“إذا قلنا مثلاً إنّ الصين تأتي على لبنان تستثمر، تلتزم مشاريع من دون أن تأخذ الآن أموالاً من الدولة اللبنانية… وبشروط متفاهم عليها مع الحكومة اللبنانية، نكون نريد أن تحول النظام اللبناني إلى نظام شيوعي”..
هذا ما ردّ به حسن نصرالله عندما وُجهت له انتقادات على إعلانه التوجّه شرقاً، أي جر لبنان باتجاه إيران وروسيا والصين. وكان ذلك الخطاب في يوليو العام 2020.
لا شكّ أنّ حزب الله هو اليوم صاحبُ اليد الطولى في لبنان، وهو قادر على فرض ما يريد، إنْ بقوّة السلاح أو تعطيل عمل المؤسسات الدستورية. والتوجه شرقاً هو أحد أهدافه التي يسعى إليها، وذلك ما من شأنه أن يفصل لبنان عن الحضن العربي بالدرجة الأولى.
في النتيجة، فإنّ حزب الله نجح في إفساد علاقات لبنان بجواره العربي، في إطار التخطيط لزجّه مكرهاً، في حضن حلفائه. وقد تُرجمت رغبة حزب الله مؤخراً بشكل رسمي، وعلى ما يبدو أنّ ميناء طرابلس في شمال لبنان سيكون نقطة البداية.
في الثاني من نوفمبر العام 2021، أعلن وزير الأشغال التابع لحزب الله علي حمية، على حسابه في موقع تويتر، أنّ “وفداً من شركة صينية تُعنى بقطاع المرافئ، قادمٌ إلى لبنان وسوف يقوم بزيارةٍ إلى مرفأ طرابلس، لدرس مشاريع توسعة وتطوير المرافئ اللبنانية، وذلك سيكون بداية التعاون مع الصين”. وأرفق التغريدة بهاشتاغ “الإتجاه شرقاً”.
وفد من شركة صينية تُعنى بقطاع المرافئ، قادم إلى #لبنان وسوف يقوم بزيارة إلى #مرفأ_طرابلس، وذلك لدرس مشاريع توسعة وتطوير المرافئ اللبنانية ، وهذا سيكون بداية التعاون مع #الصين ، والانفتاح على خيار من الخيارات المطروحة #الاتجاه_شرقاً.
— Ali Hamie | علي حمية (@alihamie_lb) November 2, 2021
وفي ذلك السياق، قال السياسي الطرابلسي طلال كبارة إنّه “بعدما قال حزب الله إنّنا نريد أن نتوجه شرقاً، تكوّن لدينا إيمان بأنّه أينما يتوجه حزب الله فذلك قرار خاطىء”.
تغريدة وزير حزب الله لاقت ردوداً كثيرة، لكن اللافت أنّ البعض نبّه إلى العواقب الوخيمة لإبرام اتفاق بشأن ميناء طرابلس مع الصين، إنطلاقاً من تجارب سابقة في بلدان كثيرة. فذكر المعلّقون على سبيل المثال، سياسة فخّ الديون التي تتبعها الصين في الدول النامية، وصولاً إلى عدم الشفافية في إبرام الصفقات، لتمرير ما يريدُه الحزب.
سامع بسياسة فخ الديون الصينية معالي الوزير.. اذا لأ مشكلة و اذا ايه مشكلة اكبر
— Bernard Al Osta (@bernard_osta) November 2, 2021
وقال، زكريا مسيكة وهو ناشط في المجتمع المدني، إنّه لا بدّ من أن يكون هناك وضوح في الصورة، وأن لا يُحاك في الكواليس ما هو غير ظاهر. إذا قلنا إنّ الصين تدخل إلى طرابلس، يتكوّن لدينا نوعٌ من الهاجس، ما الذي يأتون من أجله إلى لبنان أو إلى طرابلس تحديداً، خصوصاً أنّ المسؤولين يبيعون ويشترون بنا، ونحن نخاف أن يكون هناك بيع وشراء بعقود طويلة الأجل أو على مدى الحياة، وذلك ما يشكل مصيبة.
