ترتفع أصوات البحّارة التونسيين اعتراضاً على الإنتهاكات الصينيّة المستمرّة لبحارهم، وهي انتهاكات ممنهجة تهدف إلى السيطرة على أنواع عديدة وفريدة من الأسماك وقد أدّت إلى إفراغ المياه التونسيّة من أنواع كثيرة كما وتهدد أنواعاً أخرى بالإنقراض.
- الغزو الصيني للبحار التونسية يصيب البحارة التونسيين برزقهم ومعيشتهم وغذائهم
- الصين تملك نفوذاً عبر وكلاء بوزارة الفلاحة يخوّلها التصرّف كما تشاء في البحر
- الاتحاد التونسي للفلاحة: على الدّولة وضع حدّ للصين وغيرها لمنع استنزاف ثروتنا السمكية
- البحارة التونسيون يطالبون بأن تقوم الدولة بحماية منطقتها الإقتصادية وحماية مخزوناتها السمكية
ضرب الغزو الصيني للبحار التونسية البحارة التونسيين في رزقهم ومعيشتهم وغذائهم، فقد ترك بعض هؤلاء مهنتهم وأصبحوا عاطلين عن العمل، كلّ ذلك والدّولة لا تحرّك ساكناً لصدّ الهجوم الصيني عليها، فيما يشدد كثر من بينهم على أن النفوذ الصيني يتمدّد في تونس، فالصين لا تسيطر فقط على البحر بل لديها نفوذ في وزارة الفلاحة يخوّلها التصرّف كما تشاء في البحر.
فما الذي فعلته الصين في بحر تونس وثروتها السمكيّة؟ كيف أضرّت بالصيّادين؟ وما هي الخطوات الواجب اتخاذها لدفع الدّولة إلى التحرك وصدّ الغزو الصيني؟
شكا أحد البحارّة من أن ما يحصل في تونس يؤدي إلى غلاء في أسعار السمك بحيث أصبح من الصعب على المستهلكين شراؤه كما في السابق ما أثر على معيشة التونسي وغذاؤه “لقد تدهورت القدرة الشرائيّة للتونسيين والأطنان من الأسماك تذهب إلى مخازن التبريد وسوق الجملة، حيث يستأثر أصحاب رؤوس المال بالبضاعة”.
وأشار إلى تدخل أجنبي في مخازن التبريد حيث يقومون بسحب السلع من مراكب الصيد ونقلها إلى مخازن التبريد ومن هناك يرسلونها إلى أوروبا”.
ويشير بحار آخر إلى أنّ “الصين اشترت كل سمك التونا ذات الحجم الكبير وهي تبيعه بسعر غال فيما لم يعد في مقدورنا استغلال مواردنا ولا حتى التمتع بها وتناولها ذلك لأن الصين تستغلنا”، فيما يؤكد زميل له أن الصين ومعها مجموعة من الدّول “تتفق على إفقار البلاد، لم يعد لدينا قدرة على تصدير منتجاتنا من بور تونس، فالتونا التونسية غير موجودة ولم تعد تباع في تونس حتى السردين بات مقطوعاً”.
معاناة الصيادين مع الصين.. “استباحة بحارهم”
يتحدث البحار وكاتب عام نقابة عمّال الصيد البحري ورئيس جمعية الصيد البحري عبد مجيد بن مسعود عن أهمية قطاع الصيد بالنسبة لتونس والأضرار الجسيمة التي حلت به بسبب استباحة الصين للبحر. وقد أوضح أن قطاع الصيد “مهم جدا إقتصاديا وإجتماعيا، فمنطقة الشابة فيها 40 ألف ساكن، 20 الف منهم يعيشون من الصيد البحري، إلا أن الأضرار التي لحقت بالقطاع جسيمة خصوصاً بسبب التدخل الصيني الذي حرمنا من خليج غابس حيث زرعوا فيه نوعاً من الأسماك اسمه سرطان البحر، يطلق عليه بحارتنا إسم داعش وهو يأكل كل شيء ولا يترك شيئاً في البحر حتى الحوت والشباك والجمبري”.
وأضاف “لقد أنشأوا معاملاً لتربية الجمبري، ما أدى إلى تدمير إنتاجنا وإلزامنا ببيعه بثمن رخيص، هذا عدا عن الآلة التي يستخدمونها لصيد القرقار، لا يهمهم إذا كان البحار يكسب أو يسترزق بل ما يهمهم هو تدمير البحار، كما أنهم يعيقون حرية تنقلنا في بعض المناطق فإذا مررنا بإحدى المناطق يقولون لديك مخالفة”.
وأوضح بن مسعود أن اتحاد الفلاحين مطالب بالإجابة على هذه الأسئلة “لأنه هو من أدخل الصينيين وهو الذي يتعامل معهم ويعرف أن صيد القرقار يتم بالآلة كما ويعلمون بزراعة داعش في خليج غابس”، وأضاف “التدخل الصيني واضح وقد دمّر الصيد البحري فترى أن اليد العاملة قد فقدت، والشباب أصبحوا غير مكترثين للعمل في القطاع لأنهم يعلمون أن الصين دمرت المشروع، فالدور الصيني واضح ومدمّر للإقتصاد خصوصاً للصيد البحري في تونس”.
رئيس جمعية الصيد البحري عبد مجيد بن مسعود: منطقة الشابة فيها 40 ألف ساكن 20 ألف منهم يعيشون من الصيد البحري، لكن الصين حرمتنا بسبب غزوها من التمتّع بثروتنا السمكية
إلى ذلك شدّد على أن فوق معاناة الصيادين فهم لا يعلمون ماذا يفعلون فقد نظموا الإحتجاجات والإعتصامات، لكن ذلك لم ينفع “نحن نرى كيف يتصرف الصينيين في تونس، هم يسيطرون على وزارة الفلاحة ويتعاملون بشكل مباشر مع اتحاد الفلاحين فيعدلون البرامج عبر أشخاص لديهم نفوذ مع وزارة الفلاحة وينفذوا ما يريدون عبر بعض القيادات، باختصار هم يسيطرون على وزارة الفلاحة ويعملون ما يشاؤون وفي النهاية إن الصين هي من يحكم في بحر تونس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وقد سيطرت على قطاع الصيد البحري”.
