مساعد أمير منشق: تركت القاعدة لأنني اكتشفت أننا أدوات تستخدم وتستبدل
ضربات موجعة عديدة تلقتها القاعدة في جزيرة العرب في السنوات الأخيرة، بإخراجها من محافظات ومدن عديدة كانت تسيطر عليها جنوب اليمن، فضلاً عن إعتقال أو إستهداف بعضٍ من قيادييها، كالعملية التي أودت بحياة زعيمها قاسم الريمي عام 2020.
لعل الأكثر إيلاماً من ذلك، هو إعلان التوبة الذي نفذه عدد كبير من قيادييها ومسلحيها، بانشقاقهم وقيامهم بالعودة إلى أحضان قبائلهم ومجتمعاتهم المدنية.
فإعلان التوبة يضرب القاعدة في الإيدلوجية التي تغرر بها الشباب، في لحظة ما، اكتشف هؤلاء أنه قد غرر بهم باسم الدين، بينما حقيقة القاعدة مغايرة للإيدولوجيا التي استُقطبوا بها، وتحدث بعضهم عن توبته، وإنْ مع التحفظ على إشهار الوجه والصوت، حفاظًا على الأهل والعائلة من الانتقام.
هذا المنشق الذي التقته أخبار الآن في يوم من أيام الأسبوع الأخير من كانون الثاني/ يناير 2021 لم يكن فرداً عادياً في القاعدة في جزيرة العرب، بل مساعداً لأحد أمرائها، يطّلع على معلومات حساسة وسرية، وتوكل إليه كذلك مهمات خاصة، وهو قرر منذ حوالي سنتين الانشقاق عن القاعدة، والعودة إلى حضن اليمن، بعدما اكتشف حقيقة مغايرة للإيدلوجيا التي انساق وراءها مع آخرين.
قال مساعد الأمير السابق،
“كنت أعمل في التنظيم مساعد الأمير، كنت ذراعه اليمنى، كان أي قرار يتخذه، كنت أنا الشخص المقرب له، كان دائماً يحبّبني في القاعدة حتى لا أترك التنظيم، كان يعطيني مشاورات ويسألني كيف نعمل، وإذا هناك حاجات مهمة يستشيرني كيف ننفذها أو أي شيء كان يرجع لي فيه، وإذا كنا سنقوم بأي مهمة، يخبرني بما سنقوم به خلالها وساعتها كذا وغير ذلك، حتى أن العائد المالي الذي كنا نحصل عليه في تلك المهمات، كان يخبرني به في ذات الوقت”.
كشف مساعد الأمير المنشق لأخبار الآن عن المدة التي قضاها في القاعدة، فقال “بقيت مع القاعدة حوالي 3 سنوات ونصف السنة، لكن بعد ذلك خرجت من التنظيم بسبب أنه تبين لي أننا أدوات يستخدمونها، ومن ثم تُفقد أو لا تُفقد، هناك بديل، هناك ناس موجودون يؤثرون على الشباب حتى يسحبونهم إلى هذا المجال، وإلى المجال التكفيري الديني، لكن لا علاقة للدين بهذا الأمر، فهو مجال سياسي تماماً”.
مساعد أمير منشق: في حال لم تكن المعركة في صالحنا كنا ننسحب ونترك الأفراد ونرحل
وعما إذا كان يعمل قبل أن يُستقطب لصفوف تنظيم القاعدة، أوضح القيادي المنشق أنه كان يدرس، “وفي بعض الأحيان، خلال العطل الرسمية، أذهب للعمل في مجال البناء كعامل أو أقوم بأي عمل مهما كان، المهم أي شيء يعود على أهلي بالدخل ويساعدني في دراستي، لكن لم يستمر ذلك حينها لأني التحقت بالدراسة وتأزم وضعي المالي، فتركتها حين ذاك”.
وأضاف، “أنا لم أكمل دراستي، كنت أدرس في مجال إدارة الأعمال لكن في السنة الثالثة اضطررت أن أخرج وأترك الدراسة، لكن كان مستواي الدراسي من جيد جيداً إلى ممتاز لكن الظروف المحيطة بي لم تجعلني قادراً على إكمال دراستي حينها”.