هل تتحوّل طرابلس لبنان إلى غوادار باكستان؟
تعد مدينة طرابلس ثاني أكبر مدينة في لبنان، وهي تتمتع بمكانة استراتيجية مهمّة، نظراً لوقوعها على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، لكنَّ عاصمةَ الشمال تلك تعتبر المدينةَ الأكثر فقراً وحرماناً، ليس فقط في لبنان وإنّما في منطقة المتوسّط. اليوم يتفاقم الوضع أكثر، لاسيّما مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فيما تغيب الخطط الإنقاذية الجدية.
يخترق نهر أبو علي حزام البؤس والفقر في المدينة… فهنا في تلك الأحياء، تغيب أدنى مقوّمات العيش الكريم، من كهرباء وماء وطعام وبيئة صحية. حزام الفقر يتوسّع بشكّل لافت، وقد تجاوزت نسبته الـ 70 %، فيما ترتفع نسبة البطالة في صفوف أبناء تلك المدينة إلى مستويات غير مسبوقة، لا سيما في صفوف الشباب.
وفي توصيف للفقر المدقع في مدينة طرابلس، تقول مواطنة طرابلسية لـ”أخبار الآن“، إنّها لم تعد قادرة على تحمّل تردّي الأوضاع أكثر من ذلك، وأنّ اللبنانيين لم يعيشوا تلك الأوضاع حتّى في زمن الحرب الأهلية، مشيرةً إلى أنّها مستعدّة للهجرة لكن السبل مسدودة أمامها. وألقت باللوم على الدولة اللبنانية التي لا تقوم إلّا بما يخدم مصالحها. وتعبيراً منها على حجم التدهور في وضعها الاقتصادي، قالت: “إننّي مستعدّة للتخلّي عن جنسيتي اللبنانية لا أريدها، دعونا نهاجر”.
تلخص تلك السيّدة حجم الفقر الذي يعاني منه سكان طرابلس. فعلياً ذلك هو الوضعُ راهناً، لكن ماذا لو دخلت الصين بدفعٍ من حزب الله، عاصمة الشمال، أو الفيحاء كما يطلق عليها؟ فهل تتحوّل طرابلس لبنان، إلى غوادار باكستان؟
تسألون ماذا يجري في غوادار؟
بشكل مبسّط، يمكن القول إنّ الصين تسيطر على الميناء هناك، وهي تعمد إلى استغلال ذلك المرفق من نواحٍ مختلفة، فتدخل بضائعها من دون أيّ رسومٍ وفي ظلّ تعامٍ كامل من قبل السلطات الباكستانية، ما يضرب بضائع التجّار المحليين، ذلك عدا عن الجانب الأمني.
كلّ ذلك يأتي نتيجة إغراق باكستان بالديون الهائلة وعدم القدرة على سدادِها. لكن بشكل مباشر أكثر، الصيادون في غوادار حرموا من سبل عيشهم مؤخراً، وقد مُنعوا من الصيد في الميناء، وقد تمّ منحُ السفن الصينية تراخيص للصيد في مياه الباكستانيين. واعتراضاً على ذلك، نفّذ الباكستانيون وصيّادو الأسماك وعائلاتهم، تظاهرات غير مسبوقة مؤخراً، في وجه الدولة الباكستانية والصين معاً، رفضاً لحرمانهم من مصدر رزقهم.
هل يتكرر مشهد غوادار في ميناء طرابلس؟
ذلك المشهد في غوادار يقودنا إلى ميناء طرابلس، ذلك الساحل الذي يعتاش منه كثيرون كحال الباكستانيين هناك. فصيّادو المدينة قد يكونون في المستقبل، هم أيضاً، أمام سيناريو مماثل وهم يعيشون راهناً أصعب الظروف. يعبّر أحد الصيّادين في ميناء طرابلس، عن حاله المزري كما باقي زملائه، فيقول إنّهم ينتظرون الصيف ليأتي كي يشدوّا الرحال، قائلاً: “لن يبقى أحد هنا، جميعنا سيهاجر بقواربنا الصغيرة”.