وأكد أنه على الرغم من “الضرر الذي تسببت به الصين للصيد البحري، ورغم سيطرتها، ورغم أنها اختارت الانتهازيين من بين الناس الذين باعوا البحر وهم يعتبرون أنفسهم مسؤولين، نحن اليوم كنقابة البحرية وكجمعية الصيد البحري ندعوا أولاً قدامى الصيادين إلى الوحدة والإلتفاف حول موقف واحد فنحقق مصالح بحرنا ومصلحة بلادنا ونطالب ببت القوانين فندعو السلطة لأن تسمعنا ففي النهاية المصلحة واحدة وهي ثروة التونسيين وغذاء التونسيين، إن الصيادين ملزمين بالإلتفاف حول بعضهم وعليهم أن يعرفوا أن الصين مسؤولة وهي المستفيدة الوحيدة من بحر تونس وهي التي زرعت الإنقسامات وهي التي زرعت داعش، هي التي أنشأت معامل الجمبري ولا بد لنا من حماية بلادنا وأرواحنا”.
بدوره شكا البحار معز الطويل الظلم الذي يعاني منه الصيادين بسبب “غياب التشجيع من قبل الدولة التي لا تقدم القروض ولا الدعم المالي”، وأكد أن ما يحصل تونس هو استعمارر “فخلال فترة الراحة البيولوجية تمنع مراكبنا من العمل فيما يُسمح لمراكب صيد تأتي من مصر وإيطاليا بالصيد وترافقها السلطات الإيطالية لحمايتها، أما نحن ففي مأزق ومرتبي لا يتخطى الـ و نحن بعد عملنا الطويل و عند التقاعد في مآزق ولا أحد يهتم”.
فيما يشدد البحار فريد صوة على الضرر الذي مني به القطاع “ومني به البحارة التونسيين بسبب المرض الذي قدم من خليج غابس إضافة إلى الحواجز البلاستيكية كل ذلك ألحق ضررا كبيرا بالبحارة”.
الشراهة الصينية تجاه التونا الأحمر
تراجع المخزون التونسي في الأعوام الأخيرة بحسب ما يوضح نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري نور الدين بن عياد إذ من الملاحظ أن في الأعوام العشرة الأخيرة او ما يزيد عليها قليلاً، تآكل حجم هذا المخزون، وما يؤكد على ذلك أن حجم الصيد البحري للأسطول التونسي لا يفوق الـ130 ألف طن ومع ذلك “من الضروري الحفاظ على مواسم الصيد لكل صنف من الأصناف وتنظيم المناطق وتنظيم الأسطول بحيث يتماشى حجم الأسطول مع حجم المخزون وبالتالي تكون هناك مردودية للبحر.
وقد اعتمدنا في الأعوام السابقة كل تلك الطرق التي تحدثت عنها، غير أن سلطة الإشراف لم تحقق بعد الهدف النهائي كون المخزون في تناقص سنة بعد سنة، وهذا ما دفع بنا ربما في العام 2009 كمنظمة إلى اقتراح الراحة البيولوجية والهدف منها الحفاظ على مخزوننا خصوصاً في المناطق المتآكله وبشكل أساسي المنطقة الثالثة المعروفة بخليج غابس، لأننا لاحظنا كمهنيين وإدارة وبحث علمي أن المنطقة هذه متآكلة وفيها زخم كبير من الصيد ربما غير المنظم. وقد مولنا كمنتجين وحتى كمصدرين تطبيق الراحة البيولوجية بدون أي مساعدة لا من الاتحاد الأوروبي ولا من منظمة الفاو ولا حتى من السلطة التونسية بذاتها، ونفذنا التجربة لأربع أعوام حتى اليوم على أن نسير بها 12 سنة، بدأت المبادرة تعطي ثمارها ولكن في تصوري هي غير ناجحة”.
ولفت بن عياد إلى أن الأسطول التونسي متعدد الإختصاصات ويصيب إنتاج جيد من السمك الأزرق والتونا الأحمر وثمة مراكب مخصصة لصيد الجمبري من الأعماق وهو من خيرة الإنتاج المعد للتصدير وعليه الكثير من الطلب ولكن من الضروري الحفاظ عليه “لذلك نحن نشجع الراحة البيولوجية فأهميتها تكمن في أنها تجعل هذه الأصناف تتكاثر، ولكن في الوقت الذي نفرض فيه الراحة البيولوجية في مياهنا نجد أن حدودنا تستنزف من قبل العديد من الأساطيل الأجنبية التي أضرت بمخزوننا سواء الأساطيل المصرية أو الإيطالية أو الإنجليزية أو الصينية، فلهؤلاء مراكب عملاقة لا قدرة لمراكبنا على منافستها”.
وأضاف “لا بد من تنظيم ثروتنا السمكية والحفاظ عليها عبر برامج مشتركة مع سلطة الإشراف والعمل على تطبيق ما هو موجود من القوانين، لدينا حزمة لا بأس بها من القوانين نرجو تطبيقها والحفاظ على ثروتنا السمكية ومستقبل الأجيال القادمة”.
بن عياد: من الضروري أن تحمي تونس منطقتها الاقتصادية الخالصة وعلى الدولة أن تراقب الأساطيل سواء كانت صينية أو إيطالية أو غيرها تجنّباً لاستنزاف مخزوننا
وعن استهداف التونا الأحمر بنوع خاص قال: “إن هذا المخزون شهد تقلصاً كبيراً جدا بين عامي 2000 و2007 أو 2008 بسبب استنزافه طوال تلك الأعوام وقد تم تقنين مواسم صيده بالإستناد إلى قانون دولي علما أن الصين واليابان يشكلان سوقاً أساسياً للتونا الأحمر إذ تستوعبان 80 أو 85% من إنتاج العالم للتونا الأحمر بسبب العادات الإستهلاكيّة لشعوبها.
أما على مستوى تونس، فنحن نريد مضاعفة الحصة والسماح للبحارة التونسيين بالإنتفاع منها. إلى ذلك للمستهلك التونسي الحق في أن يستهلك التونا الأحمر المصطاد في سواحله لكن طبعاً بالتشاور مع سلطة الإشراف”.