ونفى أن تكون يداه قد تلطختا بدماء اليمنيين، لكنه كشف جرائم القاعدة بحق اليمنيين، فقد قال “لا انا لم أكن من المشاركين في القتال دائماً، كنت من يعطي الأوامر والتوجيهات، ولكن في حال وجدنا أن المعركة ليست في صالحنا، كنا ننسحب ونترك الأفراد الباقين ونرحل”.
وأضاف “بصراحة لا أذكر أنني ما قتلت أحداً من قبل، ولكن لي نزعات عدوانية، لقد شاهدت بعيني مجازر وأشياء، أنا من النوع الذي لا إرادة له أن يفعل هذا الأمر، لذلك كنت ناشطاً أكثر في مجال التحفيز، كان مجالي معنوياً أكثر منه قتالياً”.
أما عما جعله يراجع نفسه ويقرر التوبة والانشقاق عن القاعدة، فأشار إلى أنه “تركت القاعدة كما قلت مسبقاً لأني وجدت نفسي أداة، يعني لم أكن مهماً، افتكرت نفسي أنني كنت مهماً يوماً ما، لكن للأسف وجدت أنني كذلك فقدت أثر غيري، كنا في بعض المعارك ندخل، وعندما تكون الهزيمة واضحة، كنا ننسحب ونترك الشباب”.
القيادي التائب: كنا نقتل الأبرياء ونستغل أشياء لأهدافنا فعرفت أننا نمشي بطريق خطأ
وأضاف “وجدت أن الذي نقوم به، هذا المجال ليس دينياً كما نعتقد نحن، كما أخذناه في الفكر، هذا المجال سياسي، يعني كنا أدوات سياسية وكان الأشخاص الذين يديروننا يتكلمون بإسم الدين، لكن لا أثر للدين في الذي نقوم به، كنا نقتل الأبرياء وأحياناً نقوم بالاستغلال للوصول لأشياء كنا نريدها، كنا نستغل أشياء، لذلك عرفت أننا نمشي بطريق خطأ”.
بيّن لنا هذا القيادي كيف عمل لينشق دون خسارة روحه، خصوصاً وأن القاعدة “كانت تصفي المنشقين جسدياً” في حال عرفت عن نيتهم ذلك، إذ شرح إنه كان على تواصل مع أحد أصدقائه المقربين قبيل الانضمام للقاعدة، مشيراً إلى أن هذا الزميل أقنعه وساعده لتسليم نفسه.
قال “أخبرني بأن أعود وأسلم نفسي، وبالفعل ساعدني على ذلك إلى أن سلمت نفسي، صحيح أنه كان بعض أفراد القاعدة حين يريدون تسليم أنفسهم كانوا يصفونهم جسدياً، مثلاً كانوا يخلقون لنا معركة أو شيء من هذا القبيل، وننزل فيها ونفتكر، وفي النهاية تتم تصفيتنا من ناس القاعدة الذين معنا في المعركة، هذا كان يحصل لمن كانوا يريدون تسليم أنفسهم”.
وأردف أنه حين أراد تسليم نفسه، كان أصلاً على تواصل مع صديقه المقرب هذا، الذي كان يعاتبه على التحاقه بالقاعدة، ويسأله دائماً لماذا فعل ذلك، “وأحياناً لما أتواصل معه لأسأل عن حال الأهل، كان يجاوبني أنهم بحال طيبة لكن الوالدة قلقة وتعبانة وأشياء من هذا القبيل، ثم يحثني على أن أرجع وأسلم نفسي، ويعدُني بأنه سوف يكلم المسؤولين لكي يساعدونني على العودة”.
وتابع، “أوضح لي صديقي أن هناك عفو أصدره المحافظ السابق محمد بن بريك، وأنني إذا عدت فإن هناك عفو للعائدين، وقال لي أنني سأعيش حياتي بشكل عادي، فطلبت منه أن ينسق لي مع المسؤولين وبعض الناس الذي يحبون أن يستقر الوطن، ورجعت وسلمت نفسي، والحمد لله أنا الآن أعمل”.
لكن مساعد الأمير هذا كان متخوفاً من أن يتم إعدامه إذا سلّم نفسه، كما شرح لأخبار الآن، لكنه وثق بصديقه، “أخبرت صديقي إذا أنا سلمت نفسي، فما الذي يثبت لي أنهم لن يعدموننا، فقال لي أنني ما دمت لست من أولئك المطلوبين بالإسم، ولا من أولئك الذين عليهم خط أحمر، فأنت إنسان مغرر بك، فعليك العودة لوطنك، فسألته التأكيد ألا مشاكل أو إشكالات علىّ، فأكد أن ليس هناك شيء من هذا”.