عند إعلان وزير حزب الله أنّ فريقاً صينياً سيأتي إلى مرفأ طرابلس، اتصلنا به محاولين الإستفسار عن ذلك العرض الذي تحمله الصين لتطوير ميناء المدينة. في البداية أبدى الوزير حماسةً في التحدّث، لكنّه طلب التريّث في إجراء اللقاء ريثما تكتمل المعطيات لديه. حاولنا لاحقاً الإتصال به مرّات عديدة، لكنّه لم يُجِبْ، إلى أن قال صراحة إنّه يتحدّث عن كلّ الإستثمارات في لبنان، إلّا تلك الصينية.
تتجاوز نسبة الفقر في طرابلس شمال لبنان الـ70 % ومخاوف من استنساخ تجربة غوادار مع استقدام شركات صينية إلى ميناء المدينة
ذلك الأمر أثار الريبة، وكأنّ شيئاً ما يُراد تمريرُه من تحت الطاولة من دون أن يشعر أهالي مدينة طرابلس. فهل يستفيقون يوماً ما على الشركات الصينية تعتلي أرصفة الميناء، لينتهي الأمرُ بعبارة “الصين تسيطر الآن”، كما حصل في ميناء اليونان الذي فقدت الدولة فيه 67 % من الأسهم لصالح الصين؟
فريق “أخبار الآن” قصد بلدية طرابلس للإطلاع من رئيسها رياض يمق على حقيقة الأمر، الصورة لديه غير واضحة، فلا نقاشَ في العلن إذاً. وقد قال يمق لـ”أخبار الآن“: هناك ظلم يقع على مدينة طرابلس، وإذا لن يتم تلزيم المرفأ وفق معايير صحيحة سيكون هناك أيضاً ظلم… هم لا يقومون بأي شيء في المدينة قبل البحث عن محسوبياتهم… إذا لم نبدأ بتوظيف عاملين كفوئين في المرفأ فالأمر لا ينجح، وذلك أمر أساسي، أي توظيف أهل المدينة”.
إذاً، يدرك أهالي المدينة جيدّاً خطورة استقدام شركات صينية إلى ميناء طرابلس، فأوّل من سيَلحق بهم الضرر، ستكون اليد العاملة في المدينة، إذ أنّ الطرابلسيين في الأساس لا يجدون فرص عمل يعتاشون منها. هذا ما قاله أحد مستوري البضائع الصينية عبد الإله مرعبي لـ”أخبار الآن“، مضيفاً: “ما نخشاه هو ضرب اليد العاملة اللبنانية خصوصاً ضرب اليد العاملة في شمال لبنان، ذلك ما تريد أن تفعله الصين، لأنّ الصين عندما تأتي وتدخل إلى المرفأ من خلال عقد، تأخذه من الأف إلى الياء، ترسل المعدّات والعمّال والمهندسين والمشرفين على خمس سنوات و20 سنة إلى الأمام، فذلك يضر بنا ويضر الاقتصاد المحلي واليد العاملة”.
بالنسبة للذين يتعاطون الشأن العام السياسي في المدينة، يتلازم المسارين السياسي والإقتصادي لديهما، فالذهاب إلى الخيار الصيني في تطوير مرفأ طرابلس، يرتبط بشكل وثيق بتداعي اقتصاد لبنان الذي يعاني أزمة غير مسبوقة، صُنّفت على أنّها من أشد الأزمات عالمياً، وبالتالي فهو لا يملك شيئاً كي يدفعه مقابل ذلك الدين الصيني إنْ لم يتمكن من سدادِه، وهنا تكون سيادة الدولة اللبنانية على مرافقها وممتلكاتها، بخطرٍ كبير.