ورأى أنه من الضروري أن تقوم تونس بحماية منطقتها الاقتصادية الخالصة ما يساهم في حماية مخزوناتها ومردودية صياديها مطالباً بالحراسة لمراقبة الأساطيل سواء كانت صينية أو إيطالية أو غيرها من تلك “التي تستنزف مخزوننا ومنتجاتنا.
وعلى السلطة التونسية أن تعزز الحراسة سواء كان عبر الخفرات البحريّة أو عبر البحرية الوطنية أو الحرس البحري أو بالآلية الجديدة اليوم التي تقوم على التحكم عن بعد والمراقبة عبر الأقمار الصناعية ما يخفف من هذا الإستنزاف المفرط الذي له مردود على البحارة العاملين والكادحين في قطاع الصيد البحري الذين لا يلقون مردودية، أما المواطن فيصله كيلو حوت بأثمان غالية وكلفة كبيرة باعتبار أن كلفة الإنتاج وشح المنتوج يتسبب بغلاء المنتجات عند الاستهلاك… لا يجوز أن نترك مياهنا مرتعاً للأساطيل الأجنبة. إذا نظرنا إلى الجزائر نرى انها رفعت حدودها البحرية إلى 64 ميلاً، أما ليبيا فإلى 72 ميلاً إلّا أنّ تونس لا تزال في حدود 12 ميلاً، معنى ذلك أنها مرتع للانتفاع بالنسبة للأساطيل الأخرى”. وأضاف “نطالب بضرورة تقنين الترفيع ما بعد المنطقة الاقتصادية الخالصة حتى نزيد الحماية لمياهنا وللثروة السمكية ونعطي فرصة لأسطولنا بأن يستغل هذه المياه وبالتالي لا نفسح المجال لبعض الأساطيل الأخرى التي تستنزف ثرواتنا”.
الدولة التونسية مطالبة بالإشراف والحراسة
يضمّ بن عياد صوته إلى الصيادين وغيرهم ممن يناشدون الدّولة التدخل لوضع حدّ للصين وغيرها من الدول التي تستنزف البحار التونسية وثروتها السمكية وأكد أن “حماية وحراسة السواحل التونسية موكول إلى سلطة إشراف معروفة من البحرية الوطنية أو من الحرس البحري أو الديوان التونسي أو حتى للإدارة العامة للصيد البحري لدورها بحماية المخزونات هذه بالطرق القانونية، ولتساعد آلية منح الراحة البيولوجية الغاية والفائدة المرجوة من فرضها. وعندما لا تساهم بحماية ما يتعدى الـ12 ميلاً بحرياً فإن ذلك سيؤدي إلى الإخلال بمخزوننا وجعله في حل من الضوابط القانونية”.
وأضاف “بحسب ملاحظتنا اليومية لقد تقلص مخزوننا سواء على مستوى الصيد الساحلي أو صيد الأعماق وتفاقم هذا التقلص من سنة إلى سنة ويعود هذا التقلص في المخزون إلى الأساطيل التي تقوم باستنزافه كون منطقتنا الإقتصادية الخالصة غير محمية وغير مقوننة، والسلطات المكلفة بالحراسة لا تمنع الأساطيل التي تصطاد خارج مياهنا الإقليمية، وقد طلبنا مراراً تفعيل القانون فنتفق بالتراضي مع الدول المجاورة على تأمين 30 أو 40 ميلاً بحرياً إضافياً لحماية مواقع صيدنا ومخزوننا السمكي”.
حشاد: قطاع صيد الأسماك التونسي يشغل بطريقة مباشرة وغير مباشرة ما يناهز المئة ألف شخص ممن ينشطون في ذلك الميدان مباشرة
بحسب المستشار البيئي لدى المنظمات الدوليّة حمدى حشاد إن قطاع صيد الأسماك التونسي يشغل بطريقة مباشرة وغير مباشرة ما يناهز المئة ألف شخص ممن ينشطون في ذلك الميدان مباشرة، كما ويساهم قطاع الصيد البحري وتربية الأحياء المائية في تونس بعدة مداخيل لخزينة الدولة التونسية، ويستقطب جزء كبير من اليد العاملة المنتشرة على السواحل غير أن وجود هذا القطاع واستمراريته بات مهدد بسبب نوعين من الأخطار التي تتهدده “وهي أولاً أسباب داخلية تتمثل في الفساد وانتشار الرشوة والمحسوبية في هذا القطاع، أو كذلك استنزاف الموارد المائية محلياً، وقد بات الموضوع المالي يشكل هاجساً كبيراً للبحارة والناشطين في هذا القطاع، لذلك هناك استغلال مفرط للثروة السمكية، ما يهدد استقرارها وكذلك وجودها مستقبلا”.
وثانياً، تتمثل الأخطار المهددة لهذا القطاع بـ”العوامل الأجنبية أو غير المرتبطة بالوسط المحلي بل بالوسط الدولي تقريباً، وتتمثل بالطلب على بعض الأنواع من الأسماك التي تعتبر غالية الثمن أو تشكل عموداً فقرياً لبعض الثقافات الآسيوية التي تستفيد في تونس عن طريق بعض الوسطاء من دول الخليج العربي أو بعض الدول الأوروبية الذين ينشطون في تونس ويسيرون شبكات الاستغلال لبعض الأنواع النادرة…طبعا الدولة لم تبالي بهذا التهديد حتى الآن، أو أنها لا تتعامل بجدية مع الموضوع، لكن هذه اللوبيات المحلية والدولية باتت مصدر تهديد مباشر للثروة السمكية في تونس”.
أمّا عن التجّار الصينيين الذين يستغلون ثروة تونس السمكية، فقال: “لا يخفى على أحد أنّ تجار الصين منتشرون في كافة أنحاء المعمورة تقريباً، وتونس هي جزء من هذه الدول التي ينشطون فيها عن طريق وسطاء موجودون هنا في تونس، وهناك طلب على بعض أنواع الأسماك، زعانف أسماك القرش الموجودة في البحر الأبيض المتوسط أو التي يصطادها بعض البحارة التونسيين باتت تقطّع وتجمع وتصدّر، أنواع أخرى مثل النخويات أو بعض الأصداف أو بعض الأسماك الأخرى المجففة باتت تذهب الآن إلى الأسواق الرسمية عن طريق ما يقع تصديره إلى الاتحاد الأوروبي أو بعض الدول الأخرى حيث تكون الرقابة البيطرية غير متماسكة… هذه الأنواع المهددة بالانقراض باتت تذهب مباشرة إلى الصين عن طريق العديد من الوسطاء ما بين تونس والصين”.
