيج الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، وهو ما سيحدد مصير دير الزور كسوريا المصغرة التي تعكس تحديات البلاد بأكملها.

دير الزور في قلب الصراع

تعد دير الزور، الواقعة في شرق سوريا على ضفاف نهر الفرات، واحدة من أبرز المناطق الجغرافية ذات الأهمية الاستراتيجية في البلاد.

تُعرف هذه المحافظة الغنية بالموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، بأنها نقطة تقاطع حاسمة بين المصالح الإقليمية والدولية، ما جعلها مسرحا لصراعات متشابكة.

من ناحية، تتنافس قوى محلية كالنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على السيطرة عليها، ومن ناحية أخرى، تلعب قوى إقليمية ودولية دورا حاسما، بما في ذلك الميليشيات الإيرانية، النفوذ الروسي، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

منذ اندلاع الأزمة السورية، تحولت دير الزور إلى رمز للتشابك السياسي والعسكري الذي يعكس طبيعة الصراع في سوريا. فالنظام السوري يسعى لاستعادة سيطرته على كل شبر من البلاد، بينما تعمل الميليشيات الإيرانية على تعزيز نفوذها الإقليمي عبر ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي”.

في المقابل، تحافظ روسيا على وجودها الاستراتيجي لتحقيق مصالحها الاقتصادية والعسكرية، فيما تسعى الولايات المتحدة وقوات قسد إلى تثبيت وجودهما في مواجهة نفوذ داعش سابقا والتدخلات الإقليمية المستمرة.

تعرف على أهمية دير الزور وسيناريوهات الصراع والاستقرار في سوريا والمنطقة

هذا المقال يهدف إلى تسليط الضوء على الصراع في دير الزور، حيث تتشابك المصالح والأهداف بين هذه القوى المختلفة. كما يسعى لتحليل تأثير هذه التداخلات السياسية والعسكرية على استقرار المنطقة وسكانها، مع استشراف المستقبل في ظل هذه التحديات المستمرة.

أهمية دير الزور الجيوسياسية والاقتصادية

تتميز دير الزور بموقعها الجغرافي الفريد الذي جعلها أحد أبرز المراكز الاستراتيجية في سوريا، فهي تقع على مقربة من الحدود العراقية، ما يمنحها دورا محوريا في الربط بين سوريا والعراق، ويمتد تأثيرها إلى دول الجوار.

هذا الموقع الجغرافي جعلها منطقة عبور حيوية للتجارة والنقل بين الشرق الأوسط وأوروبا، كما أنها تمثل عقدة استراتيجية لتواصل القوى الإقليمية والدولية.

منذ بداية الأزمة السورية في العام 2011، أدركت الأطراف المتصارعة أهمية السيطرة على هذه المنطقة لتعزيز نفوذها وفرض سياساتها.

علاوة على ذلك، تمتلك دير الزور ثروات طبيعية هائلة، أبرزها النفط والغاز. تضم المحافظة بعضا من أكبر الحقول النفطية في سوريا، مثل حقل العمر، الذي يُعد أكبر حقل نفطي في البلاد، وحقل كونيكو للغاز، بالإضافة إلى حقل التيم.

هذه الموارد جعلت المنطقة محط أطماع القوى المتصارعة، حيث تسعى كل جهة إلى السيطرة على هذه الثروات لتمويل عملياتها العسكرية وضمان نفوذها في مستقبل البلاد.

وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا، أصبح التحكم في موارد النفط والغاز قضية أساسية في المعادلة السياسية والعسكرية.

إلى جانب الأهمية الجغرافية والاقتصادية، تمتاز دير الزور بتركيبتها السكانية المتنوعة التي تضم عشائر وقبائل عربية بارزة.

هذه العشائر تلعب دورا مهما في التوازنات المحلية، حيث يتمتع شيوخها بنفوذ كبير على الأرض. ومع تعمق الصراع، أصبحت العشائر جزءا من شبكة التحالفات والصراعات بين القوى المتنافسة.

فمن ناحية، سعت قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية إلى استمالة العشائر لتثبيت نفوذها في المنطقة، ومن ناحية أخرى، أقامت قوات قسد والتحالف الدولي شراكات مع بعض العشائر لضمان استقرار المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

إنّ اجتماع هذه العوامل الجغرافية، الاقتصادية، والاجتماعية جعل دير الزور نقطة محورية في الصراع السوري، حيث تشكل مركزًا للصراعات الإقليمية والدولية، وساحة للتنافس على الموارد والنفوذ، ما يفسر استمرار الصراع فيها حتى اليوم.