وقال كبارة إنّه في حال أخذنا قرضاً من الصين يمكن أن يصبح المرفأ بيد الصين بأكمله، وحينها هي التي ستتحكم بالصادرات والواردات للبلد، وذلك ما يضر بشكل كبير جدّاً بأبناء المدينة والتجّار، ويشكل ضرراً كبيراً لليد العاملة… نحن نريد أن نشجع اليد العاملة اللبنانية والطرابلسية خصوصاً، إنّما بوجود الصين هؤلاء سيصبحون من دون عمل.
أمّا السياسي الشمالي براء هرموش فقال إنّ الصين هي من أكبر الاقتصادات في العالم، لكن عندما تقول الصين يتبادر إلى ذهني وذهن أيّ متابع اقتصادي أو سياسي، عنوان التوجه شرقاً، التوجّه شرقاً، مشيراً إلى أنّ التوجه شرقاً عنوان سيء جدّاً. وبعيداً من التأكيد على وجه لبنان العربي، فقد أثبتت التجارب في باكستان والإسكندرية وفي مونتينيغرو فشلها، وقد كان هناك تصريح لافت لرئاسة وزراء مونتينيغرو لناحية كيف أنّ الصين وضعت البلاد تحت وطأة الديون.
أهالي طرابلس يطالبون بالوضوح في ما يخص أي عقد بشأن ميناء طرابلس ومخاوف من إبرام عقود مع الصين طويلة الأجل أو أبدية
وتابع: ما هي فلسفة الصين الاقتصادية؟ تقوم سياسة الصين على إغراق السوق اللبناني مادياً، وفي ما يخص الاستثمار في مرفأ طرابلس، فالدولة غائبة اليوم وليست لديها إمكانيات، وبالتالي تأتي الصين وتقوم بالاستثمار وتضخ الأموال… عندما تضع لبنان أو طرابلس أو المرفأ تحت وطأة تلك الفوائد، فماذا ستكون النتيجة؟ إنّ الوضع الإقتصادي في لبنان هو نتيجة الفوائد العالية والفساد، وبالتالي فنحن سنكون أمام خيار أمّا أن تدفع، أو أن يصبح المرفأ ملكاً للصين.
لا علم لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس بأيّ عرض محتمل
توجّه فريق “أخبار الآن” إلى غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، لاستيضاح بعض الأمور التي يتمّ ربّما إخفاؤها عن الطرابلسيين، لكنّ هنا أيضاً، تبيّن لفريقنا أنّ النقاش في موضوع مجيء شركات صينية إلى ميناء طرابلس، حديث لا يجري في العلن بشكل صريح، إذ ليس لدى رئيس الغرفة توفيق دبوسي أيّ فكرة عمّا أعلنه وزير حزب الله، الذي ينتظر ربّما اختمار الأمور. ويقول دبوسي: على أرض الواقع يمكن اعتبار ذلك الموضوع “خبرية”، وذلك الجو غير موجود إطلاقاً، وبالتالي ليس هناك أيّ مفاوضات مع أيّ دولة، لا مع الصين ولا مع غيرها.
العدالة في التفاوض… ذلك أمر أساسي يطالب به رئيس البلدية رياض يمق، مع إبرام أيّ اتفاق أو عقد بشأن عمليات التطوير في ميناء طرابلس، سواء مع الصين أو غيرها، داعياً المعنيين إلى تقديمِ مصلحة المدينة على حساباتِهم السياسية والشخصية.
ويقول يمق: عندما نتفاوض بطريقة جدية وعادلة من دون محسوبيات ومن دون أمور شخصية، مع دولة مثل الصين أو مع شركات مهمّة في الصين أو في أوروبا، وتكون مصلحة المدينة فوق كلّ المصالح، يمكن أن أختار الإتفاق المناسب لمدينتي، ومن هنا لا يجب أن أخاف فوراً من الإتفاق.. قبل ذلك كانت لدينا تجربة، وكانت الصين تريد أن تدخل في استثمارات بمعرض رشيد كرامي الذي مازال متوقفاً، كانت هناك معارضة كبيرة لناحية أنّه في حال أتت الصين فالمدينة ستغرق بالفقر والبطالة وغيرهما، ما أدّى إلى إلغاء الاتفاقية.