أضاف أن صديقه أخبره أن “هناك فترة الإجراء الأمني الطبيعي لي لحمايتي، وكيفية تسيير الأمور بعدها يطلق سراحي، بالفعل وفوق الضمانات التي أعطوني إياها، عدت مرة أخرى إلى حياتي الطبيعية، والآن أعيش في كنف أهلي وبين أصحابي وإخواني”.
يمكن للتائبين عن الفكر المتطرف والمنشقين عن القاعدة في اليمن العودة لممارسة حياتهم الطبيعية في المجتمع المدني من جديد، وإيجاد فرص عمل تؤمن لهم سبل العيش الكريم، كذلك حال هذا القيادي المنشق الذي قرر تعويض السنوات التي فقدها من حياتها مع القاعدة، وتحقيق رغبته بالعمل في المجال الإعلامي الإلكتروني.
إذ قال، “أنا فكرت أن السنين التي فقدتها من حياتي مع التنظيم يجب أعوضها بشيء معين. كانت رغبتي دائماً أن أعمل في مجال التصوير الإلكتروني، ولما وجدت الفرصة عبر أحد أصدقائي الذي أخبرني أن شركة محلية للإعلام تحتاج شحصاً يعمل فيها، فكرت أنها فرصة للوصول إلى العالم، أن أخرج الإبداع الموجود عندي، والرغبة التي كانت موجودة والحلم الذي كان في بالي، وأجبرني طريق التنظيم أن أتخلى عنه بسبب ظروفي المادية، لكن الآن جاءت الفرصة، فليس هناك ما يمنع من أن أكمل عملي واستمر فيه”.
مساعد الأمير المنشق: السلطات سمحت لي بالعيش مرة أخرى بحرية بدون قيود
أعرب المنشق عن القاعدة أنه يرغب بمشروع مستقل له مستقبلاً، فأوضح أنه يفكر في “أن يكون لي مشروعاً في المستقبل، وأتمنى بعد السنين اللي فقدتها، أتمنى من السلطات أن تفتح لي مشروعاً يدر علي دخلاً أكثر مما هو دخلي الحالي، صحيح أن الدخل يكفي والحمدلله، لكن طموحي أكبر من هذا المجال، يعني طموحي بمشروع خاص لي، أديره أنا، وأشرف على الناس بطريقتي الخاصة، صحيح أنني أشتغل، ولكن أعمل في شركة محلية، لكن أتمنى أن يكون لي مشروعي الخاص”.
وأردف القول، “السلطات إلى الآن لم تعطني دعماً سوى أنها سمحت لي بالعيش مرة أخرى، بطريقة حرة، يعني بلا قيود، لكن الدعم الذي تقليته كان من صديقي، فهو الذي وفر لي فرصة العمل في هذه الشركة المحلية، وجعلني أشتغل، ولكني أتمنى أن يكون لي دعم من السلطات نفسها، لقد تجاوزت المرحلة التي هي مرحلة الاكتئاب وأنني بالعودة لن أحصل على وظيفة، فأنا التحقت بتنظيم مكروه محلياً ودولياً. فعندما وجدت هذا العمل، أنا الآن مستقر، ولكن طموحي أكبر من هذا المكان”.
أكد القيادي المنشق عن القاعدة في اليمن لأخبار الآن أنه بالرغم من “أن هذا العمل يؤمن مصاريفي العائلية ويؤمن مستقبلي، الحمدلله، وصحيح أنني أسكن في بيت بالإيجار، لكن هذا العمل يؤمّن هذا الإيجار، ويؤمّن مصروفي أنا وعائلتي وأسرتي والحمدلله، ولكن أنا أطمح في أكثر من هذا. أنا أتمنى أن يكون هناك مشروعاً لي”.