وأضاف “هذا مخيف نوعاً ما، لأن وجود هذه الفئة من التجار يضع تلك الأنواع في لوائح الفئات المهدّدة بالإنقراض، لكننا كناشطين في المجتمع المدني وناشطين بيئيين لن نسمح بحدوث ذلك في تونس، لقد حصل ذلك في العديد من الدول الإفريقية، لكن عيوننا تراقب وتحاول ملاحقة هؤلاء الأشخاص الذين ينشطون في هذه الميادين”.
الصين تغض النظر عن الممارسات غير الشرعيّة لأسطولها
لقد أصبح قطاع الصيد في تونس مستنزف لأسباب عديدة أبرزها العوامل الخارجية كالطلب الصيني على بعض الأنواع النادرة الموجودة في تونس وإن ذلك بحسب حشاد “سيشكل ضربة قاصمة للتنوع الحيوي في تونس، ولمصدر دخل العديد من البحارة مستقبلاً.
إن السلطات الصينية تغض النظر عن بعض الممارسات غير الشرعية أو غير القانونية التي تحدث في العديد من دول العالم ومنها تونس، والسلطة الصينية على دراية كاملة بمنشأ العديد من الأسماك التي يقع تصديرها إليها ولا تطرح الكثير من الأسئلة، وليس هناك من متابعة ومحاسبة تطال تداعيات هذه الممارسات التي تعتبر غير مستدامة لقطاع الصيد البحري في العالم وفي تونس بشكل أساسي”.
وأضاف: “ممارسات الصين باتت تهدد التنوع الحيوي الدولي. وتقريباً إن تجربة كورونا ناتجة عن سوء تصرف وسوء استغلال لعنصر ثقافي غذائي يعتمد في الثقافة الصينية وقد بات موضع تهديد للعالم بأسره، هذه التجربة ممكن أن تتكرر وأن تؤثر على استقرار العديد من الأنواع”.
وشدد على أن” الصين مسؤولة كغيرها من الدول، لكننا هنا نتحدث بشكل خاص عن دورها في التسبب في انقراض العديد من الأنواع، أو دفع العديد من الأنواع الأخرى إلى خانة الأنواع المهددة بالانقراض، وهذا يتطلب من المجتمع الدولي وقفة حازمة للفت نظر الصين لبعض هذه الممارسات”.
ولفت إلى “أننا كناشطين بيئيين وكمجتمع مدني تونسي نعمل على دفع السلطات التونسية إلى أخذ بعض التدابير القانونية ضد هؤلاء الوكلاء الذين يمثلون الصين بطريقة غير مباشرة، ناهيك عن شركات الاستيراد والتصدير، نعمل الآن على رصد بعض هذه الشركات وجمع عناوينها والأشخاص الناشطين فيها أو حتى الشبكات العنكبوتية التي تدير من خلالها الصين تجارة هذه الأنواع المهددة بالانقراض، لدينا مسؤولية أخلاقية وبيئية تجاه تونس والبحر الأبيض المتوسط بشكل أساسي، وتجاه العالم أيضاً، لذلك أتوقع في الأيام المقبلة تشكيل مجتمع مدني قادر على تنفيذ متابعة قانونية محليا ودوليا لبعض هذه الشبكات الصينية المختصة في استنزاف الموارد الطبيعية والموارد الحيوانية”.
ومع ذلك ورغم التجاوزات الصينيّة أوضح حشاد أن “تونس بحاجة إلى شركاء تجاريين فاعلين منهم الصين، لكن على تلك المعادلة أن تكون قائمة على المساواة واحترام القوانين واحترام التنوع الحيوي، لأن ذلك لن يكون استنزافاً إنما تجارة تتم في حدود أن تكون تلك الكائنات الحية البحرية محمية وفق معاهدات ووفق قوانين محلية أو دولية، لا أن يقع استغلالها في إطار مستدام يؤدي إلى استنزاف أو إفراغ الأسواق والبحار من محتوياتها لتلبية الطلب الصيني على هذه البضائع وهذه المواد. لذلك ننادي بديمقراطية تجارية مع الصين، وعليها كطرف قوي في العالم أن تحترم المعاهدات الدولية وتحترم الدول التي تلجأ إليها للتجارة والاستثمار أو للتوظيف أو الشراء لتكون المعادلة قائمة على مساواة تجارية بالأساس”.
عدوانية الأسطول الصيني
لم يعد خافياً على أحد أن الصين تسعى لأن تصبح قوة بحريّة عظمى وبالفعل فهي تمتلك الأسطول الأكبر في العالم، ويبدو أن عدوانية أسطولها وانتهاكاته المتكرّرة تثير التوترات في جميع أنحاء العالم خصوصاً في أفريقيا حيث يتسلط الأسطول على ملايين الأطنان من المأكولات البحرية سنويًا لإطعام شعبه، وقد ارتفعت أصوات الحكومات الأجنبية والصيادين وجمعيّات الحفاظ على البيئة منددة بالصيد غير القانوني الذي يمارسة الأسطول الصيني بما في ذلك استخدام معدات محظورة ودخول المياه الإقليميّة لدول أخرى. فدول غرب أفريقيا تعاني من الإنتهاكات الصينيّة كما الدول الواقعة في البحر المتوسط وقد تكون تونس والجزائر وإلى حد ما مصر من بين المتضرّرين المباشرين من الغزو الصيني لمياهها.