لمعرفة كيف أوقعت الصين كينيا في فخ الديون، إضغط هنا.
تتمتعُ مدينة طرابلس بمكانةٍ بالغة الأهمية، فهي تربطُ المدن الساحلية بمدن سوريا الداخلية، وبالتالي بمدن العراق وغيره، وبالتالي الميناء لديها يتميزّ بمكانة استراتيجية مهمة.
مؤخراً تلقى الرئيس السوري بشار الأسد دعماً من نظيره الصيني شي جين بينغ، الذي أكّد سعيَه لتعزيزِ العلاقات بينهما، ودعمَ إعمارِ سوريا. دخولُ بكين ميناءَ طرابلس، يؤمنُ لها نقطةَ انطلاقٍ لتلك المهمة، ويوفّرُ عليها الكثير خصوصاً الرسوم الجمركية، فيما لو تمكّنت من إبرام الإتفاق.
رئيس بلدية طرابلس رياض يمق يطالب عبر أخبار الآن بالعدالة مع التفاوض بشأن أيّ عقد يخصّ ميناء طرابلس
ويقول المقاول أحمد العبد الله لـ”أخبار الآن“، إنّ الصين أو غيرها لها الحق في أن ترعى مصالحها، لكن أيضاً نحن بحاجة إلى دولة تأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطن في لبنان، سواء أكان المواطن الطرابلسي أو غير الطرابلسي. إنّ طرابلس تلك المدينة المظلومة، لديها من المشاريع الضخمة ما يكفي لبنان وسوريا والعراق، ومرفأ طرابلس كان يصدّرإلى العراق، وكان يعمل ليلاً نهاراً، ذلك المرفأ الحيوي هو قريب جدّاً من الحدود السورية ولديه مميّزات اقتصادية ومميّزات قوية جدّاً، لكن مع الأسف نحن نتخوف ليس من التنين الصيني أو من أيّ مستثمر يأتي ليستثمر في مرفأ طرابلس، بل نتخوف من ضعف الدولة وترهلها بمؤسساتها، إذ أنّ تلك الدولة لا تقوم بإبرام الاتفاقيات التي تصبّ في مصلحة المواطن اللبناني أو الطرابلسي أيّاً كانت المشاريع، سواء كانت في طرابلس أو في غيرها.
دخلنا أسواق مدينة طرابلس، الحال هنا بالطبع ليس على ما يرام، بالكاد يحاولُ الطرابلسيون الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية الحادة، التي أدّت إلى انتشار آفات يصفُها المعنيين في المدينة، بالغريبة على طابعها، من سرقات وتعاطي المخدرات وغيرها.
فريق “أخبار الآن“ التقى أحد أصحاب مصانع الحديد والصلب، وكذلك أحد متعهّدي البناء في مدينة طرابلس، وهما من الأشخاص الذي يعتبرون على تماسٍ مباشر مع ذلك ملف الإستثمار في ميناء طرابلس، كونه يطال مصدر رزقهم. وقد اعتبرا أنّ الوضع في طرابلس لا يحتمل المنافسة.
وانطلاقاً من تجاربه في ذلك المجال، قال تاجر الحديد كريم خولي: لا نستبعد الأمر إطلاقاً، فتخيّل الوضع عندما تعمد إلى إفقار مدينة حتى يدخل على الخط منافس مثل الصين وغيرها، فذلك هو الأسلوب الذي يتمّ اتّباعه في كلّ دول العالم، وتجدهم دخلوا إلى أفريقيا، مصر، إثيوبيا وسيرلانكا… هناك أمثلة كثيرة، والواضح أننا سنصل إلى تلك النقطة.
وتابع: إذا الصين أغرقت الدولة بالديون فذلك لن يكون هبة، الصين تقوم بمصلحتها كأيّ دولة أخرى، لكنّ الصين تحديداً تأتي وتعطي قروضاً وتبني مطارات وجسوراً، لكن من أجل منتجاتها وفي النهاية يسيطرون على العقارات، وفي معظم الأحيان تعجز الدولة عن دفع الديون. فإذا جاء أي عامل خارجي ليهزّ الصناعة أو اليد العاملة لدينا في لبنان وفي الشمال، فلن يبقى أحد لأنّ الأيّام ليست عادية والأمور لست طبيعية، المنافسة يعني دماراً شاملاً.