لعب مشائخ حضرموت دوراً بارزاً في مساعدة التائبين والمنشقين عن القاعدة عبر مناصحتهم وتشجيعهم على العودة لمجتمعهم وأهلهم والمساهمة في إعمار الوطن عوضاً عن المساهمة بتدميره. دعمَهم في ذلك تنسيق محكم مع قوات النخبة الحضرمية التي ساهمت بإرساء الأمن وكذلك تسامح اليمنيين وقبولهم عودة التائبين وإدماجهم في المجتمع من جديد، ما لم تكن الأيدي ملطخة بالدماء.
الشيخ بامعس: نساعد في توفير الاندماج في المجتمع وفرص العمل للتائبين من القاعدة
الشيخ أحمد عمر بامعس، شيخ قبيلة بامعس وأحد أعيان محافظة حضرموت، قال إنه “في حال أن أحداً من أبناء القبيلة أو المنطقة يقول إنه يعتذر أو يتوب، فطالما أن يده لم تتلطخ بالدماء وذنوب كبيرة فهذا مقبول، نقبله ونعذره، لأن ممكن يكون أحيانا المغريات المادية أو الظروف الاجتماعية أجبرته أن يكون معهم سائق أو حارس أو شي من هذا القبيل”.
ولفت الشيخ بامعس إلى أن “كثيراً من الشباب في حضرموت نعرفهم، ليس في منطقتنا فقط لكن في حضرموت كافة، كثير من الشباب كانوا يستمرون معهم فقط لأجل لقمة أو شيء بسيط، لكن عقليته ونفسيته غير ملتزمة بأفكارهم ولا الأفكار المتطرفة”.
وعن الدعم الذي تقدمه القبائل للتائبين المنشقين عن القاعدة، أكد الشيخ بامعس أنهم، “طبعاً نوفر له الدعم بأن يندمج أولًا في المجتمع مع أهله وينبذ هذا العنف والتفكير التطرفي هذا، ثاني شيء أن تفتح له مجال للعمل وتوفر له العمل عوض عن أن تستغله الجماعات المتطرفة ويكون لديه فراغ، أن يذهب ويعمل، أن يذهب إلى عمل خاص وأن يبحث عن وظيفة تليق به، وأن يعمل له أي عمل يبعده عن هذا العمل التطرفي الذي يستغلونه فيه الجماعات الإرهابية هذا المستنقع والفقر أو الخلافات الأسرية أو الخلافات المجتمعية أو الفساد، يستغلون هذه الأشياء ويصطادون فيهم”.
الشيخ المعاري: من حق المنشق التائب أن نقبله في المجتمع ونساعده في عودته لرشده
بدوره أكد الشيخ عبدالله سعيد المعاري، شيخ قبيلة المعاري وأحد الشخصيات الاجتماعية بحضرموت أن المنشق عن القاعدة، “إذا تاب ودخل إصلاحية وتأكدت أنه تاب، أقبله، إن كان من المجتمع الحضرمي أو المجتمع الجنوبي بشكل عام، إذا تاب وعاد لرشده، الله قابل التوبة، أفلن يقبل الإنسان توبته؟”
وبعد أن شدد الشيخ المعاري مرة أخرى على قبول التوبة، لفت إلى تسامج المجتمع الحضرمي، فقال، “لازم تقبله إذا أصلح نفسه وتاب ورد له رشده، لازم تقبله من حقه أن تقبله، المجتمع الحضرمي سهل، المجتمع الحضرمي متعاون، وكيف يرجع الى الطريق الصح؟ ذلك لأن المجتمع الحضرمي متعلم وعنده روح من اللطافة وعنده روح من التسامح، يعني كيف يرجعك؟ عنده ناس متعلمون وواعون يرجعون الشخص إلى رشده”.
التسامح المجتمعي في حضرموت شجع هذا القيادي السابق في القاعدة على العودة وإعلان توبته من فكرها بعد اكتشافه حقيقة كونهم مجرد أدوات وبيادق تُحرك وفق مصالح سياسية بغطاء ديني، وهو كشف لنا ما خلص إليه حين كانت أوراق القاعدة تتساقط أمام عينيه.
مساعد الأمير المنشق: القاعدة زرعت قلقاً وخوفاً في مجتمع يحب الأمان والاستقرار
أخبرنا مساعد الأمير السابق، أنه متزوج ولديه بنت وولد، وكان زواجه قد حصل قبل التحاقه بالقاعدة، وقال “تزوجت قبل الالتحاق بالتنظيم ولكن ظروفي المادية هي التي لم تسمح لي، فالتحقت بالتنظيم ومن ثم حين أخبرني صديقي بأني سأعيش عيشة كريمة إن رجعت فكرت حينها بأولادي، وأني سأعيش معهم، وأنهم ظلوا 3 سنوات ونصف تقريباً من غير أب”.