والواضح أنّ الجشع الصيني لم يؤد فقط إلى الإضرار بالبيئة والثروة السمكيّة بل خلق مشكلة أمن غذائي ففي الآونة الأخيرة اضطر الصيادون التونسيون إلى انتهاك مناطق الصيد المالطية بسبب جفاف مياههم التونسيّة نتيجة الممارسات الصينيّة، فما الذي يفعله هؤلاء في تلك البحار؟ ولماذا تخفي الصين المعلومات عن كميّة مصيدها وعدد السفن في أسطولها؟ وكيف يمكن وضع حدّ لكل تلك الإنتهاكات وإعادة الحياة إلى مياه تلك الدول وصون حقوق شعوبها؟
تقدّم رئيسة مكتب السياسة الأوروبية في الصندوق العالمي لحماية المحيطات د. أنطونيا لوروي توصيفاً للواقع أو لما يحصل حقيقة في غرب أفريقيا فالصيد الجائر وغير القانوني يترك بحسب قولها أثراً كبيراً هناك ويتسبب بالضرر للبيئة “إنه يخلق الصيد الجائر ونرى الآن بعض الممارسات التي تثير الدهشة تمامًا، كما هو الحال في غانا، وهي الصيد عبر ما يسمى بالدورة حيث يتم فرض نوعاً من الحصار الذي يتيح النقل غير القانوني في البحر من سفن الصيد الأجنبية إلى قوارب الصيادين المحليين، لذلك لا تزال سفن الصيد الأجنبية هذه تستنفد مخزوناً أكبر من السمك الذي تستهدفه أساساً لأسباب تجارية بالإضافة إلى أنها تصطاد الأسماك الصغيرة وتبيعها للمجتمعات المحلية التي كانت تأكلها من قبل وتعتمد عليها، وبالتالي فإن مناطق الصيد الخاصة بالصيادين المحليين قد استنفدت إلى حد كبير، وهم مجبرون على الإعتماد على البائعين وأسعارهم”.
ولفتت إلى أن تداعيات ذلك “لا تقع فقط على الصيادين أنفسهم، ولكن أيضاً على كل المنخرطين في سلسلة التوريد في تلك البلدان بدءاً من معالج المأكولات البحرية والمعالجون عادة هم من النساء، تاجر الأسماك، والمستهلكون في نهاية المطاف، وبالتالي عندما لا نراقب أساطيل الصيد جيدًا فإن ذلك يؤثر في الأمن الغذائي”.
الصين تخفي المعلومات حول نشاطها في البحر
إنّ الصيد غير القانوني في الواقع ليس مجرد مشكلة بيئية بحسب لوروي، “بل هو أيضاً قضية إجتماعية وإقتصادية لأنّه لا يضرّ بالبيئة ويزيد من الصيد الجائر فحسب، بل إنّه يؤثر أيضاً على الأمن الغذائي للمجتمعات الساحلية التي قد تعتمد على الموارد السمكيّة، كما أنه يخلق صراعًا بين الدول التي تتنافس على الموارد التي هي أقل توافراً في الوقت الحاضر، لذلك يصعب التعامل مع الصيد غير القانوني لأنه ليس هناك شفافية بل هناك الكثير من الأنشطة السرية التي تحدث في البحر، وهي تفتقر إلى الرقابة والشفافية من حيث عدد القوارب التي نراها وعدد الأسماك التي يتم اصطيادها. وهناك الكثير من الصيد غير المبلغ عنه، ما يعني أنه يمكننا الإبلاغ عما يمكننا صيده ولكن ليس عن الجزء الآخر وهذا جزء من الصيد غير القانوني”.
ولفتت إلى أن ذلك يرتبط أيضاً “بالجرائم التي تطال الإتجار بالبشر والعبودية لأن الغرض الأساسي من الصيد غير المشروع هو جني الأرباح وهذا لا يضرّ بالبيئة فحسب بل بالإنسان أيضاً، لأن جني الأرباح يتم بأجر منخفض للطواقم العاملة وهم يلزمونهم على العمل لساعات طويلة لمجرد زيادة الأرباح”.
من الصعب القول ما يفعله آلاف الرجال بل فلنقل البلدان المتورطة في الصيد غير القانوني في دول البحر الأبيض المتوسط بحسب لوروي “لأنّ هناك العديد من أشكال الصيد غير القانوني مثل الصيد غير المبلغ عنه، أعتقد أن لدى الاتحاد الأوروبي دور يلعبه في موضوع التتبع على سبيل المثال، لذلك نحن لا نعرف حقاً من يصطاد بطريقة غير مشروعة لكننا نعلم أنه من واجبنا الاهتمام بما يتعلق بإمكانية التتبع، نحتاج إلى أن نكون على دراية بذلك وأن نطلب المزيد من الشفافية كما هو الحال عندما نستورد منتجاً لأنّنا أحد المستوردين الرئيسيين في العالم، كذلك لدى الدول الأخرى مثل الصين والولايات المتحدة واليابان دور عليها أنه تلعبه، خصوصاً الصين باعتبار أنّها تمتلك واحد من أكبر الأساطيل في العالم وهي أيضًا واحدة من أهم المستوردين والمصدرين على ما أعتقد، لذلك من واجبها أيضًا الاهتمام”.
ولفتت إلى أن عدداً من البلدان هناك “لا تملك بيانات عن الأساطيل الصينية، الكميّة التي تصطادها وكم يبلغ عدد سفنها وهذا يقوّض المشورة العلمية ويؤدي إلى الحد من قدرة الدولة على وضع قواعد جيدة لإدارة مصائد الأسماك. لذلك فإن الصين لاعب رئيسي ولديها مسافة كبيرة إلى الغرب، مما يعني أنه من الصعب أيضًا مراقبتها، وهناك نقص في الشفافية وأحيانًا نقص في مشاركة البيانات، لذلك تم إنشاء فريق عمل للتعامل مع الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة”.
وشددت على أن “الصين كواحدة من أكبر الأساطيل لديها دور رئيسي عليها الإضطلاع به لأننا نرى أن ثمة أسماك تنفذ وهذا مقلق للغاية لا سيما مع تغير المناخ، إذ نرى المزيد من الصراعات بين البلدان بسبب التنافس على الموارد. لذلك نحن بحاجة إلى وضع قاعدة واضحة جدًا للتخطيط لأنه سيكون هناك صيد غير منظم ونرى بأن الصين مثلاً تستغل غياب القواعد المتفق عليها دولياً في بعض المناطق، وقد بدأ مخزون بعض الأنواع من الأسماك بالنفاذ في ظل غياب أي تقييم علمي حول ما إذا كان يمكن الإستمرار بالصيد أم لا وهذا مثير للقلق”.