تعرف على أهمية دير الزور وسيناريوهات الصراع والاستقرار في سوريا والمنطقة

التداخلات السياسية والعسكرية

شهدت دير الزور صراعا متشابكا بين قوى متعددة، حيث تُعد المنطقة بمثابة مرآة للصراعات الإقليمية والدولية التي تعصف بسوريا. التداخل السياسي والعسكري بين النظام السوري والميليشيات الإيرانية، النفوذ الروسي، والتحالف الدولي وقوات قسد، أفرز واقعا معقدا تتصارع فيه المصالح وتتقاطع على الأرض.

1. النظام السوري والميليشيات الإيرانية

منذ بداية الصراع السوري، أدرك النظام السوري أهمية دير الزور كمنطقة استراتيجية تشكل بوابة إلى شرق البلاد وشمال العراق، بالإضافة إلى كونها مصدرًا رئيسيا للثروات الطبيعية.

يسعى النظام إلى الحفاظ على وجوده هناك كجزء من خطته لاستعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية، إلا أن هذا الهدف لم يكن ليُحقق دون الدعم الإيراني الحاسم، حيث استثمرت إيران في المنطقة كجزء من استراتيجيتها لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي”، الذي يمتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان.

الدور الإيراني في دير الزور يتجلى بشكل رئيسي في دعم الميليشيات الشيعية مثل “كتائب حزب الله” و”لواء الفاطميون”، الذين لعبوا دورا محوريا في تعزيز السيطرة العسكرية للنظام.

لكن الأهداف الإيرانية تتجاوز الجانب العسكري؛ فهي تهدف إلى إنشاء ممر بري يربط إيران بالبحر المتوسط، ما يعزز قدرتها على دعم حلفائها، خصوصا حزب الله في لبنان.

لتحقيق ذلك، عمدت إيران إلى نشر قواتها والميليشيات التابعة لها قرب الحدود العراقية، مع تركيز خاص على مدينة البوكمال الحدودية، التي تُعتبر نقطة عبور استراتيجية.

كما استخدمت إيران أدوات النفوذ الديني والثقافي لتعزيز حضورها في دير الزور.

من خلال بناء المدارس والمراكز الدينية وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان المحليين، سعت إلى استمالة العشائر والقبائل وتثبيت ولاءاتها، وهو ما أسهم في ترسيخ تأثيرها الطويل الأمد في المنطقة.

تعرف على أهمية دير الزور وسيناريوهات الصراع والاستقرار في سوريا والمنطقة

2. النفوذ الروسي

على الرغم من التحالف بين روسيا وإيران لدعم النظام السوري، إلا أن دير الزور كانت مسرحا لتنافس خفي بين الطرفين. ترى روسيا في دير الزور منطقة ذات أهمية استراتيجية خاصة، نظرًا لثرواتها النفطية التي تتيح للنظام السوري موارد اقتصادية ضرورية، ولأهمية موقعها الجغرافي في تأمين النفوذ الروسي في سوريا.

روسيا لعبت دورا محوريا في تقديم الدعم العسكري للنظام السوري لتأمين دير الزور، بما في ذلك توفير الغطاء الجوي خلال معارك استعادة المدينة من تنظيم داعش. لكن أهداف روسيا ليست فقط عسكرية؛ فهي تسعى لتأمين وجود اقتصادي طويل الأمد من خلال السيطرة على حقول النفط في المنطقة، وضمان استثماراتها في قطاع الطاقة السوري.

كما حرصت روسيا على تعزيز وجودها العسكري المباشر في دير الزور، عبر إنشاء قواعد مثل مطار دير الزور العسكري، الذي يمثل نقطة انطلاق استراتيجية لتحركاتها في المنطقة الشرقية.

ومع ذلك، تصاعدت التوترات بين روسيا وإيران نتيجة تنافسهما على النفوذ المحلي، حيث تتصارع القوتان على موارد المنطقة وتحالفاتها مع القبائل والعشائر.

3. التحالف الدولي وقوات قسد

التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة كان له دور حاسم في تغيير معادلات القوة في دير الزور. بعد طرد تنظيم داعش من المنطقة، ركز التحالف على دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كقوة محلية قادرة على حفظ الاستقرار.