وأضاف “أعتقد أن البعض ظنّ أنني مت بعد غياب طويل، ولكن عندما ساعدني صديقي وأخبرني، وكان أحياناً يرسل لي صوراً لأولادي، هم كانوا من أسباب أنني أرجع مرة أخرى وأعيش حياتي الطبيعية”.
وعند سؤاله عن موقفه من السلاح الآن وقد عاد للمجتمع المدني في اليمن، كشف هذا القيادي المنشق عن القاعدة أنه “عند عودتي إلى أوساط المجتمع، اقتنعت وقتها أن العنف ليس حلاً، اقتنعت وقتها أن التشريد في الوديان والمغارات ليس حلاً، اقتنعت وقتها أنه شيء اسمه بالقوة ليس حلاً نهائياً، فنحن اليوم نعيش بعصر العقلانية، وطبعاً نحن في حضرموت الكل مثقف، والكل عندنا لديه نزعة “لا للسلاح”، الكل يحب أن يعيش بأمان، والكل يحب الاستقرار”.
وأردف القول، “لذلك نحن حين خطونا هذه الخطوة مع التنظيم، زرعنا شيئاً اسمه قلق وخوف في هذا المجتمع، فالكل كان يخاف من السلاح، المجتمع الذي أعيش فيه مجتمع متعاون، ومجتمع لا يحب العنف، مجتمع تستطيع أن تقول أنه خالي من السلاح تماماً في ظروف هي التي جعلت البلاد تمر في هذه المرحلة”.
ودعا مساعد الأمير المنشق على رفاقه السابقين في القاعدة أن ينبذوا العنف والفكر هذا، “أتمنى من أصدقائي أن يعودوا ونجعل بلادنا آمنة كما كانت في السابق”.
لم يقبل مساعد الأمير السابق والمنشق عن القاعدة أن يكشف لنا أياً من الأسماء القيادية أو العادية التي انشقت وتابت عن فكر التنظيم، لافتاً إلى أن ذلك لن يخدم أحداً، فضلاً عن أنه سيعرض حياته وحياة أهله للخطر لأن هويته ستكشف حينها لما كان له من مكانة في القاعدة.
وأصرّ على ذلك، فقال “طبعا أنا أتحفظ على أسماء القيادات، وأسماء الانشقاقات والأشياء حفاظاً على العهود التي قضيناها، يعني أنه أنا أترك التنظيم والعودة إلى أهلي هذه بالنسبة لي عهود أن لا أحد يلاحقنا أو يضرنا، والكشف عن أسماء المنشقين لا يخدمنا ولا يخدم أي أحد، فأنا أتحفظ على هذه الأسماء وعلى أي شيء بمقابل هذه الأشياء”.
وأضاف “لكن هناك شيء أردت تقديمه، بمعنى أنه في حال مثلاً رغبت العيش بطريقة سليمة وجميلة جداً، فليس هناك من داعٍ لإقحام نفسي في ذكر أسماء أو تواريخ أو أشياء ليست في صالحي ولا في صالح المجتمع”.
وأكد أنه، “أنا عندما قلت هذه الأشياء وسنحت لي هذه المقابلة، تكلمت لكي يعود بعض الشباب إلى أوطانهم وإلى أهلهم، ولمساعدة المجتمع الذي نعيش فيه من ويلات الحروب والاقتتال، وويلات المعارك، وويلات الدماء التي طالما بكت منها العيون الحضرمية، عيون أمهات وأباء وزوجات وأبناء، فأنا أحاول تجنيب هذا المجتمع الذي قد أقول عليه المجتمع الطيب، من هذه المشاكل وهذه الويلات”.