جشع وغياب للشفافية
تشدد لوروي على مسؤولية المجتمع الدولي تجاه ما يحصل في بحار دول غرب إفريقيا فالدول الكبرى كلها معنيّة إذ إن “الاتحاد الأوروبي موجود هناك والصين كما أن الدول الساحليّة تتحمّل مسؤوليّة مراقبة بحارها كمسؤوليّة أساسيّة، وهناك أيضًا الدول التي تشكل أسواقاً تستورد تلك الأسماك التي يتم صيدها هناك مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان. نرى بوضوح أن ثمّة نقص في الشفافية حول من يلتقط ماذا وبأي كمية، كما ونقص في القدرات فيما يتعلق بالمراقبة وبعض الفساد، كما أن العقوبات غير قويّة بما يكفي في بعض الأحيان”.
وأضافت “كما تعلمون إنّ الإنخراط في الصيد غير القانوني لا يشكّل مخاطرة للأشخاص الذين ينخرطون في مثل هذه الأنشطة، وعندما نجد شخصًا غالبًا ما نفقده… قد يكون جزءاً من شبكة إجرامية، نحن بحاجة حقاً لإلقاء القبص على المالك المستفيد لكنه أمر صعب للغاية لأن الشركات تخفي الملاذ الضريبي وجميع الشبكات المعقدة للشركات”.
ولفتت إلى أن منظمة التجارة العالمية ستجتمع قريباً مرّة أخرى “لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن الإعانات الضارة لمصائد الأسماك، إن تزايد تلك الإعانات يزيد من الصيد الجائر وغير القانوني، لقد كانت مناقشة طويلة على أمل أن تتوصل المفاوضات إلى نهاية طموحة لأننا نعلم أن الإعانات تُمنح لسفن الصيد غير القانونية. يقوم المشغلون والمالكون بتضخيم الأضرار الناجمة عن الصيد غير القانوني وإعاقة الجهود العالمية الجارية للحد من هذه الأنشطة”.
وأضافت: “نحن نعلم أن كلفة الإنتاج لمتعهد الصيد غير القانوني أقل من كلفة الصيد الشرعي بسبب بعض القواعد المتعلقة بالمصيد، ومراقبة الأعمال، وسلامة الأشخاص على متن السفينة وغيرها من الأمور التي تواجهها سفن الصيد، لذا فإن الإعانات تدعم الشركات التي تقوم بالصيد غير القانوني لتحقق ربحًا أكثر مما ينبغي، وبالتالي فإنه من خلال الجهود الوطنية والإقليمية والعالمية، لا يزال الصيد غير القانوني منتشرًا لأنه نشاط مربح ويجني الكثير من الأموال”.
وشددت على أنّ “لمنظمة التجارة العالمية دور أساسي في الحد من الفوائد الاقتصادية للصيد غير القانوني، لذلك من الواضح أننا سنتفق الآن على إلغاء الإعانات التي تشجع الصيد غير المشروع”.
شعوب يدفعها الجشع إلى الهجرة
انتهاك البحار من قبل أساطيل الصين وغيرها من الدول الكبرى لا يدمّر فقط الحياة البحريّة ويؤدي إلى نقص مخزون الأسماك فحسب فهو يستعبد شعوب تلك الدول المستضعفة بساعات عمل طويلة في الصيد وبأجر زهيد، ليسرق ثروتها السمكية ويجني منها الأرباح، يؤدي ذلك يحسب لوروي إلى “مشكلة أمن غذائي فيقوّض معيشة المجتمعات الساحلية حيث يعتمد الإقتصاد على مصائد الأسماك، وبدأنا نشهد الهجرة لأنه لم يعد هناك فرص إقتصادية للناس فالذهاب للصيد مثلاً لم يعد مربحًا”.
وأضافت “لدى الصين مسؤوليّة تجاه ذلك فهم يصطادون في مياه دول غرب أفريقيا ونحن لسنا أكيدين مما يصطادون، ربما يصطادون بعض المخزونات التي هي بالفعل من السمك النادر وهذا ليس طبيعي لأنها قضية أمن غذائي للسكان، نعلم أيضًا أن قدرة الرقابة والتحكم في تلك البلدان معقدة، لذلك من السهل حقًا أن يأخذوا ما يريدون دون أن يبلغوا عن كل شيء وهذا يثير قلق السكان المحليين حقًا”.
وأضافت “إن أكبر اللاعبين في دول غرب إفريقيا هم الصين والاتحاد الأوروبي أيضًا ولدينا الكثير مما نسميه اتفاقيات شراكة مصائد الأسماك المستدامة مع بعض دول غرب إفريقيا إذ تعود لهم مسؤولية السيطرة، ولكن أيضًا إذا عدنا خطوة إلى الوراء، أعتقد أن البلدان الأخرى التي تشكل أسواقاً لها دور رئيسي تلعبه مثل الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين”.
ولفتت إلى أن “ثمّة مفاوضات حالياً في منظمة التجارة العالمية وهي تقترب من نهايتها، وآمل أن يكون هناك اتفاقاً طموحاً لمعالجة الإعانات الضارة للصيد الجائر والصيد غير القانوني، ما يعني أنه لا يمكننا الاستمرار في دعم الأساطيل للمضي قدمًا إلى أبعد من ذلك، بالإستغلال المفرط للأسماك لذلك يجب إنهاء هذا الأمر حقًا”.
وأضافت “نحتاج أيضًا إلى الشفافية حول الجهة التي تذهب إليها تلك الإعانات لأننا حاليًا لا نعرف ما إذا كان المشغلون غير الشرعيين مؤهلين أيضًا لتقديم الدعم بطريقة ما لأنه لا توجد عقوبة عندما تصطاد بطريقة غير مشروعة، نحن بحاجة إلى المزيد والمزيد من الشفافية حول الجهة التي يذهب باتجاهها الدعم، لأنها بدل أن تذهب إلى الجهة الخاطئة يمكن توظيفها في دراسات تطال كيفية إحياء المخزونات المتضرّرة وسيكون ذلك مربحًا للجميع لأن الأسماك ستكون أكبر لدى صيدها وسيكون هناك سمك أكثر. إن إعادة بناء النظام البيئي تتطلب وقتاً هذا ما يجب دعمه تحديداً في حين يجب حظر الدعم الضار ونحن بالفعل نعمل على ذلك”.