بالنسبة للتحالف الدولي، تتمثل الأهداف الرئيسية في منع عودة داعش وضمان استقرار المنطقة الشرقية من سوريا.

قوات قسد، التي تتمتع بدعم مباشر من التحالف الدولي، سيطرت على معظم المناطق الغنية بالنفط، بما في ذلك حقول العمر وكونوكو. هذا الأمر منحها ميزة اقتصادية وعسكرية مهمة في مواجهة النظام السوري والميليشيات الإيرانية.

كما سعت قسد إلى بناء علاقات مع العشائر المحلية لضمان استقرار المناطق التي تسيطر عليها، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها في تحقيق ذلك.

من بين هذه التحديات، يأتي توازن العلاقات مع السكان المحليين الذين يشكون من تهميشهم في بعض الأحيان، إلى جانب تصاعد التوتر مع النظام السوري الذي يسعى لاستعادة السيطرة على كامل دير الزور. كما تتعرض قسد لضغوط مستمرة من قبل الميليشيات الإيرانية التي تتنافس معها على النفوذ في المناطق الحدودية.

في النهاية، يُظهر التداخل السياسي والعسكري في دير الزور صورة صعبة لأطراف متعددة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، مما يجعل المنطقة بؤرة للصراعات الإقليمية والدولية. هذا التشابك يُفاقم من التحديات التي تواجه استقرار المنطقة ويُبقي على احتمالات التصعيد مفتوحة.

التحولات السياسية وتأثيرها على الاستقرار

تشهد دير الزور تحولات سياسية متسارعة نابعة من التوترات المستمرة بين القوى المتنافسة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي. هذه التحولات لم تقتصر على إعادة تشكيل الخارطة العسكرية، بل كان لها تأثير مباشر على حياة السكان ومستقبل المنطقة.

تُعتبر الاشتباكات المستمرة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة، والنظام السوري والميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، واحدة من أبرز مظاهر عدم الاستقرار في دير الزور.

هذه الاشتباكات تنبع من صراع مستمر على النفوذ، خاصة في المناطق الغنية بالنفط والغاز. النظام السوري، بدعم من إيران، يسعى لإعادة السيطرة على المناطق التي خسرها خلال السنوات الأولى من الصراع، بينما تتمسك قسد بمواقعها التي تحظى بدعم التحالف الدولي.

التوترات الإقليمية تزيد من تعقيد المشهد، حيث أدت تحركات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى تدخل مباشر في بعض المواجهات لضمان عدم انهيار التوازن الذي أقامه في المنطقة.

الغارات الجوية الأمريكية والضربات التي تستهدف مواقع الميليشيات الإيرانية تُظهر استمرار الانخراط الدولي، لكنها في الوقت ذاته تؤجج الصراع وتُعمق العداء بين الأطراف المتصارعة.

في ظل هذه الصراعات، يعاني سكان دير الزور من أوضاع إنسانية صعبة. النزوح المستمر أصبح واقعا مريرا لكثير من العائلات، حيث تُجبر المواجهات العسكرية السكان على ترك منازلهم واللجوء إلى مناطق أكثر أمانًا. مع تدهور البنية التحتية والخدمات الأساسية، يعيش السكان في ظروف قاسية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

الصراعات المسلحة المتكررة أثرت أيضا على الزراعة والاقتصاد المحلي، ما أدى إلى تدهور الأمن الغذائي وارتفاع معدلات الفقر. العديد من الأطفال محرومون من التعليم بسبب غياب المدارس في المناطق المتضررة، فيما يعاني الكثيرون من صدمات نفسية نتيجة الحرب الطويلة.

تحقيق الاستقرار في دير الزور يواجه عقبات كبيرة، أبرزها غياب التوافق بين القوى المتصارعة. الاختلافات الجوهرية بين أهداف النظام السوري، قسد، والميليشيات الإيرانية تجعل من الصعب تصور حل سياسي شامل. الانقسامات العشائرية تزيد الأمور تعقيدا؛ فبعض العشائر تتحالف مع قسد، بينما ينحاز آخرون إلى النظام أو إيران بناءً على المصالح أو الضغوط.