القيادي التائب: تكلمت ليعود الشباب لأوطانهم ونجنب المجتمع ويلات الاقتتال
كما شدّد أنه “إنما أردت في هذا اللقاء أو التقرير الذي أتكلم به الآن، أن يرى أصحابي وأصدقائي الذين يهربون في الوديان وفي أماكن أخرى، أنه لا يزال هناك أناس ناجحون، وسترجعون وتتخطون هذه المرحلة والعيش مرة أخرى”، شارحاً لمن يوجه لهم كلامه من مسلحي القاعدة أنه: يعني في تحدي بينك وبين ذاتك، البعض يقول لك يا أخي أنا شاركت، والمجتمع لا يقبلنا. بالعكس، المجتمع الحضرمي مجتمع متراحم قَبول، تستطيع أن تتجاوز هذه المرحلة ولكن بإرادة”.
وتابع موجهاً حديثه لمن لا يزالون تحت لواء القاعدة، “أنت قل أنا أريد أن أعيش مرة أخرى، وسوف يسمح المجتمع بهذا، وأنا إنما أردت أن يرى رفاقي السابقون في القاعدة أنني مثال ناجح، أستطيع أن أعيش مرة أخرى في وطني وبين أهلي، وللعلم أنا أتحفظ أيضاً على أسماء وأشياء، لأنه لن يكون هناك في ذكرها أي تقديم أو تأخير. فهذه الأشياء التي أنا متحفظ عنها الآن، فهي لكي أعيش بحرية وطلاقة وسلام، وأتمنى من الكل الذين يسمعون هذا الكلام أن يعودوا مرة أخرى إلى أوطانهم، وأن يروا مثالاً ناجحاً لهم وهو أنا”.
مساعد أمير منشق: العنف ليس حلاً وأقول للقاعدة “عودوا لأهلكم وأوطانكم”
ووجه هذا القيادي السابق التائب من فكر القاعدة رسالة قال فيها، “أقول لمسلحي التنظيم وللقيادات أتمنى أن تعودوا الى أهلكم، أتمنى أن تعودوا الى أوطانكم، أتمنى أن تكونوا مثل إخوانكم، مثلي، ماذا يمنع؟ ما هو الذي يمنع أن تعيش مثلي؟ ليس من العيب أن تكون في شركة محلية للإعلام، ليس عيباً أن تكون شخصاً آخر، ليس عيباً أن أخذت طريقي وأتمنى منكم أن تسلكوا هذا الطريق”.
ومد يده لكل من يريد الانشقاق عن القاعدة وإعلان توبته والعودة للمجتمع المدني، مبيّناً أنه “إن كنتم تريدون العودة فلا مانع، نحن الذين عدنا إلى الوطن، سوف نحاول التنظيم والتنسيق بينكم وبين السلطات للعودة إلى أوطانكم مرة أخرى”.
طرحنا عليه سؤالاً وفق المعلومات التي قالها لأخبار الأن قيادي منشق آخر كنا قد أجرينا لقاءً معه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي (2020)، وهو أن خلافاً كبيراً وقع بين القيادي في القاعدة أبو عمر النهدي وباطرفي، وعما يعرفه هو عن أسباب الخلاف فتمسك بتحفظه عن ذكر أي معلومات أو أسماء، مؤكداً أنه منذ انشقاقه لم يتواصل مع القاعدة ولا يريد أن يتدخل في أي من مواضيعها، فهو قد بدأ حياة غير تلك التي عاشها مع التنظيم.
وبدا واضحاً أنه قد اتخذ قراراً بعدم الخوض بأية معلومات يعرفها بحكم كونه قيادي سابق تولى في مركزاً يخوله معرفة معلومات حساسة، فقد كرر قوله “أنا مرة أخرى، وقد ذكرت من قبل، أنا أتحفظ على هذه الأشياء حفاظاً على سلامتي وسلامة أهلي وسلامة الوطن بأكمله، فهذه أشياء لا تخصني، أنا الآن اعتبر مواطن لي حق الحرية، وحق الاختيار بالعيش الكريم، فلا أريد أن أدخل مرة أخرى في هذا المجال، فأنا لا أريد أن أقول أنني مارست أو لاحظت أو شهدت انشقاقات”.
وأوضح “أنا إن ذكرت هذه الأشياء، فأنا رجل معروف لديهم، يعرفون من هو أنا، ويعرفون مدى قدراتي هناك في التنظيم. لكن الآن، أنا شخص آخر، أنا متغير تماماً عما يرونه سابقاً، فلا لي شأن ولا لي دخل في هذا الموضوع”.