من نتائج حوار الإتحاد الأوروبي مع الصين
دخلت مفوضية الإتحاد الأوروبي في حوار مع الصين منذ 10 أعوام حول موضوع الصيد غير القانوني وهو حوار مهم جداً بالنسبة إليها بحسب ما أوضحت المتحدّثة بإسم مفوّضية الأمم المتحدة للصفقة الخضراء فيفيان لونيلا نظراً إلى حجم الأسطول الصيني الذي يصطاد حول العالم وفي مياه دول العالم الثالث، وثمّة مجموعة عمل مخصصة للصيد غير القانوني وغير المنظم وغير المبلغ عنه مع الصين منذ العام 2018 وتعتبر جزءاً من الشراكة الزرقاء للمحيطات بين الاتحاد الأوروبي والصين، تناقش تلك المجموعة العناصر المختلفة للاقتصاد الأزرق وعلى وجه الخصوص موضوع مكافحة الصيد غير القانوني كما تدعم أنظمة أقوى وأكثر فعالية للتحكم وتنظر في تنفيذها، لقد طرح ذلك في قمة الاتحاد الأوروبي الصينية في العام 2019 حيث أكد السياسيون من جديد التزامهم بالتنفيذ الفعال لهذه الشراكة الجديدة، وشددوا على أهمية تعزيز مصائد الأسماك المستدامة، وجددوا التزامهم بمكافحة الصيد غير المشروع وغير المبلغ عنه وغير المنظم.
وقد تطوّر ذلك الحوار مع الصين على مدى السنوات العشر الماضية، فقد عقدت مجموعة جلسات عمل محددة على مدى الأعوام الخمس الماضية على أن يعقد الاجتماع التالي المخطط له في 4 يناير المقبل. أما عن تفاصيل القضايا التي تعالجها المجموعة مع الصين فهي بحسب لونيلا:
• أولاً، نحن نناقش سياساتنا الخاصة لمكافحة الصيد غير القانوني، نبلغ بعضنا البعض بما نقوم به وما هي التطورات المتعلقة بالأسطول، لذلك فالمسألة هي جمع وتبادل للمعلومات عما يفعله كل جانب.
• ثانيًا، من المهم جدًا أن نرفع أنشطة الصيد غير القانونية المزعومة والمؤكدة وإجراءات التنفيذ المحتملة وهذا يعني أنه من الجانب الأوروبي، كنا نشارك الصين بمعلومات حول مزاعم أنشطة الصيد غير القانونية وغير المنظمة للسفن الصينية التي جمعناها من مصادر مختلفة والطريقة التي تعمل بها. هذه هي المخاوف التي أثارها المجتمع الأوروبي، والتي تابعها الصينيون من خلال تحقيقاتهم عبر سلطاتهم المختصة وقد أدى ذلك إلى فرض عقوبات في بعض الحالات.
• ثالثًا، ناقشنا تنفيذ مخططات تراخيص الصيد لأن هذا بالطبع جزء مهم يساعد على التأكد من أننا نحارب الصيد غير القانوني لأننا نعلم أن مستوى الواردات من الصين مرتفع جدًا، ونريد التأكد من وجود ترخيص يمكننا الاعتماد عليه أمام تلك الواردات من منتجات مصائد الأسماك إلى سوق الاتحاد الأوروبي.
ولفتت إلى أن الجانب الأوروبي يرى أنه “تم إحراز تقدّم بسبب هذا الحوار خصوصاً وأن بعض المناقشات تناولت مسائل حساسة للغاية، ولكن كانت هناك أيضًا مشاركة من الصين حول إجراءات إنفاذ القانون، فقد اتخذوا إجراءات من خلال التحقيق والمعاقبة على أنشطة الصيد”.
كيف يصدّ الإتحاد الأوروبي التجاوزات الصينيّة؟
من المعروف أن الأسطول الصيني بممارساته المشبوهة يتسبب بتدمير مصائد الأسماك مخلفاً أضراراُ بيئية وإقتصاديّة لا تحصى على المجتمعات المحليّة أبرزها الهجرة في نهاية المطاف، يثير كل ذلك قلق الإتحاد الأوروبي بحسب لونيلا لذلك تم تحديد “مسألة مكافحة الصيد غير المشروع كواحدة من القضايا الرئيسية التي يجب معالجتها مع شركائنا الأفارقة، ويشجّع الجانب الأوروبي عبر هذه الاستراتيجية على إدارة أفضل للمحيطات، بما في ذلك تطوير مصائد الأسماك المستدامة والإقتصاد الأزرق مع دول غرب أفريقيا على وجه الخصوص نحن نتشاطر القلق من الصيد غير المشروع ونعالجه من خلال عدة طرق:
• أولاً مع الدولة المنتهكة، فقد رفعنا ادعاءات صريحة وملموسة كما نواصل إثارة تلك الإدعاءات أو الحالات المؤكدة لأنشطة الأسطول الصيني الذي يقوم بأنشطة غير قانونية أو غير منظمة في غرب إفريقيا، وذلك ضمن إطار عمل فريق عملنا مع الصين. لذلك كانت حالات غرب إفريقيا واحدة من تلك الحالات التي أثيرت.
• ثانيا، مع الدول الساحلية في غرب أفريقيا. نتعاون بشكل وثيق مع دول غرب أفريقيا من خلال الحوارات الرسمية وغير الرسمية في سياق هذه اللائحة والهدف هو نفسه، يتناول كيفية تعزيز إدارة مصائد الأسماك لديهم، وكيفية التأكد من أنها تعمل ضمن إطارها القانوني الخاص، بما في ذلك العقوبات الرادعة على المستوى الوطني وكيف أن هناك برامج أيضا لمساعدتهم على تعزيز رصدها وتعزيز قدرات التحكم والمراقبة من بين قضايا أخرى. نحن نقدم دعمًا محددًا لدول غرب إفريقيا لتعزيز مصائد الأسماك المستدامة ويتم ذلك من خلال المشروع المموّل من الاتحاد الأوروبي وهو برنامج تحسين حوكمة مصائد الأسماك الإقليمية في غرب إفريقيا، ويستمر هذا المشروع من 2018 حتى 2024 بتمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 16.5 مليون يورو. كما نستخدم اتفاقيات شراكة مصائد الأسماك المستدامة فندفع الدول الشريكة لنا لتطبيق نفس القواعد والشروط على أساطيل دول ثالثة أخرى في مياهها لأننا نريد حقا التأكد من أنهم أيضا إلى جانبهم. نضغط على دول العالم الثالث للسيطرة في مياهها شرط عدم التمييز في اتفاقيات شراكة مصائد الأسماك المستدامة كما نقدم الدعم القطاعي لكل بلد مرة أخرى عبر تعزيز نظام المراقبة والتأكد من أن نظامهم التشريعي جيد وينفذ بطريقة جيدة.