إلى جانب ذلك، تبرز تحديات إدارة الموارد الطبيعية، حيث تتنازع القوى المختلفة على السيطرة على حقول النفط والغاز. هذا النزاع لا يُنتج فقط توترات عسكرية، بل يعوق أيضًا أي محاولات لإعادة الإعمار أو استقرار الاقتصاد المحلي.

رغم هذه التحديات، هناك محاولات جادة لإرساء الاستقرار في دير الزور. التحالف الدولي يلعب دورا رئيسيا في دعم البنية التحتية من خلال مشاريع إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية. هذه الجهود تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان وكسب ولائهم للمناطق التي تسيطر عليها قسد.

العشائر المحلية أيضا تمثل عنصرا مهما في معادلة الاستقرار. بفضل نفوذها الاجتماعي، تسعى بعض العشائر إلى التوسط بين الأطراف المتنازعة لتخفيف حدة التوترات. في بعض الحالات، ساهمت العشائر في تحقيق تهدئة مؤقتة، مما أتاح للمجتمعات المحلية فرصة لالتقاط الأنفاس.

في المحصلة، تبدو دير الزور ساحة لصراع معقد بين المصالح المحلية والإقليمية والدولية، لكن السكان هم الضحية الأكبر لهذا الصراع. في حين أن جهود التحالف الدولي والعشائر تقدم بصيص أمل لتحقيق استقرار نسبي، إلا أن غياب حل سياسي شامل يظل العقبة الأكبر أمام تحقيق السلام الدائم.

تعرف على أهمية دير الزور وسيناريوهات الصراع والاستقرار في سوريا والمنطقة

عناصر من قوات التحالف الدولي بسوريا

السيناريوهات المستقبلية

تُشير التحولات المستمرة في دير الزور إلى سيناريوهات متعددة لمستقبل المنطقة، إذ تبقى احتمالات استمرار الصراع مفتوحة، في الوقت الذي تلوح فيه فرص ضعيفة للتفاهم، مع استمرار التحديات التي تعيق تحقيق استقرار حقيقي.

يُعتبر استمرار الصراع في دير الزور السيناريو الأكثر ترجيحا في ظل المعطيات الحالية. التنافس بين القوى المتنافسة، من النظام السوري والميليشيات الإيرانية إلى قوات قسد المدعومة من التحالف الدولي، يُنذر بتصعيد متكرر. على الأرض، تتفاقم التوترات مع محاولات النظام، بدعم إيراني، استعادة السيطرة على المناطق التي تُعد استراتيجية من الناحية الجغرافية والاقتصادية، خاصة حقول النفط والغاز. هذه الجهود تقابلها مقاومة من قسد التي تُعد نفسها الحليف الرئيسي للتحالف الدولي في المنطقة.

التوترات الدولية تزيد من تعقيد الوضع. العلاقة بين روسيا وإيران، رغم تحالفهما الظاهري، تشهد تصاعدا للخلافات، خاصة حول تقاسم الموارد والنفوذ في دير الزور. روسيا تسعى لترسيخ سيطرتها عبر بناء قواعد عسكرية وضمان السيطرة على الموارد الاقتصادية، بينما ترى إيران في المنطقة ممرًا استراتيجيًا لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط. أي تصعيد بين الطرفين قد يفتح الباب أمام مواجهات بالوكالة تزيد من تعقيد الأوضاع.

ورغم قتامة المشهد، هناك فرص محدودة لتحقيق تفاهمات جزئية. المفاوضات الدولية قد تلعب دورا في تخفيف حدة الصراع، خاصة إذا ما تم التوصل إلى اتفاقيات تقاسم نفوذ بين الأطراف المتصارعة. المجتمع الدولي يمكن أن يكون وسيطًا بين القوى الكبرى (روسيا، إيران، الولايات المتحدة) للوصول إلى توافقات حول إدارة الموارد وضمان استقرار المنطقة.

على الصعيد المحلي، تلعب العشائر دورا حيويا في بناء توازن جديد. العلاقات العشائرية تُعتبر ركيزة أساسية في نسيج دير الزور الاجتماعي، ويمكن أن تسهم في الحد من التصعيد إذا ما تم تمكينها للعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة. نجاح هذا السيناريو يتطلب إدماج العشائر في ترتيبات الحكم المحلي ومنحها دورًا حقيقيًا في إدارة شؤون المنطقة.