مقاول طرابلسي: دخول الصين إلى مرفأ طرابلس يعني ضرب اليد العاملة لدينا.. والصين لن تشتري شيئاً من أسواقنا المحلية
من جهته، قال متعهّد ورش البناء عامر يوسف لـ”أخبار الآن“: طبعاً نحن لسنا بحجم الصين، إذا دخلت الصين إلى مدينة طرابلس، فعلى الدنيا السلام، لن يكون في المدينة لا فرص عمل ولا شيء.. هم يسيطرون إقتصادياً ومعنوياً. وأضاف: “شفنا مين مات بدنا نموت متل حكايتو”. وشدّد على وجوب أن تكون هناك شخصيات تقف في وجه ذلك المشروع الذي سيضر بنا حتماً، فالأمر في العادة يأتي ضمن شروط واضحة وعادلة، فالطرابلسيون يموتون أصلاً، وهم يريدون إفقارنا أكثر.
هواجس هؤلاء لا تختلف إطلاقاً عن تلك الموجودة لدى التجّار العاديين، داخل الأسواق الداخلية للمدينة، والتي تعتبر شعبية بالإجمال. هنا ما إنّ ذكرت كلمة الصين على مسامعهم، حتى بادرونا بالقول، نرفض المنافسة الصينية التي تريد أن تقضي على أبواب رزقِ الطرابلسيين، معتبرين أنْ لا شيء يصمدُ في وجه الصين، نظراً لبضائعها ذات الأسعار المتدنية.
ويقول تاجر الألبسة وسيم خضر: أيّ سياسة تضرّ بنا، كتجارة حرة في طرابلس وكتجّار، غير مقبولة، ثمّة نحو 20 ألف محل في الأسواق، ما يعني 20 ألف عائلة، وبالتالي المنافسة الصينية تعني تدمير تجارة طرابلس واقتصادها. ودعا الجميع في طرابلس إلى الإطلاع على يجري في الدول الأخرى حتى نفهم ماذا يجري حولنا.. هم يقومون يتمرير مشاريعهم بالخفية حتى نُصدم بالنهاية، ولا نعرف من أين تأتينا الضربة. كما أشار التاجر الطرابلسي فوّاز كبارة إلى أنّ طرابلس هي في الأصل تعاني أزمة معيشية كبيرة، وشبابها لا يجدون فرص العمل، ونحن بالتالي نفضّل أن يشغّل المرفأ أبناء البلد، لا استقدام كلّ شيء من الخارج.
أهالي طرابلس يستحضرون التجارب الفاشلة مع الصين في كينيا ومونتينيغرو ومصر واليونان وسيرلانكا وغيرها محذّرين من التوجه شرقاً لاعتباره خياراً خاطئاً
مخاوف هؤلاء التجار يعيدنا إلى ما قاله رئيسُ اتحادِ مقاولو أحواضِ بناء السفن في اليونان، لـ “أخبار الآن“، فهو شدّد على أنّ الصينيين لا يبتاعون حتى مصباحاً واحداً، ولا حتى إبرة من سوق بيرايوس المحلي لأنّ كلّ المنتجات التي يستهلكونها تأتي من الصين، وذلك ما يتخوفُ منه تجّار طرابلس.
في المحصّلة، يُجمعُ أبناء مدينة طرابلس على أهمية أن تراعي أيّ اتفاقيات مع دول أجنبية، سواء أكانت مع الصين أو مع غيرها، مصالح المدينة وأبنائها تجنّباً للوقوعِ في فخِ الديون وخسارةِ أصول البلاد، التي تعاني أصولها من اهتراء وترهل في الأساس.
شاهدوا أيضاً: من أشدود إلى بيروت وحتى بنزرت.. لماذا تريد الصين السيطرة على موانئ المتوسط؟