كما أكد أنه لا معلومات جديدة لديه عن حال التنظيم أو خبر عزل باطرفي من عدمه، أو حتى اعتقال وأي أخبار أخرى، قائلاً “بصراحة بعد تركي للتنظيم، لا أدري من تولى قيادته، ولا أدري هل تم عزل باطرفي أو لم يتم عزله، فأنا الآن بعيد كل البعد، إذا سألتني سؤال عن التسويق الإلكتروني والتجارة سأخبرك، ولكن في هذا المجال صدقني لا أستطيع”.
مساعد الأمير المنشق: القاعدة وعدت مسلحيها بمناصب وإمارات وأشياء خيالية لكن آمالهم تلاشت
ورداً على سؤال حول الرسالة التي قد يوجهها لقياديي القاعدة ومسلحيها الذين قد يكونون راغبين في العودة للمجتمع المدني ويتخوفون من هذه الخطوة، قال مساعد الأمير السابق، “الآن تنظيم القاعدة يشهد خروجاً كبيراً وانشقاقات كبيرة، بالتالي وبسبب القوة الأمنية التي تشهدها الآن محافظة حضرموت وبعض الأجزاء من المحافظات الأخرى، أصبحت القاعدة ضعيفة، وأصبح الدعم شبه منته، وأصبحت الاستخبارات العسكرية قوية جدا، فضيقوا الخناق”.
وأضاف “البعض يقول، يا أخي أنا أستمر في تنظيم القاعدة ونهايتي مجهولة. لماذا؟ كان البعض يستمر في التنظيم لأنهم كانوا موعودين في مناصب، وكانوا موعودين بإمارات، وكانوا موعودين بأشياء خيالية جداً”.
وتابع قائلاً “فالبعض عندما رأى الآمال تتلاشى، وبدأ يحس بالأمان وبأنه بإمكانه أن يعيش مرة أخرى مع أهله وأصدقاءه، ويقدر أن يتمشى بطريقته في المحافظة وفي المديرية وفي المكان الذي كان يسكن فيه، ويقدر أن يذهب إلى مقهى، من غير قيود، بالتالي يفضل الانشقاق لأنه أفضل. فهذه هي أكثر الأشياء التي جعلت الشباب والذين ينتمون لهذا التنظيم بالابتعاد عنه”.
القيادي التائب: تلقيت تعبئة دينية خاطئة ولو عرفت الحقيقة من البداية لما التحقت بالقاعدة
كما أراد أن يوضح تجربته أكثر لكي يفهم من يوجه لهم دعوته للعودة إلى أنهم مغرر بهم باسم الدين لأنه قد لمس شخصياً أن أهداف القاعدة سياسة، فأشار إلى أنه “أنا عندما دخلت في التنظيم لم آتِ إلى قوة أو عنف، لكن هناك تعبئة، وتعبئة خاطئة تلقيتها تفيد بأنني أنا أمشي على طريقة الدين الإسلامي، وأنني اليوم يعني أقاتل من أجل دين، وأنني أقاتل من أجل شريعة، وأنني أقاتل من أجل وطن فيه عدل وأمان يكون فيه الحكم بالدين الإسلامي”.
أما الحقيقة التي ظهرت له فهي كما وصفها، “لكنني لم أجد الشيء هذا، بمعنى إذا كنا فيما بيننا في القاعدة نتقاتل ونتناحر، فكيف سنقوم بتطبيق الشريعة على الآخر، الذي هو مجتمع، على ما أعتقد أن الكل فيه مسلم ويعرف أين الحدود وأين هي التجاوزات، فما الداعي لهذا؟ هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل تنظيم القاعدة يأخد منك غرض المقارنة، بأنه ليس غرضاً دينياً وإنما غرض سياسي”.
وكشف أن ما يحدث للشباب هو استهدافهم بالدين مثل الطعم، إذ “لكن الهدف بالتطعيم أنك تلتحق بالتنظيم، وأنا لو عرفت من البداية أن الهدف سياسي لما كنت التحقت به، لكنهم يغرونك بداعي الدين لكي تمشي في هذا الطريق”.
كشف هذا الشاب اليمني التائب أنه خلال وقته مع القاعدة في منصب حساس تأكد من ارتباط القاعدة الوثيق بإيران بالرغم من الاختلاف الإيديولوجي معها، بل هو يقول إن إيران تدعم القاعدة وتمولها كما تدعم وتمول الحوثيين الذين هم على خلاف مع القاعدة أساساً.