• ثالثا، نحن نعمل معهم بشكل مباشر حرصاً منا على نفس النقطة والتأكد من أن لديهم مراقبة وسيطرة وإشراف بأن الصيد يتم بحسب المواصفات الموصى بها… وإذا ما وجدنا أن ثمّة سفن صينيّة مخالفة فسوف يتم إدراجها ضمن لائحة الدول المخالفة.
إلى الصين، تشير تقارير عديدة إلى أن الدول الأوروبية تلعب دورًا كبيرًا في تأجيج انهيار مصائد الأسماك المحلية في غرب إفريقيا كما أن برامج إعانات مصائد الأسماك الممولة لصيد الأسماك في تلك المياه تساهم في الدمار الاقتصادي والبيئي. لكن لونيلا نفت ذلك بشدة موضحة أن “ذلك غير صحيح وأن تلك التقارير التي تشير إلى ذلك غير صحيحة، إن أسطول الإتحاد الأوروبي يصطاد في مياه بعض بلدان غرب أفريقيا من خلال اتفاقيات الشراكة المستدامة لمصائد الأسماك هذه والتي تخضع بالفعل لأشد الشروط صرامة بشأن الاستفسار عن الاستدامة والشفافية. أنظر إلى مصائد الأسماك على الساحل الأفريقي، إن الاتحاد الأوروبي يقود فعلاً أعمال الاستدامة هناك… كونه لا يُسمح إلا للسفن الأوروبية بالصيد وإن فائض المصيد يحدّد علميًا من قبل الدولة الساحلية وأيضًا من خلال اتفاقيات شراكة مصائد الأسماك المستدامة. هناك أموال قمت بتوجيهها لمصائد الأسماك في البلدان الأفريقية لجعلها أكثر استدامة، لذلك فإن ما ندعمهم به هو للتأكد من أن لديهم تشديد في ما يخص الضوابط في منطقتهم الاقتصادية الخالصة أو دعم لقدراتهم العلمية عندما يتعلق الأمر بالإعانات. إن الصندوق الأوروبي لمصائد الأسماك البحرية وتربية الأحياء المائية لا يتسبب بأي ضرر لإعانات مصائد الأسماك، لقد كنا شديدي التأكد من أن التمويل الذي نقدمه مستدامًا للغاية، وهذا ما كنا نفعله خلال العقد الماضي في الاتحاد الأوروبي، مما دفع سياستنا الخاصة بمصائد الأسماك لتكون مستدامة قدر الإمكان وتجنب تلك الإعانات الضارة”.
دور الإتحاد الأوروبي في بحار دول غرب أفريقيا
تؤكد لونيلا على أن لائحة القواعد التي يعمل بها الإتحاد الأوروبي منذ العام 2010 لمكافحة الصيد غير القانوني “هي حقًا أداتنا للتأكد من أن الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم لا ينتهي به المطاف في السوق الأوروبية، وهذا هو الهدف من تلك اللائحة التأكد من أننا نمنع أي من تلك المنتجات من الوصول إلى أوروبا”.
ويعتبر الحوار والتعاون أحد أبرز الوسائل التي تعتمدها اللائحة لمواجهة المشكلة مع الدول المخالفة وأكدت أن المسألة تقوم على عدة خطوات “قبل كل شيء، نحدد البلدان التي تفشل في أداء واجباتها بموجب القانون الدولي لاتخاذ إجراءات ضد صيدها غير المشروع وندخل في حوار معها. وفي معظم الحالات تؤدي هذه المناقشات الثنائية بالفعل إلى فهم وتحسين للوضع، وإذا لم تحل المشكلات فإننا ننذر البلد بأنه غير متعاون فنمنحه البطاقة الصفراء ونعلمه أن ما يقوم به خطير لناحية الصيد غير القانوني. وما أن نمنحه البطاقة الصفراء، نقترح تدابير محددة نتوقع منه تنفيذها ضمن جدول زمني محدّد. وإذا ما لمسنا تقدما مع التدابير المقترحة نسحب البطاقة الصفراء أما إذا كان هناك تقدماً محدوداً لكن ليس كافيًا بعد، فيمكن تمديد المدة الزمنية. ومع ذلك، علينا أن نأخذ في الإعتبار أن لا عقوبات تفرض عليهم، نجري الحوار الرسمي معهم فقط ونقترح الإصلاحات التي ينبغي عليهم القيام بها”.
وأضافت “إن معظم البلدان التي نجري معها تلك المناقشات، يرون في ذلك فرصة لإنجاز إصلاحات حقيقية، لذلك إن البلدان التي لا نلمس معها تقدماً، تقوم اللجنة بتوصيفها على أنها دولة غير متعاونة ثم نقترح على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وضع هذا البلد على قائمة الدول غير المتعاونة ونتيجة لذلك نمنحها البطاقة الحمراء ونفرض تدابير تقييدية للتجارة وحظر على واردات منتجاتها السمكية كما نحظر على سفن الاتحاد الأوروبي العمل في مياهها، لكن الحوار يبقى قائماً مع تلك البلدان في تلك المرحلة، وإذا ما قام بلد مدرج بتحقيق تقدمًا ملموسًا وتغييرات وإصلاحات، فيمكن للجنة أن ترفع اسمه من القائمة، إن الهدف من هذا التشريع ليس معاقبة ذلك البلد بل دفعه نحو مصائد أسماك أكثر استدامة”.
شاهدوا أيضاً: طالبان.. رحلة الخوف من القتل أو الترحيل