التحديات التي تواجه دير الزور تتجاوز الصراع الحالي وتمتد إلى قضايا إعادة الإعمار وإعادة بناء النسيج الاجتماعي. عملية إعادة إعمار المنطقة تُعد من أعقد التحديات، حيث تتطلب استثمارات ضخمة في ظل غياب الاستقرار وضمانات أمنية. المنافسة على الموارد، خاصة النفط والغاز، تُعيق أي جهود لتوحيد المنطقة، مما يُبقي إعادة الإعمار رهينة بالتحولات العسكرية والسياسية.

في الوقت ذاته، تبقى تطورات الملف الكردي عاملًا حاسمًا. مستقبل قوات قسد وعلاقتها مع النظام السوري والتحالف الدولي سيكون له تأثير كبير على دير الزور. أي اتفاق حول حقوق الكُرد أو مستقبل الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا سيؤثر بشكل مباشر على استقرار المنطقة وتوازن القوى فيها.

في النهاية، يبدو مستقبل دير الزور مفتوحا على احتمالات متعددة، تتراوح بين استمرار الصراع وسيناريوهات التفاهم المؤقت. ومع ذلك، فإن تحقيق استقرار حقيقي يظل مرهونًا بإرادة الأطراف المتصارعة وحلول سياسية شاملة تعالج جذور الأزمة.

في النهاية يمكن القول أنّ دير الزور تمثل مشهدا متشابكا للصراعات الإقليمية والدولية في سوريا، حيث تمتزج الأهداف الجيوسياسية مع المصالح الاقتصادية والاجتماعية لتخلق واحدة من أعقد الساحات في الصراع السوري.

من خلال استعراض المحاور المختلفة، يتضح أن المنطقة أصبحت ساحة تجاذب بين القوى المحلية، كالنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والقوى الإقليمية مثل إيران، والقوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة وروسيا.

الأهمية الاستراتيجية لدير الزور، بموقعها القريب من الحدود العراقية ومواردها الغنية بالنفط والغاز، جعلتها مطمعا لجميع الأطراف. هذا الطمع حوّل المنطقة إلى مسرح دائم للاشتباكات، حيث تزداد التوترات مع كل محاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة. ما يعمق هذه الأزمات هو دور السكان المحليين، الذين تحولوا إلى ضحايا لهذه الصراعات، يعانون من النزوح المستمر، وتدهور الخدمات الأساسية، وتفاقم الفقر، وسط محاولات الأطراف المختلفة استمالة العشائر لضمان الهيمنة.

من جانب آخر، التنافس بين القوى الكبرى، مثل روسيا وإيران، يزيد من تعقيد المشهد. على الرغم من تحالفهما الظاهري لدعم النظام السوري، إلا أن تنافسهما على الموارد والنفوذ يظهر بوضوح في دير الزور، مما يعكس انعدام الانسجام بين الحلفاء. التحالف الدولي وقوات قسد يقدمان بعدا آخر للصراع، حيث تتداخل أهداف التحالف في محاربة الإرهاب مع جهود قسد لإرساء نوع من الإدارة الذاتية، ما يثير توترات مع النظام والميليشيات الإيرانية.

رغم كل هذه التعقيدات، يبقى الأمل معلقًا على محاولات تحقيق الاستقرار. جهود التحالف الدولي في إعادة الإعمار وبناء البنية التحتية، إلى جانب دور العشائر في الوساطة، تمثل خطوات إيجابية لكنها ليست كافية في ظل غياب حل سياسي شامل. التحديات طويلة الأمد، مثل إدارة الموارد الطبيعية وإعادة إعمار البنية التحتية، لا يمكن تجاوزها دون التزام دولي جاد وإرادة سياسية من الأطراف المتصارعة.

في نهاية المطاف، يبقى مستقبل دير الزور مرهونا بتطورات الملف السوري ككل. سيناريو استمرار الصراع هو الأكثر ترجيحا إذا استمرت المصالح المتضاربة في السيطرة على المشهد، لكن إمكانية التفاهم الجزئي أو المؤقت تظل قائمة إذا ما أُعطيت الأولوية لاحتياجات السكان وإعادة بناء النسيج الاجتماعي.

ومع ذلك، فإن تحقيق الاستقرار الدائم يتطلب جهودًا تتجاوز المصالح الآنية لتصل إلى حلول مستدامة تضمن وقف الصراع وإعادة الحياة إلى دير الزور كسوريا المصغرة التي تعكس صراعات البلاد وتطلعاتها في آنٍ واحد.