القيادي التائب: إيران تدعم القاعدة والحوثي بالمال والسلاح للسيطرة على الشرق الأوسط
أكد هذا القيادي المنشق أن “الأمر لا يبدو منطقيًا بالمناسبة حين تجمع الطرفين، إنما الهدف سياسي كما قلت وليس ديني، عندما تكون الأهداف سياسية فالأديان تلغى”.
وكشف أن “هناك شيئاً مشتركاً بين تنظيم القاعدة والحوثيين، وأيضاً العدو الرسمي الذي هو إيران، إيران هي من تدعم، تدعم بالسلاح، تدعم بالمال، تدعم حتى بالخبرات العسكرية، هي تدعم، ولكن الهدف الأساسي هو كيف تتم السيطرة على الشرق الأوسط بأكمله، وليست أيضاً منطقة حضرموت أو اليمن”.
وأوضح أن إيران “هي الآن تركز على السيطرة على أماكن فيها موانيء أومطارات تستطيع أن تخدمها، لذلك فإن حضرموت هي من أهم المراكز التي تخدم الحوثيين، وتخدم تنظيم القاعدة إن سقطت بأيديهم. ولكن هي الآن بأيدٍ أمينة، لذلك يحاولون زعزعة الأمن بهذه المناطق، لكي تسقط تحت سيطرتهم”.
ولفت إلى أن “الكل يخدم لمصلحة أجندة خارجية، إيران تدير المنطقة بأكملها، البعض يقول لا، إيران شيعة وتنظيم القاعدة سنة، عندما نكون في مساجدنا نكون سنة، ولكن عندما نخرج إلى المستنقع لا يوجد هناك قرار سوى أن تعيش وتقاتل من؟ تقاتل “من يكون أمامك”، تقاتله للبقاء حياً”.
القيادي التائب: القاعدة تنظيم سياسي لا علاقه لأفعاله بالدين
وبيّن أنه “عندما توفر لك إيران دعماً لتبقى حياً، وبالتالي ستطرد من أماكن سيطرة النخبة الحضرمية، فأكيد لن يكون لديك مجال واحد للتراجع إلا أن تلتحق “بالإخوان اللي مسهلين المعركة”. لذلك أتمنى من الكل أن يفهم أن ما نمر فيه هو منعطف سياسي وليس له دعوة بالدين”.
ورداً على سؤال إن كان يستحق الأمر رفع السلاح في وجه أخيه اليمني، أكد أنه “في المجتمع اليمني لا يوجد هناك أشياء تستحق أن تحمل السلاح بسببها في وجه أخيك، إلا إن تعلق الأمر بالعرض والمال والأهل، هنا سوف يسعى الشخص جاهداً لأن يدافع عن أرضه، فرسول الله (ص) قال: من مات دون عرضه وماله فقد مات شهيداً”.
مساعد أمير منشق: عندما عدت إلى رشدي، عدت إلى وطني
وأكمل قائلاً “هذا ما اتفقنا عليه، ولكن لغرض مادي ولغرض سياسي أن نتقاتل ما بين بعضنا لبعض وأن نتناحر فهذا أنا لا أؤيده، كنت في السابق، عندما كنت في التنظيم أرى كل شيء سهلاً وكل شيء مباحاً، ليست ضرورة، عندما كنت في التنظيم وجدت نفسي محاطاً بين أن أدافع عن نفسي وبين أن أموت أو لا أموت، فاضطررت للدفاع عن نفسي لكن الآن عندما عدت إلى رشدي”.
“اكتشفت ان هذا شيء تسهيلي”، كما أوضح، “فعدت إلى وطني، وأنا الآن لا أرى أي داعي لحمل السلاح في وجه إخواننا وفي وجه بعضنا البعض، ستجد الواحد في التنظيم وأخوه في النخبة الحضرمية، تجد واحداً في التنظيم وأخوه في النخبة الشبوانية، يعني قتال بين الأهل، صرنا نتقاتل في ما بيننا حتى بدون أجندة خارجية، فهذا لم أحب رؤيته بين أهلي ولا بين أولادي في المستقبل”.
لمتابعة الحلقة: