أوليغ بالشيك (Oleg Palchyk)، مواطن من أوكرانيا يعمل بالأساس في مجال التصوير. ما حصل لوطنه جعله يريد أن يفعل شيئاً بأيّ شكل من الأشكال للمساعدة في طرد الروس من أرضه. هو من العاصمة كييف، لم يكن يملك شيئاً ولا حتّى خبرة عسكرية تؤهله للإنخراط في القتال، لكنّه رغم ذلك، سار يبحث عن سبيل للدخول إلى كنف القوات المسلّحة في أوكرانيا.
“أخبار الآن” التقت أوليغ في عاصمة أوكرانيا، كييف، حيث روى تفاصيل ما حدث معه، وكيف شهد على اندلاع الحرب في مدينته، ليقرر أن يوثّق بعدسته حالات الدمار هناك، فقال: “بالنظر إلى تصرّف الاتحاد الروسي في السنوات الماضية في سوريا، جورجيا وأفغانستان، كان من الواضح أنّ روسيا لن تتوقف هناك، وأنّه عاجلاً أم آجلاً ستودّ أن تتقدّم إلى أوكرانيا لأنّها لن تكتفي بشبه جزيرة القرم”.
عين الخندق.. رصاصة أيضاً
وتابع: “ما كان يحصل في كييف لم يكن واضحاً، كانت البروباغندا الروسية تعمل على كلّ قنوات التلغرام، وكانت الأخبار تفيد بأنّ مدينة خيرسون تحت سيطرتنا، كنّا نمكث في أحد المنازل في المنطقة، وكنّا فهمنا أنّه على الأرجح سيحل المثل بكييف في غضون يوم أو يومين… لقد ودّعت الجميع لأنّني كنت أفكّر أنّني لن أعود على أبعد تقدير، لكنّني قررت العودة سريعاً كي أوثّق حالات الدمار… كانت رؤية كييف خالية أمراً غير عادي، كان هناك فقط مدرعات لم أرها قط من قبل، وكذلك رجال شرطة. لم يكن هناك وجود لنظام سير، وكانت إشارات المرور متوقّفة عن العمل وكانت الطرقات خالية”.
قرّر أوليغ أن يتخذ دوراً مباشراً في الدفاع عن وطنه وأن يقدم طلباً للتطوع في الجيش. “بما أنّني كنت أعيش في كييف، فقد خططت للبقاء فيها والمشاركة في اتخاذ دور مباشر في الدفاع عن بلدي بغض النظر كيف سيكون ذلك. وصلت إلى مكتب التسجيل والتطوّع في الجيش ووجدت صفاً طويلاً من المجنّدين وكانت الأعداد تتوافد بين لحظة وأخرى”.
وتابع: “جلست وانتظرت وقد طال انتظاري، ثمّ طلبوا منّي أن أصطحب بعض الجنود في مهمّة قتالية، لكن لم يكن هناك آلية عسكرية. بعد ذلك، نقلنا مكتب رئيس التسجيل في الجيش من غرفة إلى أخرى بعد الاشتباه بوجود قنّاص على السطح. في نهاية المطاف، اصطحبوني إلى فرقة الكشافين، فقلت لهم إنّني لم أقم بأيّ تدريب عسكري، فنظروا إليّ وقالوا: عد إلى بيتك”.
أوليغ أصرّ على المشاركة رغم عدم الخبرة العسكرية
إذاً الإنخراط في القوات المسلحة لم يكن بتلك السهولة خصوصاً أنّ أوليغ لا يملك خبرةً عسكرية تؤهله للذهاب إلى جبهات القتال، لكنَّ بالنسبة لأوليغ الأمر ايضاً لم يكن كافياً فاعتبر أقلّه أن يشارك بما يقدر عليه، فشرع بتصوير آليات عسكرية متهالكة جرّاء الحرب للعمل على تحديد نقاط ضعفها من أجل إعادة استخدامها من جديد، فيقول: “ليس المهم أن تحمل السلاح فقط للدفاع عن وطنك، المهم أن تكون مفيداً حيث أنت، أنا أصوّر اليوم مشروع تاشكا نا تروكاشكو (Тачка на ТРОкачку) وهو مشروع مشترك بين مقاولين وقوّات الدفاع البرية التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية وتقول خلاصة ذلك المشروع إنّ إصلاح شاحنة كتلك هو أقل كلفة من شراء شاحنة جديدة لاستعمالها على الجبهة الأمامية وعليّ اليوم أن أصوّر شكلها وعيوبها وشكلها الذي وصلت إليه عندما كانت معطلة ويتآكلها الصدأ ومجعّدة وتنقصها قطع غيار إلى ما هنالك”.
وأضاف: “في غضون أسبوعين، بعد أن يتمّ إصلاحها وطلاؤها، سأعود مجدّداً وألتقط صوراً لها من جديد من أجل إعداد تقرير مصوّر موجّه للأشخاص الذين يودون القيام بتبرعات لإصلاح تلك الآليات أي تقرير مصور عمّا كانت عليه وكيف أصبحت أي وضعها من قبل وبعد”.
“التوجه إلى الجبهة”
ذات يوم وبينما كان يواصل أوليغ عمله، اتصل به أحدهم وطلب منه الذهاب إلى جبهات القتال لتوثيق تفاصيل كلّ ما يجري هناك، حيث كان لدى أوليغ حرية التنقل بفعل تكليفه بين الجبهات والمواقع، وقال: “لقد اتصلوا بي وعرضوا عليّ أن أعمل كمصوّر للقوّات المسلحة الأوكرانية، فقد اطلعوا على سيرتي الذاتية، وبما أنّني عملت طيلة حياتي في إعداد الإعلانات والتقارير المصورة وقد أعجبتهم أعمالي، فقد قدّموا لي فرصة مساعدة بلدي من خلال ما أبرع به، فوافقت ولبّيت نداء الحشد على الفور”.
وتابع: “بعد انقضاء بعض الوقت، اقترح عليّ المسؤول عنّي مشروعاً معيناً يدعى فرقة المعلومات المتقدّمة، ومعناه أن يقوم فريق مؤلّف من صحافي ومصوّر فيديو ومصوّر فوتوغرافي وسائق ومساعد، بالتوجه مباشرةً إلى ساحة قتال ويقيمون فيها ويتنقلون كلّ يوم بين المقاتلين، لتسجيل ما يحصل وتسلسل الحرب لحظة بلحظة. كنّا نملك حرية التنقل أينما أردنا وقد زرنا مراكز القيادة والمكاتب ومواقع إطلاق النار أيضاً، وكنّا موجودين حتّى بالقرب من مواقع انفجار الصواريخ. حاولوا تأمين الحماية لنا كسائر الصحافيين لكن بما أنّنا صحافيون عسكريون ومجنّدون، فقد كانت لدينا حرية أكبر من الصحافيين المدنيين”.
“أخبار الآن” بين مراكز جبهات القتال في أوكرانيا
“أخبار الآن” رافقت أوليغ في جبهات القتال حيث تنقلت بين المواقع العسكرية والتقت مع الجنود الأوكرانيين، الذين يناضلون من أجل أن يربحوا وطنهم وفق ما يعبّرون. جرماش بوخانكا هو أحد جنود أوكرانيا الذين قرّروا الإنخراط في صفوف القوات العسكرية لدعم جيش بلادهم. شدّد الجندي الأوكراني على مواصلة قتاله من أجل وطنه، قائلاً: “ نحن شعب حرّ ونختار حكومتنا بنفسنا. إنْ لم يعجبنا موضوع معيّن، نقوم بتغييره ونقوم بالتعديلات اللازمة، وإنْ أراد أحدهم إجبارنا على أمر ما، ليرحل عنّا لا نريده”.
جندي: سيذهب هؤلاء اللعينون إلى منزلي في ميريفا بعد سلافيانسك وسيبعثون الخراب هناك. فأي ضرر يمكنني أن ألحق بهم إنْ كنت لا أملك سوى فأس ومنشار آلي؟ سيدمرونني… لا بأس ولكن ماذا عن زوجتي وعائلتي؟ وكيف سأنظر إلى ذلك؟ وما الذي يجب أن أفعله حينها؟ لقد كنت من بين أوائل المجنّدين المتطوعين اللذين لبّوا نداء الحشد
هم بالسلاح وهو بالكاميرا
وجود أوليغ بجبهات القتال في أوكرانيا جعله على تماس مباشر مع الجنود الذين دفعهم همُّ تحرير بلادهم من المحتل الروسي إلى الأماكن الساخنة كذلك، شأنهم شأن أوليغ، لكن كلّ في مجاله، هم بالسلاح وهو بالكاميرا. يواصل أوليغ حالياً خدمة وطنه في مواجهة الروس من خلال آلة التصوير، جنباً إلى جنب مع الجنود على جبهات القتال، وهو اليوم جزء من وحدة عسكرية يقوم بتصوير قصص الجنود لنشرها إلى العالم.
شاهدوا أيضاً: “مات والدي بين يديّ”.. يورا الناجي من ما حدث في بوتشا بـ أوكرانيا يروي التفاصيل كاملة!